د. أشرف منصور يستكشف اللاهوت بصالون تفكير 3… كتبت: ناتاشا العبادي
نتاشا العبادي

استكشاف كتاب اللاهوت
يقول الدكتور أشرف منصور أن الفترة الزمنية بين كتاب اللاهوت وكتاب الدين والتدين أكثر من خمس سنوات، وكتاب اللاهوت يعد الجزء الثالث من مشروع عبدالجواد ياسين والذي يمكن أن يقرأ منفصلاً ويفهم وحده، فكل كتاب هو مشروع يمكن أن يقرأ وحده وهو كامل ومكتمل في ذاته، فيحاول الدكتور أشرف منصور استكشاف الرابط بينهم.
الفكرة الأساسية التي يدور حولها كتاب اللاهوت هو أن التصور البشري عن الألوهية مر بتطور تاريخي بفعل الاجتماع البشري وهذا التطور التاريخي ممتد من عصور حضارات الشرق القديم حتى الآن، وياسين يعمل على رسم خريطة إجمالية لهذا التطور، وهو يقسم تاريخ الأديان لثلاث مراحل:
الأولى: الأديان الإحيائية والطوطمية وقد ظهرت قبل نشأة الحضارات الكبرى.
الثانية: تمثلها أديان وعقائد الشرق الأدنى القديم في مصر القديمة وسوريا وبابل وآشور.
الثالثة: تمثل الأديان الإبراهيمية الثلاثة اليهودية المسيحية والإسلام، ويطلق ياسين على هذه المرحلة “النسق التوحيدي العام” على أساس أن الأديان الثلاثة توحيدية وتكشف عن تنويعات على فكرة التوحيد.
وكان التطور الديني محل اهتمام المفكرين الأوروبيين وعلماء الاجتماع من إرنست رينان إلى ميرتشا إلياده ودوركايم وماكس فيبر، ولكن مقاربة ياسين مختلفة تماما.
يعرف ياسين اللاهوت بأنه: (التمثيلات أو التصورات المتنوعة لفكرة الألوهية داخل العالم). إذن اللاهوت هو صياغة فكرية بشرية للمطلق الإلهي، وهي صياغة مشروطة بالاجتماع البشري. قد يكون المطلق الإلهي في ذاته خارج الاجتماع، لكن طريقة تصور البشر له مشروطة اجتماعيا على نحو عميق.
ويتساءل الدكتور أشرف منصور كيف ظهر المطلق الإلهي في الأديان التوحيدية؟
ويجيب بأن المطلق الإلهي لم يكن يحدث في هذه الأديان إلا وهو متلبس بشروط الوعي به وكلها شروط اجتماعية، وهذا ما يجعل استخدام ياسين لمصطلح اللاهوت مختلفا عن الاستخدام التاريخي له في هذا العلم، لا يميز الاستخدام التقليدي لكلمة اللاهوت بين تجلي الألوهية والفهم البشري للألوهية ويخلط بينهما، ويسلم بأن الفهم البشري للألوهية هو نفسه يعبر عن حقيقة الألوهية، لكن ياسين يدرك جيدا المسافة الكبيرة الفاصلة بين المطلق الإلهي واللاهوت باعتباره التصور البشري عن هذا المطلق الإلهي، ويقول ياسين (وهذا يعني أن المطلق لا يظل مطلقا بعد حضوره إلى الاجتماع حيث يتحول بمجرد حضوره إلى لاهوت، عملية التحول تعني أن المطلق صار شقا من بنية مركبة يختلط فيها الاجتماعي بالإلهي) واللاهوت عند ياسين هو البنية المركبة التي يختلط فيها الاجتماعي بالإلهي، إنه إذن تصور بشري، وفهم بشري للمطلق الإلهي مشروط اجتماعيا وتاريخيا.
والسؤال هنا هل هذه المشروطية الاجتماعية والإنسانية لتمثيلات وإدراكات البشر للألوهية موجودة في النصوص الثانوية أم موجودة في النصوص التأسيسية؟
ويجيب الدكتور أشرف منصور: هي موجودة في النصوص التأسيسية ذاتها، وبالتالي يكون علم اللاهوت يبحث في هذا التصور الإنساني والفهم البشري للإله وليس هو العلم الذي يبحث في طبيعة الإله وفعله وذاته وصفاته كما نجد في المبحث القديم المسمى اللاهوت أو في علم الكلام أو في علم أصول الدين، وبذلك لا يكون علم الكلام الإسلامي علما للاهوت وفق ذلك التوظيف والفهم لكلمة لاهوت عند ياسين، لأنه لا يدرس موضوعه على أنه تصور بشري عن الألوهية وله شروط اجتماعية وتاريخية، بل يدرس الألوهية ذاتها، ومن هذه الجهة فعلم الكلام هو جزء من اللاهوت بالمعنى التقليدي، هو موضوع مدروس وليس ذاتا دارسة.
اللاهوت الذي يقصده ياسين هو المطلق الإلهي كما يتجلى لنا نحن البشر حتى ولو كان هذا التجلي داخل النص المؤسس، وبالتالي فإن موضوعه هو الوعي البشري بالمطلق حتى إذا كان داخل النص المؤسس وليس المطلق ذاته، وهنا فهو علم تجريبي وضعي تاريخي.
ويرصد الدكتور أشرف منصور في الدراسة أن ياسين بدأ باللاهوت العبراني ومرورا باللاهوت المسيحي ثم اللاهوت الإسلامي والتي يضمها تحت مسمى النسق التوحيدي العام، وفي كل نوع منها فإن لحظة تأسيس التصور الأول للاهوت يتمثل في النصوص التأسيسية لكل ديانة أثناء مرحلة تكونها تليها مرحلة اكتمال أو تدوين ثم غلق هذا التصور وتحوله لعقيدة ثابتة بعد ذلك. هذه المراحل تخص النصوص التأسيسية لكل ديانة كما تخص رؤيتها اللاهوتية في الوقت نفسه وكما أنها هي المراحل التي ظهرت في الديانات الكتابية الثلاثة متكررة.
مر اللاهوت العبري بتطور يعكس ما مر به المجتمع العبري ذاته، من مرحلة تعددية مبكرة، ثم الاتجاه نحو التجريد والعالمية مع الاحتفاظ بذلك الإله العالمي الواحد إله حصري للشعب العبري، ثم يلتقط اللاهوت المسيحي هذا التصور العالمي للإله ويخرجه عن حصريته التي جعلته إله للشعب العبري وحده لكن بتصورات يونانية رومانية جعلت المسيحية نتاجا لتلاقح عبري هيليني، ومع الإسلام يتخلص اللاهوت من الكثير من عناصر التشبيه والتجسيم السابقة في التصور العبري والاتجاه نحو التجريد والتنزيه، ولا يقف التطور عند ذلك بل يرصد ياسين ما حدث لتصورات اللاهوت من تطور عند المعتزلة وأهل السنة والجماعة والأشاعرة.
وفي نهاية دراسة ياسين يقر أن التصوف الإسلامي يمثل مرحلة تالية من تطور اللاهوت وصلت بالتجريد الإلهي لمستوى أعلى، وهو يقصد التصوف الفلسفي لا التصوف السني، لأن الغزالي ممثلا للتصوف السني لم يخرج في نظر ياسين عن التصور الثنائي السائد لجمهور الفقه والكلام على السواء.
تطبيق منهجية عبد الجواد ياسين
يحاول الدكتور أشرف منصور تطبيق منهجية عبد الجواد ياسين ويقول بأن النصوص التأسيسية تشهد تاريخية ما حتى وهي تتحدث عن المطلق الإلهي المجرد والمنزه، في هذه النصوص المجردة والتنزيهية بالكامل نرى فيها التاريخ يشع ويكشف عن نفسه، فعلى سبيل المثال:
سورة الإخلاص
“لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)” لم تكن لتظهر لولا وجود المسيحية قبل الإسلام ولم تكن سورة الإخلاص لتظهر بهذه الصيغة، أي أنها نفي لأن يكون الإله ولد من إله آخر أو أنه ولد إله آخر، وهذا هو مجمع نيقية يظهر في سورة الإخلاص في نفي فكرة تساوي وتكافؤ الأقانيم الثلاثة المسيحية داخل الألوهية، فمنطوق السورة يشع بالتاريخية رغم الطابع المجرد والتنزيه العالي لهذه السورة.
سورة الفاتحة
في آية (صراط الذين أنعمت عليهم). من هم هؤلاء؟ هذا هو التاريخ. (غير المغضوب عليهم). من هم هؤلاء؟ (ولا الضالين). من هم هؤلاء؟ إن القرآن يتكلم عن مجموعات بشرية ظهرت في التاريخ، الآيات التنزيهية المجردة وآيات التوحيد الخالص وآيات العقيدة محملة بالتاريخ، التاريخ يغزوها ويتخللها من الداخل ويحكم منطوقها وفهمنا نحن أيضا لهذا المنطوق.
لقراءة الأجزاء السابقة اضغط الروابط التالية:
اجتماعيات السلطة والتشريع واللاهوت – تكامل أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين 1 … كتبت: ناتاشا العبادي
اجتماعيات السلطة والتشريع واللاهوت – تكامل أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين 2 … كتبت: ناتاشا العبادي
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد