ضرب المرأة … محمود فوزي
محمود فوزي

بما إنه اتفتحت حكاية ضرب المرأة في (صالون تفكير) وتعمدت أقول ضرب المرأة لأنه لا تقتصر القصة على تأديب الزوجة كما يزعمون، لأن القضية منظومة قهر أضعف حلقاتها المرأة، وبعض النساء “الأراشانات” استفدن من تلك المنظومة الفاسدة لقهر أبنائهن حتى الذكور، لإعادة إنتاج القهر، تحرير المرأة قضية أمن دولة في الأنظمة القمعية.
كعادتنا نغرق في تفسير “واضربوهن” منفصلين عن الواقع تمامًا، معتقدين أن الكلمة تشكل الواقع والوعي الجمعي للمجتمع، وهذا سُخف، فالعلاقة بين الإله والإنسان دومًا كانت تفاعلية، وإن فُقد التفاعل كأنما مات الإله (الله يخرب بيتك يا نيتشة).
فأفضل توصيف للمشكلة هو بقراءة الواقع، وعلى أساسه يُبنى تصور ولا يعني بالضرورة أن تكون نتيجته ترك الدين، رغم أني لا أرى ترك الدين وإعلان ذلك خطرًا بل سيؤدي لظهور تصورات جديدة للدين أكثر استقرارًا، تواكب تطور الوعي البشري وتفاعله مع العالم.
لأنه على ما يبدو النص القرآني أو مفهوم “النص” مجردًا دينيًا كان أم قانونيًا لا يُشكل الواقع، ما يشكله حقيقة هو تفاعل المتلقي ربيب بيئته مع أياته، في حالتنا الرجل اللئيم الذي يضرب زوجته لا يكترث كثيرًا بالآية، ولو صحونا ووجدنا “اضربوهن” قد مُحيت من القرآن، لن يتوقف ضرب النساء، وواقع العالم خير دليل. فـي المجتمعات التي لا تؤمن بالقرآن فيها عنف أسري، وهناك مجتمعات إسلامية ترى ضرب المرأة جريمة تُطلق المرأة لأجلها، تجديد الخطاب الديني مهم لكنه لن يحل المشكلة طالما العقول والبيئة خربة.
أعتقد أن علاج المشكلة يبدأ بحكاية حكايات الضرب المسكوت عنها، التي يرفض المجتمع تداولها حتى لا يظهر أن هناك مشكلة حقيقية وكبيرة، مثل تجارب النقاب والحجاب، التحرش، والتدين الزائف، فمثلا نجد المجتمع يُكذب حكايات الناجيات، بل تُتهمن أنهن فاجرات لروايتهن تفاصيل التحرش بهن، الحكاية مهمة ومؤثرة.
كان أفضل ما عُرض هنا في الحديث عن الحجاب، هي شهادات الحجاب التي أظهرت تأثير قضية الحجاب على المجتمع، وكانت النتيجة إيجاد قراءات جديدة ومختلفة لتركيبة ومفهوم الحجاب في الإسلام، وتلك شهادتي عن ضرب المرأة، وتأثيرها على شخص لم يُضرب بل شاهد على ضرب أمه، رغم كراهتي في عرض شيء قد يسيء لأبي، لكنه وكثير من الرجال خضعوا لتلك المنظومة منذ صغرهم فهم محاصرون عقليًا في النهاية.

منذ ذهابي للمعالج النفسي فُتحت أبواب داخلية وزالت الغشاوة عن أمور أخرى، لكن وكأن نفسي منفصلة عني وتنازعني كي لا أكتشف ما أصابني، فانتابتني حالة ذبول وكآبة ما تزال مستمرة؛ لعل السبب هو مقاومتي لتلك الفكرة المتسلطة على عقلي/ رغبة/ حلم لا يهم مسماها، هي تزعجني وتملأ عقلي بالخيالات مزاحمة الأشياء الهامة.
لكن بدأت النفس تكشف أسرارها، بعدما كنت لا أذكر أحلامي رغم سماع المرافقة حديثي وأنا نائم مع أشخاص، تلك المرة مسكت الحلم وتذكرته، كانت أمي في غرفة أبي، وأنا وأخي في غرفة أخرى، وفجأة بدأ يضربها وهي تستغيث بصوت ضعيف، وكنت خائف وعاجز، تلك هي، الخوف والعجز، كانا عدوان لدودان طوال عمري، أقسى ما مررت به، عندما كان أبي يضرب أمي أمامي (وبالمناسبة أغلب مرات ضرب أمي 95% منها كانت كما حددها المشايخ ضرب غير مبرح، المشكلة في اللحظات التي تسبق هذا الضرب “الغير مبرح” لأنه بطبيعة الحال لن يُقدم الزوج على ضرب زوجته وهو هادئ يسيطر على انفعلاته ودرجة قوة ضرباته).
وقتها أثناء تلك اللحظات العصيبة كنت أركز نظري على وجه أمي وأرى الخوف والعجز والرعب والقهر، لأنها كانت متأثرة بالمرض وضعيفة جدًا وأي ضربة شديدة قد تؤذيها بشدة، وأنا عاجز لا يمكنني الدفاع عنها.
كنت أخاف أن تقاوم فتتعرض لأذى أشد، وفعلا المرة الوحيدة التي قاومت فيها مسكها أبي من شعرها وأخذ يضرب رأسها في الأرض وتلك كانت سابقة فلم يكن أبي بهذا العنف وكان هذا في آخر سنينهما في الحياة، ولحسن الحظ لم أر المشهد لكن كانت عندنا مرافقة شابة سمعتها تصرخ “يا طنط يا طنط قومي” وأمي لا ترد لحظتها ساورتني أسوأ الهواجس، وانتابني الرعب لكنه لم يظهر علي غير وجه بدون مشاعر، كتمت كل شئ ودفنته حيًا.
وها هما الخوف والعجز يخرجان من قبريهما اليوم كـ موتى أحياء لينتقمان، انا خائف من كل شئ، إنهاء علاقتي بمن يؤذيني، توطيد العلاقات بمن أسعد بمجالستهم، التعبير لأقاربي أن مستوى تواجدهم في حياتي لا يكفيني، أخاف من التعبير عن المشاعر، أخاف من إفساد الأمور بكلامي، قول شئ أحمق أو لا ينبغي قوله، ويا ليت الصمت يجدي، أحيانا يجب الكلام حتى لا أؤذى، كل تغيير طفيف مرعب ومقلق، كل شئ كان عالي التكلفة فالمعايير صارمة والخطأ غير وارد، التفكه والمرح هما قلة قيمة إلا لو وافقت النظم
يا سادتي أزمتنا في المظومة الفاسدة، وآليات تشكيل الوعي والبيئة ومنطلقات التفاعل مع النص.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد