محمد الحداد وفكرة الإصلاح الديني بمعهد الدومينيكان… بقلم: محمد صلاح سليم
الفكر الديني في ضوء العلوم الاجتماعية تقرير حول دورة الأديان والعلوم الإنسانية الجزء الأول
بقلم: محمد صلاح سليم

مقدمـة
لا يكاد يخفى على إنسان عمق وأهمية الظاهرة الدينية في التجربة الإنسانية منذ أقدم العصور حتى العصر الراهن، هذه الظاهرة الثرية بتنويعاتها، والمعقدة بتفاصيلها، التي يلتقي فيها المفارق المطلق بالإنساني النسبي، والثابت بالمتحول.
وعلى الرغم من قدم التجربة الدينية وتعدد صورها وتطورها في التاريخ، إلا إنّ مقاربتها من زاوية علمية ليس بذلك القدم، بل إن هذه المقاربات العلمية تُعتبر وليدة الحداثة وبزوغ العلوم الاجتماعية الحديثة كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس، وغيرها من العلوم، حيث بدأ الباحثون والمفكرون في دراسة الدين كظاهرة اجتماعية، تعمل في التاريخي، على الرغم من كونها تزعم أنها قادمة من خارج الاجتماع؛ إلا إنها –على أقل تقدير- تتضمن ما هو اجتماعي في جزء كبير منها؛ لذا فإنها تتعدد وتتطور.
ومن هذا المنطلق، نظّم معهد الآباء الدومنيكان للدراسات الشرقية دورة تحت مسمى “الأديان والعلوم الإنسانية”، محاولًا سبر أغوار بعض الأفكار التي تقارب جوانب من الفكر الديني مقاربة فلسفية أو علمية غير تقليدية، وقد حضر الدورة عدد من الباحثين المهتمين بالدراسات الدينية والعلوم الاجتماعية، وحاضر فيها مفكرون وباحثون لهم إسهامات مهمة في الفكر العربي، وهم: د. محمد الحداد، ود. عبد الجبار الرفاعي، ود. نادر حمامي، والمستشار عبد الجواد ياسين، وسوف يلقي هذا التقرير الضوء على بعض أهم أفكارهم التي ناقشوها في محاضراتهم.

محمد الحداد وفكرة الإصلاح الديني
بدأ البروفيسور محمد الحداد محاضرته موضحًا أن نشأة العلوم الإنسانية تُعتبر نشأة حديثة لها سياق خاص، وأنها نتيجة الثورة العلمية، وذلك على الرغم من أن العلوم الطبيعية تقوم على التجريب وتكراره، أما العلوم الإنسانية بها جانب لا محالة من الذاتية، وإن كانت تحاول أن تتجه نحو الوصف الموضوعي والتفسير المعقول، وبيّن الحداد أن طريق النتائج الدقيقة الناجعة هو المنهج الدقيق، وأكد على أهمية المفاهيم في العلوم الاجتماعية، وأنها ينبغي أن تتسم بالموضوعية والكونية.
وتطرّق الحداد إلى علم الأديان، وأكد على أهمية الوصف والفهم، وبيّن أن حتى بعض القدماء في التراث الإسلامي، قبل نشأة علم الأديان الحديث، كانوا يهتمون بالوصف القريب من الموضوعية أولًا، قبل الرد والدفاع، مثل الشهرستاني في كتابه “الملل والنحل”، والبيروني في كتابه “تحقيق ما للهند من مقولة”، بل إن الغزالي المشهور بكتابه “تهافت الفلاسفة”، بدأ أولًا بكتابه “مقاصد الفلاسفة” واعتمد في مادته على ابن سينا، حتى أن كتاب المقاصد هذا تُرجم إلى اللاتينية، وظنّوا أن هذه آراء الغزالي الفلسفية، وقاموا بالرد عليها. ثم وضح الحداد أن نشأة علم الأديان الحديث كانت على يد “ماكس موللر” الذي كان عالمُا في اللغات في بدايته، وأن هذا العلم الحديث يحاول البحث عن المشترك بين الديانات، وعلى رأس هذه المشتركات: مسألة “المقدس”.
ثم تحدث البروفيسور عن فكرة “الإصلاح الديني” وهو يرى أن هذا المصطلح يُعد من الكلمات المفتاحية في الأديان المختلفة، فلا يكاد يوجد دين إلا وقد مر بمحاولات إصلاحية، ومن أهم ما يذهب إليه الحداد، تقسيمه للاتجاهات المتاحة التي تقارب الفكر الديني أو تنتمي إليه في العصر الحديث، وهي –حسب ما يرى- ثلاثة اتجاهات هم:
التقليدانية: وهي في رأيه التقليد الذي فقد سياقاته الأصلية.
الأصولية: وهي رفض التغيرات، وإرادة العودة إلى السابق والأصول وما كان عليه السابقون، عن طريق فرض هذا على المجتمع.
الإصلاح: وهو على العكس من الأصولية، فهو يحاول ملائمة الأفكار مع الواقع المتجدد.
وبين الحداد أن مصطلح “الإصلاح الديني” كمركب إضافي استُعمل فقط بدءًا من القرن التاسع عشر، ولا يكاد يوجد في التراث، على الرغم من وجود مصطلحات ذات صلة، إلى حد ما، مثل الإحياء والتجديد، ثم تحدث عن “مارتن لوثر” المصلح الشهير برؤية نقدية، حيث يراه بأنه لم يكن متابعًا للحداثة العلمية؛ فلم يعرف “كوبرنيك” وأخذ على الكنيسة تدريسها لأرسطو، أي أنه لم يهتم بالعلم لا القديم ولا الحديث في عصره، ذلك على الرغم من أهمية أفكاره في تقويض سلطة الكنيسة؛ مما فتح الباب للنقد الجذري للفكر الكنسي والديني عامة.
وفي السياق الإسلامي تحدّث الحداد عن الافغاني ومحمد عبده، ووضح بعض النقاط المهمة حولهما، وأن كثيرًا من القراءات التي تناولت فكرهما لم تكن موضوعية ولا صادقة ولا دقيقة؛ فالبنسبة للأفغاني تحدث عن الجدل حول نسبته إلى أفغانستان أو فارس؟ ثم وضح أهم إسهامات وتفاعلات الأفغاني وعبده –الذي يرى الحداد أنه تمت “سلفنته”- مع الفكر لاسيما الفكر الغربي، حيث كتب الأفغاني وعبده تقريظًا لكتاب “”جيزو” “تاريخ الحضارة الأوروبية” في الأهرام، وترجم محمد عبده كتاب “هربرت سبنسر” عن التربية الاجتماعية، وغير ذلك من الانفتاح النقدي على منجزات الفكر الغربي.
وهكذا يتضح من آراء البروفيسور الحداد، أن الإصلاح الديني لا يمكن أن يوجد بمنأى عن الانفتاح على العلوم الإنسانية الحديثة في مقاربة الفكر الديني، والاهتمام بالتحديث والعلم، والإفادة من الفكر الكوني بنقد وبروح مرنة.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد