محمد شحرور وتوتر القرآن .. بقلم: أحمد يحيى

بقلم أحمد يحيى
يعتبر محمد شحرور حاله فريده من نوعها في تعامله مع توتر آيات القرآن فالرجل وضع منهجا متماسكا وقام بتقييد نفسه بهذا المنهج، ولم يخرج عنه ولم يأت الرجل بجديد، فمنهجه الذي أسس له كان مستنبط بالكامل من التنزيل الحكيم، ومدارس لغوية نشأت في عصر الاسلام الاول، تمتد جذورها الى القرن الثالث الهجري وفي هذا المقال سأقوم بعرض المنهج وعرض بعض الآيات التي يتوهم البعض أنها تعارض بعضها ومن ثم نقوم بتطبيق منهج الدكتور محمد شحرور في قراءة بعض الآيات التي عبر عنها استاذ جمال عمر بظاهرة توتر القرآن.
تعامل الفقهاء علي مر العصور مع التنزيل الحكيم وإزالة التوتر عن آياته بالتقييد والتخصيص والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول مع أنهم اختلفوا في الآيات الناسخة والمنسوخة وتركوا لنا آراء بعضها يناقض بعضه بعضا لينتج عن مجهودهم توتر الآراء حول القضية الواحدة، فهناك منهم من نسب إلى الله يد ووجه وساق وهناك من أنكروا هذا وقاموا بتأويل الآيات بشكل يتناسب مع أن الله “ليس كمثله شيء” فأنكروا التجسيم وهناك من أثبته، والفرقتن من اهل السنه والجماعه فمثلا الاشاعره والماتوريديه ينكرون التجسيم ويصفون التيارات السلفيه بالمجسمه ودعونا نتمسك بهذا المثال وتقوم بالتركيز عليه وتطبيق منهج د شحرور لإزالة التوتر بين الآيات التالية.
“فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ” سورة الشورى (١١)
“إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” سورة الفتح (١٠)
“وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” سورة البقرة (١١٥)
“يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ” سورة القلم(٤٢)
“الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى” سورة طه(٥)
فالآيه الأولى تتحدث أن الذات الإلهية “ليس كمثله شيء”. ونفي الشيئية عن ذاته يعني أن الإنسان لن يستطيع أن يتخيل شيئا أو يتجسد أمامه شيئا مثل الله فلن يصل الإنسان إلى هذا التصور عن الذات الالهيه في خياله أو في الوجود وبالتالي. اليد والوجه أو حتى الساق لا يجب أن ننسبها لله لأنهم اشياء والله ليس كمثله شيء، فكيف ننسب له شيء هو نفاه عن ذاته.
نستعرض الآن بعض آراء السلف في الأمر
قال هشام بن الحكم : إن الله جسم محدود عريض عميق طويل..
وشيخ الإسلام ابن تيمية يرد علي القائلين بتنزيه الله تعالى، عن الأجزاء والأعضاء: أنهم جعلوا عمدتهم في تنزيه الرب عز النقائص علي نفي التجسيم ومن سلك هذا المسلك لم ينزه الله عن شيء من النقائص البتة.
ويحكي ابن بطوطة في كتابه “رحلة ابن بطوطة”، عن موقف حدث له وهو في دمشق في يوم الجمعة وكان شيخ الإسلام علي المنبر يعظ الناس من علي المنبر فقال: أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة علي المنبر فعارضه فقيه مالكي يسمى بابن الزهراء وانكر ما تكلم به فقامت العامة وضربوا الفقيه ضربا مبرح حتى سقطت عمته
وقاموا بحمله إلى دار قاضي الحنابلة الذي أمر بسجنه وعزره بعد ذلك.
د/ محمد شحرور
قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف من اثبت الحركة والنزول لله : تجسيم صريح بغير كتاب ولا سنة وكذا إثبات الحد والجلوس والمماسه ..تعالى الله عز ذلك
أما ابن الجوزي الحنبلي أنكر التجسيم والتشبيه أيضا: “وقد أخذوا بالظواهر في الأسماء والصفات، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحدث.
وحتى لا أطيل في عرض وجهات النظر المختلفة فنحن أمام آراء متضاربة ومتخبطه أحيانا داخل المذهب الواحد فلو كان ابن حنبل يؤمن بالتجسيم فابن الجوزي ينكره وهو حنبلي
أما المعتزلة أنكروا التجسيم والتشبيه جملة واحدة
أما الأشاعرة فلدينا. قول الإمام أبي حسن الأشعري بإنكار التجسيم إلا أن الحافظ ابن عساكر أحد تلاميذ الإمام قال بعد موته فيذكر ويقول : كنا قد الفنا كتابا كبيرا في الصفات أثبتنا فيه اليد والوجه لله والاستواء علي العرش.
والآن نستعرض منهج دكتور شحرور:
حيث قام بإحياء لمدرسة اللاترادف في اللسان العربي وأكد أن اللسان العربي لا يوجد به ترادف: فالكلمة في اللسان العربي (لا) تحمل أكثر من معنى ولا يمكن أن تشترك كلمتان في نفس المعنى وإن المتكلم يستطيع أن يقوم بإيصال أكثر من معنى باستخدامه الكلمة الواحدة حسب النظم والسياق العام للجملة.
واستند في هذا إلى مدرسة أبي ثعلب الكوفي، إمام النحاة، مؤسس مدرسة اللاترادف، وتلميذه أبي علي الفارسي، وعبدالقاهر الجرجاني واعتمد علي معجم بن فارس.
وقام بتقييد نفسه بالآتي: لا ترادف في كتاب الله فكلمة جاء ليس ككلمه أتي وكلمة أم ليست كوالده في كتاب الله. البلاغة هي أن يقوم المتكلم بإيصال المعنى للمستمع بأقل عدد من الكلمات، فلا يوجد نقص او زياده في التنزيل الحكيم وإن وجد حرفا زائدا أو ناقصا فيغير معني الكلمة والمعنى العام للجملة.
فمثلا “فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا”
الكهف (٩٧)
ففي الكلمة الأولي لا توجد تاء اما الثانيه بها تاء، الجهد وهذا لحكمة، لأن تاء الجهد عند اضافتها للكلمة في الثانية أضافت جهدهم في حفر نفق ما، أما في الأولى فهم لم يستطيعوا أن يظهره أي يعلو فوقه والمعلوم أن حفر نقب أو نفق يحتاج الي جهد أما أن يصعدوا فوقه لا تحتاج لتاء الجهد لعدم قدرتهم اصلا علي أن يظهروه فنفى عنهم الجهد في الأولى ونسبه لهم في الثانية لمحاولاتهم إحداث نقب به
كتاب الله مرتل فإذا أردنا أن نفهم قصة نبي الله موسى فعلينا أن نقرأ ونبحث في قصة موسى بالكامل وترتيبها أي تقسيمها وهكذا كل القصص والمواضيع في التنزيل الحكيم فهي مرتلة.
فخلق السموات والأرض رتل وخلق الإنسان رتل وقصة موسى رتل وقصة عيسى رتل فقام بتقسيم ايات القران الي أرتال متفرقة داخل المصحف .
وهذا تصديقا لقوله تعالى
“وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ” سورة الفرقان (٣٢)
لا يمكن أن نفهم آيات القرآن الكريم بمعزل عن العقل، فهذه الآيات تخاطب العقول، فيجب أن نفهمها بعقولنا واي فهم يعارض العقل فيجب إعادة النظر فيه فعلى سبيل المثال. “وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ
فهنا يدعو نبي الله نوح قومه لعباده الله وبعدهم بعطاء الهي عباره عن أموال وبنين فالاموال هي المصادر الطبيعيه التي يستخدمها الانسان في حياته أما البنين هي البنايات الحجريه
وهذا ما تحقق مع قوم عاد فمدهم الله بأموال وبنين وهم ممن آمنوا مع نوح انظر قول الله تعالي
أَنْهَارًا ” سورة نوح 31
“وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُون”َ الشعراء 132
أمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِين
وهنا بعد ما تحقق العطاء الإلهي لمن آمنوا مع نوح فقد أمدهم الله بمصادر الطبيعه وإرشادهم الاستفادة منها وذلل لهم الانعام ونشأت أول بناية حجريه بعد عصر نوح.
فلو قلنا إن بنين هنا تعني اولاد وبنات فهل يعد نوح قومه أن من يؤمن معه سيمده الله بأولاد؟ نستطيع أن نصدق هذا إذا قام أحدهم بإثبات أن قوم نوح كانوا لا يرزقون بزريه وهذا لا يقبله العقل.
واخيرا القاعدة الذهبية للجرجاني التي تقول إن المتكلم يستخدم الكلمة لإيصال أكثر من معنى:
ضرب احمد عين محمد
شرب احمد من عين الماء
وهنا استخدم المتكلم كلمة عين لإيصال معنيان مختلفان وكما في الجملة كما في التنزيل الحكيم يمكن للمتكلم أن يستخدم كلمة واحدة لإيصال أكثر من معنى. ولأهمية هذه القاعدة سأقوم بضرب مثال واضح وبائن للتديل علي صحتها داخل كتاب الله:
“وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ” سورة النجم 50
“وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ” سورة طه 132
في الآيتين تم ذكر كلمة اهلك إلا أن في الأولى كان مدلولها الهلاك وفي الثانية كان مدلولها الأهل، مع أن الكلمتان متفقتان في المبنى إلا أن استخدامهم من قبل الله حسب النظم والسياق العام ادي الي معاني مختلفة وبعد ما استعرضنا المنهج نحاول الآن أن نطبقه مع الايات اعلاه، ولعدم الإطلالة سأقوم بتناول سريع لمدلولات بعض الكلمات.
اليد هي ما تمثل قدرة الإنسان علي فعل الشيء فعندما نقول يد في التنزيل الحكيم نستطيع أن نفهمها كطرف للإنسان أو كقدرة حسب استخدام المتكلم لها فإذا كانت اليد تمثل القدرة إذا قدرة الله فوق قدرتنا.
الوجه من الجهة لانه يمثل وجهتنا واحدي معانيه هي الوجهه فوجة الله هي جهة الله.
الساق من يسوق فسمي الساق ساق لأنه يسوق الإنسان وعندما نذكر الساق في الآية الكريمة فهو ملاك مخصص لأن يسوق الناس إلى مصائرهم يوم الحساب وتم تأكيد هذا في سورة الزمر حيث سبق الجميع إلى مصائرهم؛ مؤمنون وكافرون.
العرش هو رمزية الأمر والنهي ويستخدم أيضا للدلالة علي المقام للحاكم كما تم استخدامه مع ملكة سبأ والاستواء هو إحكام السيطرة، فعندما نقول استوى ملك السعوديه علي العرش نقصد أنه أحكم سيطرته علي مقاليد حكم بلاده.
أما عرش الرحمن فهي أوامره ونواهيه في خلق الكون واستوائه علي العرش يعني إحكام سيطرته علي مقاليد الكون وفق عرش أي أوامر ونواهي خاصة بقوانين تسيير الكون.
وبعد الانتهاء من استعراض المنهج واستخدامه في تأويل الآيات لا أجد إلا كلمات قالها دكتور شحرور ونادي بها قبل وفاته وأكد عليها مرارا وتكرارا
لا تأخذوا كلامي مسلمات فابحثوا وناقشوا وصححوا ما توصلت إليه، كتاب الله من حي الى احياء فاتلوه باعينكم وتفقهوه بعقولكم. انا اريد انا ارى صدق الله العظيم في عصري أنا كما رآه من كانوا في عصر الرسول لأتأكد أن التنزيل الحكيم من عند الله. رحم الله الدكتور شحرور وجعل علمه في ميزانه
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد