أفراح القبة.. تحفة فنية لن تتكرر .. بقلم: عمرو عبد الرحمن
بقلم: عمرو عبد الرحمن

“ما أسعد من لا يضيع خفقان قلبه في العدم.”
تخيل نفسك يوم الحساب. تشوف أعمالك بتحصل قدامك زى ماعملتها.. لا تشوفها إيه.. تخيل إنك تعيش نفس حياتك تانى بذاكرة عن أفعالك فيها، وتختار نفس اختياراتك تاني.. وتعيش الإحساس بالندم عن كل اختيار غلط اخترته، لكنك ماتقدرش تغيره لأن خلاص.. اللي حصل حصل، وانت هنا بتتعذب بشكل مختلف شوية.
أفراح القبة بالنسبة لي هو أفضل مسلسل مصري فى العشرين سنة اللي فاتت. هذا الكم من العظمة فى كل شئ.. قصة العظيم نجيب محفوظ اللي المسلسل خلاني اقراها، معالجة ممتازة لمحمد أمين راضي ونشوى زايد بسبب وجود خلافات سببت النقلة بينهم وربما كان لها آثر في الأحساس بفرق بين نصف المسلسل الأول ونصفه التاني. إخراج محمد ياسين الممتاز، الكاست التقيل اللى بيوريك إن مش المهم إنك تجيب خمسين ممثل معروفين عشان مجرد الظهور فى مسلسلك للتتباهي بوجودهم، لكن المهم هتوظفهم ازاي.
الإضاءة والتصوير والألوان أخرجوا صورة مريحة وتخطف العين. الصور الجميلة من كل حلقة هي لوح فنية بديعة.. أداءات تمثيلية هى الأروع لأصحابها خاصة إياد نصار وقدراته التمثيلية الجبارة.. وصابرين ومنى زكى وصبري فواز.. وغيرهم من الممثلين أدوا بشكل عبقري.. حتى جمال سليمان.. محمد ياسين ماسبش موضوع عدم إتقان اللهجة المصرية دا كدا وخلى أصل الشخصية من الشام.. الإهتمام بالتفاصيل.

ولو فى حد يستاهل إشادة خاصة على دورها فهي سلوى عثمان.. أم هانى.. الشخصية الصعبة، الأم اللي ألم الفقد قلب حياتها وعلاقتها بطارق رمضان علاقة معقدة، أشبه بعلاقة أم وأبنها.. كل واحد فيهم يملأ فراغ سابه عزيز عليه، سواء هاني أو نادية.
الموسيقى الجميلة لهشام نزيه، واختيارات الأغانى كانت مرتبطة بالأحداث.
القصة عن الفشل والإحباط اللي مش بيصيب شخص لكنه بيصيب بلد بحالها. ودا كان هدف نجيب محفوظ من القصة، الإسقاط السياسى لحالة البلد فى الستينات على أحوال الناس والفن والفنانين.
القصة تبدأ بمقتل فنانة، تحية. اللي اتجوزت وخلفت وقعدت فى البيت. بنعرف مين قتلها فى الأول لكن مش بنعرف ليه بالظبط، عشان جوزها المؤلف عباس كرم يونس يؤلف مسرحية ويقدمها لصاحب المسرح سرحان الهلالي، اللي بيعجب بيها جدًا ويقرر تنفيذها. ولما الممثلين يقروها بيلاقوا إن القصة هى قصة حياتهم، بس مفيش حد منهم موجود بيمثل شخصيته الحقيقية.. ماعدا واحد بس.
طارق رمضان، حبيب تحية السابق.. عشان يكون عذاب فوق عذابه..
محور الأحداث هو لغز موت تحية عبده، الممثلة المغمورة اللي أصبح موتها حائر بين موتة طبيعية وقتلة شنيعة. ماحدش عارف تحية ماتت ازاي، زي ما مفيش حد عارف تحية عاشت ازاي .تحية نفسها ماكانتش عارفة كتير عن ما تريده. كل اللي تعرفه انها عايزة تبقى ممثلة، ومش عايزة تفضل عايشة في بيت بدرية أمها. ماحدش اهتم يعرف تحية مين بالظبط، عشان كدا بنتوه بين روايات متضاربة لأبطال القصة.
تحية بالنسبة لطارق كانت حلمه اللي شافه بيموت كممثل، بالنسبة لعباس كانت محاولة الغفران اللي فشل فيها أبوه كرم يونس مع حليمة.. فرصته لاختبار نفسه هل هو ابن كرم ولا ابن حليمة؟
بالنسبة لبدرية هي مجرد فرصة ضايعة لأن تكون سبوبة جديدة، بالنسبة لسرحان الهلالي كانت استبن يغيظ بيه درية ليلة.. وحتى دي مكملتش عشان تروح الفرصة لسنية اختها. كلها حاجات مرتبطة بأصحابها وماضيهم ومش مهتمة بتحية عبده في ذاتها. بالنسبالي هيفضل دور تحية عبده هو أحسن دور قدمته منى زكي كممثلة.

القصة لما نجيب محفوظ حب يحكيها، حكاها من وجهة نظر أربع شخصيات.. ومن جمال المسلسل إنه حافظ على الروح دي وخلانا نشوف المشهد أكتر من مرة، كل مرة ممكن حاجات تتغير، لإننا بنشوف اللى حصل من وجهة نظر الشخصية اللي بتحكيه. الأربع شخصيات هم:
١. طارق رمضان
ممثل الأدوار الثانوية التي هزمته الدنيا ومبقاش يفرق معاه حاجة أو حد.. أو دا اللي كان فاكره.
طارق هو تجسيد حي لفترة حرب 67.. طارق هو أكبر موهبة فى فرقة مسرح الهلالي، لكنه ما بيقدرش يبقى البطل لحساب ناس أقل موهبة وكفاءة وتقدير لقيمة الفن. بيتعاقب عشان مش عايز يستخدم الفن فى التطبيل. الفن هو القيمة الوحيدة فى حياته، لكنه بيخسرها ويخسر روحه معاها. عشان كدا ما بيقدرش يحافظ على حب حياته، وخسره زى ما هو متعود يخسر كل حاجة.

٢. حليمة الكبش
حليمة الفتاة الحالمة، اللي بتخبط فى الراجل الغني اللى كل حاجة بالنسباله قيمتها قرشين، وتغلط معاه، لكن عندها أمل ان جوزها هيسامحها وينسى الماضي.. لكن هل دا ممكن فعلاً؟! حياتها تتحول إلى جحيم لحد ما ييجي ابنها عباس، اللي بيكون أملها الوحيد فى الحياة. بتربيه عشان يبقى ملاك يغفر ويسامح، ومايبقاش زى أبوه.

٣. كرم يونس
ملقن الفرقة، بالنسبالى هى أفضل شخصية كتبها نجيب محفوط فى الرواية، لكن المسلسل ما نجحش أوي ينقل دا. كرم بعد اللى اكتشفه من حليمة بقى كل وظيفته فى الحياة ازاي يحول حياة الناس إلى جحيم من التهكم والتعليقات اللاذعة، وخاصةً حليمة. بالنسباله دى حياة بلا نفاق.
٤. عباس كرم يونس
عباس ابن حليمة، اللي نشأ فى بيت كله مشاكل وخناق. بيت تحول إلى ماخور يتلعب فيه قمار، ويسكن فيه طارق رمضان اللى بيجيب ستات معاه طول الوقت.. عشان يقرر عباس إنه هيحاول يغير دا بتدخلات محدش يعرف انه مصدرها. تدخلات تؤذي ناس كتير.
ولأن الأم هى مركز الحياة.. قرر عباس يعيد نفس تجربة أبوه ويتجوز تحية اللي لها ماضي، لكنه بينسى الماضي دا لأنه بيحبها. عباس مش هيبقى زي أبوه. عشان يقتل تحية فى الأخر! ولا مقتلهاش؟
عباس شخصية ناقدة.. قرر يحكم على كل الشخصيات، عشان نشوف أحكامه دى فى المسرحية. عباس هو باحث عن المثالية، يحتقر كل اللى حواليه، حتى أمه وأبوه. وقرر يعذبهم لما يشوفوا هو شايفهم إزاي فى المسرحية.
الفكرة والتنفيذ فى المسلسل دا حاجة لن تتكرر. الربط بين المسرحية والحقيقة. إننا نشوف الأحداث بعين كل شخصية زي ما كتبها نجيب محفوظ. الشخصيات اللى مفيش فيها ملايكة.. كل تفصيلة في المسلسل هي عظمة فنية.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد