أفكار جماعة المحمدية في إندونيسيا و محاضرة نادر حمامي .. بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي

محمد يوسمي الأندونيسي

طالب بقسم الشريعة بجامعة الأزهر

d985d8add985d8af-d98ad988d8b3d985d98a-d8a7d984d8a3d986d8afd988d986d98ad8b3d98a-4121840750-e1723824901829 أفكار جماعة المحمدية في إندونيسيا و محاضرة نادر حمامي .. بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي

إن فهم حقيقة التاريخ مهم بالنسبة للإنسان، فبفهم الإنسان للتاريخ يتعرف على هويته، فالتاريخ المجيد يخلق عقلية حاضرة للإنسان، والعكس التاريخ الضعيف يخلق عقلية ضعيفة أيضًا. لا يُنظر للتاريخ باعتباره حدث في وقت مضى فحسب، بل هو أيضًا جزء من حياة الإنسان جزء من الحاضر والمستقبل، فما يُكتب في التاريخ سيحدد عقلية من سيخلفه.

يُكتب التاريخ على شكل قصة مجد، إلى جانب أن التاريخ يمكن أن يُدرس أيضًا من خلال النتائج المادية أو غير المادية التي تركها السلف السابقون، وفي الإسلام يبرز علم التاريخ بشكل جيد، كما هو معمول به في علم الحديث من خلال مفهوم الجرح والتعديل، وبهذا الإسهام، يمكننا كمسلمين أن نتواصل بشكل جيد مع ماضينا من خلال السجلات المكتوبة، أي الحديث الشريف، مثل قصة حياة النبي صلى الله عليه وسلم خلال فترة وجوده في مكة والمدينة، والتي تقدم لنا النموذج والقدوة ليس فقط لأصحابه بل لنا نحن أتباعه.

مع التطور السريع للعلوم الإنسانية في العصر الحديث يبرز سؤال كبير، هل صحيح أن ما يكتب عنه المؤرخون هو الواقع الموضوعي لذلك العصر؟ ألا يوجد تحيز ذاتي من كاتب التاريخ عند الكتابة عنه؟ في الجلسة الثالثة من دورة “كرسي قنواتي”، تمت دعوتي للتفكير مع المتحدث التونسي نادر حمامي في هذا الموضوع.

نادر حمامي حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها في جامعة منوبة بتونس، وله كتابات منشورة عن مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” في موضوعات تتعلق بالتاريخ في الدين. ومن مؤلفاته كتاب “صورة الصحابي في كتب الحديث”، وهو يختلف عن وصف الصحابة الذي كتبه الكتاب المسلمون حيث تناولوا فيه حال الصحابة بشكل معياري  أكثر، فهم يحاولون أن يروا الصحابة بأساليب أنثروبولوجية حديثة، فكتب حمامي عن الصحابة في الكتاب أشياء كثيرة ومثيرة للاهتمام. 

d986d8a7d8afd8b1-d8a7d984d8add985d8a7d985d98a أفكار جماعة المحمدية في إندونيسيا و محاضرة نادر حمامي .. بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي

في هذه الحالة أجد تشابهًا بين آراء حمامي وأمين عبد الله المحمدي رئيس مجلس الترجيح والتجديد السابق صاحب النزعة الفلسفية القوية، الذي كتب في مدونته الشخصية أن الآراء الدينية غالبًا ما تكون مسكونة بماضٍ مجاني لا يمكن استيعابه في حياة الناس اليوم؛ لذلك هناك فجوة كبيرة بين القيم الدينية المكتوبة في التاريخ وواقع حياتنا التي تغيرت.

بخصوص مسألة التاريخ أرى أن هناك تشابه بين رؤية أمين عبد الله ونادر حمامي،  يرى حمامي أن التاريخ يعتمد اعتمادًا كبيرًا على ما كتبه المؤرخون، وفي نفس الوقت لا ينكر التحيزات الذاتية في الكتابة التاريخية، وليس فيه كذبًا من مؤلف التاريخ، بل هو أفق مؤلف التاريخ الذي لا يمكن تجنبه كما يقول الهرمنيوطيقي هانز جورج جادامير بتعبيره عن اندماج الآفاق أوالتماهي بين عوالم مؤلف النص وعوالم القاريء.

إذا أردنا أن نقرأ الفكر الديني، فلا ينبغي أن نأخذه على إجماله، بل علينا أن ندرسه ونحلله بوعينا في هذا الزمن؛ حتى يقودنا فهمنا لمزيد من الانفتاح نحو المستقبل. ومن الأمثلة على ذلك تاريخ الإسلام الذي كتبه ابن هشام، باعتباره أحد المراجع التاريخية الرئيسية للمسلم، فالطريقة الصحيحة للتعامل مع النص ليست فقط إعادة إنتاج نفس المعنى، بل إنتاج معنى جديد مفيد وملائم  للحاضر.

ومن هذا المنطلق، كتب أمين عبد الله عبر موقعه الشخصي على الإنترنت عن العلاقة بين النص والمؤلف والقارئ، ويرى أمين عبد الله أن التراجع الحالي للأمة الإسلامية يرجع إلى عدم التكامل بين هذه العناصر الثلاث، وهو ما يؤدي إلى موقف بدائي ينعزل عن الحضارة، ويشدد أمين عبد الله على الموقف التفاعلي في قراءة النصوص الدينية المكتوبة في الماضي، فلا يُقرأ تاريخ المسلمين في العصر الأول بالنسخ واللصق فقط، بل يجب فهمه في سياقه التاريخي ولم يظهر إلا ليكون إلهام أصيل لمعتنقيه ليمارسوه في سياقه، وبذلك يمكن للإسلام أن يقدم خطابات جديدة حول مشكلة العنف التي تتصدرالأزمات التي يواجهها المسلم المعاصر، وأن يتقدم فعلًا كحضارة بديلة في ظل تآكل الحضارة العلمانية الغربية.

مشاركة من نادر حمامي في نقد خطاب الجابري بصالون تفكير

أرى نفس الميل بين حمامي وأمين عبد الله في مسألة إعادة مناقشة العلاقة بين المؤلف والنص والقارئ؛ لأن العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة هي التي ستحدد قراءتنا للتاريخ الماضي، فيريد أمين عبد الله أن يدعونا إلى التأني في فهمنا حتى لا يبدو فهمنا متسرعًا في استخلاص النتائج، لأن العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة هي علاقة معقدة جدًا، خاصة بالنسبة للمهتمين بنظرية المعرفة.

 يدعو حمامي المسلمين إلى الانفتاح إذا أرادوا مناقشة التاريخ،  وهذا من خلال استكشاف النصوص الدينية قبل الإسلام. والبحث عن الأسانيد التي تؤيد ما جاء في القرآن الكريم، كقصص الأنبياء وغيرها، كما أكد حمامي على أهمية الانفتاح بين الطوائف الدينية، وخاصة الأديان السماوية، لأنه بذلك يمكن التأسيس للحضارة الإسلامية التي تعطي الأولوية للعلم الصافي الخالي من التحيز للذات أو الانتصار لعقيدة معينة.

وتماشيًا مع ذلك، يشجع أمين عبد الله أيضًا على “إصلاح المدارس الدينية في إندونيسا” وهو مصطلح يستخدمه كثيرًا رغم أنه مصطلح فيه شيء من الاستطراد. فهو يرى أن كثير من المواد في المدارس الإسلامية في هذا العصر لم تتحرر من استدعاء الماضي الذي يتناول قصة الصراع بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى؛ رغم أنهم أنفسهم لم يلتقوا مباشرة مع أتباع هذه الديانات كاليهود والمسيحيين.

إن هذا النوع من الفهم يقود بشكل مباشر للصراع  بين الطوائف الدينية، بينما مع الحوار والتواصل سيخلق بالتأكيد وعيًا يؤسس لثقافة التسامح والتعايش جنبًا إلى جنب. ووفقًا لأمين عبد الله، فإن لمعلمي المدارس الدينية دورًا مهمًا في دمج التعاليم الدينية والحياة الاجتماعية التعددية في إندونيسيا. ومن خلال خطاب إصلاح المدارس الدينية، يقدم أمين عبد الله نهجًا جديدًا لمعلمي المدارس الدينية، بحيث يمكن دمج المعرفة الإسلامية مع واقع الحياة وفهمنا لتعددية الأديان الأخرى.

محاضرة سيقدمها د. نادر حمامي في صالون تفكير

وعلى الرغم من أن حديث حمامي يدور حول أهمية قراءة التاريخ، إلا أنني أعتقد أن حمامي يريد التأكيد على أهمية بناء وعي معرفي  للمسلمين، لأنه من خلال ذلك يمكن للإسلام أن يصبح حضارة بديلة في الحياة العصرية، فمن خلال استلهام قصص الماضي ودمجها مع واقع حياتنا في الحاضر، سيبدو التاريخ حيًا في الحياة العصرية. وهذا أيضاً ما تحاول المحمدية أن تقوم به من خلال شخصيتها أمين عبد الله الذي يمتلك أسلوباً تأويلياً قوياً جداً في مناقشة الماضي مع واقع الحياة اليوم، حتى يمكن بعث الحضارة الإسلامية من جديد وتقديمها لحياتنا التي تفقد الجانب الإنساني منها بمرور الوقت.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات