ذاكرة لا تنسى …إيمان إسماعيل تفصح عن الكابوس رقم 115
بقلم/ إيمان إسماعيل

رأيت أنني في صباح يوم إمتحان الفيزياء، هو يوم من أيام العذاب في حياة أغلب طلابها، كل أيام الثانوية العامة عذاب، لم يكن يوما عاديا، لم أنم ليلتها بشكل كافٍ، واستيقظت فجراً على أصوات متداخلة، على بكاء خليل وأبويّ يحاولان تهدأته، خرجت من غرفتي وأنا اتعسر في قميصي القطني الطويل، جذبت “الروب” لاغطي كتفيّ قبل الخروج عليهم في الصالة، سألتهم:

– في ايه؟ هو احنا راحت علينا نومه والامتحان فاتنا؟
– لأ يا منى، خليل بس خايف من الإمتحان ومش عاوز يروح.
أخذت نفساً عميقا، وجلست بجوار أمي التي لا تنطق، ثم سألت أبي:
– هي الساعة كم يا بابا؟
-٤:٣٠ يا حبيبتي… قومي اتوضي وصلي الفجر
سمعت خليل أثناء الوضوء وهو مازال يبكي ويتوسل لأبي ألا يذهب للإمتحان، قفز قلبي من صدري وارتمى تحت قدميّ خوفاً من استجابة أبي، أعرف طيبة قلبه، قد يدفعه حنانه أن يوافق وعندها سأجبر أنا على ترك الإمتحان أيضا.
دخلت غرفتي وصليت ثم جلست على مكتبي ودفنت رأسي في كتاب الفيزياء، انغمست في باب الكهربية في محاولة بائسة ألا يصلني صوت الصراع الخارجي، لو حن قلب أبي وضعفت أمي ستضيع سنة من عمري.
مرت ساعات وأصواتهم تعلو تارة وتنخفض تارة حتى سكتوا فجأة، إرتديت ثياب المدرسة وأنا أردد لن أوافق … لن أوافق.
خرجت عليهم في السابعة وأنا أحمل أدواتي وكتابي فإذا بخليل نائم في حجر أمي وعيون أبي تلاحقني متوسلة ألا أذهب، لكنني تجاهلت نظراته، لم أطلب منه مصروفي وبالكاد ألقيت التحية وهممت بالمغادرة، ناداني أبي:
– منى، يابنتي انتي عارفة انه مينفعش، لو خليل مقدرش يروح الإمتحان انتي كمان لازم تقعدي، ده توأمك وطول عمركم مع بعض خطوة بخطوة، اقعدي يا منى ربنا يهديكي.
لأول مرة أتحدى أبي وأرفض:
– لأ يا بابا، الكلام ده كان ينفع واحنا صغيرين وبنشتري لعبة ولا لبس، لكن ده عمري، أنا مش هضيع سنة من عمري عشان خليل بيدلع.
أشارت لي أمي بالسكوت حتى لا أوقظه
خرج علينا حامد وهو يفرك عينيه، فقد بدأت عطلته وأصبح الاستيقاظ في السابعة أمر مزعج، رددت أمي:
– شفتي، اهو حتى حامد صحي من دوشتك، وبعدين خارجة ساعتين قبل الإمتحان رايحة فين؟
– ماما! أكيد مش رايحة اصيع يعني، هروح المدرسة واقعد أذاكر هناك.
– مفيش إمتحان يا منى، وحتى لو رحتي ونجحتي هتستني اخوكي سنة في البيت، مفيش جامعة غير لما تروحوا سوا.
انفعلت وخرجت من البيت غاضبة متجاهلة توسلات أبي واهانات أمي، ويد حامد التي كانت تربت على كتفي.

وصلت للمدرسة وجلست خلف المبنى في محاولة للهدوء والمراجعة، شعرت أن كل كلمة قرأتها في الأيام الماضية انمحت تماما، لا أذكر من المادة شئ، مر الوقت وبدأ الإمتحان، تسلمت ورقة الإجابة وحاولت أن أتذكر اسمي ورقم جلوسي لكن لم أتذكر، نظرت لورقة الاسئلة، لا أعرف ما الذي فيها، شعرت بدوار وشعرت بضربات قلبي في حلقي، رأيت ألالوان تتداخل أمام عيني، ومن بينها خرج خليل، أمسك بالورقة، مزقها، جمعها أمامي ثم أحرقها وراح يضربي بكل قوته، الكف تلو الكف حتى استيقظت ككل ليلة.
سلم نحو الهاوية…للاطلاع على الكابوس رقم 112
حفرة في الذاكرة …للاطلاع على الكابوس رقم 113
ذهاب بلا عودة …للاطلاع على الكابرس رقم 114
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
4 comments