اجتماع بلا ترتيب .. بقلم: جمال عمر

بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير

d8acd985d8a7d984-d981d8b1d8afd98a-d985d8a8d8aad8b3d985 اجتماع بلا ترتيب .. بقلم: جمال عمر

كان الاتصال التليفوني بالدكتور هيكل، من صديق عزيز له ولي من الجزائر د. اليامين، يخبره أنه بمحطة قطارات القاهرة ويغادرها في طريقه إلى بنها الآن، كان اليامين في زيارة لحضور دورة معرض كتاب القاهرة، وقرر يزور د. هيكل.

وبينما تقف سيارة د. هيكل أمام مقهى القليوبية المقابل لمحطة قطارات بنها، ويخرج منها ليراه د. اليامين الذي كان قد انتهى من كوب شاي ويسرع رجل بسيط ليمسح السيارة المتربة، فيفاجأ اليامين بي أخرج من السيارة أمامه فلم يكن على علم بقدومي، وكان في معيته صديق آخر عميد كلية آداب في الجزائر.

وهكذا بدون ترتيب وعلى الطاريء انعقد لقاءنا ليتصل د. هيكل بزوجته أن هذا الجيش قادم للغداء، أحاول أن أضع نفسي في مكانها!!! توقف د. هيكل في الطريق لقريته أمام محل حلويات، فنزلت خلفه، فكما توقعت اشترى حلويات غربية، فبعد أن انتهى، طلبت حلويات شرقية، وخصوصا بسبوسة.

وصلت قافلتنا العربية الطارئة إلى بيت د. هيكل، وهو بيت ريفي قد بناه بالمسلح بعد إعارته لدولة آسيوية، وجعل من الطابقين الأولين، مؤسسة خدمية مجتمعية وفكرية، بعد أن أدخل سيارته في الجراچ، دخلنا من المدخل العالي عن مستوى الشارع، تحسبا لارتفاع مستوى الشارع في المستقبل كما يحدث في كل القرى المصرية، المدخل مصمم أن يكون به درجات سلم تصعد من الجانبين ككفيّ يد يحتضنان مساحة خالية بينهما، وبينما هو يشرح لنا، ذكر أنه كان يفكر أن يضع تمثال له ولزوجته في هذه المنطقة، وأنه ما زال يفكر أن يضع تمثال للإمام محمد عبده، وكأزهري وما يمثله تمثال في المدخل، لكن أيضا المكان قد يأخذ نافورة.

دخلنا في الطابق الأول فكانت أرفف مكتبته الخاصة التي تبرع بها للمؤسسة ذكر أن بها ما يقرب من سبعة عشرة ألف كتاب، في قاعة باسم شيخ الأزهر الحالي، وغرفة أخرى باسم شيخ آخر من مشايخ الأزهر الذين يحب أن ينسب نفسه إليهم، لننزل مرة أخرى في مساحة مخصصة للأنشطة ولها باب مباشر على الشارع، يتم فيها إعطاء دروس في المواد التعليمية المختلفة لطلبة المدارس، وكان بالفعل في وقتها درس ومدرس يشرح لطلاب في المرحلة الثانوية.

صعدنا إلى الطابق الثاني حيث مسكنه، وخلعنا أحذيتنا على الباب، أثاث مصري ظريف، ألوان زاهية للحوائط، كانت على وجهه فرحة وسعادة من تجمع الناس في بيته، لم نلتقِ زوجته التي أتصور أنها منخرطة في مواجهة هذه العزومة الطارئة، وبينما نحن نجلس في “الأنتريه”، أشار إلى شاشة تليفزيون كبيرة على الحائط في منطقة السفرة، تتوزع عليها مربعات متعددة لمشاهد مختلفة، مربع لكل كاميره من الكاميرات المنتشرة حول البيت في الشارع وفي المدخل وفي جوانب قاعات المؤسسة، حيث يقدر أن يعرف ما يحدث من مكانه هذا.

d8acd985d8a7d984-d988d981d98ad8b5d984-d988d8a7d984d98ad8a7d985d98ad986-d988d8b9d8a8d8af-d8a7d984d8a8d8a7d8b3d8b7 اجتماع بلا ترتيب .. بقلم: جمال عمر
من يمين الصورة بالترتيب (جمال عمر – د. فيصل – د. اليامين – د. عبد الباسط هيكل)

د. اليامين كان مرتخي ربما لأنه قد قام بلقاء مثل هذا العام الماضي مع د. هيكل، لكن د. فيصل كانت تقريبا أول مرة له، فكان يحيط به شيء من استكشاف الأحوال، نظر لي اليامين وسألني لماذا لا نقوم بتنظيم أنشطة ولقاءات في هذا الوقت من العام في مصر حول معرض كتاب القاهرة، فنحن -يعني هو ود. فيصل- نأتي للقاهرة، وها أنت أتيت من أمريكا وآخرين أتوا من حول العالم والعالم العربي؟

لم أعرف بماذا أجيبه، ولم يكن عندي رد، سوى أن أهز رأسي، وآخذ جملة من التراث الأشعري بأن ألقي الأمر على الإرادة الإلهية: “إن شاء الله”، طمعا في أن ميوله الصوفية تساعد في الأمر.

استمر هو في القول أن نزوله من محطة القطار وجلوسه في هذا المقهى التقليدي العتيق، ورؤية الناس وطباعهم أفضل عنده من المدن الزجاجية التي تشب في بلاد عربية كثيرة، وأنه حين يذهب للمشاركة في أنشطة ثقافية بأحد مدنها، تجد نفسك مُحاصر بما هو مُصطنع، وليس طبيعي، كأن المدن والبشر بها مُقنّعون.

d8acd985d8a7d984-d988d8a7d984d98ad8a7d985d98ad986-d988d981d98ad8b5d984-d988d8b9d8a8d8af-d8a7d984d8a8d8a7d8b3d8b7-1 اجتماع بلا ترتيب .. بقلم: جمال عمر

نحن الأربعة كمهتمين بالشأن الفكري والثقافي العام مختلفين في المشارب، والخلفيات ما بين الجزائر ومصر وبين القرية والمدينة، ما بين الشرق والغرب، لكن الجامع الذي يجمعنا هو الإحساس بالعجز، رغم مشاركة الدكتور هيكل في التدريس بالجامعة وفي مؤسستين اجتماعيتين، ود. فيصل ما بين عمادة كلية آداب وعضوية جمعية أهلية فكرية بالجزائر وكذلك د. اليامين. فإننا نشعر بالعجز عن الإسهام في عمل عام، وكل نشاط شاركنا فيه، ما بين أنه شكلي أو غير فاعل ولا مؤثر وغير قابل للنمو والبناء عليه.

الملاحظة الثانية تغول السلطة سواء كانت سياسية أو فكرية/ ثقافية واحتكارها للمجال العام، بحيث أن أي أنشطة أو فعاليات أو تجمعات يُنظر إليها من منطلق أمني ليس أمني/ بوليسي فقط، ولكن أمني بالمعنى العام من باب منع الوش أو وجع الدماغ أو أي قلق، فتصبح حياتنا نوع من الخمول والتكرار والرتابة كمجتمعات وكأفراد من باب الاستقرار…الخ. وأشعر أننا كذكور حتى ونحن نعيش في ظل ثقافة تحتفي بالذكر وتتحيز له، فإننا عصابيون.

قطع تأملاتي في حوارنا، أن مائدة الطعام كانت قد أُعدت وعلينا أن ننتقل من غرفة مكتب د. هيكل الواسعة، بعد أن أقبل ابنيه يسلِّمان علينا ويخبرانا بأن مائدة الطعام جاهزة.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليق واحد

اترك رد

ندوات