استئناف العدوان على غزة.. دوافع وأهداف إسرائيل … بقلم: شادي عمر الشربيني
بقلم: شادي الشربيني

أكتب هذه السطور على بعد يوم أو يومين من عيد الفطر المبارك، ولا أعرف حقيقة كيف يحق لنا في العالم العربي، وخاصة في مصر، أن نحتفل بالعيد بينما تقصف إسرائيل غزة ليل نهار، وتقتل وتنكل بأهلها بأبشع ما يكون من وسائل وأدوات وحصار. إن مسئولية المذابح الإسرائيلية في غزة موزعة على الجميع، على طول العالم، من شرقه إلى غربه، ولكن غالبا ما يتخذ هذا كذريعة وتبرير الخذلان العربي لفلسطين. الأمر يصبح أكثر وضوحا بخصوص السلطة المصرية، التي تخضع للإملاءات الإسرائيلية – الأمريكية بخصوص غزة، فتلتزم بالحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع، لتصبح شاءت أم أبت جزء من حرب تجويع وتعطيش تشن لكسر إرادة أهلنا الغزاويين وتركعيهم وتصفية المقاومة الباسلة البطلة، ومسئولية مصر السلطة عن هذا الأمر هي مسئولية تكاد تكون حصرية، فغير حدود الخط الأخضر* لا توجد حدود أخرى للقطاع سوى مع مصر. ثم إن السلطة المصرية حوصرت وحصرت نفسها في مهمة الوسيط في المفاوضات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، والوسيط هو طرف يسعى دائما إلى تبني مواقف حيادية بين أطراف الصراع كي يستمر في موقعه، وهكذا فإن مصر، الطرف الأكثر قدرة على دعم كفاح أهلنا ونضال شعبنا في غزة، يتم تصفية دورها وخنقه وتجريده من كل الأسلحة والأدوات بحصرها في دور الوسيط، ذلك أمر مقصود تماما إسرائيليا وأمريكيًا، والظاهر أيضا أنه أمر مرحب به من قبل السلطات في مصر لما يعنيه من إعفائها من مسئوليتها التاريخية الوطنية والقومية والإنسانية بحجة أن مصر وسيط وليست طرف في الصراع!

إن هذا المقال يهدف بالدرجة الأولى إلى الكشف عن الأسباب التي تدفع إسرائيل لاستئناف عدوانها الوحشي وحربها الإبادية على غزة، ولكن تظل قناعتي أن أي أسباب مهما كانت وجاهتها وقوتها الدافعة للعدوان الإسرائيلي، فإنها ثانوية وعاجزة في حد ذاتها لتبرير هذه العربدة، فمنبع تلك السفالة الإسرائيلية الأول هو ذلك الخضوع العربي التام، وضمانة إسرائيل والولايات المتحدة أن مصر، الدولة المفتاح في الصراع العربي – الإسرائيلي، محكومة بسلطة منكفئة على ذاتها، أيديها مرتجفة ولا تملك رؤية أو أفق للمواجهة وحشد العالم العربي وتعبئة طاقاته لردع التوسع والتوحش الإسرائيلي. لذلك يظل واجبي الأول كمصري منتمي يدرك دور مصر التاريخي وعلى يقين أن الأمن القومي العربي هو بالضبط أمن مصر القومي، بل وفي تلك المسألة فإن مصر بالذات ودورها وأمنها وسلامتها هو المستهدف الأول، هو نقد وكشف محاولات السلطات في مصر التخفي وراء ظل إصبعها المستمرة من أكثر من نصف قرن. فذلك هو المهمة الأولى لكل وطني مصري قبل حتى أن يتصدى لها قومي وحدوي عربي. سأعود لتلك المسألة بشكل موسع في مقالة بل ومقالات أخرى قادمة، لأنها المسألة المحورية في الصراع وهذه المسألة هي كل مستقبل مصر.
لقد اتخذ نتنياهو خطوات عسكرية في قطاع غزة مما أعاد الحرب من جديد. إسرائيل تعلن أنها تمارس الضغوط العسكرية بهدف دفع حماس لإطلاق سراح الرهائن دون التوصل إلى اتفاق شامل. المحللون في الولايات المتحدة وإسرائيل يجمعون على أن إسرائيل هي المسئولة عن انتهاك الهدنة. إن أهداف حرب إسرائيل في غزة هي إعادة الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم “حماس” وتدمير قدراتها الحكومية والعسكرية وإخراج قادة وأعضاء حماس من القطاع.
لقد مرّ أسابيع منذ أن منعت إسرائيل دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة – ردًا، كما قالت، على رفض “حماس” الموافقة على شروط إسرائيلية جديدة للهدنة، وستُفاقم الحرب هذه المعاناة.
محادثات وقف إطلاق النار:
بدأت إسرائيل و”حماس” وقف إطلاق نار في 19 يناير/كانون الثاني. وكان من المفترض أن تستمر المرحلة الأولى 42 يومًا وأوضحت “حماس” رغبتها في الالتزام بهذا الاتفاق. وبموجب شروط المرحلة الثانية، سيتعين على إسرائيل الانسحاب الكامل من غزة والالتزام بإنهاء دائم للحرب. وفي المقابل، ستطلق “حماس” سراح جميع الرهائن الأحياء. أوضحت إسرائيل رغبتها في شروط جديدة، وأرادت أن تستمر “حماس” في إطلاق سراح الرهائن مقابل الإفراج عن فلسطينيين من سجون إسرائيل، ولكن دون أي التزام بإنهاء الحرب أو سحب قواتها.
وعلى خلاف عقود من التقاليد، بدأت الولايات المتحدة في التحدث مباشرة مع “حماس”، التي تعتبرها منظمة “إرهابية.” وأرسلت إسرائيل فرق تفاوض إلى قطر ومصر “في محاولة لدفع المفاوضات إلى الأمام.” وتقول إسرائيل إن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، اقترح تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهر كامل حتى شهر رمضان ثم عيد الفصح في أواخر إبريل/نيسان، ولكن دون أي من الالتزامات التي قطعوها في يناير/ كانون الثاني. ورفضت “حماس” هذه الخطة على الفور، قائلة إن نتنياهو وحكومته ينفذان “انقلابا صارخا على اتفاق وقف إطلاق النار” الذي تم الاتفاق عليه بالفعل.

وهنا أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة تفتح الطريق لبنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي للعودة إلى الحرب. وفي محاولة لتفادي هذا الأمر، عرضت “حماس” إطلاق سراح الجندي الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، إلى جانب جثث 4 مواطنين آخرين مزدوجي الجنسية – يُفترض أنهم قتلى أمريكيين إسرائيليين. وفي المقابل، قالت إن على إسرائيل أن تلتزم “باتفاق وقف إطلاق النار المكون من 3 مراحل، والذي وقّعته جميع الأطراف في 17 يناير”.
وصفت إسرائيل هذا العرض بأنه “حرب نفسية.” وزعمت أن حماس رفضت المقترح الذي طرحه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف دون التزام إسرائيلي بوقف دائم لإطلاق النار. وكررت إسرائيل هذا الادعاء، الثلاثاء 18 مارس/آذار، مع بدء الغارات الجوية على غزة، حيث ألقى كل من وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باللوم على “رفض حماس إطلاق سراح الرهائن” باعتباره السبب وراء استئناف القتال.
إسرائيل.. من الدفع الأمريكي إلى سعار اليمين:
كان من المقرر أن يناقش الجانبان مرحلة ثانية تبدأ في 3 فبراير/شباط، لكن الحكومة الإسرائيلية تجاهلت هذا الموعد النهائي. ويبدو واضحا أمام الجميع أن الولايات المتحدة قد وفرت أوسع غطاء لإسرائيل لاستئنافها الحرب سواء من خلال تهديدات ترامب العلنية بفتح أبواب الجحيم على غزة إذا لم يتم الإفراج عن كافة الرهائن الإسرائيليين المتبقين لدى المقاومة فورا، وبدون أي تعهد بذهاب إسرائيل إلى وقف إطلاق نار دائم، حيث قال ترامب في بيان صدر في وقت سابق من شهر مارس: “سأرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنجاز المهمة، ولن يكون أي عنصر في حماس بأمان إذا لم تفعلوا ما أقوله، أطلقوا سراح الرهائن الآن، وإلا ستدفعون ثمنا باهظا لاحقا”. ثم تبع ذلك مبادرات مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف العرجاء والتي تتماشى مع الأهداف الإسرائيلية.
لقد تجاهلت مبادرات ويتكوف السير في طريق وقف دائم لإطلاق نار في غزة، ومع تصريحات ترامب المتتالية حول تهجير أهل غزة وإفراغها من سكانها، فإن ذلك أطلق يد إسرائيل في استئناف حربها على القطاع، وهي حرب يحتاجها نتنياهو بشدة لترميم الوضع الداخلي المتهاوي في الداخل الإسرائيلي. فاليمين المتشدد في إسرائيل لم يُعجب بوقف إطلاق النار في غزة قط، لأنه يعتبره استسلاما لـ”حماس”. إنهم يريدون مغادرة جميع الفلسطينيين غزة، وأن تُعيد إسرائيل بناء المستوطنات التي أخلتها في 2005. ولا بد من تواجد هذا اليمين حتى لا تنهار حكومة نتنياهو ويذهب إلى انتخابات مبكرة، فقد استقال وزير يميني متشدد، وهو إيتمار بن غفير، من الحكومة احتجاجا على وقف إطلاق النار، وقال وزير آخر، وهو بتسلئيل سموتريتش، إنه سيترك الحكومة إذا لم تعد إلى الحرب، وكان من شأن ذلك أن يُمزق ائتلاف نتنياهو الحكومي. وبالفعل ما إن استأنفت إسرائيل حربها في غزة، حتى أعلن حزب بن غفير “القوة اليهودية” عن عودته إلى الحكومة، واستقبله نتنياهو بالأحضان، معتبرا أن هذا نصر سياسي كبير له ولاستقرار ائتلافه.

إقالة رئيس «الشاباك» وانفجار الداخل الإسرائيلي:
في الوقت نفسه فإن عودة الصراع في غزة ستصرف الانتباه عن رغبة نتنياهو في إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك). وقد أثار قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقالة رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” رونين بار عاصفة من ردود الفعل الإسرائيلية التي وصفت القرار بـ”غير المسبوق”. وكان نتنياهو طلب في بداية الأمر من بار الاستقالة، لكن الأخير رفض. ثم أعلن نتنياهو نيته إقالة بار علانية، لكن الأخير رفض الاستقالة وتحداه ثانية. ودخلت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف – ميارا، على الخط، محذرة نتنياهو من أنه لا يستطيع إقالة بار. لكن رئيس الوزراء عقد الخميس قبل الماضي (20 مارس 2025) اجتماعاً حكومياً أفضى إلى تصويت بإقالة رئيس «الشاباك»، في خطوة أحدثت زلزالاً سياسياً وقانونياً، ووحدت المعارضة ضد نتنياهو وحكومته، وأطلقت سلسلة من الاحتجاجات أعادت إسرائيل إلى انقسام ما قبل هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لقد جاءت إقالة رئيس «الشاباك» في الوقت الذي كان يحقق خلاله الجهاز مع موظفين في مكتب نتنياهو، وهو وضع وصفته المستشارة القضائية للحكومة بهاراف – ميارا بأنه يشكل تضارب مصالح، ويمنع إقالة بار. لكن نتنياهو تجاهل ذلك ومضى في القرار حتى جمدته المحكمة العليا الإسرائيلية، مما عمّق الأزمة. وحذّرت بهاراف – ميارا من أن الإقالة تواجه تحديات قانونية، ثم أصدرت المحكمة العليا أمراً قضائياً مؤقتاً يعلق إقالة بار. وبعد صدور الأمر القضائي، أبلغت بهاراف – ميارا، التي تسعى الحكومة أيضاً إلى إقالتها، نتنياهو بأنه ممنوع قانونياً من تعيين رئيس جديد لـ«الشاباك»، أو حتى إجراء مقابلات لشغل المنصب، بما في ذلك تعيين رئيس مؤقت.

لم يسبق في تاريخ إسرائيل أن أقال رئيس وزراء رئيساً لـ«الشاباك». وأنهى جميع من تولوا قيادة جهاز الأمن العام فترات تعيينهم باستثناء اثنين استقالا من نفسهما قبل المدة. وكان بار تحدى نتنياهو وتعهد بالبقاء في منصبه حتى عودة جميع الرهائن من غزة وتشكيل لجنة تحقيق حكومية في هجوم «حماس»، وهو ما تعارضه الحكومة. وحذر قادة المعارضة في إسرائيل وكتاب ومحللون ومسؤولو أمن سابقون وأسلاف بار في قيادة «الشاباك» من أن نتنياهو يفكك الدولة ويعرّض الديمقراطية الإسرائيلية للخطر من خلال تعيين الموالين له على رأس هذا الجهاز الأمني.
ما وراء اليمين وإقالة رئيس «الشاباك».. أزمة إسرائيل الوجودية:
ومما سبق يبدو أن خيار استئناف الحرب على غزة يهدف إلى الهروب من الأزمة المتفجرة داخل إسرائيل، واستعادة وحدة الجبهة الداخلية وتغطية نتنياهو وصراعاته السلطوية على حساب دماء الأطفال والنساء وأهل غزة عامة.
إن تصعيد الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة، استمرار لاستراتيجية إسرائيلية تقوم على القتل الجماعي، والتجويع، والتهجير للفلسطينيين، تدعمها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر. فتصاعد التوترات في مناطق أخرى مثل سوريا ولبنان واليمن وإيران، “وهو ما يسميه نتنياهو الحرب على سبع جبهات”، يأتي في سياق تعزيز قوة نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، وتقديم دعم سياسي داخلي له من خلال تكريس توجهات متطرفة تتبنى سياسات الإبادة والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين. فالهجمات الإسرائيلية على غزة ليست مجرد ردود فعل عسكرية، بل هي جزء من استراتيجية سياسية هدفها تعزيز سلطة نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف، مع تجاهل التزامات سابقة واتباع سياسة إقصائية ضد الفلسطينيين في غزة.
لكن الأزمة في إسرائيل أكبر وأعمق من صعود وتصاعد يمين مسعور ومؤشرات متنامية لسعي نتنياهو تنصيب نفسه ملكا لإسرائيل. إنها أزمة إسرائيل الوجودية التي قفز بها إلى الواجهة هجوم السابع من أكتوبر أو “طوفان الأقصى”. الوجود الإسرائيلي تسرب إليه اقتناع ورسخ في وعيه الباطني، أن مشروعه بعد حوالي ثمانين عاما لم يصل إلى بر آمن ولم يجد أسس من الشرعية. يستطيع هذا المشروع أن يستخدم أقصى درجات العنف والإجرام والذبح والتنكيل بغطاء من أكبر قوة أو قوى في العالم، يستطيع أن يمارس الخديعة ويخترق القصور ويشتري الذمم ويجر عبيد السلطة من رقبتهم، لكن كل هذا عقيم وغير قادر على تغيير حقائق التاريخ ويعجز عن اقتلاع أبناء الأرض. لقد كشف طوفان الأقصى أن التساكن مع المقاومة لا يمكن أن يطمئن المستوطن الإسرائيلي، في الوقت نفسه فإن اقتلاع المقاومة وتصفيتها هو ما وراء المستحيل، وذلك لأن واحد من أبرز نتائج حرب الستة عشر شهر الأخيرة في غزة، هي تجلي الوضع فيزيائيا وكيمائيا ورياضيا في معادلة أن المقاومة = الشعب والشعب = المقاومة. في مواجهة هذه المعادلة، وفي ظل انكفاء وضمور الأنظمة الحاكمة في دول المواجهة ومراكز القيادة في العالم العربي، فإن إسرائيل تذهب إلى خيار قتل العزل والتطهير العرقي كبديل عن المخاطرة باندلاع الحرب داخلها!
على مشارف فشل إسرائيلي جديد:
ونحن نسرد أسباب استئناف إسرائيل لعدوانها على غزة من تحريض أمريكي، ودوافع وضغوط من داخلها، وحالة استكانة وهوان للنظام العربي تطمئنها أن ما تفعله سيمر بلا أي عواقب، فيجب أن نذكر ونتذكر أيضا في المقابل أن تلك العودة للعدوان، تشكل استمرار لانهيار صورة إسرائيل كديمقراطية وحيدة في المنطقة، وتدمر وتبعثر صورة جيشها الأكثر أخلاقية في التاريخ!
منذ زمن طويل، سواء نتيجة لحروبها الوحشية المستمرة وسياستها القذرة في الاغتيال والتدمير والحصار والإبادة أو لانكشاف سياسة التطهير العرقي التي مارستها من قبل حرب 1948 واستمرت فيها خلالها وبعدها، تآكلت سمعة إسرائيل كبلد يقدم نفسه على أنه ملجأ اليهود الأخير الذي يهدف فقط إلى الدفاع عن وجوده، فبدلا من أن تصبح إسرائيل الملاذ الآمن ليهود العالم، أصبحت عبء كامل على اليهود واليهودية، وأضحت التجسيد الحي لكل الاتهامات التي يقول بها من يتم نعتهم بأعداء السامية. ثم كانت الحرب الأخيرة في غزة التي استمرت لستة عشر شهر هي المسار الذي شكل انقلاب شامل في الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، فخرجت المظاهرات والاحتجاجات العاصفة عليها في أشد البلدان والمواقع والأماكن تأييدًا لإسرائيل، حتى اضطرت سلطات تلك الدول إلى اتخاذ إجراءات قمعية ضد تلك الاحتجاجات والمظاهرات للحد من انتشارها، مما أضر أشد الضرر بالطريقة التي تحاول تلك البلاد أن تقدم نفسها دائما كحصون لحرية التعبير والديمقراطية الليبرالية.
وسط كل هذا تستأنف إسرائيل عدوانها وتعود بعد أسابيع قليلة إلى نفس الطرق والأساليب التي فجرت الاحتجاجات عليها في كل أرجاء الأرض وجعلتها مدانة أمام الجنائية الدولية، فإن هذا يعكس في معناه كيان ذاهب إلى الانتحار، خاصة أن العالم كله يقر، حتى المحللون في الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها، أن حكومة نتنياهو هي المسئولة عن انتهاك الهدنة.
إذا نحينا جانبا الهدف الإسرائيلي الواضح للجميع بالتهجير القسري لسكان غزة عبر إرهاب الفلسطينيين بالقصف والقتل والتدمير والاستمرار في تحويل القطاع إلى مكان غير قابل للحياة، واكتفينا بهدف إسرائيل المعلن على لسان وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو إطلاق سراح الرهائن المتبقيين، والتأكيد على القضاء على حركة حماس، فأعتقد أنه واضح أمامنا جميعا بعد أسابيع من استئناف العدوان أن ما تريده إسرائيل لم يتحقق ولا توجد مؤشرات أنه في سبيل التحقق!
إن الجيش الإسرائيلي مرهق ومستنزف من القتال الطويل المستمر والجبهات الواسعة المفتوحة. وأزمة رفض الخدمة العسكرية تتفجر في إسرائيل، فقد كشفت صحيفة ”هآرتس” الإسرائيلية عن تحذير عدد من كبار جنود الاحتياط من انخفاض بنسبة 50% في معدل الالتحاق بالخدمة العسكرية، وتوضح الصحيفة بأنه عقب قرار إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار واتفاق الأسرى واستئناف القتال، لاحظ الجيش انخفاضًا في حماسة جنود الاحتياط، وخلال الأسبوعين الماضيين أبلغ العديد من جنود الاحتياط قادتهم أنهم لن يلتحقوا بالخدمة إذا تم استدعاؤهم مرة أخرى، وذلك بسبب قرار الحكومة إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، وتغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة، بالإضافة إلى نيتها إقالة النائب العام (تقرير موقع المشهد بتاريخ 28 مارس 2025).

الأزمة السابقة تعكس مشهد تآكل الداخل الإسرائيلي، فالمظاهرات تشتعل والصدمات بين الأطراف المختلفة تتصاعد وتتخذ طابع دموي في أحيان كثيرة، حتى أن الكثير من المراقبين يتكلمون عن سيناريو حرب أهلية يلوح في الأفق، كأن مسألة إقالة رونين بار هي النقطة التي فاض عندها الكأس! في مقال له بصحيفة ”يديعوت أحرونوت” يقول الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنياع بأن ما فعله نتنياهو يدفع إسرائيل نحو حرب أهلية مسلحة ستنتهي بهم إلى الهلاك! وهو السيناريو الكارثي الذي أجمعت عليه كبرى الصحف الإسرائيلية.

بجانب ما سبق فإن صواريخ اليمن العظيم ما زالت تمطر حيفا المحتلة (تل أبيب) حيث تعطل مطار ”بن حوريون” وتدفع بسكانها إلى الملاجئ يوميا، بل وأكثر من مرة في اليوم الواحد، وذلك بالرغم من حملة القصف المستمر التي تقوم بها الولايات المتحدة بشكل محموم لإسكات جبهة اليمن المساندة لغزة والمقاتلة ضد العدوان.
استدعاء تلك الأجواء يعني أنه بالرغم من فوائض القوة والعنف الإسرائيلي المستفردة بغزة وأهلها، فإن نجاح كيان الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة، فضلا عن المستترة، ليس حتميا، وحتى في حالة حدوث نجاح ما فسيكون نسبيا ولن يكفي بأي شكل لتجاوز أو تغطية أزمة إسرائيل الوجودية التي أطلق طوفان الأقصى مفاعيلها. ويبقى الدرس الكبير أن غزة الفقيرة المحاصرة مع بضع جبهات إسناد محدودة بطبيعتها وبسبب ابتعادها الجغرافي، فضحت حدود القوة الإسرائيلية وكشفت عن عقمها، وما يعنيه ذلك أن كيان الاحتلال ليس قدرًا، والمقاومة هي أعظم شرف وطريق النجاح الوحيد، وتلك الأمة إذا وجدت القيادة واستطاعت أن تحشد ولو أعشار إمكانياتها وقدرتها، فإنها قادرة على صون أمنها القومي المهدر ووقف نزيف الدم العربي في فلسطين، ووضع حد لتوحش الإسرائيلي تمهيدا للخلاص النهائي منه!
هامش توضيحي:
* الخط الأخضر بفلسطين، هو لفظ يطلق على الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
4 comments