الأطلال وعلاقتها القديمة بالشعر الحديث .. بقلم: محمد عرش العظيم

بقلم: محمد عرش العظيم الاندونيسي⁩

e281a8-d985d8add985d8af-d982d8b1d98ad8b4-d8b4d987d8a7d8a8-d8a7d984d8a7d986d8afd988d986d98ad8b3d98ae281a9-1604648533-e1734357733711 الأطلال وعلاقتها القديمة بالشعر الحديث .. بقلم: محمد عرش العظيم

إذا تتبعنا المعاني المندرجة تحت شعر الوقوف على الأطلال في العصر الجاهلي سنجدها دائمًا مرتبطة بالمواصفات الديارية التي تبدو من خلال الشعر العميق للذكريات الماضية مع من نزل فيها. فهي مسكنهم ومحفظهم التي تظهر كل الآثار من تعاطيه بأهله أو حبيبته. وقد أودت تلك الديار وذهبت، وما لها من ذهابها للساكن سوى البقايا من الرسوم والأطلال التي أثرت في نفسه، فجعل ذهابها أن ينشد أبياتًا من الشعر محاولًا ذكر سابقاته، وتسمى بالأبيات الطللية. 

وأقتصر في هذا البحث صرحَ الأول؛ لأن فيها ما يشعر بتعمق شعر الشاعر، وسحيق الاتصال القلبي بالمكان الذي باتت لياليه فيه، حتى صار كأنه يكلم الأحياء ويسمعون نداءه ويجيبون دعوته.

فمن دأب شعراء العرب في شعر الوقوف على الأطلال أنهم ينادون الديار بعد أن وقفوا عليها، ويسألون عن ساكنيها الذين حلوا محلها في الزمن الماضي. ويعتادون أن يطلبوا إليها تكليمهم وتحديثهم عن أخبارهم. وقد استطاعوا أن يجعلوا لهذه الديار أشخاصًا تسمع لهم ما يقولون، ولكنهم لم يصلوا إلى أن يجعلوها تجيبهم، وتحدثهم حديث الأيام الماضية، والذكريات الخالية. وإن إجابتها على أسئلتهم ودعواتهم أن تصمت لأنها خلت من الناس واستحالت على الكلام. نأخذ مثلًا من قول امرئ القيس:

ففي هذا البيت أبان امرؤ القيس؛ أن الدار قد هلكت وضاعت حتى لا تقبل أي صوت، واستعجمت فلا تجيب على منطق السائل الواقف عليها.

والنظام الغالب في شعر الوقوف على الأطلال هو سؤال الديار عمن سكنوا فيها من جانب الشاعر، ثم محاولة الكلام معها والحكاية إليها، هذا من ناحية. والاستعجام عن الجواب من جانب الديار في جميع الأحوال من ناحية أخرى. وأغلب الهيئة التي التصقت الديار بها في معرض سؤالها والكلام معها واستعجامها عن الجواب هي الخرس والصم والعجمة. قلت:

نعم، فالمدارس خرساء، لا تكلم الواقف عليها، وليست الخرب هي التي تجعلها مستعجمة لا تلقي إلى الواقف عليها جوابًا. وكان بعض الشعراء أمكنوا الوصول إلى درجة نفح الديار الروح، والقدرة على الكلام، ولكنها تضعف، وتخفي، ولا تكاد تبين شيئًا. مثل ما قاله عوف ابن عطية:

فقد نسي الشاعر عن نفسه، وتجاوز في الذكريات، حتى تصور في خياله أن الديار أبانت إليه القول خافتًا رقيقًا، كأنها تحكي إليه أحزانًا أصيبت لها، وتهمس في أذنيه ما خلت لها الأيام من ذكريات وأحداث.

والأطلال في نفسها دلت على البقايا من خرب الديار التي تبقى آثارها في الأرض -كما مر- وهي صورة قديمة وقعت في العصر الجاهلي وما بعده، ولكنها ليست مجرد صورة بيئية أحاطت بحياة الشاعر، وإنما هي جزء أدبي شعري في نفس كل شاعر.

 مثلا إن قلنا: كتبنا الكتب بالريشة، فهل هناك عائق لفهمنا أن كتبنا الكتب بأيدينا؟، طبعا، لا. وإنما هي صورة بيانية لحالنا المماثل لحال الكتاب الذين كتبوا بالريشة، مع أنا كتبنا مثلًا بالقلم أو عبر كمبيوتر. و خذ مثالًا آخر من قولي:

هل حُجِزتَ من فهم أنه اشترك في الحرب؟ طبعا، لا، ولكنني إنما صورت ما كان من حاله عند وقوع الحرب بما وقع في العصور القديمة مثل الحروب التي غزاها سيدنا علي -رضي الله عنه- حاملا ورافعا سيفه ذا الفقار التي تفتقر كل دم سائل.

فالحاصل: ما دام صفى سبيل الفهم للمعنى المراد من أسلوب طللي –كما مثلت– فهو صحيح ولا مانع له. ومن منعه على قول “لزوم التعبير بالعصر الحال” فهو أقر بما لا يقبله العقل، وذالك إلزام ما لا يلزم. وعلى هذا فالأطلال ليست هي إلا مجرد تعبير شعوري فني في قضية الشعر والشاعر المعاصرتين، وهي تتناسب دائما بالصورة القديمة في كونها معبرة عن السحيق الاتصالي بالديار التي باتت ليالي ساكنيها فيها.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات