الألفاظ البذيئة ووهم حرية التعبير الافتراضية… بقلم: عمرو عبد الرحمن

بقلم: عمرو عبد الرحمن

280709377_5758375077522788_4038074696299373968_n2 الألفاظ البذيئة ووهم حرية التعبير الافتراضية... بقلم: عمرو عبد الرحمن

بين حين وآخر يفتح رواد صالون تفكير باب النقاش حول سقف حرية التعبير وضوابطها على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الموجة الأخيرة كان التركيز على التعامل مع الألفاظ البذيئة.

إذا كنت من أوائل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فيمكنك أن تلاحظ جنوحها إلى مزيد من التقييد على حساب الحرية. فنجد الذكاء الاصطناعي يتحكم في مدى وصول المنشورات للمستخدمين، فيقيد وصول بعضها ويحذف البعض الآخر وفقاً لمعايير غير واضحة وغير محددة كالكراهية والعنف والإرهاب. وغالباً ما تكون المعايير مرتبطة بتوجيهات المالكين والمعلنين، وظهر هذا جلياً في تعامل فيسبوك وتويتر مع دونالد ترامب في السابق من تقييد لحسابه ثم حظره نهائياً عام ٢٠٢١، بينما الآن نجد الترحيب بترامب من جانب إيلون ماسك مالك منصة إكس (تويتر سابقاً).

كأحد محبي السينما شاركت في العديد من المجموعات المهتمة بالفن. كان لكل مجموعة القواعد التي يضعها مؤسسها، منهم مثلاً من كان يضع القيود على صور الفنانات المنشورة، ومنهم من كان يضع قيوداً على الكلمات المستخدمة أو يرفض المنشورات لاحتوائها على محتوى سياسي أو ديني يناقشه العمل الفني موضوع المنشور. كانت المعادلة واضحة، هذه هي القيود ولك حرية القبول بها أو رفضها، وغالباً ما كنت أضيق ذرعاً بها وأترك المجموعة نهائياً. وانتهى بي الأمر غير مشارك في أي مجموعة مهتمة بالمحتوى الفني.

قطعاً لا. فبالرغم انني اخترت خسارة القاعدة التي كان يمكنني الوصول إليها عبر هذه المجموعات في مقابل تحرير من قيود منشئيها، إلا أنني لا يمكنني الهروب من قيود فيسبوك طالما أنا على فيسبوك.

فمع كل المميزات التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي للمجتمعات المقموعة على أرض الواقع، لكنها تكون سلمت الراية لإدراة فيسبوك والذكاء الاصطناعي لممارسة هذا القمع بما يتراءى له. القمع الذي رأيناه فيما يتعلق بالمنشورات المرتبطة بالقضية الفلسطينية مؤخراً، ولم يكن بمقدورنا فعل الكثير لمواجهته.

السلطة هي القدرة عن الاختيار بين اتجاهين، لكن دائماً يكون هناك اتجاه ثالث لا يعجب الكثيرين وهو ألا تختار من البداية وتترك المجال مفتوحاً بالكامل، لأن ممارسة فعل الاختيار لن تعجبك نتائجها في النهاية مهما أعجبتك في بادئ الأمر.

كان البداية على صالون تفكير باعتراض العضو (ح.م) على منشور به لفظ العضو التناسلي للمرأة : (هى الألفاظ دى مسموح بيها فى الجروب ؟؟؟ اللفظ صعب جدا وفيه سيدات وانسات فضليات معانا فى الجروب.)

ويتابع (انا عن نفسى اظن أن احنا كعرب ومصريين عندنا كود أخلاقى نتفق عليه بأغلبية كبيرة جدا  اسمه العيب، وفيه حاجات عليها شبه إجماع بغض النظر عن خلفيتنا الدينية والاجتماعية والثقافية ومنها رفض ذكر هذا اللفظ فى الأماكن العامة الفيزيائية والافتراضية وعليه أطالب بتطبيق هذا الكود فى الجروب حتى لا تتحول الحرية لانفلات)

وهل مشكلة الألفاظ مرتبطة بوجود نساء في الصالون؟ لماذا معظم الألفاظ “البذيئة” مرتبطة بالمرأة، وفي نفس الوقت يكون قمعها بذريعة حماية المرأة الذي ينتظر منها عدم تقبل هذه الألفاظ بعكس الرجل؟

ترتبط الشتائم بالمجتمع ورؤيته للأشياء. وفي مجتمعنا، فإن كل ما يتعلق بالمرأة مدعاة للحرج بداية بالرغبة في تغطيتها بالكامل حتى لا يراها أحد، مروراً بعدم الرغبة في الحديث عن أشياء بيولوچية بحتة كالدورة الشهرية، ووضعنا الفوط الصحية عند شرائها في كيس أسود معتم كي لا يراه أحد.

أصبح استخدام العضو التناسلي للمرأة كشتيمة أفضل مثال للصورة المنحطة للمرأة في ضميرنا المجتمعي. وربما ساهم في ذلك الضغوط على المرأة التي جعلتها تنظر إلى جسدها كمدعاة للخجل لا يجب الحديث عنها.

رغم أن هذا العضو التناسلي يكون شريكاً في عملية مع العضو التناسلي للرجل حيث لا فضل لأحدهما للآخر. وفي عملية الولادة يكون العضو التناسلي للمرأة مصدراً للحياة ومثالاً للقدرة على تحمل الآلام والمتاعب في سبيل طفل لم يأت للحياة بعد.

كل هذا لم يشفع له كي لا يكون المفردة المفضلة للجميع في السباب والشتائم.

في عمله الفني “سور الفرج العظيم” يدعونا الفنان البريطاني جايمي مكارتني كأناس لديهم أعضاء تناسلية، إلى تغيير مفهومنا عن أنفسنا من خلال عرض التنوع التشريحي لأربعمائة شكل مختلف من الفروج والأشفار.

يأخذنا (و.خ) إلى مساحة آخرى مهمة وهي قبولنا للشتائم بشكل عام كجزء من التراث الإنساني. 

d8acd8a7d98ad985d98a-d985d983d8a7d8b1d8aad986d98a الألفاظ البذيئة ووهم حرية التعبير الافتراضية... بقلم: عمرو عبد الرحمن
جايمي مكارتني أمام عمله الفني (سور الفرج العظيم)

(القرآن فيه لفظ “زنيم” وكانوا بيعلمونا زمان إن دي معناها شخص وحش أو فظ أو وغد, وده في حد ذاته مفروض يثير التساؤل… يعني النص فيه “شتائم”…
المسألة تصبح أكثر حساسية بل وصادمة لو قبلنا تفسير “زنيم” بمعنى “ابن زنا” وإن أصلها عبري- المقطع “…يم” عبري خالص وعادة يشير للجمع لو أنا فاهم صح,… يهوديم, نتساريم, مزراحيم, إلخ. في المنطق ده كلمة “زنيم” تبان مربكة لأن معناها شتيمة جامدة ولأنها جمع بينما السياق بيتكلم عن المفرد.
المسألة دي دايما تطرح اليوم إما من زاوية مهاجمي تاريخ الإسلام، ويتقال إزاي كتاب مقدس أو شخصيات مقدسة تقول كلام قبيح أو مكشوف؟ أو من زاوية سجالية تنتصر للطرف المسلم, فنلاقي ناس تقول ما هو طالما القرآن أو النبي في حالة مواجهة وصراع مع الكفار فمشروع بل وأخلاقي إن القرآن أو النبي يشتم الكفار.
دي نقطة مهمة لأنها بتخلينا نفكر في “أخلاقيات الخلاف” في التراث العربي والمسلم وهل نقبلها واللا ننقدها.
لكن كمان تفتح باب نقاش يمكن بنخاف نفتحه. هل نوافق واللا نعارض استخدام ألفاظ مكشوفة أو شتائم في الخلاف والسجال مع غريم، بغض النظر عن النماذج الموجودة في التراث؟
واللا نعتبر إن التراث أكثر واقعية وأكثر تباسطا من تصوراتنا اليوم؟ يعني هو “شعبي” و “مش مكلكع” لدرجة إن فيه مساحة للكلام المكشوف زي في المرويات عن سؤال عن ممارسة الجنس، أو عن شتيمة بالأم وجهها صحابي لصحابي آخر؟)

نشأ هذا التناقض بسبب منهج التعامل مع شخصيات لها تاريخ ديني باعتبارهم من الملائكة لا تسبب ولا تلعن ولا تخضع لشهواتها كما يخضع بقية البشر. نفس التناقض الذي تقع فيه الأسرة مع أطفالها عند التعرض لقضية السباب والشتائم بمحاولة منعهم التام عنها، بافتراض إمكانية وجود مساحات من الواقع لا شتائم فيها ولا سباب. الأمر المستحيل واقعياً كما هو مستحيل على وسائل التواصل الاجتماعي.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات