السفير محمد مُحق يتكلم في تفكير عن الإسلام بین تاریخ السلطة وسلطة التاریخ
بقلم: سماء معاوية هيكل

مقدمة
محمد محق هو سفير أفغانستان السابق في القاهرة وباحث في الشئون الدينية كما عمل مستشارًا ثقافيًا سابقًا للحكومة الأفغانية.

في الندوة الحادية عشرة من ندوات سبعينية المفكر عبد الجواد ياسين يبدأ محمد محق الحوار بالثناء على المفكر عبد الجواد ياسين ومنهجه ولحظة تعرفه عليه في ٢٠١٨ عندما أهداه كتابه عن السلطة في الإسلام.
ويؤكد أن موضوع السلطة لم يتم الاهتمام به في تاريخ الفكر المعاصر والحديث، وكيف تختلف كتابات جماعات الإسلام السياسي عن الكتابات الأكاديمية عن علم السياسة والفكر السياسي، وثمّن ما رأى في كتابات عبد الجواد ياسين من حيث البحث بشكل محدد عن السلطة في الإسلام وتأثيره، وتكوين الفكر الإسلامي والاتجاهات الفكرية التي نشأت في تاريخ الإسلام والدور المركزي والرئيسي للسلطة، مؤكدًا أنها هي النقاط التي تحتاج الاهتمام الأكبر ما جعله يعتبر كتاب المستشار عبد الجواد ياسين مهمًا في المجال الفكري.
بدأ محق باستعراض كتاب السلطة في الإسلام وفصل في شرح محتوياته فيتكون الكتاب من مجلدين اثنين مكتوبًا بطريقة أكاديمية رصينة، يحتوى مراجع كثيرة بمنهجية علمية وبحثية محترمة وهو ما نحن بحاجة إليه في مجال الفكر والبحث في جامعاتنا ومراكزنا التي غاب عنها التفكير النقدي وعمّ التفكير العاطفي والخطابي ما سبب شلل في التفكير العام في كثير من الأوساط.
المجلد الأول
أشار محق لمحتويات المجلد الأول من الكتاب والذي يتكون من عدة فصول ومدخل تحت عنوان قراءة في الجدل مع التاريخ وهو نقطة عامة في كيف نقرأ التاريخ ونفكر فيه، وكيف يضع المستشار عبد الجواد ياسين يده على العلاقة الجدلية بيننا وبين التاريخ بالإشارة لهذا الموضوع فطالما غابت الإشارة إلى تلك الرؤى النقدية.
الفصل الأول بعنوان: قراءة في العقل الفقهي المسلم
يفتح ياسين مجالًا واسعًا عن حضور النص الديني في تاريخنا ثم يتطرق إلى أهم المذاهب والاتجاهات الدينية مع النص منها السنة كأكثرية ثم الشيعة كمعارضة ثم الاباضية وفي ضمنها كان المعتزلة ومما ركز عليه أن المعتزلة كانوا يركزون على الحرية وحق الاختيار للإنسان وهو يصنف تحت مظلة العقل التقليدي أو العقل السلفي في التاريخ الإسلامي.
عني الفصل الثاني بقراءة في التأويل السياسي للنص القرآني
يشير محق هنا إلى رغبة المستشار عبد الجواد في الكشف عن المحاولات التي تمت في تاريخ الإسلام سواء بين أهل السنة أو الجماعات الأخرى كأهل الحديث والأشاعرة والماتريدية وغيرهم خاصة الذين كانوا في فلك السلطة من العلماء أو كمعارضين، وكيف كانت محاولاتهم لاستخدام النص القرآني في العراك السياسي بليّ عنق النص بصورة تخدم الأجندات السياسية لنظام السلطة القائمة أو الجماعات المعارضة.
الفصل الثالث عن السنة والتاريخ
يركز المستشار عبد الجواد ياسين على السنة وتكوّن فكرة السنة كمرجع ثاني في الدين الإسلامي، والمرور على الصيرورة التاريخية لفكرة السنة، وكيف كان ينظر لها الصحابة، وكيف تم جمع الأحاديث في عهد الأمويين والعباسيين، وكيف تم جمع الأحاديث وتدوينها ثم تكون الكتابات الرسمية باسم الصحاح وماذا كانت معاييرهم للحكم بالصحة أو الضعف، وفي هذا المجال يشير المفكر عبد الجواد إلى جزء من البحوث التي ذكرت قبله ولأنه يتعلق بقضية السلطة ومحاولة الجماعات في التاريخ الإسلامي وتوظيف النص الديني للأجندات السياسية.
المجلد الثاني ويحوي أربعة فصول
الفصل الأول: النظرية والسلفية
يفصّل محق عن مضمون الفصل بإشارة ياسين إلى المحاولات التي تمت من أجل التنظير وإنتاج مفاهيم نظرية عن السلطة باتجاهات إيديولوجية مختلفة منها الجهود التنظيرية التي تمت بأيدي بعض الفلاسفة المسلمين، وأشار لتركيز ياسين علي الفارابي الذي تكلم في السياسة بشكل أوضح والحاكم والمدينة الفاضلة وعلاقة السياسة بالحاكم والمجتمع، ثم ينتقل ياسين للماوردي وما ذكره بخصوص الثقافة السلطانية والآراء الفقهية التي تكلم عنها بعض الفقهاء المقربين من الملوك والحكام، كما لفت محق الانتباه لأمانة ياسين في النقد وبراعته في التحليل.
الفصل الثاني: نظرية الخلافة
يشير محق إلى اهتمام ياسين بنظرية الخلافة والبحث التاريخي عن ما تم في أيام الخلفاء وعن خلافاتهم وكيف تم اختيار الخلفاء الراشدين وعن الفتنة الكبرى التي حدثت وبعد الفتنة الكبرى كيف أصبح أمرا نظريا ومواز للجانب العملي وهو التغلب كطريقة لشرعية النظام السياسي والسلطة السياسية، وأضاف أن معظم الخلفاء العباسيين لم يكن لهم شرعية سوى أنهم أخذوا الحكومة بالسيف والقهر، ويستطرد محق مشيرًا لبحث ياسين عما حدث للإمبراطورية الإسلامية من التفكك والجهود التي تمت من أجل تقويض الخلافة وانفصال إمارات وسلاطين من الخلافة العباسية.
الفصل الثالث عن الشيعة
يستعرض محق وصف ياسين للشيعة كمعارضة على مدار التاريخ وتفصيل عدد المذاهب والفروق والفكرة الرئيسية للشيعة وهي “الثيوقراطية المؤجلة” كما عبر عنها ياسين والتي تؤجل لظهور الإمام المهدي مع الجدالات الموجودة داخل الزيدية، والإسماعيلية، والاثنا عشرية، وغيرهم.
الفصل الرابع عن الإباضية
كشف محق عن رؤية ياسين لاتجاه الخوارج بتعبير “ولاية فقيه سنية الإيقاع” أي يشبه اتجاه الخوارج بتركيزهم على دور العلماء وأهل الحل والعقد كمرجع رئيسي في الاختيار والقرار السياسي ما يشبه ولاية الفقيه الشيعة حديثًا في إيران ولبنان، ويؤكد أن عبد الجواد ياسين يرى أن اتجاه الإباضية كان مشابها لولاية الفقيه لكن بإيقاع سني وليس بمرجعية من أهل البيت كما الشيعة.
انتهى السفير محمد محق من عرض محتويات الكتاب بمجلديه ثم شرع في عرض عدة نقاط نقدية وملاحظات له بعد قراءته للكتاب:
1- أشار محق لغياب تاريخ وسياق الكتاب الزمني مؤكدا أهمية الإشارة للمرحلة الزمنية لكتابة الكتاب ما يساعد في فهم ما إذا كانت قد كتبت في بداية مشوار الكاتب البحثي أم نهايته، لافتًا أن عبد الجواد ياسين في بدايته كان توجهاته قريبة من الفكر السلفي وهذه المرحلة من مراحل نضجه الفكري، لذا يستبعد أن يكون كتاب السلطة في الإسلام آخر ما وصل إليه.
2- فضل محق لو زيد فصل فرعي يتحدث فيه عن تاريخ السلطة في تاريخ البشرية بشكل عام، فالسلطة لا تبدأ من التاريخ الإسلامي لأن تاريخ السلطة أقدم بكثير على الأقل من أيام الإمبراطوريات القديمة والحضارات المتنوعة، فلابد من التحدث قليلا عن طريقة السلطة وكيف تتكون وماهيتها ثم الدخول في مرحلة الإسلام لنلاحظ ما أضاف وما عدل وما غير وماذا كان موقفه وتأثيره، وهذا يغيب، برغم تحدث المستشار عن التاريخ إلا أنه أغفل ذكر هذا الجزء.
3- رأى محمد محق أن نقد عبد الجواد ياسين للجانب السلبي (كنقود) كان أكثر منه في الجانب الإيجابي (كحلول) وهذا عند المقارنة بين ما كتبه عبد الجواد سواء في حديثه عن الشيعة والسلفية أو السنة أو العلمانية كنقود وبين ما يطرح من حلول، فعلى قدر أهمية النقد في عرض الأطروحات على قدر الحاجة لعرض حلول أكثر وضوحًا للخروج من هذا المأزق المعرفي.
4- عبر محق عن إشكالية الحل المطروح من قبل ياسين في العودة “للإسلام الصحيح” مشيرًا لمقاربة رؤيته برؤية الإخوان المسلمين بأن “الإسلام هو الحل”، ومشيرًا لأن الإسلام الصحيح عند عبد الجواد ياسين هو القرآن والسنة المعتبرة لكن هنا لما يتحدث عن النص القرآني باعتباره هو الإسلام والإسلام هو النص فقصده من إبراز أهمية النص يفتح مجالًا للتعامل النقدي للتراث لأن ياسين يفرق بين النص المقدس والتراث.
إشكالية محق مع ياسين هنا أن هذا النص هو في تكونه تاريخي وهذه قضية هامة فلا يمكن أن نمر مرور الكرام من هذه النقطة، لأن النص المكي والمدني نصين مختلفين لكل منهما أسلوبه وهذا ما يعترف به حتى كل جماعات الإسلام السياسي مثل محمد قطب وسيد قطب وغيرهم، وهو ما يعطينا فكرة أن النص أيضًا تكون في تفاعل وجدل مع التاريخ.
5- فرق ياسين بين الإسلام والأديان الأخرى فيقارن بين الإسلام والمسيحية في مجال العلاقة بالسلطة وهو يستند لكلام هيجل أن المسيحية كانت تركز على الضمير الإنساني والجانب الفردي لا الجانب الاجتماعي والسياسي ما يعني أن المسيحية انطوائية وفردية وانعزالية بخلاف الإسلام الذي في ذاته اجتماعي أو سياسي ومنفتح أكثر، محق لا يرى أرضية صلبة لهذه التفرقة بين الإسلام والأديان الأخرى من ناحية علم الأديان وظاهرة الدين عموما، مع وجود فروق بين كل دين ودين لكن في النهاية تظل أديان منبعها المعرفي واحد.
6- يرى محمد محق تناقضًا بين مقاربة عبد الجواد ياسين للسلطة والسياسة والحكومة والهيمنة فيه وكيف أنه متأرجح بين الإخوانية والعلمانية فمن جهة هو يحاول أن يحرر المجتمع الإسلامي والفكر الإسلامي بنزع القداسة عن التراث؛ ولكن في نفس الوقت يؤكد ضرورة حكم الإسلام؛ فهو يصرح أن الإسلام من بدايته كان سياسيًا وهذا قريب مما يقوله حسن البنا أن الإسلام دين ودولة بعكس ما قاله جمال البنا أن الإسلام دين وأمة ليس دين ودولة وهذا كان تقويضًا جذريا لحسن البنا لكن من ناحية فلسفية وكلامية فكثير من المفسرين والفقهاء بحثوا أن للنبي أدوار مختلفة وهو ما نجده في الأحاديث النبوية فالنبي كقاضي يحكم على الظاهر أما كنبي فهو لا ينطق عن الهوى فليس من المناسب الخلط بين النبي كنبي وكبشر وكقائد وكسياسي وهو ليس بالضرورة أن يوصلنا للحكم بأن السياسة جزء من الدين.
لمشاهدة محاضرات أخرى للسفير محمد محق اضغط علي الرابط
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد