الإسلام مبتدأ تعريفي..مقال بقلم: فاطمة عبدالله

فاطمة عبدالله

 فاطمة عبد الله

أخصائية علاج طبيعي مستشفى الأمراض الصدرية بالكويت.

fatma الإسلام مبتدأ تعريفي..مقال بقلم: فاطمة عبدالله

سؤال بدا لي سهلا، ولكن منذ أن طرحته حتى انفتح بابا واسعا من الأسئلة، ولكن دعونا نأخذ كلمة دين ونرى أصلها في اللغة أولا: هي مشتقة من الفعل (دان) وهو فعل متعدي فلا يأتي بدون مفعول فإذا قلنا (دانه بزيادة الهاء) تعني ملكه وقهره وحاسبه، وإذا قلنا (دان له) أي خضع له، أما إذا قلنا (دان به) فمعناها اتخذه دينا ومذهبا ومعتقدا، بالتالي كلمة دين هي اعتقاد قداسة ذات، ومجموعة من الأوامر والنواهي التي يخضع لها من دان به لتلك الذات ذلا وحبا رغبة ورهبة على حسب تعاليم هذا الدين.

ففي سورة الكافرون يأمر الله رسوله أن يقول: “قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ (1) لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ (2) وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (3) وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ (4) وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (5) لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ(6)”،  فالدين هنا التعبد سواء تعبد سيدنا محمد لله أو تعبد الكافرون لآلهتهم. 

AD_4nXfA6CrH4baCmrvlBnKJ1nVRC0a6alfJLRlIoEKToBL8k_QIr30dW535GakFe6QXSd5Rxs5a6zz4g2CjngsA8wh8q-KTLPs4j1qXqFgsrQkNQn9BhbLIWuFw-xyGbO0ZQDpwXxgl8GbUFFiVN15UyH_t0w?key=DB909KNyEPBYyFxBqpdXHA الإسلام مبتدأ تعريفي..مقال بقلم: فاطمة عبدالله

لكن ما الفرق بين الدين والملة والشريعة؟ وما هو دين الاسلام؟

في كتاب الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ذكر “الملة اسم لجملة الشريعة، والدين اسم لما عليه كل واحد من أهلها ألا ترى أنه يقال فلان حسن الدين ولا يقال حسن الملة وإنما يقال هو من أهل الملة. والدين ما يذهب إليه الانسان ويعتقد أنه يقربه إلى الله وإن لم يكن فيه شرائع مثل دين أهل الشرك وكل ملة دين وليس كل دين ملة واليهودية ملة لان فيها شرائع وليس الشرك ملة وإذا أطلق الدين فهو الطاعة العامة التي يجازى عليها بالثواب

مثل قوله تعالى ” إن الدين عند الله الإسلام” وإذا قيد اختلف دلالته وقد يسمى كل واحد من الدين والملة باسم الآخر في بعض المواضع لتقارب معنييهما والاصل ما قلناه، والفرس تزعم أن الدين لفظ فارسي وتحتج بأنهم يجدونه في كتبهم المؤلفة قبل دخول العربية أرضهم بألف سنة ويذكرون أن لهم خطا يكتبون به كتابهم المنزل بزعمهم يسمى دين دوري أي كتابه الذي سماه بذلك صاحبهم زرادشت، ونحن نجد للدين أصلا واشتقاقا صحيحا في العربية وما كان كذلك لا نحكم عليه بأنه أعجمي وإن صح ما قالوه

فإن الدين قد حصل في العربية والفارسية اسما لشيء واحد على جهة الاتفاق وقد يكون على جهة الاتفاق ما هو أعجب من هذا، وسميت الملة ملة لاستمرار أهلها عليها وقيل أصلها التكرار من قولك طريق مليل إذا تكرر سلوكه حتى توطأ، ومنه الملل وهو تكرار الشيء على النفس حتى تضجر، وقيل الملة مذهب جماعة يحمي بعضهم لبعض عند الأمور الحادثة”.

فاطمة عبدالله تشرح مقالها في دورة توتر القرآن عن معنى الدين

وهي أيضا اتباع من سبقك وجاءت من الفعل يملي فيجب أن يوجد من يمليك لتكتب ما يقول. و لم توجد المِلَّة مضافة إلى الله، فلا يقال ملة الله لكن تضاف إلى النبي الذي تسند إليه مثل قوله تعالى “فاتبعوا ملة إبراهيم” (آل عمران/95).

فدعونا نعرف ما هي ملة إبراهيم التي نتبعها كمسلمين تبعا لإبراهيم وندعو بها صباحا ومساءا مع دين سيدنا محمد. هنا سأقتبس جزءا من مقال للدكتور توفيق حميد – وهو طبيب ومفكر وباحث في مجال الإسلام السياسي – كتب فيه “ملة إبراهيم كما ذكرها القرآن الكريم هي ملة العقل والوصول إلى الله من خلال الفكر وهي ملة التأمل في ملكوت السماوات والأرض كما أنها هي ملة الرد على الإساءة بالإحسان والمناقشة بالحجة والبرهان، لا بالغلظة والإكراه. فقد كان العقل والمنطق ـ لا النقل والنص ـ هما أساس ملة إبراهيم، فنراه يحاجّ قومه في طفولته.

“قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ” (سورة الأنبياء آية 62-65).

وملة إبراهيم أيضا هي ملة الثورة على فكر “السلف”، ورفض الانصياع الأعمى له” إذا فاتباع ملة إبراهيم هي اتباع الطريقة التي سلكها ابراهيم من إعمال العقل والتفكر وعدم استعمال العنف ومقابلته بالإحسان.

أما الشريعة في اللغة فهي من شريعة الماء وجاء في (لسان العرب) لابن منظور الشَّريعة هي مورد الماء، الذي تَشْرَع فيه الدَّوابُّ وهمُّها طلبها. وقال بعض العلماء سُمِّيَت الشَّريعةُ تَشبيهاً بشَريعَةِ الماءِ بحيثُ إنَّ مَنْ شَرَعَ فيها على الحَقيقة المَصدوقَةِ رَوِيَ وتَطَهَّرَ. 

وقد ورد في القرآن على لسان العديد من الأنبياء قولهم إنهم مسلمون فقال الله عن نوح عليه السلام “وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (يونس 7). وعن إبراهيم عليه السلام “إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” (البقرة 131). وعن موسى عليه السلام: “يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ” (يونس 84). وعن حواريي المسيح: “وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ” (المائدة 111). وعن سليمان عليه السلام على لسان ملكة سبأ: “رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (النمل 44). وعن الأنبياء الذين سبقوا: “يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا” (المائدة 44). 

إذا فالإسلام هو دين واحد  لكل هؤلاء الأنبياء ولكن تعددت الملل والشرائع والأحكام التي جاءوا بها ليحكموا بها: “وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (المائدة 48).

وقد ذكرت كلمة دين ومشتقاتها في القرآن في 92 موضع وتعددت معانيها على حسب كل موضع ذكرت فيه ما بين الحساب أو يوم الحساب إذا أضيفت الى كلمة يوم، سأستعرض فقط بعض المواضع وهي: “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” ﴿١٩ آل عمران﴾، “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران 85)، “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” ﴿٧٨ الحج﴾.

فالإسلام هو دين الله القائم على التوحيد والإيمان باليوم الآخر وعمل الصالحات وهو ذلك الدين الذي لن يقبل غيره ولكن لكل نبي ورسول شرعة ومنهاجا يتقربون به إلى الله: “إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة 62) ويؤكد على ذلك المعنى حديث سيدنا محمد “إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللبنة؟، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين”، وقوله صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فالأخلاق كانت موجودة فيمن سبقه ولكنه بعث لإكمالها.

أما آخر آية  سأذكرها فهي الآية ﴿٧٨ الحج﴾: “وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ”.

فالحرج هو الضيق فأينما وجدت الضيق فاعلم أنه ليس من الدين فلم يجعل الله في الدين من ضيق فالأصل في التعبد لله التيسير.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات