الإنسان الفاعل والقرآن الحي: مدخل علي مبروك لمعضلة توتر القرآن .. بقلم: أكمل صفوت

هذه هى المقالة الثالثة عن معضلة توتر القرآن وكيف تعامل معها المفسرون. وتتناول الإسهام الفكرى لعلى مبروك (١٩٥٨ – ٢٠١٦) حول نفس القضية

أكمل صفوت

طبيب مصرى يعمل إستشارى علاج الأورام بمستشفى جامعة أرهوس بالدانمرك ومن المهتمين بالفكر الدينى والإسلام السياسى وهموم المصريين فى المهجر

366828457_10168468365345624_8082665483284023628_n الإنسان الفاعل والقرآن الحي: مدخل علي مبروك لمعضلة توتر القرآن .. بقلم: أكمل صفوت

مقدمة قبل البدء: لماذا على مبروك؟ 

هذه هى المقالة الثالثة عن معضلة توتر القرآن وكيف تعامل معها المفسرون.

وقد اخترت -فى المقالتين السابقتين- أن أتناول بالعرض وبعض النقد والتحليل مدخلين فكريين لهذه القضية وهما مبحث “مقاصد الشريعة” ونظرية “تحليل الخطاب” ، وذلك لأننى تصورت أنهما يقدمان للباحث فى هذا الموضوع مناهج فكرية وأدوات عقلية قد تمكنه من التعامل مع تلك القضية بما هى أهل له من العمق والتعقيد، ولأننى تصورت أن مايقترحاه من مناهج لقادرة على تقديم حلول أو نتائج ديناميكية متجددة ومتعددة تستطيع كسر الحالة الحالية من الجمود الفكرى والمساجلة وتكرار الأفكار. 

وقد اخترت فى هذه المقالة الثالثة والأخيرة أن أتناول الإسهام الفكرى لعلى مبروك (١٩٥٨ – ٢٠١٦) حول نفس القضية وذلك لسبين: 

الأول: أن مدخل على مبروك الفكرى فى التعامل مع توتر القرآن يدمج فى آلياته الفكرية تفاعل بين مبحث المقاصد ونظرية الخطاب. 

الثانى: أن على مبروك لم يقدم فقط إقتراحا لحل معضلة التوتر بل تشخيصا لأصل الداء وهو تشخيص يوضح فيه أن توتر القرآن ليس هو المشكلة وأن جذور المعضلة تكمن فى داخل العقل المسلم وفى الدور المحورى الذى لعبته السياسة فى تشكيل مفاهيمه الدينية والعقائدية. 

وسأحاول فى الجزء الأكبر من هذه المقالة شرح فلسفة على مبروك ورؤيته لجذور المشكلة ثم أقدم نبذة مختصرة عن رؤيته لكيفية التعامل مع توتر القرآن باعتبار هذا التوتر عنصرا رئيسيا فيما أسماه “القرآن الحى”. 

وقد استعنت فى هذه المقالة بمجموعة من محاضرات على مبروك وكتاباته وبالأخص كتاب “نصوص حول القرآن: فى السعى وراء القرآن الحى” الذى استعرت منه الكثير من الفقرات (مكتوبة بخط مائل وموضوعة بين علامتى التنصيص “…”) 

d986d8b5d988d8b5-d8add988d984-d8a7d984d982d8b1d8a2d986-.-d981d98a-d8a7d984d8b3d8b9d98a-d988d8b1d8a7d8a1-d8a7d984d982d8b1d8a2d986-d8a7d984d8add98a الإنسان الفاعل والقرآن الحي: مدخل علي مبروك لمعضلة توتر القرآن .. بقلم: أكمل صفوت

الحضرة السلطانية وقهر الإنسان الفاعل 

لايسع أى باحث فى القرآن أن يتجاهل محورية قضية خلق القرآن فى تكوين وتركيب العقل المسلم  وتعامله مع الوحى. غير أن على مبروك هو الوحيد الذى أشار إلى  أن “القرآن فى تلك القضية لم يكن الا ساحة للصراع حول الإنسان”. 

ولم تكن قضية وضع الإنسان ودوره فى الكون إشكالية إلا لكونها انعكاسا لموقف هذا الإنسان فى مواجهة السلطان، “فالسلطان كان حاضرا حضورا جوهريا فى قلب القول فى الصفات الى حد استحالته الى أصل يجرى القياس عليه فى تأويل بعض الصفات التى يصف الله بها نفسه فى التنزيل” وإلى حد قول الغزالى (١.٥٨ – ١١١١) “إن الحضرة الإلهية لاتفهم إلا بالتمثيل إلى الحضرة السلطانية”. وكذلك يظهر هذا الحضور فى القول المأثور “إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن”. 

فقد كان هناك دائما تصوران متصارعان حول الإنسان ودوره فى هذا الكون، ومحوريته داخل الوحى. وارتبط كل تصور منهما برؤيتة الخاصة للقرآن، “فمن تصوروا القرآن صفة قديمة لله كانوا مشغولين بتثبيت وضع يكون فيه الإنسان مستلبا وعاجزا ومن تصوروه خطابا مخلوقا يخص الإنسان كانوا مشغولين بتثبيت وضع يكون فيه الإنسان فاعلا فى العالم”.

وإذن فإن “كلا من الله و القرآن إنما كان يجرى استدعاؤهما للدخول فى المواجهة مع الإنسان” وما كان  التعالى بالقرآن  إذن، إلا من إجل التعالى بالسلطان. 

بيد أن الأهم ومالايمكن تجاهله هو أنه “إذا كان القصد من التعالى بالقرآن سياسيا ففعل التعالى نفسه، فعلا معرفيا تحقق عن عبر مسارات تتعلق بلغة القرآن وتاريخه وتصور ماهيته وقواعد فهمه وقراءته”. وتحقق كذلك عن طريق ما يسميه على مبروك” الأطلقة” بمعنى نفى أى بعد تاريخى للوحى واعتبار المعانى والمفاهيم “مطلقة”، مفارقه للواقع وثابتة وازلية. 

ولو تتبعنا مسار تصور ماهية القرآن فى المرويات الخاصة بالجيل الأول للصحابة لأكتشفنا امتلاكهم تصورا للقرآن باعتباره “واقعة تخص عالم الإنسان المفتوح”. وهى رؤية تتماشى مع طبيعة الوحى الذى: 

١)  تغير مع تغير احوال البشر ، لأننا لايمكن أن نعزى تغير الوحى مع تعاقب الرسل والرسالات (وكذلك الشرائع كما فى قوله تعالى فى سورة المائدة آية ٤٨ (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) لتغير فى الذات الإلهية. 

٢) خاطب البشر بلغتهم كما فى قوله تعالى “وماأرسلنا من رسول الا بلسان قومه” (ابراهيم، آية ٤). بما يعنى “تحدد الوحى (القرآن أيضا) بهذا النظام الكامن فى اللغة (فاللغة نظام كامل للتفكير) وبما يعنى كونه قائم على الحوار المفتوح مع تاريخ الناس ونظام تفكيرهم”. 

فيديو تلخيص وشرح ما جاء في مقال د/أكمل صفوت

ونستطيع تبين هذه الرؤية من عدة مواقف مفصلية فى تراث الصحابة يذكر على مبروك منها على سبيل المثال قدرتهم على اختيار اللغة/اللسان الذى سيكتب به القرآن الذى كان يتلى بعدة السن عربية. كذلك الروايات حول “التفاوض” أو الجدل الذى دار حول كتابة آية الرجم (التى خشى عمر كتابتها لأن الناس على حد تعبيره  “تتسافد كتسافد الحمر”. وليس المهم هنا ان كانت هذه الروايات صحيحة أم لا، إذ ما يعنينا هنا أن تواتر الروايات وإثباتها فى كتب التراث ما يؤكد على قبول فكرة التعامل مع القرآن باعتباره حوار مع الواقع. وهو ما يتضح أيضا فى  الروايات المشهورة عما فعله عمر من تعطيل بعض الأحكام القرآنية لتغير الظروف. 

تجربة الجيل الأول من الصحابة إذن تكشف عن “روح تخاصم الأطلقة (بمعنى وجود مفاهيم أزلية ثابتة مطلقة) وعن ادراك للوحى كساحة للحوار المفتوح الذى لايتقيد الا بدواعى الصلاح ووجوه المصلحة”. يقول أبو المعالى الجوينى (١٠٢٨ – ١٠٨٥)  “إن سبر (أى جرى فحص) أحوال الصحابة رضى الله عنهم وهم القدوة والأسوة فى النظر، لم ير لواحد منهم فى مجالس الإستشوار (أى المشاورة) تمهيد أصل أو استثارة معنى ثم بناء الواقعة عليه (كما فعل اللاحقون عليهم) ولكنهم يخوضون فى وجوه الرأى من غير التفات إلى الأصول كانت أو لم تكن………. إنما كانوا يرسلون الأحكام ويعلقونها فى مجالس الإستشوار بالمصالح الكلية”. وكل هذا يثبت ويؤكد رأى على مبروك أن “الوحى ليس هو الأصل المنتج للأطلقة بل هو أول ضحاياها”. 

غير أن هناك تحولا سياسيا قد حدث ويمكننا متابعته من خلال رؤية أبى بكر للخلافة كمسؤلية و للحاكم كمسؤول خاضع لمساءلة المحكومين والتى تتبدى فى قوله  “وليت عليكم ولست بخيركم، فإن احسنت فأطعونى وإن أسأت فلا طاعة لى عليكم” ، لرؤية  عثمان للخلافة كتكليف الهى وللحاكم كشخص فوق المساءلة والتى تتبدى فى قوله “والله لاأخلع ثوبا سربلنيه الله” ، ثم الى تحول الخلافة الى عصبية وإمتياز عائلى/طائفى وملك عضوض. 

هذا التحول السياسى قد رافقه تحولا واضحا فى تعامل المسلمون مع القرآن من إعتبار القرآن “واقعة تخص عالم الإنسان” إلى “كلام الله القديم”. هذا التحول هو بمعنى آخر انتقال من القرآن الذى لاينطق بلسان ولكن ينطق به الرجال الى القرآن الذى يرفع على أسنة الرماح ليحسم معركة سياسية، ومن القرآن الذى كان مركزه الإنسان الى القرآن الذى استثمره واحتكره السلطان. 

ويرى مبروك خطا موازيا آخر لايخلو هو الآخر من أهمية ودلالة وذلك هو الإنتقال بالقرآن من كونه مكتوبا للمسلمين على تعدد قبائلهم بألسن متعددة (قبل الجمع) الى قرآن مكتوب بلغة مضر (إن التبست القراءات على الجامعين، فى رواية عن عمر، أثناء الجمع الأول) الى قرآن مكتوب بلسان قريش (فى رواية عن عثمان، فى الجمع الثانى). وأن هذا ساهم فى اعتبار لغة القرآن كلام الله بدلا من أن تكون لغة الإنسان. ويرى مبروك إن هذا التحول قد ساعد فيما بعد لإعتبار القرآن صفة أزلية وأن حروفه وأصواته قديمة وكذلك المعانى والدلالات ازلية وواحدة (غير متعددة). 

من الناحية الفكرية والثقافية فإن “مايتفرع عن جعل القرآن هو كلام الله السابق (فى الأزل) على وقوع المخبر عنه (فى الزمن) هو تثبيت مفهوم لكل من المعنى والحقيقة يكونا فيه أقرب الى المعنى الجاهز فيكون عمل الوعى هو مجرد الأرتقاء بالواقع، الى التطابق مع مثاله الذهنى القائم فى الأزل أو “مطابقة مافى الأعيان على مافى الأذهان” (المقصود هنا ذهن الله طبعا). وافدح نتيجة لذلك هى التعالى بالمعرفة البشرية الى حد تصبح فيه طبيعة الهية (لإدعاءها الأمساك بما فى ذهن الله). وهذا التأليه للمعرفة الإنسانية هو مايقف وراء عمليات الإقصاء والهيمنة التى سادت وهيمنت على تراث المسلمين”. 

“المعرفة فى هذا الإطار ماهى الا تصور للواقع بناء على مثال سابق (الحاق الفرع بأصله). والتاريخ تكرار للنماذج المطلقة خارجه”. 

“الوعى فى هذا الإطار يرى الوجود كظل والحقيقة كتطابق والتاريخ كتكرار والمعرفة كالحاق واستتباع. وكل ذلك يعكس علاقة اعلى بأدنى حيث الأصل هو الأعلى والعقل هو الأدنى”. 

هذا النوع من الوعى وهذا الإطار للمعرفة هو أصل الداء الفكرى، ويؤكد مبروك انه قد حدث “تأبيد وتثبيت لمنظومات معرفية (فقهية وعقائدية) عبر أطلقتها وفك روابطها مع التاريخ الذى يحددها وإضفاء القداسة عليها” بل وعلى منتجيها من البشر -كالشافعى (٧٦٧ -٨٢٠) والأشعرى (٨٧٤ – ٩٣٦)- المتماثلين فكريا عن طريق كثير من الروايات التى تدعى اتصالهما بالنبى عن طريق الرؤى والنبوءات. كذلك نجد أن أسماء الفرق الإسلامية الأولى (خوارج، شيعة، معتزلة) تنتسب الى وقائع تاريخية وسياسية فى حين انتسبت الفرق المتأخرة لأشخاص (اشعرية، ماتريدية)  لإسباغ القداسة على الأشخاص والطائفة معا. 

ويرى مبروك قدرا كاشفا من التعالى ونوازع التسلط والهيمنة فى تعريف علم الكلام (أصول الدين) بحسب ابن خلدون (١٣٣٢ – ١٤٠٦) الأشعرى المذهب فهو يعرفه بأنه: “علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية  والرد على المبتدعة المنحرفين فى الإعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة”. فبخلاف ان التعريف يصف كافة المغايرين بالإبتداع والإنحراف فهو يوضح ان  “المحاججة قد تبلورت من الصراع فى الإسلام (من فرق اسلامية اخرى) وليس من الصراع مع الإسلام (من اديان وعقائد من خارجه)  وكون ان السياسة متبدية فى الإمامة وماتفرع عنها من مواضيع ذات حمولة سياسية زاعقة كانت هى الإطار الذى تبلور فيه العلم بأسره ، ما يعنى أن المحاججة تخفى موضوعها الجوهرى وهو مواقف السياسةخلف قناع عقائد الإيمان”. 

والمآل النهائى الذى تؤدى إليه تلك الأفكار هو “التصور السلطوى للدلالة وان يكون إحتكار الدلالة هو القناع المعرفى -فى الثقافة-  الذى يغطى على إحتكار  السلطة فى السياسة”. 

فى هذا الإطار يعتبر عقل التفكير خارج الأصل هو عقل البدعة المذموم كما قال الشاطبى (توفى ١٣٨٨). والإختلاف -أيا ماكان- مكروه لأنه تفرق والتعدد تشرذم (وعادة مايشار فى هذا المقام للروايات المتعددة لحديث “ستتفرق امتى على ٧٣ شعبة كلهم فى النار الا واحدة”  الذى رواه ابو داود والحاكم وصححه وحسنه ابن حجر فى تخريج الكاشف، وابن تيمية فى مجموع الفتاوى والشاطبى فى الإعتصام). النتيجة النهائية لكل ماسبق من المفاهيم والأفكار هى الإنتقاص من فاعلية وحيوية القرآن وأن يكون الإقصاء حلا لكل خلاف أو توتر معرفى. 

المقاصد التأسيسية وتحليل الخطاب داخل القرآن الحى

يرى مبروك أن القرآن يتميز بكونه “ساحة التقاء بين التاريخى بتجديداته الجزئية وبين المتجاوز بشموله وكليته” أو بين “الإجرائى” و”التأسيسى” على حد قوله. 

غير أن مبروك يؤكد أن العلاقة بين الإجرائى والتأسيسى فى القرآن ليست ثنائية تنفى إحداهما الأخرى بقدر ماتتعلق بحقيقة واحدة يكون التأسيسى هو جوهرها والإجرائى داخل فى تركيبها ويقرر أن التأسيسى “لايقتصر على ماهو اخلاقى بل يتسع لمفهوم المصلحة الإنسانية كمبدأ عام”. نستشعر فى كلام على مبروك عن الشق التأسيسى وثباته وكونه غاية عليا ، صدا لمفهوم المقاصد الكلية لا كما قررها الشاطبى أو الغزالى بل بمفهوم اشمل واحدث أقرب لمفهوم نصر حامد أبو زيد الذى اوضحه فى مقاله عن المقاصد فى تسعينات القرن الماضى. 

مبروك يرى امكانية حدوث توتر بين المبدأ التأسيسى وبين التحديد الإجرائى الذى يتحدد هذا المبدأ من خلاله فى واقع بشر بعينهم. بل يذهب لأبعد من ذلك حين يقرر أنه “قد يتحول الإجرائى الى عائق يحول دون تحقيق المبدأ التأسيسى المتجاوز الذى يقف وراءه” ويتصور إن وجود النسخ ماهو إلا تأكيدا لهذه الحقيقة. لذا  يرى مبروك -لدرء التوتر- ضرورة أن تنضبط الحدود الإجرائية بالمبدأ التأسيسى وهو مثلا ماأدركه عمر بن الخطاب حينما عطل العمل بسهم المؤلفة قلوبهم مثلا وما يمكن أن نرى له نموذجا آخر فى موضوع الرق والآراء الفقهية المتعلقه به والتى لايسعنا الا تعليقها وتجميدها لصالح المبدأ التأسيسى الخاص بالحرية الإنسانية. 

يمكننا اذا ان نرى من خلال هذه النظرة أن توتر القرآن إذا ليس الا عرضا لعجز الفقهاء المتأخرون عن رؤية المبادئ التأسيسية القائمة وراء الحدود الإجرائية. 

ويرى مبروك فى استخدام نظرية تحليل الخطاب وسيلة للتمييز بين التأسيسى والإجرائى ويضرب لذلك مثلا بالخطاب القرآنى حول الإنسان. 

“خطاب القرآن عن الإنسان فى الدنيا يقر بكل اشكال التمييز بسبب والعرق والدين (دون ان يعنى ذلك تثبيت لها) بل هو يقر بها كجزء من واقع لايقدر على القفز فوقه وان كان يسعى لخلخلته، كما فى قوله تعالى (وهو الذى جعلكم خلئف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فى مآءاتاكم ان ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم. الأنعام، آية ١٦٥).  فى حين ان خطاب القرآن عن الإنسان فى الآخره يرفع كل اشكال التمييز التى تفرضها ضرورات الوقت ودواعى التطور وهناك وحدة جزاء، كما فى قوله تعالى (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم. البقرة، آية ٦٢) وحيث ان الدنيا دار عبور للخالد فلابد ان ينضبط العابر  على الخالد وليس العكس. كذلك لحظة الخلق الأولى نفى فيها القرآن حصول التمييز، كما فى قوله تعالى (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا انتم بشر تنشرون. الروم، آية ٢٠). هذا النفى القرآنى للتمييز فى لحظتى الخلق والمعاد ينتفى معه ان يكون التمييز قصدا الهيا”. 

الفكرة الأساسية عند على مبروك هى أن اهم محددات الإجرائى فى القرآن هو قابليته للتجاوز. بل إنه يقول ان القابلية للتجاوز هى احد صفات المنطق الحاكم لظاهرة الوحى بشكل عام. فالوحى ظاهرة تاريخية اكتملت على مدى تاريخى طويل عبر لحظات شتى، ترتبط كل وحدة بلحظة تجليها. ويرى مبروك أنه “اذا كان اكتمال الوحى مع النبى يؤذن بعدم القابلية لتجاوزه تنزيلا فإنه يفتح الباب لتجاوزه تأويلا”. فالقابلية للتجاوز لاتفارق الوحى لأنها جزء من طبيعته “ولن يمكننا فعل ذلك بدون تحرير الله والقرآن من قبضة السلطان وبناء خطاب للإنسنة”. وهو خطاب سيظل متجدد دائما لأنه “يستحيل القول بإن معرفة ما قادرة على استنفاذ القرآن”. أما “تثبيت الأحكام والتحديدات الإجرائية باعتبارها ذات طبيعة نهائية ومطلقة فسيقف عائقا ليس فقط امام تحقيق القصد التأسيسى بل امام مسار التطور الإنسانى”.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات