نتاشا العبادي

يستكمل صالون تفكير احتفالية بسبعينية المستشار والمفكر عبد الجواد ياسين، حيث قدم الندوة السادسة عن التحولات الفكرية لعبد الجواد ياسين في  يوم الخميس الثاني عشر من سبتمبر 2024 في الساعة الثامنة مساءً. أدار الندوة الكاتب والباحث جمال عمر ومؤسس صالون تفكير، ويقدمها الأستاذ سامي حمدان مبارك، القانوني وتلميذ المستشار عبدالجواد ياسين. تحدث جمال عمر عن ان هذه الندوة لها بعد خاص نظراً لجهود الاستاذ سامي حمدان مبارك في تجميع حوارات ومقالات عبد الجواد ياسين عبر مراحل حياته واهتمامه الكبير بتراثه الفكري، لمحاولة فهم فكر وخطاب المفكر عبد الجواد ياسين في سياقه. 

  تدور الندوة حول عدة محاور للتعريف بالمفكر عبد الجواد ياسين والتحولات الفكرية في فكره، يرى الأستاذ سامي حمدان مبارك أن التحولات الفكرية للمفكر عبد الجواد ياسين كانت جذرية، حيث انتقل من الحالة السلفية الخام إلى الحالة النقدية، مما يعكس تغيرات عميقة في فكره .

النشأة 

نشأ عبد الجواد ياسين في أسرة عريقة فى مركز الزرقا بمحافظة “دمياط” سنة 1924، فقد كانت أسرته من عائلة أرستقراطية؛ وأخواله ينتسبون إلى عائلة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم عبد الهادي باشا الذي قُتل في الأربعينيات من القرن الماضي على يد عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، فوالد عبد الجواد ياسين كان من كبار المحامين. ومن أشهر الشخصيات التي خرجت من هذا المركز الدكتور رفعت المحجوب، والتحق  بكلية الحقوق ، وتخرج 1976 وعُيّن وكيلاً النيابة.

نقطة التحول الفكري 

ترجع نقطة التحول الرئيسية في شخصيته عندما كان وكيلاً للنيابة في مركز المنزلة دقهلية، حيث جاءه بلاغ من شخص يقول له: إن ابنه تم القبض عليه في بلاغ كيدي وتم اصطحابه لقسم الشرطة والاعتداء عليه وتعذيبه، وعلى الفور توجه إلى (قسم المطرية) وقام بالتفتيش داخل الحجز حتى يجد الشخص المطلوب، وسرعان ما لمح وكيل النيابة عبد الجواد ياسين شخصاً ينام بجوار سلم مهمل في القسم، وحين طلب منه أن يذكر اسمه اكتشف أنه الشخص المطلوب. اصطحبه على الفور إلى مبنى النيابة، بانتداب مفتش الصحة المختص وطلب منه إجراء الكشف الطبي عليه لإثبات الإصابات الظاهرة نتيجة التعذيب، وبعد التحقيق أمر بضبط وإحضار ضابط المباحث المسؤول عن التعذيب وكذلك مأمور القسم . ورفع أمر الضبط والإحضار إلى مديرية أمن الدقهلية لتنفيذه، والمفاجأة أنه كان يرأسها مدير الأمن بالمحافظة اللواء زكي بدر، فانزعج بدر من بلاغ النائب ورفع الأمر إلى وزير الداخلية الذي بدوره رفع الأمر إلى وزير العدل، وحاولوا إثناء عبد الجواد ياسين عن طلب التحقيق مع السادة الضباط في جريمة التعذيب، إلا أنه رفض، وبعدها  صدر الأمر بنقله إلى مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا. 

الإستقالة  

كان النائب عبد الجواد ياسين  يردد دائماً أنه يدافع عن المظلوم ويستغل تواجده لتطبيق شرع الله، ففي بعض القوانين الوضعية ما هو نصرة للمظلوم، إلا أن الفكرة بدأ يتأثر بها، وبالفعل ابتعد عن النيابة وكتب استقالة مسبّبة شرح فيها أنه يقدم هذه الاستقالة لأن هذا العمل يخالف الشريعة، وكتب على رأس الاستقالة: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]، ورفع هذه الاستقالة إلى النائب العام. ثم يحدث موقفا آخر، حيث كان وكيل النيابة المستشار عبد الجواد ياسين يعمل في نيابة دمياط، وكان قد صدر قرار من أنور السادات بحظر نقل “المواشي” من محافظة لأخرى ومصادرة ما يتم ضبطه منها لصالح الدولة. وفي أثناء ذلك تم ضبط سيارة قادمة من إحدى المحافظات ليلاً فيها «مواشي»، وتم ضبط التاجر مالك المواشي للتحقيق معه، وبسؤاله: قال إنه يعمل بالتجارة وأن هذا عمل حلال، فأمر وكيل النيابة عبد الجواد ياسين بإخلاء سبيله وحفظ المحضر وكتب عليه قول المولى عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].. وأحدثت هذه الواقعة مشكلة كبيرة مع المستشار الذي خالف تطبيق القانون. ونُقلت المسألة في حينها إلى الجهات السيادية، وتم تصويره على أنه متشدد دينياً، وبالفعل قُبلت استقالته وخرج من النيابة العامة. 

حزن الأسرة 

تبدد حلم والده بأن يصبح وكيلاً للنيابة ثم قاضياً، وحدثت جفوة بين عبد الجواد ياسين وبين والده، ولا يريد الصدام، فقد كان يحبه حباً شديداً، وكان يريد أن يطيعه، لكن ليس على حساب دينه كما كان يتصور، و قرر الأبن عبد الجواد ياسين أن يكتب لأبيه قصيدة شعرية رقيقة تركها له على المكتب الخاص به في المنزل، شرح له فيها ما يجيش في نفسه وما يجول في عقله من خواطر، وكان مطلعها:- 

أبتاه ما لي أراك تراني 
كالناقمين يرون وجه الجاني 
كالمراهقين يرون نصلا صارما 
أو يشهدون الدم أحمر قاني 
أراك تحكي للرفاق تلومني 
تشكو إليهم شدة الأحزان 
أراك تحسب أن ابنك قد هوى 
وأراك تزرف حسرة و تعاني 

اعتقاله في سبتمبر 1981

ثم يسرد الاستاذ سامي حمدان مبارك اعتقال المفكر عبد الجواد ياسين في ٩/٢ و احتجازه في سجن طره، ثم ترحيله لسجن أبو زعبل، وكان معه الشيخ حافظ سلامة (زعيم المقاومة الشعبية في السويس)، و عبد المنعم أبو الفتوح، وأفرج عن عبد الجواد ياسين في ١ سبتمبر 1982. 

خناقة مع فهمي هويدي وكتاب فقه الجاهلية 

يتطرق الأستاذ سامي إلى محاولة ياسين نشر كتابه فقه الجاهلية الذي لا يستطيع نشره، فعرض الكتاب على الشيخ نجيب عبد الفتاح والذي عرضه على الأستاذة صافيناز كاظم المستشارة الثقافية لدار الزهراء و يملكها الإخواني أحمد رائف، ولكنه طلب من عبد الجواد ياسين تغير اسم الكتاب من (مقدمة في فقه الجاهلية المصرية) إلى (مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة)، وهو يشبه (كتاب معالم في الطريق) لسيد قطب، وكتاب (جاهلية القرن العشرين) لمحمد قطب. 

تلقى المفكر الإسلامي فهمي هويدي الكتاب وكتب عنه ثلاثة مقالات في جريدة الأهرام في نهاية الثمانينات، انتقده فيها بشدة، حيث اعتبر هذا الكتاب اتهاماً للمجتمعات المسلمة بأنها ما زالت جاهلية كما كانت قبل العصر الإسلامي الأول، وكتب ساخراً: لقد ضبطنا قاض شاب متلبسين بممارسة الجاهلية في طول البلاد وعرضها، دون أن ندري، فعقد محاكمة على وجه الاستعجال وأثبت أمامها حالة التلبس، ثم أصدر ضدنا حكماً بالإعدام العقدي والمعنوي، وفي إعلان حكمه نعى إلى الأمة إيمان شعب مصر وعودتها لجاهلية ما قبل الإسلام، بل قرر أنها أكبر؛ لأن الجاهلية الأولى كانت صريحة واضحة، لكن جاهليتنا أشد من جهل أبي جهل، ويرد ياسين في إحدى المجلات للتيار الإسلامي.

ثم يقدم عبد الجواد ياسين كتاب بعنوان (تطور الفكر السياسي في مصر في القرن ١٩)، عبارة عن ٩٧ صفحة وكان عنوانه الفرعي (بحث في التوجه الغربي عن تنحية الشريعة الإسلامية)، ويقول الأستاذ سامي ان عبد الجواد ياسين لم ينخرط تنظيميا في التيار الإسلامي رغم تأثره بالحالة السلفية المنغلقة.

الصحوة الاسلامية و تحولات أخرى 

  يقول سامي أن تعرض مصر لهجمة أصولية في ظل تنامي الصحوة الإسلامية ومفاهيم الصحوة التي كان لها أثر على المجتمع وعلى الثقافة، وأصوات الصحوة الممثلة في  الشيخ الشعراوى وعبد الحميد كشك، كانت بذور التفكير النقدي لدى عقل ياسين. وبعد اعتقال ، وحالة الشتات أجبرته على البحث عن إجابات على أسس عقلية للدين بعيدا عن منطقه من خلال قراءته كتاب (نقد العقل المحض) للفيلسوف الألماني كانط، وتوصل إلى أن العقل محدود في شأن الإيمان، ولا يحتاج إلى برهان عقلي، وأن منظومة التدين التاريخية الفقهية الكلامية ليست كافية لحسم قضية الإيمان. يرى الأستاذ سامي أن عبد الجواد ياسين كان يبحث عن أسس عقلية من داخل الدين نفسه، فخرج كتابه الذي يندرج تحت عنوان السلطة في الإسلام الذي قدم فيه قراءة للدين من داخل النص، واقر أن الدين هو النص ، وليس هذا فقط بل توصل إلى أن التاريخ السياسي للإسلام ومنه جميع التيارات الإسلامية قد فشلت. 

مما جعل عبدالجواد ياسين يبحث عن ما هو مفهوم الإلزام وما هو المباح متأثرا بالمقولات السلفية، وكان يبحث على أساس نظري من كتب السلف واستعان بكتب ابن حزم، ثم يشرح الأستاذ سامي أن عبدالجواد ياسين فرق ما بين الخلافة وهي مجرد نسق شكلي غير موجود في نصوص الإسلام وكانت محاولة إصلاحية في كتاب (السلطة في الإسلام)، ثم دخل مرحلة النقد وكانت واضحة في كتابه (الدين والتدين)، وكان يحاول يجيب عن سؤال وجوب تطبيق الشريعة وقبله كان خليل عبدالكريم المحامي اليساري حاول في كتاب (الأصول التاريخية للشريعة الإسلامية )، ونخرج من (كتاب الدين و التدين) إلى أن الشريعة كلها تنتمي للاجتماع ولا تنتمي للمطلق الإلهي. 

ثم يتحدث الأستاذ سامي عن كتاب (اللاهوت ) وهو التصورات عن الله في الديانات السماوية الثلاثة، وينتهي ياسين إلى أنها تنتمي للاجتماع، و أن اللاهوت الإسلامي يدور في فلك التدين العبري، وأنه على مستوى الطقوس يدور في إطاره العربي بخلفية وثنية صريحة، و يرى سامي أن عبد الجواد ياسين ليس صوفيا، ولكنه ينتهي إلى أن الإنسان هو ما صنع الدين ….

• YouTube
• YouTube
• Telegram
• Facebook

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com