المسرح : بدأ منذ وجود الإنسان و العالم ما هو إلا مسرح كبير و الناس كلهم ممثلون بشكل أو أخر و المسرح أبو الفنون ، و أول ما ظهر كفن مثل المسرحيات اليونانية و غيرها و هو يعتمد على تجسيد نص أو قصة بأستخدام مزيج من الكلمات و الصوت و الموسيقى على خشبة المسرح

بقلم: بهاء الدين الريدى 

توجد العديد من الدراسات و الأبحاث و الكتب عن علاقة التصوف بالفنون بصفة عامة و تم تناول جوانب عديدة من الفنون مثل علاقة التصوف بالسينما و الموسيقى و الفرق الغنائية و الفنون التشكيليه ، لكن قليل جدا من تناول علاقة التصوف بالمسرح ، البحث يتناول علاقة الصوفيه بالمسرح ، حيث تتميز الممارسات الصوفية بالحركة وبالتالى يستدعى العرض المسرحى الصورة الصوفيه وكيفية توظيفها من خلال الرقصات والحركات الرمزية و الموسيقى الروحية ،  و التصوف يشكل اتجاهاً فنياً فكرياً ومذهباً اعتقادياً يميزه من غيره ، مما جعله يظهر بقوة في حركة الصراع الروحي والفكري والديني معاً، و فى الفن و التصوف تذوق للجمال والجمال من اصطلاحات الصوفية، حيث إن الجمال الحقيقي هو صفة أزلية لله تعالى ،جمال الخالق والاعتناء بجمال القول وجمال اللحن وجمال الصورة.

التصوف له علاقة مباشرة بالفن ، فن تشكيلى – سينما – مسرح – فرق غنائيه – اغانى فرديه – رقص صوفى – روايات – شعر – تصوير فوتوغرافى – فنون شعبيه 

المسرح : بدأ منذ وجود الإنسان و العالم ما هو إلا مسرح كبير و الناس كلهم ممثلون بشكل أو أخر و المسرح أبو الفنون ، و أول ما ظهر كفن مثل المسرحيات اليونانية و غيرها و هو يعتمد على تجسيد نص أو قصة بأستخدام مزيج من الكلمات و الصوت و الموسيقى على خشبة المسرح 

التصوف : طريقة سلوكية قوامها التقشف والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل لتزكوا النفس وتسموا الروح 

التصوف و ارتباطه بالفن ارتباط وثيق نجده فى :

 فرق غنائيه صوفيه أو أغانى صوفية و أيضا أغانى غير صوفية ، ومن الأمثلة أيضا نهج البردة لأم كلثوم و السنباطى و شوقى ، رباعيات الخيام لأم كلثوم ، كما توجد فرق غنائيه عديدة منها فرقة ابن عربى من مدينة طنجة بشمال المغرب .

 الأشعار الصوفيه  جلال الدين الرومى ورباعيات الخيام و أشعار فريد الدين العطار و محي الدين ابن عربى.

الفن التشكيلى  لوحه الدراويش للفنان التشكيلى محمود سعيد رسمها سنة  1929 ، و رسومات عديدة بكل الادوات الفنيه و على كل الوسائط ( مج – تابلوه – طبق – فازه – تاتو ). 

الأدب و الروايات كثير منها يكون التصوف كخلفيه للأحداث بالرواية منها أو الشخصيات بها شخصيات صوفية 

الدرويش و الموت لمؤلف بوسنى ميشا سليموفيتش سنه 1966 ترجمة حسين عبد اللطيف تغوص فى أعماق شيخ صوفى عبر تتبع حياته.  

قواعد العشق الأربعين تأليف ألف شفق و التى تحكى بشكل متوازى عن حكايه بالعصر الحديث واخرى بالقرن الثالث عشر عن جلال الدين الرومى و شمس التبريزى. 

رواية كيميا وليد علاء الدين : عن مصير كيميا الفتاة التى نشأت ببيت جلال الدين الرومى و قدمها زوجة لشمس التبريزى. 

السينما : من اهم المخرجين العرب التونسى  ناصر خمير و حديثا الفيلم المصرى صاحب المقام وقديما فيلم رابعه العدويه ويوجد فيلم من شبكة البى ىبى سى ( وجد صوفى ) عن الموالد بمصر. 

و أفلام مثل الأب الخباز وفيلم السيد ابراهيم بطوله عمر الشريف وفيلم الهائمون و فيلم تقوى و فيلم هندى  جودا أكبر و فيلم الغزالى  وفيلم سلطان الأولياء عبد القادر الجيلانى و غيرهم الكثير. 

الرقص الصوفى من أكثر وسائل التعبير الصوفية مثل المولوية و التنوره والتى تحولت إلى عرض مسرحى يرتاده المتفرجين و السياح. 

التصوير الفوتوفرافى توجد أعمال فوتوغرافية ناجحه جدا و حصلت على جوائز تعتمد على تصوير أعمال و رقص صوفى

الدراما التليفزيونيه : مسلسل جزيرة غمام و الخواجة عبد القادر على سبيل المثال.

المسرح الصوفى :أعمال مسرحيه تعتمد على شخصيات صوفية أشهرها المسرحية الشعرية مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور سنة 1965 و مثل مسرحية رابعة العدوية تأليف يسرى الجندى بطوله سميحه أيوب ، و غيرها. 

 الصوفية و المسرح – نماذج

التصوف في المسرح: تفيض تجليات التجربة الصوفية على مختلف مناحي الحياة، ومن ضمن المجالات الحيوية التي تأثرت بالتجربة الصوفية مجال الإبداع، حيث نجد شعراء كثيرون تأثروا بالمنحى الصوفي فراحوا يحاكون التجربة في إنتاج الرؤية الشعرية الإبداعية المقاربة للسلوك الصوفي، وعند هذا المفترق الذي يفصل التصوف السلوكي عن التصوف الإبداعي، تجدر الإشارة إلى تعالق الحالة الشعرية بالحال الصوفي عند ترجمة الحالة الصوفية إلى حالة إبداعية، إذ ليس بالضرورة أن يكون الشاعر الذي يستلهم التصوف في إنتاجه الشعري متصوفا، كأدونيس والفيتوري وصلاح عبد الصبور وغيرهم، لأن الصوفي ينتج بالضرورة شعرا صوفيا،كابن الفارض و رابعة العدوية وغيرهم.لذا فاننا ان وجدنا بعضا من اللمحات الصوفية او الصور الصوفية في نتاج الأديب سواء أكان ذلك النتاج شعرا أم نثرا قصة او رواية او مسرحية هذا لايعني أن ذلك الأديب قد ابدع في نتاجه الصوفي كونه متصوفا لابل على العكس من ذلك نجده قد أبدع في استلهامه للتصوف رغم كونه بعيد عن التصوف

والنزعة الصوفية  ليست ظاهرة فردية تنتمى لعالم روحى منفصل عن العالم الواقعى ، وإنما ظاهرة إجتماعية مثلت رداً على المظالم الحياتية فى هذه العصور وتكيفت وفقا لطبيعة الأوضاع والعلاقات الإجتماعية فى حقب تاريخية معينة

وهذا يعني أن الصوفية حقا ً صنف من أصناف الهجرة، فالصوفي سائح مهاجر على الدوام، حتى لو لـم يتخطى عتبة بيته. 

1-مسرحية رابعة العدوية  

رابعة العدوية مدرسة فى الحب الإلهي،والمناجاة للذات العليا ، تم  تناولها فى العديد من الوسائط ، سينما – مسرح – أذاعه ، كما تناولها العديد من الكتاب يسرى الجندى – عدنان مردم – عبد الرحمن بدوى – طاهر أبو فاشا و غيرهم 

 إنها نموذج العشق العذري، وهي التي آمنت بالله تعالى، و أحبته حبا خالصا، سما فوق كل حب، غير طامعة بثواب أو خائفة من عقاب

رابعه العدويه  فتاة عربية ، توفي أبوها، واختطفها أحد اللصوص، و باعها إلى أحد التجار، و في البصرة عاشت يؤرقها الوجود، و يشجيها الحنين، و عملت رابع زمارة تنفخ في الناي في حانة، وهي مع ذلك لا تنقطع عن زيارة المساجد ثم اشتراها ابن زياد ، ثم أعتقها فاختارت كهفا واعتكفت فيه، تعبد ربها و تناجيه.
و عاشت رابعة أنشودة روحية، تهتف بحب الله، و من حبها له حبها للكون لكل ما فيه من ألم وعذاب، و سمت رابعة بالمفهوم الصوفي، فأدخلت عليه فكرة الحب الإلهي، و جعلت من حبها مصدرا للكشف و الإلهام، ورأت في المحبة روحا، تمنح الحياة لكل جزء من أجزاء الكون.

وقد اختار عدنان مردم  ( كاتب مسرحي و شاعر سورى 1917-1988 ) لعمله المسرحي هذه الفترة الحرجة الأولى في حياة رابعة، فترة الرق الذي فرض عليها و العمل كمغنية في حانة و فترة تمزقها النفسي بين خضوعها لسيدها و تعلقها الروحي بالله عز و جل، و حبها العذري الملائكي لذاته العلية و ألزم نفسه في عمله المسرحي بوحدة الزمان و المكان و الموضوع.

و مسرحية « رابعة العدوية » من أربعة فصول، و في كل فصل تتعدد المناظر (اثنان)، و يحتوي كل منظر على مشهدين، فكأنها على الحقيق تحتوي على ستة عشر مشهدا و ذلك مع التقيد  بوحدة الموضوع، و وحدة المكان، و بوحدة الزمان أيضا على قدر الإمكان.

الفصل الأول  عن رابعة  في حانة ابن عمار، و في الفصل الثاني عن زهاد البصرة يسعون إلى ابن زياد ليشتري رابعة ليحد من فتنة غنائها المؤثر على الشباب في البصرة،  والفصل الثالث حوار شعرى لمجلس زياد مع أصدقائه و مع الزهاد من أعلام البصرة، و امتلاء بيته بالنساء اللواتي قدمن لرؤية رابعة، و حياة رابعة في دار ابن زياد. في الفصل الرابع زهاد البصرة  يعتذرون عن ظنونهم في رابعة.

و من أشهر أشعار رابعة

عرفت الهوى مذ عرفت هواكا وأغلقت قلبى عمن عداكا

وقمت أناجيك يامن ترى خفايا القلوب ولسنا نراكا

أحبك حبين حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا

فأما الذى هو حب الهوى فشُغْلي بذكرك عمن سواكا

وأما الذى أنت أهل له فكَشْفُك لى الحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ولا ذاك لي ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا

أحبك حبين حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا

واشتاق شوقين شوق النوى وشوقاً لقرب الخلي من حماكا

فأما الذى هو شوق النوى فمسيرى الدموع لطول نواكا

وأما اشتياقى لقرب الحمى فنار حياة خبت فى ضياكا

ولست على الشجو أشكو الهوى رضيت بما شئت لى فى هداكا

وكما تناولها العديد من الكتاب ،  قامت بدور رابعة بالأعمال الدرامية العديد من الممثلات والمغنيات ( أم كلثوم – إيمان الطوخى – نبيلة عبيد – سميحة أيوب – شريهان – عايدة هلال). 

هى من أشهر الشخصيات الدينية، التي اهتم صنّاع الفن بتقديم أكثر من عمل يتناول سيرتها، المليئة بالمواقف الدرامية، بداية من حياة الفقر، ثم حياة الترف واللهو، حتى عرفت طريقها إلى عشق من نوع آخر، فتنقطع عن مشاغل الدنيا وتزهدها متفرغة لمناجاة الحبيب في محرابها طمعًا في الوصول لرضاه، هي “شهيدة الحب الإلهي” رابعة العدوية.

بالمسرح : مسرحية بطولة سميحة أيوب و يوسف شعبان وعبد الغفار عودة فى عام 1980 وإخراج شاكر عبد اللطيف و تأليف يسرى الجندى.

و بالسينما : قدمت السينما شخصيتها في فيلمين، الأول تم إنتاجه عام 1962، تحت عنوان “شهيدة الحب الإلهي” إخراج عباس كامل، بطولة عايدة هلال، وأدت أغاني الفيلم الفنانة الراحلة سعاد محمد.

بعد عام واحد، أعادت السينما تقديم نفس الشخصية في فيلم يحمل اسمها، بطولة الوجه الجديد آنذاك الفنانة نبيلة عبيد، إخراج نيازي مصطفى، والأغاني هذه المرة حملت صوت “كوكب الشرق” أم كلثوم.

والإذاعة : مسلسلًا إذاعيًا، كتب أشعاره الشاعر الكبير طاهر أبوفاشا، وغنته “أم كلثوم”، وأخرج المسلسل عثمان أباظة،بطوله سميحه أيوب. 

و مسلسل تلفزيونى تأليف يسرى الجندى ( توفى عام 2022 عن عمر يناهز الثمانين  ) ايضا و هو من أشهر من كتب عنها. 

2 – مسرحية مأساة الحلاج

مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور ( 1931- 1981 )  تم تأليفها عام 1966 و تم تنفيذها على المسرح عام 1971 بطولة محمد الشويحى ( الشبلى ) إخراج سمير العصفورى ، تبدأ المسرحية الشعرية من المحاكمة الأخيرة للحلاج سنة 309 هـ ، يعتمد الشاعر أسلوب الرجوع للخلف ، و المسرحية  تاريخية ، فالشبلي وابن سريج وابن عمر وإبراهيم بن فاتك شخصيات تاريخية فعلية ، يتناول فيها شخصية المنصور بن حسين الحلاج المتصوف الذى عاش بمنتصف القرن الثالث الهجرى ، تتكون المسرحية من فصلين ، الفصل الأول أو الجزء الاول الكلمه و الفصل الثانى أو الجزء الثانى الموت ، مسرحية شعرية تركز على السلطة وعلاقتها بالدين من خلال شخصية الحلاج و رعب السلطة الدائم من حرية التعبير و إعدامه أو موته ، ففي هذا الموت يدين الحلاج قاتليه الذين ينفذون مشيئته ، ففي موته تحقيق توحده و توحيده . وكما أدى إفشاءه لسر الكلمة إلى إعدامه وموته ، فقد كشف موته سر السلطة وفسادها  الذي تدّعي الحفاظ عليه . لقد ظهرت على أنها سلطة ظالمة فاسدة أفقرت العباد ودفعتهم للبؤس والحضيض، بدل صيانة كرامتهم ومعاشهم. فهو يدين قاتليه ويكشف موته وإعدامه سر فساد تدين الجمهور من الغوغاء المضلّلة ، فموته وإعدامه حوّل كفره الظاهر إلى إيمان وشهادة . 

الحلاج الذى كان ينادى  بالعباده و حب الله و الاتحاد مع الذات الالهيه و يدعو الناس الى الثوره على الظلم ، الصوفيه عند الحلاج ثوره ضد الظلم و مصرع الحلَّاج، نقطة الانطلاق في حياة الحلَّاج، وهو سر خلوده وسحره التاريخي.

إن يوم المصرع هو يوم النصر للحلاج، ويوم الهزيمة الكبرى للخلافة العباسية، بكل ما تمثله وتصوره في تلك الحقبة من التاريخ ، يقول المستشرق ماسنيون: (فلولا أن الحلَّاج قد زجَّ بنفسه في التيارات السياسية المضطربة في عصره، واتصل بالسياسة ورجالها، لما حدث له ما حدث، من تعذيبٍ وصلبٍ، وما كانت الاتهامات الدينية إلا اتهاماتٍ سياسيه). 

 يقول أحمد أمين فى كتابه ظهور الإسلام “فنعتقد أن هذا سرُّ قتله دعوةٌ كهذه تُقُضُّ مضاجع خلفاء بني العباس ووزرائهم، فلا يبعد أن يكون الخليفة العباسي ووزيره حامد قد رتبا هذه المؤامرة ضده، وزوروا الشهود، واستحثا القضاة على قتله، وإلا فما بالهم قد تركوا الصوفية الآخرين، كالجنيد، وأبي يزيد البسطامي، وذي النون المصري من غير قتلٍ، فهي مسألةٌ سياسيةٌ بحتةٌ، اتخذت شكلًا دينيًّا، لعلمهم أن الدين له تأثيره”.

الرؤية الفكرية في مأساة الحلاج

الرؤية الفكرية التي أرادها الشاعر في مسرحيته هي إعادة إحياء أفكار الحلاج الذي واجه الموت والحياة بذات الحالة النفسية. فقد مات في سبيل الكلمة لهذا السبب تم تقسيم المسرحية إلى جزئين الكلمة والموت فقد أراد أن يبين للقارئ الصلة الكبيرة بين الموت والكلمة ، فقد مات الحلاج من أجلها وذلك قبل أن يترجمها إلى أفعال مرئية وملموسة حيث تتجلى أسمى أفكار الكاتب والتي تم استمدادها من البحث الخاص به بشخصيته في علاقة الجسد بالكلمات والحروف لأن الكلمات تظل وتدوم وتنتقل على ألسن الأشخاص بينما الجسد آيل للفناء، وهذه من اعتقادات الصوفية التي تجمع بين الموت والحياة بصيغة الجسد.

الجسد يدل على الموت، والكلمات تدل على الحياة، وهذا ما ورد في المسرحية حين قال الشاعر: أحببنا كلماته أكثر مما أحببناه فتركناه يموت لكي تبقى الكلمات، حيث تعرض المسرحية كيف أن الأنظمة منذ القديم وهي تلعب دوراً كبيراً في ربط الدين بالسياسة وجعله ظهيراً لها وملجئ لها إذا أثار عليها أحد. فمأساة الحلاج ليست في استشهاده أو عجزه عن اتخاذ قرار بالهرب من السجن، وإنما مأساته بعجزه الفادح الشنيع عن تحويل الكلمة إلى فعل.

يقصد هنا الصراع بين القضية الضرورية تاريخياً وبين عدم إمكانيته والاستحالة في تحقيقها، وعلى صليب هذا الصراع يتم تمزق الحلاج وذلك حتى قبل أن يُصلب فعلا عبر شكوكه ، حيث تبدأ المسرحية بمشهد شيخ مصلوب على شجرة ويرجع السبب هو الكلمة، ويبحث واعظ عن كلمة تحمل في خباياها حكمة يلقيها على جمهوره. تظهر البنية لاجتماعية التاريخية  ثلاثية الأبعاد، تتكون من تاجر، وفلاح ، وواعظ. 
“الواعظ يسأل مقدّم المجموعة: هل تعرف من قتله ؟
المجموعة: نحن القتلة 
مقدم المجموعة: انظر إني أعمى اتسول
التاجر: هل فيكم جلاّد؟
المجموعة: لا.. لا .. قتلناه ليس بأيدينا ، بل بالكلمات 
المجموعة: صفوّنا صفاً صفا 
بعد أن أعطوا كل منا ديناراً من ذهب قاني
لم تلمسه كفّ من قبل
قالوا: صيحوا زنديق .. كافر
صحنا زنديق.. كافر
قالو: صيحوا فليقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا
فليقتل إنّا نحمل دمه في رقبتنا 
قالوا: امضوا فمضينا “

لقد قتلوه لفقرهم وجهلهم ولقد تمّت رشوتهم وتضليلهم من قبل حكامهم. 

الشبلي وقد رأى الحلاج قد هبط إلى الناس وانخرط في الصراع الاجتماعي التاريخي، وحكم عليه الحكام الفاسدين بالإعدام ، وحتى يحرم من البطولة أمام الجمهور اتهمه القضاة بالكفر. إن مهمة الحلاج تحرير الأرواح لا تخليص الأجساد ، مهمته أخلاقية في إصلاح تديّن الناس بعد أن فسدت قلوبهم، لا الإتيان بدين جديد.

“هل أفسدت العامة يا حلاج؟
الحلاج: لا يفسد أمر العامة إلا السلطان الفاسد، يستعبدهم ويجوعهم
ابن سليمان: يعني هل كنت تحضّ على عصيان الحكام؟
الحلاج: بل كنت احضّ على طاعة ربّ الحكام”

3- مسرحية أيوب 

ميخائيل نعيمة ( أديب لبنانى 1889- 1988 )  وهو من الذين تذوقوا جمال التصوف وجسدوه في نتاجهم الأدبي ولاسيما المسرحي منه ومسرحية أيوب هي واحدة من تلك النتاجات التي حملت معها معنى التصوف روحا وفكرا والنص المسرحي لا يخلوا من جماليات مادية ومعنوية كما يتضح بمسرحية “أيوب” الصادرة ببيروت 1967.

يميل أسلوب نعيمه إلى الصوفية، بساطة العيش، ونقاء النفس، وبذلك عائد إلى دراساته العميقة للديانات المختلفة الاسلامية والمسيحية والأديان الأخرى غير السماوية يتميز أسلوبه بالبساطة والوضوح، تتجلى أخلاق نعيمة الصوفية في مقاييسه النقدية للأدب والأديب.

تعد هذه المسرحية محاكاة ل(سفر ايوب) قصة النبي ايوب عليه السلام والتي قال عنها نعيمة أنها أقرب ما تكون إلى الملحمة  ف (سفر أيوب) بينت لنا في اثنان وأربعون فصلا من الصراعات اللامتناهية بين الانسان والانسان الآخر وبين الإنسان وملذات الحياة اما مسرحية أيوب هذه فهي لا تتطرق الى تلك الصراعات بل تجسد لنا ذلك الصراع القائم بين الإنسان وذاته وبين ذات الإنسان وربه .

شخصيات المسرحية لا تتعدى الأربع شخصيات رئيسة هي أيوب  وزوجته( زليخة) ابنته( تليدة) صاحبه( سرحبيل)وظهور قليل لولديه. تبدا أحداث المسرحية في حزن تليدة ابنت ايوب المتواصل دونما سبب وشجار اولاده فيما بينهم بسبب النساء وتمرد زوجته رغم ان الله قد من عليهم بالنعيم والرزق الذي لايضاهيه رزق ونعيم في كل ارجاء البلد وفجاة تزول كل تلك النعم من اموال وغلمان واولاد اختبارا من الرب لصبر وايمان ايوب ، صورُ شخصية أيوب ليؤكد إلى أيِّ حدٍّ نحن مسؤولون عما ينتابنا من أوجاع، وإلى أيِّ حدٍّ تأتينا هذه الأوجاع كامتحانات لنخرج منها ونحن أشد وأصلب في مواجهة الأيام. ثم جاء في هذه المسرحية بشخصيةً سرحبيل و كان منفتح البصيرة، يحدِّث أيوب بطريقة عفوية، وتتمثل ظواهر التصوف في المكان والشخوص في بادئ المسرحية فيصف لنا ميخائيل نعيمة المكان الذي يسكنه سرحبيل بانه حفرة طولها متران وعرضها متران. والحب الإلهي هو روح التصوف، هو البداية والنهاية وهذا يتجسد لنا في حب أيوب وسرحبيل لربهم ، الموت عنده في سبيل محبوبه رتبة من رتب الترقي والكمال،بل هو الرتبة الأولى في الكمال الخالد لأنه انتقال إلى الأعلى. 

“ايوب: سرحبيل ياسرحبيل من اين أرسلك الله لي 

سرحبيل: أرسلتني محبتي أو قل هي حاجتي اليه .فالمحبة هي حاجة النفس الاولى والاخيرة والمحبة لله هي الحاجة الابدية.

ومن ثم يبين لنا سرحبيل مدى محبته من الموت الذي يقربه من الله 

ايوب: وهل تحب الموت يا سرحبيل 

سرحبيل: اجل حبه

تليدة : تحب الفناء

سرحبيل: لا بل أحب البقاء . والموت هو الباب الذي أطل منه على عدم الفناء. اصل فيه الى الله. 

تليدة :لست افهم ما تقول

سرحبيل: ليس الموت عندي سوى انفكاك قبضتي عن كل مايحول ثم يزول مهما يكن فيه من فتنة وإغراء لحواسي التي تحول هي كذلك ثم تزول.”

ومن الصفات التي ينادي بها المتصوفة  هي الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، والرضا بالقضاء.ولعل أهم ما يميز المتصوفة هو الصبر سواء أكان ذلك الصبر على العزلة احيانا ام العدم في كل صوره احيانا اخرى و يحيلنا هذا المضمار الى صور جديدة في صور المضمون الجمالي الا وهي جمالية الصبر ، والتصوف الإسلامي تربية علمية وعملية للنفوس، وعلاج لأمراض القلوب وغرس للفضائل واقتلاع للرذائل وقمع للشهوات وتدريب على الصبر والرضا والطاعات وهذا ماوجدناه في هذه المسرحية في كل جوانبها ابتداء بالصبر على تمرد الزوجة والأبناء تارة من قبل ايوب او من بعد بالصبر على الشدائد والأمراض التي ابتلى بها ونجده رغم ذلك كله لا يتردد لحظة واحدة في حمد الله على رخاءه وشدته والصبر يصفه ايوب بأنه المعرفة ومفتاح كل من ينوي طرق باب العلم ولكن لابد ان يكون هناك إيمان بما تريد النفس البشرية من معرفة. 

“ايوب:الصبر مفتاح المعرفة على أن يكون صبرا في قلبه الإيمان بالمعرفة فالصبر دون إيمان شلل وفناء بطيء.”

وصبر أيوب هو أمثال تضرب وتقاس في الآن ذاته وتتجسد لنا اجتماعيا ودينيا وفلسفيا وهذه الصفة إن كانت ملازمة للإنسان قسرا احيانا فهي طوعا وحبا تتجسد لدى المتصوفة ليتقربوا من الله وأيوب قد صبر على أنواع البلاء طاعة لربه ومحبة وترقبا للغفران والرضا. 

الصوت: عظيم أنت يا أيوب ولكن لا بلحمك وعظمك ودمك بل بما أودعناه فيك من نفوسنا لقد كان من نصيبي يا أيوب أن أبلوك لأردك الى رشدك فبلوتك أوجع البلوى فما سمعنا شكواك في بلواك فما عجبنا للحم والدم يشكوان فطامهما عن الأشياء .وابهجنا ان تتبطن الشكوى عن صبر لا نفاذ له وإيمان بأن بعد مرارة الصبر حلاوة الإيمان.

ايوب:ها أنا ذليل فبماذا أجيب إني أجعل يدي على فمي ، فلقد عرفت اليوم حلاوة الصمت ومرارة الكلام ربي كنت قد سمعتك قبل اليوم سمع الأذن اما الآن فعيني رأتك.

و قد اتضح من النص ، الكشف عن المضامين الجمالية لمنظومة الأخلاق التي حملتها الشخصية الرئيسية في المسرحية وهي شخصية أيوب و كشف الصور الجمالية في المحبة الالهية والتي هي أعلى مقامات الصوفية.  

و كان  التحول النفسي للشخصية المسرحية صوراً متعددة في المسرحية حيث نجد شخصية أيوب في صراعات تتراوح مابين القبول والشكر ومابين الخضوع للواقع و التأثيرات الفكرية والاجتماعية تُعد مقياساً لفاعلية الشخصية الصوفية ومدى استعدادها النفسي لهذا التغير.

المراجع

المضامين الجمالية للتصوف في مسرحيات ميخائيل نعيمة – فاتن حسين ناجي – جامعة بابل/كلية الفنون الجميلة- العراق

مسرحية مأساة الحلاج – تحليل موجز – عبد العزيز – كلية روضة العلوم – كيرلا – الهند

مسرحية مأساة الحلاج – صلاح عبد الصبور – مصر

الخلفيات الصوفية فى المسرح و السينما العربية – بن كرامه فريد – جامعه ابى بكر تلمسان – الجزائر

مجلة دعوة الحق – وزارة الأوقاف – المغرب

جماليات الصورة الصوفيه فى عروض مسرحية ما بعد الحداثة – فرحان عمران موسى – مجلة الأكاديمي – العدد 96 – 2020- العراق

ويكبيديا العالمية

بحث فى مأساة الحلاج – الحوار المتمدن – نايف سلوم – كاتب سورى 

• YouTube
• YouTube
• Telegram
• Facebook

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com