التقاء أفكار الرفاعي وتصورات جماعة المحمدية الأندونيسية

القيمة الأخلاقية التي تطرح في قراءة علم الكلام، وكذلك الموقف بعدم تمذهب في مدرسة كلامية معينة. محور الإلتقاء.

محمد يوسمي الأندونيسي

طالب بقسم الشريعة بجامعة الأزهر

d985d8add985d8af-d98ad988d8b3d985d98a-d8a7d984d8a3d986d8afd988d986d98ad8b3d98a-4121840750-e1723824901829  التقاء أفكار الرفاعي وتصورات جماعة المحمدية الأندونيسية

الجوانب الثلاثة الأساسية لتعاليم الإسلام هي العقيدة والفقه والتصوف. فالتصوف يناقش الأمور المتعلقة بالأخلاق، والفقه هو العنصر المعاملاتي المتعلق بالأعمال اليومية للمسلم، والأخير هو العقيدة أو ما يُشار إليه عادةً بعلم التوحيد أو الفقه الأكبر أو علم الكلام، والبحث  فيه فيما يتعلق بالتصورات على وجه عميق، كبحث في الحقيقة أوفي ذات الله وصفاته وأفعاله.

علم الكلام من العلوم التي انتشرت في القرن الثاني بعد الهجرة، وهذا لا يعني أنه لم يكن في العصر السابق أناس لهم عقائد حسنة أو حنيفة، فقد ظهر هذا العلم وأصبح له شأن خاص، وذلك لكثرة التحديات التي توجد في المجتمع الإسلامي مع توسع الأراضي السياسية الإسلامية في ذلك الوقت. 

الجزء الأول

وعلى الرغم من مرور قرون من الزمان، إلا أن الحديث في علم الكلام لا يزال خصباً جداً في حياة المسلمين. ويتجلى ذلك في تصنيف المسلمين إلى عدة مذاهب فكرية، وهذه المذاهب متوارثة منذ بداية هذا العلم كالأشعرية والماتريدية والمعتزلة والقدرية والمرجئة والجبرية وغيرها.

ومن أمثلة المناظرات التي ما زلنا نصادفها إلى اليوم المناظرة في موضوعات الألوهية والنبوة و الغيبيات. وهذه الأمور الثلاثة هي من المسائل الشائعة في بحث علم الكلام. مثل مسألة مكان الله سبحانه وتعالى، هل هو في السماء أم لا؟ أو المناقشات حول العلاقة بين العقل والنبوة، وغير ذلك من المناقشات التي هي في غاية الإشكال في طبيعتها العقائدية. 

وما زال النقاش الذي ظهر منذ القرن الثاني الهجري قائماً حتى الآن، وكأن النقاش في علم الكلام أو العقيدة لم يعد يلتفت إلى احتياجات العصر الحديث الذي تزداد مشكلاته تعقيداً. ومن أسباب ذلك ما يراه مختلف الناس من عدم دقة في تناول علم الكلام.

عبد الجبار الرفاعي ومشروعه الكلامي

هذه الحالة جعلت بعض المفكرين الإسلاميين في هذا العصر الحديث، يبدأون في إجراء نقد داخلي أو تفسيرات جديدة بديلة لعلم الكلام القديم. وهذا على الأقل ما ركز عليه مفكر عراقي اسمه عبد الجبار الرفاعي.

الجزء الثاني

ومن خلال مشروع “علم الكلام الجديد” بدأ في تطوير رؤيته لعلم الكلام، والتي أسماها رؤية علم الكلام لصالح القيم الإنسانية. فعلم الكلام الذي كان مشغولاً بتحديد ماهية الله تعالى في يوم من الأيام، حوَّله إلى علم يستلهم السلوك الإنساني في هذا العصر الحديث المليء بالصراعات الإنسانية.

بعد اللقاء الأول من دورة معهد الدومنيكيان وجدت أن الفروق الاجتماعية في آراء محمد الحداد وحيدر ناشر كانت قوية جداً، وبهذه المناسبة وجدت بعض النقاط الإلتقاء بين ما وضعه الرفاعي في علم الكلام وما شرح حميم إلياس رئيسا لمجلس الترجيح والتجديد بالرئاسة المركزية لجماعة المحمدية. إن علم الكلام في نظر جمعية المحمدية كما شرح حميم في الندوة عبر اليوتيوب الرسمي له نكهة أخلاقية قوية من مركزية الله إلى مركزية البشرية.

علم الكلام المحمدية وعبد الجبار الرفاعي

هناك نقطتا التقاء أجدهما في فكر الشخصيتين: الأولى: أن المحادثة في علم الكلام عند الرفاعي يجب أن يبنى على الأخذ بما ورد في القرآن من معانٍ يصفها بالرحمنية لله تعالى، ومعناها اللغوي محبة الله. وقد دل على ذلك بكتابة البسملة في بداية كل السورة من سور التي اشتملت على لفظ الرحمن.

الجزء الثالث

قال الرفاعي: وهذا يدل على أن صفة الرحمانية المفسرة بالإنسانية لها دليد شرعي وهي القرأن، وقد ورد في كتب التراث أن صفة الرحمن بمعنى محبة الله لكل حي على وجه الأرض، بخلاف الرحيم الذي هو صفة المودة للمسلمين فقط.

قد جاء شرح المتشابه “لحميم إلياس”، قال أن الكلام عند المحمدية هو السعي إلى تعزيز السلوك الأخلاقي في الحياة الاجتماعية. فكلما يوجد الشخص الذي لديه حسن اجتماعي أمكن تصنيفه على أنه صاحب تقوى إيمانية قوية. فالكلام في هذه الحالة يمكن أن يكون ملهماً للمسلم في حياتنا الذي يتمسك بالقيم الإنسانية بشكل كبير، فالإسلام منذ بداية نزوله يحمل هذه القيمة الأخلاقية أيضاً ولكن قلما يدركها.

ثانيًا: الرفاعي لا ينتمي إلى مذهب من المذاهب العقيدة، ولكن لا تشك في جديته في إتقان الكتب التراث، أكثر من 40 سنة في دراسة التراثية الإسلامية. عندما سألته عن تأثير المفكرين الغربيين عليه، احتار في الإجابة. وبدلاً من ذلك، ذكر شخصيات مثل السير محمد إقبال (1877 – 1938)، وأحمد خان (1817 – 1898)، وولي الله الدهلوي (1703 – 1762) كشخصيات أثرت في تفكيره، حيث نعلم أن هذه الشخصيات الثلاث جاءت من الشرقي، أي الهند وباكستان.

على هذا المنوال، فقد أوضح حميم إلياس أيضاً موقف الجماعة المحمدية الأندونسية الذي لم يكن مستنداً إلى مذهب من مذاهب العقائد، ويمكننا أن نجد هذا الرأي في المجلد الأول من كتاب “مجموعة من قرارات الترجيح” وهو قريب إلى علم الكلام الأشعري، ولكنه في كتاب “المسائل والأجوبة الدينية” يذكر أيضاً تقسيم العقيدة الثلاثة كما يوجد عند حركة السلفية. فالعقيدة المحمدية لا تعتمد على مذهب واحد في الإسلام، ولكن علم الكلام في المحمدية يؤكد على القيم الأخلاقية التي يمكن تطبيقها أو الاستفادة منها في حياتنا اليومية.

d985d8add985d8af-d98ad988d8b3d98ad985d98a-d8a7d984d8a7d986d8afd988d986d98ad8b3d98a-d988-d8b9d8a8d8af-d8a7d984d8acd8a8d8a7d8b1-d8b1d981d8b9d98a-d8b5d988d8b1d8a9  التقاء أفكار الرفاعي وتصورات جماعة المحمدية الأندونيسية

هناك تعبير مثير للاهتمام عبّر عنه الرفاعي في اللقاء الثاني من اللقاء التدريبي الثاني الذي بدأه معهد الدراسات الشرقية لأبآء الدومينيكان في القاهرة. فعندما سُئل عن العلاقة بين التوراث ونفسه، قال بحزم وصراحة “أنا منتج التراث ولست نسخة من التراث” أي هذا الإدراك الذي يملكه الرفاعي مثير جداً بالنسبة لي، فبعد أربعين عاماً من مصارعته للكتابات التراثية الكلاسيكية، لم يجعله نسخة مكررة من التراث، فهو مثل السمكة التي تعيش في البحر ولكنها لا تتحول إلى مالح كالبحر الذي تعيش فيه.

القيمة الأخلاقية التي تطرح في قراءة علم الكلام، وكذلك الموقف بعدم تمذهب في مدرسة كلامية معينة، هما نقطتا التقاء بين آراء الجمعية المحمدية التي يمثلها حميم إلياس رئيس مجلس ترجيح والتجديد، وأفكار عبد الجبار الرفاعي بمشروعه “مقدمة في علم الكلام الجديد”. وباعتباري أحد كوادر المحمدية أرى أن الأطروحة التي قدمها عبد الجبار الرفاعي يمكن أن تكون ملكية فكرية واعتباراً مادياً لتقوية النظرة الكلامية في المحمدية حتى يكون لها سنداً عقدياً أقوى وأرسخ، وتعزز ثقة الكوادر بنتائج الآراء الكلامية التي تقررت الجماعة المحمدية.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات