التلاقي بين نظرية الجماعة المحمدية في أندونيسيا وأفكار عبد الجواد ياسين .. بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي

محمد يوسمي الأندونيسي

طالب بقسم الشريعة بجامعة الأزهر

d985d8add985d8af-d98ad988d8b3d985d98a-d8a7d984d8a3d986d8afd988d986d98ad8b3d98a-4121840750-e1723824901829 التلاقي بين نظرية الجماعة المحمدية في أندونيسيا وأفكار عبد الجواد ياسين .. بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي

كتبتُ في السلسلة السابقة عن نتائج مجموعة محاضرات “كرسي قنواتي”، وحاولت أن أربطها بنظرية الجماعة المحمدية  في إندونيسيا ممثلة في بعض رموزها. وقد أسهبت في المقال السابق عن موضوعات الاجتماع والعقيدة والتاريخ،  وفي هذا المقال الأخير سأتحدث عن الشريعة في الإسلام  بالاشتباك مع محاضرة المفكر عبد الجواد ياسين، وهو مفكر مصري متخصص في مجال الفقه وأصوله والقانون الاجتماعي.

بعد مناقشة العقيدة في اللقاء الثاني، لا يمكننا أن نتجاهل مناقشة موضوع القانون أو الفقه، باعتباره  هو العلم الذي صبغ تفكير المسلمين وطريقة حياتهم إلى يومنا هذا خاصة والنقاشات التي لا تزال رائجة في المجتمع لها أساس فقهي قوي، مثل تطبيق القنوت في صلاة الفجر، وإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، وجواز قص اللحية من عدمه، وغيرها من المسائل التي تنتشر ويشيع ظهورها بين المسلمين.


ألَّف عبد الجواد ياسين العديد من الكتب في المسائل المتعلقة بموضوع الفقه وعلاقته بعلم الاجتماع، مثل كتاب “السلطة في الإسلام” وكتاب “العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ”. وقد شرح فيه شرح فيه تأثير سلطة التاريخ في تشكيل الشريعة وتكوين المذاهب في الإسلام. واستعرض بذكاء تاريخ نشأة الفقه من منظور القوة التي لا يتنبه لها دارسو الفقه في كثير من الأحيان، فقد كان يرى بعناية أن الفقه كان دائمًا مرتبطًا بالسلطة في كل عصر، وأشار د علي جمعة في كتابه “تاريخ أصول الفقه” أن تقدم الفقه أو تأخره يرجع إلى مدى اهتمام الحكام بعلم أصول الفقه.


استدعى تعرضي لآراء عبد الجواد ياسين للتفكير في الجماعة المحمدية في اندونيسيا وعلاقتها بالفقه وأصوله خاصة إذا ما قورنت بالمدارس التقليدية، فالفقه في المحمدية يريد أن يرجع إلى معناه في عصر الصحابة وليس كما فهمه المجتهدون الذين اقتصروا على القوانين العملية اليومية. وقد وجدت بعض الشبه في مجال الفقه من آراء المحمدية من خلال رموزها شمس الأنوار وكذلك عبد الجواد ياسين.

في هذه الحالة وجدت نقطة التقاء في الفكر “الجوهري” لهاتين الشخصيتين، شمس الأنوار وهو رئيس مجلس الإفتاء للجمعية المحمدية وعبد الجواد ياسين، من خلال قراءتي لكتاب “مناهج الترجيح” لمؤلفه الأستاذ الدكتور في كلية الحقوق بجامعة الإسلامية سنان كاليجاغا بأندونيسيا، يشير كاليجاغا إلى رؤية شمس الأنوار ممثل في المحمدية لثلاث أسس ينبني عليها نظرة الجمعية للفتاوى الفقهية :

أولها: إعلاء القيم الأساسية، وهو العنصر الأعلى الذي يعدّ مصدر إلهام لكل نتاج فقهي موجود، كقيمة العدل والمساواة.

ثَانِيًا الْأُصُولُ الْكُلِّيَّةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

ثالثاً: الأحكام الفرعية، وفي هذه المرحلة الثالثة تظهر الأحكام التكليفية وهي الواجب والسنة والمندوب والمباح والمكروه والحرام في بعض المسائل.

فكل فتوى وقرار يصدر في المحمدية لابد أن تتوفر فيها العناصر الثلاث.

هذه العناصر الثلاثة تجعل لعلم الفقه فاعلية وقوة تفاوضية أكبر في الإجابة عن مشكلات الحياة المعاصرة، وبذلك يحيا علم الفقه ويتجدد بما يناسب الحال ولا يقتصر على الحلال الحرام وحده، وبهذا يكون للفقه جوانب واسعة، أهمها القيمة الأخلاقية التي تصبح أساسًا قويًا يضفي بظلاله على تشريعات فاعلة ونافعة، وتكون الجوانب العقدية والأخلاقية أكثر تكاملًا إلى جانب المسائل الأصولية.

 رؤية عبد الجواد ياسين في هذه اللقاء الأخير تشبه ما ذهب إليه شمس الأنوار، لكنه يقسم الفكر الديني إلى ثابت ومتحول، ويوضح سبب جدالنا حول الدين يرجع لعدم اتفاقنا على هذين الأمرين. فنحن نختلف حول ما يعتبر ثابتًا في الدين وما هو قابل للتغيير في الدين، وكثيرًا ما يسيء الناس فهم الفرق بين ما هو دين خالص وما هو من قبل التفسيرات المختلفة للدين،أي بين الدين والفكر الديني وهذا الاختلاف يجعل الناس يتهمون ويطلقون اتهامات مثل الزندقة والبدعة والتكفير على أصحاب الآراء المختلفة على مستوى التفسير الديني.

وفي هذه الحالة أجد تشابهًا بين رؤية شمس الأنوار وعبد الجواد ياسين لمضمون الفقه، فكلاهما يتفقان على أن الفقه أو الأحكام الشرعية أمر قابل للتغير حسب سياق حياة الإنسان. كما يرى كلاهما أن ما هو ثابت أو مستقر في الأمور المتعلقة بالفقه أو الأحكام الشرعية هو ما يتعلق بالقيم الأخلاقية التي هي أساس كل فعل أو تصرف.

وبهذا يتبين لي أن الفقه له وجوه كثيرة يمكن بحثها وتطويرها. والواقع أن الفقه من العلوم التي ينتفع بها المسلمون على الدوام، لأن الفقه مرتبط بالأمور العملية اليومية للمسلمين، بخلاف علم العقيدة وعلم التصوف اللذان يبتعدان كثيراً عن حياة الإنسان عموماً.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com


شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات