التهميش والهوية في (أحزان بائع الفول): قراءة تحليلية … بقلم: سارة فراج
بقلم: سارة فراج
شاعرة وباحثة بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

“أحزان بائع الفول” قصة قصيرة، وهي في الوقت ذاته عنوان للمجموعة القصصية الأخيرة للكاتب والصحفي عبده مباشر.
عبده مباشر هو مؤلف وصحفي مصري. من مواليد 19 سبتمبر 1937 بمحافظة الشرقية. اشتهر بمؤلفاته العسكرية وعمل كمحرر عسكري بالعديد من الصحف المصرية.
دور المكان والزمان في الأحداث
تقع أحداث القصة في شارع المبتديان بالقاهرة، في حي السيدة زينب، تلك المنطقة التي تنبض بالحياة وتمثل نقطة التقاء لمختلف طبقات المجتمع؛ حيث تدور القصة في (مطعم فول وطعمية) على ناصية شارعي المبتديان وخيرت.
وربط القصة بشارع المبتديان يربطها -بشكل أو بآخر- بتاريخ مصر السياسي والاجتماعي ودوره في تشكُّل الطبقات المتباينة للمجتمع المصري، كما يشير بطريقة غير مباشرة إلى التحولات التي طرأت على حياة المصريين منذ كان بائع الفول مجرد بائع متجول. إضافة إلى أن موقع المطعم على الناصية يعكس لقاءً آخر بين طبقتين اجتماعيتين: النخبة السياسية وأصحاب القرار، المتمثلة في شخصية (محمود)، وطبقة البسطاء، التي يمثلها صاحب المطعم.

أما عنصر الزمان فقد ارتبط بوقت الأصيل، ذلك الوقت الذي يرمز للحزن، حيث اقتراب الليل وانقضاء النهار، مما يجعله وقتًا مثاليًا للتأمل والتفكر في حال الذات ومحاسبتها.
ومع ذلك، يمكن اعتبار الزمن في القصة مفتوحًا، إذ لم يُحدَّد بدقة، أي أن أحداثها ليست مقيدة بزمان معين، بل تمثل حالات إنسانية واجتماعية عامة يمكن أن تحدث في أي وقت.
محور الصراع في القصة
القصة تُروى بضمير الغائب، على لسان الراوي المحدود، الذي يروي قصته من وجهة نظر شخصية واحدة فقط، ويعكس رؤية البطل للموقف دون النظر إلى غيره.
وتتمحور الفكرة الرئيسة للقصة حول الصراع بين القديم والجديد، من خلال تنصل الأبناء من مهنة والدهم، وهو ما يعكس تطلعهم إلى تغيير مصيرهم بعيدًا عن تهميش المجتمع والنظرة الدونية لأصحاب الحِرَف التقليدية؛ فرفض الأبناء مهنة أبيهم هو تنصل من الهوية القديمة التي فرضها الأب عليهم. والتنصل من مهنة الأب ما هو إلا جزء من رغبتهم في التحرر من قيود المجتمع التقليدي.
شخصيات الحكاية
أما الشخصيات، فهناك شخصيتان رئيستان وبعض الشخصيات الثانوية.
الشخصية الأولى: محمود
هو الشخصية التي تُفتتح بها القصة، وقد تجاهل الكاتب وصف ملامحه الجسدية لرغبته في إبراز الجوانب الفكرية له والدور السياسي الذي يقوم به، وهو كذلك محاولة لجعل القارئ يستحضر صورة الشخصية بالطريقة التي يحب، وهذا من شأنه أن يخلق حالة من القرب والتفاعل المباشر بين القارئ والشخصية.
كما وظَّف القاص اللغة غير المباشرة في رسم بعض المبادئ وتحديد بعض الأبعاد لشخصية محمود؛ فهو لم يصرح بمهنته، في الوقت الذي يمكننا بسهولة أن نفهم أنه من أصحاب القرار وذوي السلطة السياسية في أحد المجالس، ربما (مجلس النواب).
كما أنه لم يصوره بشكل مباشر في صورة إنسان عادل أو نصير للضعفاء، ولكن رغبته في إحباط مخططات بعض أعضاء المجلس بمنعهم من تحقيق الأغلبية تعكس جانبًا من صفاته الإيجابية.
لكن يبقى التساؤل: هل يمكن لعضو برلمانٍ بهذه الصفات أن ينهي يومه الشاق بتناول الغداء في مطعم فول وطعمية متواضع كهذا؟!
ربما أراد الكاتب أن يُظهر محمود كنموذج للنائب الذي يحاول الاندماج مع البسطاء، لكن في النهاية، يبدو هذا النموذج بعيدًا عن واقعنا تمامًا.
الشخصية الثانية: بائع الفول
وهو الشخصية التي تعاني من تنكر أبنائه له ولمهنته.
اللافت للنظر أن الكاتب لم يمنحه اسمًا محددًا، فهو يُشير إليه تارة بـ”صاحب المطعم”، وتارة أخرى بـ”بائع الفول”، وكأنه أراد بذلك أن يبين كيف أن هذه التسميات خادعة، فبائع الفول لا يختلف كثيرًا عن صاحب المطعم. وهذا التفاوت في التسمية ليس مجرد تنويع لغوي، بل هو إسقاط على أن التباينات الطبقية بين “بائع الفول” و”صاحب المطعم” لا أساس لها، مما يشير إلى هشاشة هذا الفارق الاجتماعي في أعين الناس، فهما في النهاية شىءٌ واحد.
أراد الكاتب أن يبرز أن صفة “بائع الفول” هي كل هويته، فاستخدام الصفة بدلًا من الاسم أفقد الشخصية هويتها الفردية وحوَّلها إلى مجرد رمز للطبقة الكادحة، في إشارة إلى تهميش هذه الفئة من قبل المجتمع. وهي كذلك أداة سردية استخدمها الكاتب للتركيز على وظيفة الشخصية وإبرازها كجزء أصيل من العقدة.
وأخيرًا، استخدام الصفة بدلًا من الاسم جعل الشخصية عامة وشمولية، فهي تمثل فئة اجتماعية بدلًا من أن تكون مجرد فردًا واحدًا في القصة.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد