التوتر في توتر القرآن لـ جمال عمر “نقد ومراجعة الكتاب” .. بقلم: محمود عماد
محمود عماد

نُشر كتاب مقدمة فى توتر القرآن عام 2017 للكاتب والمفكر جمال عمر، والتي تناوَل فيها تعامل علماء المسلمين مع القرآن من حيث الفهم والتطبيق كما استعرض مجهودات المفكرين في تفسير القرآن من بداية القرن التاسع عشر الميلادى وحتى اللحظة الآنية، وفي هذه المقالة ستأتي معالجتنا النقدية مقسومة لقسمين؛ أحدهما لعرض الكتاب كما عرضه صاحبه باختصار شديد لا يغني أبداً عن قراءة الكتاب، والثاني لنقده.
القسم الأول: مقدمة في توتر القرآن؛ عرض وبيان:
أولًا: التعريف بالكتاب وفصوله:
قَسّم جمال عمر كتابه إلى 14 فصل مقسمين على بابين كالتالي:
القدماء وأدواتهم لرفع توتر القرآن: ويشمل هذا الباب 7 فصول تتناول الرؤية العقدية والفقهية واللغوية لفهم القرآن كما تتناول الرؤية الفلسفية والصوفية عند القدماء.
المحدثون وآلياتهم للتعامل مع القرآن: ويشمل هذا الباب 7 فصول أيضا استعرض فيها الكاتب رؤى مختلفة لمفكرين وباحثين قدموا تصورات لفهم وتفسير القرآن على رأسهم أستاذه نصر حامد أبو زيد الذي يفرد له المساحة الأكبر فى أفكار الكتاب.
ثانياً: أهم النقاط الذي ينتقد بها الباحث تعامل القدماء مع القرآن
يقدم الكاتب المداخل التى قامت عليها فهم القرآن، وقد استعرض هذه المداخل كتالي:
ا) المدخل الفقهي في التعامل مع القرآن: وتركيز الفقهاء على فهم وتفسير الآيات التي تختص بالأحكام من حلال وحرام وإنتاج آليات العام والخاص والناسخ والمنسوخ لفهم مقصود الله من هذه الأحكام.
ب) المدخل البلاغي: وقيام النحاة بدراسة المعنى البلاغي للقرآن والخلاف حول الحقيقة والمجاز.
ج) المدخل الفلسفي أو علم الكلام: واستعرض مجهودات علماء المسلمين للتوفيق بين الفلسفة والعقيدة الإسلامية وبيان أهم ما قدمه الغزالي وابن رشد في هذا المدخل.
د) المدخل الصوفي: وتحول القرآن من كلمات لها معانى إلى رموز يقوم بفك شفرتها العالم الصوفي.
من خلال تلك المداخل الأربعة يقرر جمال عمر أن مشكلة القدماء جلهم اشتملت على فكرتين رئيستين:
1) تفتيت المعنى: حيث يقوم العالم سواء كان فقيه أو لغوي أو صوفي بعرض آية واحدة وعزلها من سياقها والتعامل معها بمعزل عن باقى آيات القرآن مما يبعد المعنى عن حقيقته ويجعله عرضة للتأويل والتأويل المضاد طوال الوقت.
2) سيطرة السلطة على المذاهب: وهذه من أهم مشاكل القرون السبعة الأولى حيث كانت الدولة العباسية و الأموية تتحيز لمذهب معين وتنشره فى أرجاء البلاد مما ينشر فكرة واحدة بالقوة مقابل باقى الأفكار الأخرى كما حدث مع سيطرة المعتزلة فى فترة أزمة ابن جنبل أو حتى تبني الدولة العثمانية للمذهب الحنفي وإقصاء المذاهب الأخرى من المناصب العليا للدولة.
ثالثاً: أهم المحدثين الذى يتناولهم الباحث:
ملاحظة (لم تشمل المراجعة كل المفكرين المذكورين في الكتاب):
يعد الباب الثاني هو الجزء الأكبر والأهم من الكتاب بل يمكن أن نعتبره هو الكتاب والباب الأول ماهو إلا مقدمة يمكن الاستغناء عنها فقد قدّم جمال عمر استعراض مُفصّل عن كل التجارب الحديثة لتفسير القرآن بدأها من محمد عبده وجمال الدين الأفغانى لينتهي به المطاف عند أبو زيد وحسن حنفي المتوفيين حديثاً وهذه التجارب تمثلت فى الآتي ذكرهم.
محمد إقبال وأبو الأعلى المودودى و سيد أحمد خان
تمثّلت الإسهامات للمفكرين إقبال والمودودي وخان في محاولة التوفيق بين العلم الحديث وبين جوهر الإسلام ومحاولة إيجاد نقط التقاء بحيث يكون الدين هو الأصل الذى يحث المسلم على البحث والسعي لإنتاج العلوم الحديثة التي يحتمي بها من التطور الغربي الغالب. وكانت هذه المحاولات هي امتداد لبذور وضعها جمال الدين الأفغاني في الهند.
سيد قطب وإقرار الحاكمية
تمثلت فكرة قطب الرئيسية فى الرجوع للعقيدة الأولى وبهذا سيقوم الله مباشرة بتأييدنا ونصرنا على أعدائنا وأعداء ديننا ولا يرى للتاريخ ولا الأحداث أى تغير فى النتائج وتعد هذه الفكرة هى التى كتب بها كتابه في ظلال القرآن الذي رسخ فيها أفكاره وصبغ بها آيات القرآن.
محمد عبده وتلميذه رشيد رضا
يعتبر جمال أن عبده هو مؤسس تيار الإصلاح الديني في العصر الحديث من خلال أفكاره التي ركزت على التوفيق بين الإسلام والعلم الحديث حين قال مقولته الشهيرة القرآن كتاب هداية وليس كتاب علوم دنيوية
وأخذ رشيد رضا على عاتقه استكمال مسيرة استاذه ونشره لتفسير المنار الذى مال فيه ناحية التفسيرات العقلانية ورفض الأمور الغير قطعية الثبوت والدلالة.
أمين الخولي ومدرسته : عائشة عبدالرحمن ومحمد أحمد خلف الله
يمثل أمين الخولى بالنسبة لجمال رائد التفسير الأدبى والبلاغي للقرآن فى العصر الحديث حيث اشتبك فى علاقات بين التفسير والبلاغة ووضع حجر أساس مهد به الطريق لمن جاء بعده لتقديم مشاريع في التصوير الفني للقرآن مثل عائشة وخلف الله وبالطبع لم يتوقف تأثيره إلى هذا الحد فقد تأثر به حسن حنفى ونصر أبو زيد وغيرهما.
الطاهر بن عاشور ومدرسة المقاصد
عبدالجواد ياسين
محمد أبو زيد الدمنهوري
محمد عبدالله دراز
مالك بن نبي
محمود محمد طه
يمثل مشروع طه نموذج لفصل الرسالة إلى رسالتين رسالة ربانية صالحة لكل زمان ومكان وهي الرسالة المكية، أما الآيات المدنية فقد اعتبرها تمثل حالة الزمان والمكان ولا تصلح للعصر الحالي هكذا قام بتنظير كل النظرة الإسلامية على هذه الفكرة.
محمد شحرور وعبدالكريم سروش (القرآن والكتاب أم القبض والبسط)
الفكرة التي سيطرت على مشروع كلاً منهما هو عزل القرآن عن سياقه وفهمه بدون اللغة الأصلية ووضع قواعد جديدة لفهم لغة القرآن: قواعد من خيال كل واحدا منهم
وفضل الرحمن ومحمد أركون والشبستري ودروزة وعابد الجابري
وصولا إلى مدرسة
حسن حنفي ونصر أبو زيد
ويعد نصر تلميذاً لحسن حنفى رغم ذلك فقد انتقد نصر مشروع حنفي القائم على التلفيق بين التراث والحداثة واستطاع نصر طرح نظرية جديدة في التأويل عن طريق تطبيق مفهوم الوحدات الخطابية التي تقترحه نويفيرث للتعاطي مع القرآن.
كان هذا عرضاً سريعاً ومكثفاً لمشاريع المفكرين الذي طرحها الكاتب ونقد منهجيتها والآن ننتقل إلى التعليق على أهم ما جاء في الكتاب من مميزات وإشكالات
القسم الثاني: التوتر فى توتر القرآن؛ النقد:
أهم مزايا البحث:
يعد الكتاب من أهم الكتب التي تناولت موضوع التفسير المعاصر والمفسرون في العصر الحديث فهو كما نطلق عليه امتداد لكتاب التفسير والمفسرون، وفى تلك النقاط نحاول إلقاء الضوء على أهم ما يميز الكتاب.
أولًا: محاولة النقد الجادة لمنهجيات التعامل مع القرآن فى العصر الحديث:
استطاع جمال ببراعة وجرأة أن يستعرض معظم أعمال مفكري العصر الحديث التي قدمت تفسيرات حديثة للقرآن، بل أنه لم يكتف بالقيام بنقد عميق وقوي لتفسيراتهم بل اشتبك نقدياً معها وحاول بيان الخلل في بنية كل منهج على حدة.
ثانيًا: تبني رؤية جديدة:
استطاع جمال عمر أن يطور نظرية نصر أبو زيد إلى حد ما وأن يكمل المشوار الذي بدأه نصر بعرض مشروع التحول من النص إلى الخطاب والذي مازال يحتاج إلى تطبيق عملي في عملية تفسير القرآن.
ثالثاً: الحقيقة المطلقة مقابل الحقيقة النسبية:
قدّم جمال عمر بعض الأمثلة ليوضح من خلالها أن الحقائق تظل حقائق لكن الإنسان هو ما يتغير عندما تتغير زاوية نظره ودرجة فهمه للأشياء وأن هذا لا يقدح في كونها حقيقة وإنما يعطى متسع أكبر للإنسان فى عدم حصر الحق في جانب واحد دون غيره، ولعل هذه الفكرة من أفضل ما طرحها الكاتب في كتابه.
رابعاً: محاولة الفصل بين فهم النص وسلطة تطبيقه:
من أهم النقاط التى تم طرحها جمال عمر في كتابه هي نقطة الفصل بين القرآن كنص ديني وبين البشر الذين استغلوا سلطتهم لبسط سيطرتهم على الأغلبية المؤمنة بهذا النص، وهذا التفريق بين المستويين وكشف البعد التاريخى لهذا الأمر.
أهم إشكالات البحث:
ينطوي البحث على بعض الإشكالات وأهمها ما يأتي:
الخطأ بالتعميم:
في الباب الأول كان يتحدث الكاتب عن الأوائل باعتبارهم كائن واحد له رأس واحد فنجده يقول الفقهاء في تعاملهم مع الآيات، والنحاة في دراستهم لألفاظ القرآن، وهكذا من الجمع الذي يضع فيه القدماء فى سلة واحدة ولا يوضح لنا منهم هؤلاء القدماء وفي أي عام ظهروا ولماذا فعلوا ذلك، بل كان ما يرمى إليه هو إظهار شكل واحد من القدماء تخلله التعتيم والتعميم.
عدم الدراسة الكافية للمفسرين ما قبل القرن التاسع عشر:
يبدو أن جمال عمر على اطلاع واسع بالمفسرين وحركة التأليف فيه بداية من محمد عبده إلى تلك اللحظة الآنية غير أنه ومن الواضح عدم درايته بالمفسرين القدامى ولا بمنهجهم فلم يذكر واحداً منهم بشيء من التفصيل ولم يبين مواطن ضعف منهجيته وهذا لا يعيب فى الكاتب بالطبع لكن كان من الأفضل أن يقتصر الكتاب على نقد المفسرين المعاصرين ولا يتطرق إلى نقد المنهج القديم طالما لم يتم دراسته بشكل كافي، والاكتفاء بذكر كلمة القدماء وكأنهم شخص واحد، بل ما هو أكثر من ذلك فقد ناقش بعض القدماء وأفكارهم كالغزالي وابن رشد وانتقد منهج الاثنين باعتبارهم القدماء لكن لم يبين للقارئ أن هؤلاء ليسوا مفسريين وأن حركة التفسير قبلهم وبعدهم كان لها متخصصين يدرسون التفسير كعلم منفصل وليس جزء من علم الكلام.
إهماله لمفسرين معاصرين:
أهمل جمال عمر بعض المفسرين المعاصرين الكبار والذين كان لتفسيراتهم أثر كبير مثل تفسير الشعراوي ومحمد على الصابوني وهما من أهم المفسرين الذين ظهروا فى المئة عام المنصرمة بل تعتبر تفاسيرهم من أكثر الطبعات إنتشاراً فى العالم الإسلامي فلا أدرى لماذا أغفل الكاتب ذكرهم، هل لانتمائهم لمدرسة التفسير التقليدية ؟! وحتى لو كان ذلك صحيحاً فلماذا لم يذكرهما ويقوم بنقد ما قدموه كما فعل مع باقي المفسرين.
عدم تقديم الإجابات:
من أكثر ما يمكن انتقاده على الكاتب هو أنه انتقد كل الكتاب والمفكرين السابقين والمعاصرين لكنه لم يقل لنا ما البديل؟ ما الحل؟
وعندما سألته فى لقاء جمع بيننا عن ذلك قال أن وظيفته هو محاولة الفهم وتقديم النقد وليس وظيفته هو إيجاد الحل وتقديم الإجابات.
تبدو هذه إجابة مناسبة ودبلوماسية بيد أن هذا لا ينفي عدم وجود أفكار جديدة للتعامل مع القرآن ولم يقم بحل الإشكالات التي ذكر أنها إشكالات تعترى تفسيرات القرآن وهذا لأصحاب تلك التفسيرات يبدو غريباً جداً لأن ما وصلوا إليه هو صحيح من وجهة نظرهم فعندما تأتى وتقول لا إنه خطأ فيجب عليك تقديم الدليل على خطئه وتصحيح هذا الخطأ أما أن تقول لهم هذا خطأ ولا أعرف ما الصحيح فهذا لم يحل لهم الاشكال ولن ينحيهم عما يعتقدوه.
خاتمة:
وبعد هذا النظر في فحص هذا الكتاب الذى قدّمه جمال عمر، وتمحيص أفكاره تبين لنا عدة جوانب إيجابية فقد رأينا نقداً قوياً للمفكريين السابقين المتمثل في نقد الاتجاه الحداثي لتفسير القرآن في الوقت الحالي، كما عرض رؤيته لمفهوم التوتر واعتبره مكون رئيس في القرآن الكريم باعتباره له أبعاد مكانية وزمانية وخطابية استهدفت مجموعة محددة للبشر لها خصائص معينة كما استعرض تطبيق أنجيليكا نويفيرت ونصر أبو زيد لمفهوم الوحدات الخطابية للقرآن وتعرضنا بعد ذلك للنقد وبيان المميزات والعيوب من وجه نظرنا، ويمكن بالطبع استكمال هذا الكتاب بالبحث والدراسة والاستفادة منه فى نواحِ عدة، إلا أنه بالطبع لم تخل الدراسة من أخطاء وهذه طبيعة أي بحث، ونؤكد فى ختام المقال أن هذه المقدمة عن توتر القرآن بها الكثير من الميزات التي يجب إضافتها للكتب التى تؤرخ لكتب التفسير الحديث والتعامل مع القرآن كما نأخذ على الباحث عدم تعامله الجاد مع مفسرينا القدامى كما يجب.
ونسأل الله أن يكون قد وفقنا في عرض وتقويم الكتاب وأن يغفر لنا الزلل الذي لا نُبرئ أنفسنا من الوقوع فيه ولابد.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد