الحرب على إيران هي هدم لحائط الأمة الأخير.. رسائل إلى الأمة العربية والإسلامية والصين وروسيا – بقلم: شادي الشربيني

d8b4d8a7d8afd98a-d8a7d984d8b4d8b1d8a8d98ad986d98a-1 الحرب على إيران هي هدم لحائط الأمة الأخير.. رسائل إلى الأمة العربية والإسلامية والصين وروسيا - بقلم: شادي الشربيني

إنها حرب شاملة على إيران.. المسألة ليست البرنامج النووي المسألة هي ضرب وتركيع وإسقاط نموذج الجمهورية الإسلامية الإيرانية المقاوم الصلب، النموذج الذي مجرد بقاءه يشكل إلهاما واستنهاضا لروح المقاومة وحس الرجولة في الأمة العربية والإسلامية، وذلك بعد أن نجح ثنائي الولايات المتحدة/إسرائيل في أخصاءنا خلال عملية امتدت على مدى نصف قرن!

إسرائيل والولايات المتحدة والغرب الاستعماري، يعرف ويدرك جيدا أن جيوب المقاومة الباقية في الأمة، من حزب الله إلى حماس إلى يمن الحوثي، وقبلها كان النظام العربي الأخير الذي رفض الاستسلام، نظام سوريا الأسد، كل هؤلاء لم يجدوا السند والعون الحقيقي إلا في إيران الثورة الإسلامية. لقد ضربت إيران الثورية المثال في البناء والتصدي لقوى العدوان بشجاعة وحكمة، فإيران استطاعت أن تستوعب النزق الثوري في مراحل مبكرة، فتخلصت إلى حد كبير من المراهقات التي ترافق عادة الأنظمة الثورية، في الوقت نفسه حافظت على روح الثورة يقظة ومتقدة، تدفع مسيراتها المقاومة الشجاعة إلى الأمام، حيث حققت اختراقات في كل المجالات من تكنولوجية وصناعية وسياسية واجتماعية وثقافية. لذلك كان من الطبيعي أن تكون إيران في قلب منصة الاستهداف الأمريكي/الصهيوني – الغربي، لأن مجرد استمرار هذا النموذج قادر على تقويض نجاحتهم الكبرى في السيطرة على وتدجين الأمة العربية والإسلامية.

تجري الآن الحرب الشاملة على إيران باسم إنهاء برنامجها النووي بحجة منعها من امتلاك القنبلة الذرية، ولكن سنتسم بكل ساذجة وغباء الدنيا إذا صدقنا، ولو لوهلة، أن هذا هو الهدف بالفعل! ألم يتم تصفية كل البرنامج النووي العراقي وإخلاء العراق من كل سلاح فوق تقليدي، بل وتحت تقليدي، وفي نهاية المطاف تم اجتياحه واحتلاله أمريكيا وأطلسيا! ألم يحدث الأمر ذاته مع ليبيا القذافي التي قدمت برنامجها النووي على أطباق الذهب والفضة فكانت طائرات الأطلسي تحلق فوقها وتمزقها! الهدف في النهاية تصفية الجمهورية الإسلامية الإيرانية وما تمثله، ولو أنهت برنامجها النووي بالكامل فإنه سيتم الانتقال إلى طلبات أخرى، واستمرار الحصار الشامل والتربص والاستهداف بحجج مختلفة.

من الواضح أن حلف إسرائيل/الولايات المتحدة العضوي يرى أن تلك اللحظة مناسبة جدا للتقدم والقيام بعملية واسعة وشاملة لإسقاط النظام الثوري الإيراني وتصفيته نهائيا. فقد تم إسقاط الصديق والحليف السوري يل وتم تصفية سوريا نفسها لصالح تقاسم أمريكي إسرائيلي تركي مع إقامة كيان هزلي في دمشق يطلق لحية القاعدة ويجلس عند أرجل الأمريكي ويتمنى رضا تل أبيب. وبسقوط دمشق يكون قد تم قطع خط الإمداد عن حزب الله، الذي تم ارهاقه واستنزافه عبر أقصى درجات العنف وعمليات نوعيه جرى الأعداد لها وتجهيزها من زمن طويل، بلغت زورتها في النيل من القائد الأسطوري حسن نصر الله والوصول أيضا إلى خليفته الموعود هاشم صفي الدين. في غزة فإن إسرائيل ترى أنه تم إنهاك حماس واستنزافها وإحكام الحصار حولها بعد تصفية قادتها الكبار، إسماعيل هنية وصالح العاروري ومحمد الضيف ويحيى السنوار وصولا إلى محمد السنوار. وقبل أن تبدأ المواجهة الشاملة مع إيران، تدخلت الولايات المتحدة بنفسها لإسقاط يمن أنصار الله، لكن وجدت نفسها على شفا هزيمة كاملة مجللة بفضيحة إغراق حاملة طائرات بعد أن فقدت ثلاث طائرات أف-18 بالفعل، فأثرت الانسحاب والفرار!

إن الحرب الأمريكية/الإسرائيلية على الجمهورية الإسلامية قديمة وبعيدة، قديمة قدم وبعيدة بعد قيام الثورة في إيران واطاحتها بعرش الطاووس العميل والخادم للولايات المتحدة، العرش الصديق والداعم لإسرائيل والمورد الأول للبترول والوقود الذي يسير آلتها العسكرية. كان قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لحظة فارقة بتاريخ المنطقة وربما العالم، ففي تلك اللحظة كان مشروع الأمريكي لتلجيم مصر والسيطرة عليها قد أصبح قاب قوسين أو أدنى، وما يعنيه ذلك بالتبعية من كسر الأمة العربية بأكملها وتحقيق قفزة هائلة في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية وإكمال عملية تنصيب إسرائيل كحاكم للمنطقة. كان قيام نظام يقلب الأمور رأسا على عقب في طهران، فيحول إيران القوة الإقليمية الحضارية الكبرى من ركيزة لمنظومة السيطرة والهيمنة الإمبريالية الغربية إلى مقاتل ومناضل من أجل التحرر وتصفية التبعية ونصرة فلسطين، انقلاب شامل في المعادلات الاستراتيجية والأوضاع الجيوسياسية في المنطقة ضد الهيمنة الامريكية الإسرائيلية. وبالرغم من نجاح الأمريكي/الإسرائيلي في إدخال السياسة المصرية في اسطبل داود، إلا أن الثورة الإيرانية قامت كبحر ثائر يدفع بأمواج تلو الأخرى تبدد ترتيبات الهيمنة والسيطرة في زمن كامب ديفيد وما بعدها.

 إن دفع العراق في حرب مستعرة ضد إيران لم يكن سوى لعبة محكمة لم يستفد منها سوى التحالف الأمريكي/الإسرائيلي، فقد كانت الحرب تستنزف وتدمر أكبر قوى في المنطقة تستطيع أن تقف أمام الهيمنة الأمريكية، بعد أن تم ضمان أمر مصر، ففي تلك الحرب كان كلما يميل مسارها لأحد طرفيها، يتم المسارعة إلى مساندة وتقوية الطرف الآخر والنفخ في نيران الحرب حتى يستمر الاستنزاف والتدمير والقتل!

لم ينقطع الحصار الاقتصادي والتقني والتربص الأمني الغربي بالجمهورية الإسلامية يوما واحدا، إلا أنه يمكن رصد أن العام 2003 كنقطة تحول كبيرة في الحرب على إيران، ففي هذا العام لم يكن الهدف الأمريكي هو الإطاحة بصدام حسين واحتلال العراق للسيطرة على موارده الهائلة فقط، بل أيضا، وربما قبلها، هبوط القوة الأمريكية في جوار إيران المباشر وتفعيل حصار عسكري خانق عليها وتحقيق اختراق داخلي يحدث انقلاب في بنية النظام ويطيح به. إنني مقتنع تمام القناعة أن كل الاختراقات الامريكية/الإسرائيلية للمنظومات الايرانية تجد جذورها في الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث تم إنشاء قواعد استخبارية أمريكية وإسرائيلية ضخمة ليس لها عمل سوى اختراق الأرض والسماء والبشر في إيران.

لذلك فإن أي قراءة أمينة تتحرى البداية الحقيقية للجرب على إيران التي اتخذت شكلها السافر والوحشي فجر اليوم الجمعة 13/6/2025، يجب أن ترجعها إلى العام 2003 على الأقل، هذا العام الذي تم فيه التخلص بشكل نهائي من صدام والبعث في العراق والتفرغ بشكل كامل لاصطياد إيران وإعادتها للحظيرة الأمريكية/الإسرائيلية. لم تكن حرب 2006 الإسرائيلية على حزب الله إلا خطوة في سبيل التقدم نحو إيران، لكن فشل الإسرائيلي المدوي في تلك الحرب أجهض الخطة، فكان الانتقال إلى العمل داخل سوريا التي مثلت قاعدة إمداد وإسناد وصمود حزب الله في حرب 2006 ومكنته من كسر العدوان. تم وضع سوريا بين فكاك كماشة عنيفة لاقتلاع نظامها، تمتد أطرافها من إسرائيل في الجنوب والقوات الأمريكية في العراق وتركيا في الشمال، حيث تم استغلال حالة عدم ارتياح في الداخل نتيجة توريث السلطة واستمرار النظام لفترة طويلة، والبدء بضخ الأموال والتيارات القاعدية لإشعال حرب لا تنتهي إلا بسقوط دمشق وتجريد إيران من أقوى أصدقائها في المنطقة وربما العالم. مثلت الحرب السورية حالة استنزاف وارهاق طويلة لحزب الله وإيران، وفتحت أيضا مجال كبير أمام اختراقات أمريكية/إسرائيلية واسعة لبنية حزب الله والحرس الثوري الإيراني. ثم كان استغلال الانشغال الروسي الكامل بالحرب الأوكرانية وانخراط حزب الله في معركة دعم غزة، ثم انقلاب تركيا على تفاهماتها مع روسيا وإيران في سوريا، هو الذي فتح الطريق لسقوط دمشق المرهقة من الحرب والحصار الأمريكي.

إن إصرار نتنياهو أن تلك هي اللحظة المناسبة للعمل المباشر ضد إيران نابع من أنه قد حان الوقت لإكمال العمل الذي تم البدء فيه منذ عام 2003، حيث أصبحت كل الظروف ناضجة، ليس فقط بعد القضاء على الأب الروحي للمقاومة، أو محور المحور كما سماه نتنياهو، الشيخ حسن نصر الله وقيادات الحزب الكبرى، وليس فقط بعد سقوط دمشق وتدمير غزة، وليس فقط لاستغلال الإرهاق الإيراني من الحصار الاقتصادي الطويل والعنيف والاستنزاف في الجبهة السورية والاختراقات التي تمت مراكمتاها سواء عبر العراق أو سوريا، ولكن أيضا لأن الحرب على إيران الآن تتجلى كسبيل ناجع لجبر إسرائيل المنقسمة على ذاتها واستغلال أن جمهورها اعتاد بدرجة ما العيش تحت قصف الصواريخ خلال عام ونصف من الحرب المستمرة، فيرسخ نتنياهو بقاءه كداود جديد يتوج نفسه ملكا بالقضاء على القوة الأخيرة في المنطقة التي ترفض بشكل حقيقي وعملي الخضوع لإسرائيل.

إن دور الكتابة هو إشاعة المعرفة والتنوير، لأن المعرفة هي فاتحة الطريق للنصر، فبالمعرفة ندرك طبيعة ما نحن أمامه ونفهم دوافعه وحركته، وهكذا نستطيع أن نلملم شتات أنفسنا ونحقق القوة والصلابة النفسية والذهنية، ونصبح قادرين على تكوين الرؤية السليمة الشاملة التي ينبع منها القرار الحر الشجاع والسليم. السطور السابقة لم تكن إلا محاولة سريعة ومركزة لبناء الصورة الكبيرة للعدوان الإسرائيلي الواسع الذي بدأ فجر يوم الجمعة 13/6/2025 ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فنحن أمام مواجهة ممتدة وتصعيد عدواني وشرس ودنيء لحرب تخوضها الولايات المتحدة وإسرائيل والكتلة الأطلسية (الغربية) كلها ضد إيران المقاومة والشرف والفداء منذ سنوات طويلة. منذ عام 2003 وقرار العدوان المباشر على إيران موضوع على الطاولة، يتحين اللحظة المناسبة، تلك اللحظة التي تأخرت كثيرا نتيجة صلابة جبهة ومحور المقاومة ومواجهاته الممتدة سواء على الجبهات في فلسطين (غزة بشكل خاص) والعراق وسوريا واليمن. جبهة المقاومة تلك التي وقع عليها وحدها كل عبئ المعارك والحروب الخطيرة والقاتلة أمام قوى عالمية عاتية ومال نفطي يتدفق بلا حساب لتمويل خطط وحروب التطويع والسيطرة والهيمنة. بينما كانت سلطويات المنطقة تنحني في ذلة وضعة، وبعضهم منخرط بشكل كامل في حروب الأمريكي والصهيوني، كانت جبهة المقاومة هي الحائط الأخير الذي تسند إليه الأمة ظهرها، وكانت تنزف الدماء بصبر وإيمان وشجاعة، حيث قدمت أغلى قادتها وأعلاهم مكانة، ومع ذلك استمرت صامدة في الميادين تقاتل في مشهد حسيني أسطوري.

العدوان الإسرائيلي على إيران جرى على العين الأمريكية، فالولايات المتحدة هي الراعي الرسمي للعدوان، بل والأرجح أنه عدوان أمريكي يلبس القفاز إسرائيلي. لقد قامت الولايات المتحدة بعملية خداع استراتيجي واسعة استخدمت فيها كل الأدوات الإعلامية والدبلوماسية ونشر الاخبار الزائفة والمفبركة حتى تخدر القيادة الإيرانية والعالم وتغطي على لحظة بدأ العدوان لتحقيق معادلة الصدمة والرعب. ما فعله الأمريكي خلال مايو ويونيو 2025 مع إيران هو تقريبا نفس التربص والخداع الاستراتيجي الذي مارسته ضد مصر في مايو ويونيو 1967، ولكن للحق وللتاريخ فإنه هذه المرة منخرط في العدوان بشكل أكثر صفاقة وبجاحه ووضوح، فهذه أول مرة في التاريخ تستخدم المفاوضات الدولية كغطاء للعدوان وشن الحروب! لذلك فإن الاتجاه العام الان أنه لن تبقى إسرائيل طويلا الطرف المعلن الوحيد في الحرب ضد إيران، بل إن الولايات المتحدة ستلتحق بها بعد قليل، في مسعى لا يهدف إلى تصفية البرنامج النووي الإيراني فقط، بل إلى أنهاء الجمهورية الإسلامية وتفكيك إيران نهائيا لتحويلها إلى عبرة لكل من يجرؤ على رفع رأسه!

images الحرب على إيران هي هدم لحائط الأمة الأخير.. رسائل إلى الأمة العربية والإسلامية والصين وروسيا - بقلم: شادي الشربيني
ترامب قاد بنفسه وقام بالدور الأول في التدليس وخداع إيران

إننا أمام لحظة تاريخية مفصلية، حيث تشن كيانات إبادية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل حرب كبرى لتصفية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، القوة الوحيدة والأخيرة المستقلة. وإذا سمحنا وحدث ذلك لا قدر الله، فإن كل مخططات التهجير والتصفية النهائية لفلسطين ذاتها – وليس فقط القضية – ستنهي إجراءاتها وسننتقل من عصر الهيمنة الأمريكية/الإسرائيلية على المنطقة إلى زمان التغيرات الجيوسياسية لصالح تمدد وتوسع إسرائيل مقابل تمزيق وتفتيت كيانات المنطقة وإعادة تشكيل ديمغرافيتها لصالح الصهاينة. هذا بالضبط ما عناه نتنياهو بتغيير وجه الشرق الأوسط.

لقد بلور وزير الدفاع الباكستاني الموقف الذي يجب أن نتخذه جميعا على أفضل وأكمل ما يكون عندما صرح خلال اجتماع مجلس النواب، يوم السبت 14-06-2025، أن باكستان ستقف إلى جانب إيران في مواجهة التحديات. وأكد أن «إيران هي جارة لنا وقد كانت لدينا علاقات جيدة معها لقرون. وفي ظل هذه الأزمة، سنقف إلى جانب إيران بكل الوسائل الممكنة وسنحمي مصالحها، وأؤكد أن الإيرانيين هم إخوتنا، وأن آلامهم وآلامنا هي آلام مشتركة»، وأكد دعم بلاده لإيران في حربها الدائرة مع إسرائيل، قائلًا: «ندعم إيران بكل ما أوتينا من قوة». وحث آصف، كافة الدول الإسلامية على قطع العلاقات مع إسرائيل بسبب عدوانها على إيران، وأشار إلى أن إسرائيل تستهدف كل من اليمن وإيران وفلسطين، مشددًا على ضرورة اتحاد العالم الإسلامي.  وحذر من أنه «إذا لم يتحد العالم الإسلامي اليوم وظللنا صامتين، فإن الدور سيأتي على الجميع». إن كلمات وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف وتصريحاته والموقف الذي بلوره هو خارطة الطريق والمنهج الذي لا بديل عنه للتصدي لما يحدث.

وفي معرض شرف الكلمة، في معرض المسئولية الوطنية والقومية والأخلاقية والدينية، وفي ضوء الموقف الصحيح والنبيل والمتكامل الذي رسمه خواجه آصف وكان ينطق بلسان الحق والمسئولية، فإنني أتوجه بتلك الرسائل إلى أطرف محددة:

رسالة أولى لا بد منها لهؤلاء الذين ظلوا يمطرونا لسنوات طويلة بتعليقاتهم السخيفة وتحليلاتهم المستمدة من أعماق بالوعات الصرف الصحي، بأن المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية هي تمثيلات مبتذلة وتبادل للإلقاء الورود بين حلفاء يتصافحون من تحت المائدة! حقيقية لو كنت مكان هؤلاء فإنه بعد ما حدث فجر الجمعة المنصرم، يجب أن أقطع شرايين يدي تكفيرا ولأنهي أي احتمال لامتداد سلالة تحمل عقول ينتج عنها مثل تلك الأفكار والرؤى اللوزعية!
  إن تلك الفئة التي انتشرت بين ظهورنا خلال وقت طويل سابقَا ينقسمون إلى نوعين لا ثالث لهم. النوع الأول هو التابعين للوحدة 8200، وهي وحدة أنشأها جهاز أمان الإسرائيلي من أهم أهدفها نشر المعلومات والتحليلات المضللة واختراق العقول وتزييف الوعي وإشاعة البلبلة مما يفرز عقول ونفوس مهزومة ومستسلمة. أما النوع الثاني فهو ذلك الذي يحمل العقلية التي تساوي المقاومة والتصدي والمجابهة بالانتحار، حيث بكون الشرط المتخيل للصدق في المواجهة في عقولهم هو الاندفاع في معارك غير محسوبة والتورط في أزمات تنال من تراكم قوة المقاومة وتسمح باصطيادها والقضاء عليها قبل نضجها وتكامل إمكانيتها. وذلك النوع الأخير منتشر في عالمنا العربي ويشكل جزء كبير من ثقافتنا بشكل مخيف وصادم، هذا النوع هو مصدر أول وأساسي للانتكاسات والهزائم التي عانينا منه وتألمنا بسببها وهو نفسه الذي فتح الطريق واسعا لتيار الاستسلام والخضوع والعمالة باسم الحكمة والرصانة في مقابل التهور والاندفاع!
من الملفت للنظر بل والمدهش أن تيارات المزايدة تلك كانت مسلطة على مصر عبد الناصر، وكانت من أهم أسباب الانزلاق لمعركة 67، ومع ذلك فإنني أجد كثير من القوميين بل والناصريين قد تبنوا وأطلقوا خطابات المزايدة والسخرية من إيران الثورة وأمطروها باتهامات التواطؤ مع الأمريكي والإسرائيلي، وهذا يكشف عن عقليات طفولية ومتحجرة إلى درجة التعفن، حتى أنها لا تقرأ التاريخ وتستوعب دروسه. لقد خاضت الجمهورية الإسلامية وتخوض مواجهة راديكالية لا تهادن ضد الكيان الصهيوني لكن بأقصى درجات الانضباط السياسي والدبلوماسي وتفادي الانزلاق إلى مواقف تجعل من السهل حشد قوى العدوان عليها وبناء سردية تبرر هذا العدوان. نحن ننسى أن الحرب ضد الكيان هي حربنا وليست حرب الأخريين، فلم يكن الاتحاد السوفيتي في الماضي كما روسيا اليوم أو الصين أو إيران أو أي طرف أخر في الدنيا أختار أن يساندنا في قضيتنا العادلة مطالب أن يخوض حربنا أو أن يتقدم لينزع ذلك الخنجر الإسرائيلي المغروس في قلب أمتنا العربية بدلا منا، هذا من البديهيات الواضحة والحاسمة التي كثيرا ما يتم الهروب منها لإلقاء المسئولية دائما على الآخرين!

رسالة ثانية إلى الملوك والرؤساء والأمراء والمسئولين العرب، ماذا تنتظرون للتحرك لوقف العدوان على إيران؟ لماذا تتصورون أن الإسرائيلي يمكن أن يرضى عنكم وأن الأمريكي يمكن أن يحميكم ويرعاكم؟ ألا ترون ما يفعله الإسرائيلي بالفلسطينيين؟! هل تعتقدون أنكم تختلفون في شيء عن الفلسطيني في نظرهم؟! أليس واضحا بما فيه كل الكفاية أنهم يرون جميع سكان تلك المنطقة كحشرات لا يصلح معها سوى السحق والإبادة؟! أليس واضحا أن المسألة ليست إلا الجرب بالدور حتى يستفرد بكم الإسرائيلي واحد تلو الآخر! لماذا تتخيلون ولو للحظة واحدة أنه عندما يأتي الدور عليكم أن الأمريكي سيتدخل ويحميكم من الإسرائيلي أو يكون لكم عنده أي اعتبار؟ أليس واضحا أنكم خلال سنوات طويلة من قبل قد جردتكم نفسكم وبأنفسكم من كل سلاح وقضيتم بأيديكم على أي قوة لكم، فأصبحتم عرايا ومكشوفين في التيه؟! لم يعد هناك أي من يتصدى في المنطقة للعربدة الإسرائيلية إلا إيران وقوى المقاومة في المنطقة التي تتعاون معها إيران وتساندها في المنطقة فأي قيمة ومعنى لكم يتبقى إذا ذهبت جبهة ومحور المقاومة ولم يعد منها شيئا؟!
ويقال إن الدول والممالك والإمارات في تلك المنطقة العربية قد أدانت الهجوم الإسرائيلي، لكن هذا بالتأكيد لا يكفي، وهو يكاد يساوي العدم في قيمته، فهناك الكثير من العمل السياسي والدبلوماسي الحقيقي والفعال لوقف العدوان على إيران والوقوف معها بفاعلية في مواجهته. ويزداد الأمر خطورة وقسوة إزاء التقارير التي تنشر عن استخدام موانئ ومطارات عربية تنطلق منها السفن والطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي تعمل على إسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية المنطلقة نحو إسرائيل، وأيضا تتحدث التقارير عن القواعد الأمريكية والأجنبية المختلفة في الأراضي العربية التي تتجسس على إيران لصالح إسرائيل وتعمل مع الأخيرة كشبكة متكاملة واحدة في الحرب المستعرة ضد الجمهورية الإسلامية!

  رسالة ثالثة إلى الجماهير وشعبنا العربي على امتداد الأمة من الخليج إلى المحيط، أدعوها إلى تفعيل كل أشكال التضامن مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تلك اللحظة العصيبة التي تتكالب علبها قوى العدوان بسبب انحياز تلك الجمهورية المبدئي والراديكالي لفلسطين (قضيتنا الأولى والمركزية). إنني صراحة أدعوا الجماهير العربية للخروج في مظاهرات سلمية واسعة ترفع أعلام فلسطين والجمهورية الإسلامية الإيرانية وصور سماحة مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي وصور أبطال جبهة ومحور المقاومة الذين استشهدوا أخيرا بل وصور قادة إيران الأبطال الذين أرتقوا في الميدان أخيرا بشرف ضاربين أعلى نموذج في الشرف والتضحية والفداء أمثال محمد باقري وحسين سلامي وأمير زادة وغيرهم من العلماء والقادة العظام، فمثل تلك المظاهرات السلمية التي تعبر عن شجبها للعدوان واحتجاجها ووقوفها مع إيران وذهاب مسيراتها للتظاهر السلمي أمام المراكز والمقرات الممثلة للكيانات الداعمة والمساندة للعدوان الإسرائيلي، كفيلة بإحداث زلزال سياسي يوقف العدوان فورا ويجهضه. فالجماهير العربية، وعموما كل الاحرار عبر العالم، مدعون لرؤية العدوان كفرصة لإيقاظ الوعي وشحذ الهمم وإعادة اكتشاف قوتهم وقدراتهم السلمية للتأثير والتغيير.

رسالة رابعة إلى الأمة الإسلامية أدعوها إلى الاستماع والاستجابة لنداء باكستان وخاصة وزير دفاعها الشجاع خواجه آصف، للاجتماع والتضامن مع الجمهورية الإسلامية ومباشرة كل العمل السياسي المطلوب والممكن لوقف العدوان، ومد إيران بكل إمكانيات الصمود والقدرة على المواجهة. تحرك الأمة كفيل بوضع حد صارم لقوى الشر المتفشية، وأن يصنع للأمة والمسلمين كلمة وهيبة عبر العالم. والأمر واضح أن العدوان المنفلت والمسعور من فلسطين إلى إيران يستهدف الإسلام ذاته ويعمل على طعن وتمزيق عقيدته، لم يعد الصمت أو الاكتفاء ببيانات برو العتب خيارَا.

رسالة خامسة إلى روسيا والصين، فليس خافيا أن هذا العدوان والاستهداف للجمهورية الإسلامية ليس سوى استهداف لكم، ويأتي في إطار مخطط الالتفاف الأمريكي/ الغربي حولكم، وخاصة لحصار وتطويق الصين الصاعدة. إيران أبرز حليف في المعركة ضد تسلط وطغيان القطب الأمريكي الذي يسعى للحفاظ على واحديته المتداعية، ويعوض تراجعه وضعفه المتفاقم بالتوسع في العنف واستخدام الأساليب القذرة والخداع وتنويم من يستهدفهم لينفرد بهم الواحد تلو الاخر. فإذا لم يتم التحرك في المسألة الإيرانية وإثبات أنكم حلفاء جديرين بالثقة والاعتمادية، فإلى أين من هنا إذا استطاعت الولايات المتحدة والغرب تحقيق أهدافهم في إيران؟!

<<<<<<<<<<<<<<
<<<<<<<<<<<<<<

والآن هل انتهت الرسائل؟!

بالتأكيد لا.. لكن جدوى الرسائل هو أن تقرأ وتفهم وتستوعب وتجد في النفوس والعقول صدى يوقظ الهمم ويدفع إلى الحركة والفاعلية، وهذا بالضبط ما أبحث عنه وألح عليه الآن، هو أننا لسنا في وقت التأمل والتنظير والتقعير ونصح إيران بما يجب أن تفعل أو لا تفعل!! المبدأ، الذي جاء وتبلور من ألف عام وأكثر، واضح وحاسم في صياغته ومضمونه، وهو “لا يُفتِي قَاعِدٌ لِمُجاهِد”. وحتى القاعد في تلك العبارة يصف الذي يدفع ويدعم ويجهز المجاهد ويقوم بعمله ويرعى مصالحه حتى يرجع، فمن أين نأتي بكل هذه الأريحية في الإفتاء والاشارة بل والتحليل والنقد والتقطيم والتندر باختراقات وقصور سمح بضربات عنيفة ومؤلمة، إذا كنا نحن لم نبلغ حتى مرتبة القاعد!! ما أدراك عن حجم التحديات الكبرى التي تواجهها الجمهورية الإسلامية والعمل الاستخباري والتخطيط والتآمر ضدها القائم من عشرات السنوات من قبل أقوى أجهزة استخبارات في العالم وأكثرها تقدما وتمويلا وتسليحا بأحدث التكنولوجيات النوعية والسرية؟ّ!! ثم ما أدراك عن حجم الاختراق الحادث في مجتمعك وبلدك الخامل والخاضع والذي يتفادى أي مواجهة من أي نوع فلا نعرف حال وكفاءة أجهزته وقواه الأمنية في أي اختبار واقعي وحقيقي؟! وربما كانوا لا يحتاجون معنا إلى أي اختراق لأننا الاختراق ذاته ونفسه!!

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات