الدين والتشريع عند عبدالجواد ياسين … د. عماد عبدالمسيح

أغسطينوس الذي قال أن القانون الظالم ليس بقانون، وقد أخذ أغسطينوس عن سابقيه من فلاسفة اليونان الكثير عندما تحدث عن مفاهيم القانون الطبيعي الذي كان محورياً في الفكر الكاثوليكي وفيه أن القانون الطبيعي هو أساس التشريع والقضاء.

بقلم: إيمان إسماعيل

440878463_442015385185178_4507253607105617610_n الدين والتشريع عند عبدالجواد ياسين ... د. عماد عبدالمسيح

واد يا حنفي… هات القبقاب وحصلني على مكتب المديرة… استناني على الباب أول ما أخرج أتوضا على طول

وتتوضا ليه؟ أبوحنيفة قال مينقضش

أحمد بن حنبل قال ينقض

من هنا بدأت ندوة الدين والتشريع عند عبدالجواد ياسين التي قدمها لنا د. عماد عبدالمسيح، المشهد من فيلم (مراتي مدير عام)، تكررت في الفيلم مناداة الأستاذ عبدالقوي وكيل المصلحة لحنفي الساعي الذي يأتيه بالقبقاب، حفظناه عن ظهر قلب ورأينا كيف كان يقلب الأستاذ عبدالقوي نفسه بين الأراء الفقيه بحثاً عما هو أوسع وأرحب ليفتح أبوباً تتماشى مع الحياة الحديثة، فصناع الفيلم كانوا يلقون الضوء على التعددية التي تتمتع بها الشريعة الإسلامية وكذلك انتهج مشروع عبدالجواد ياسين منهجاً مماثلاً.

مشروع عبدالجواد ياسين

يقول د. عبدالمسيح أن أهم ما يميز مشروع ياسين الفكري هو تركيزه على مسألة الدين والتشريع وهو مشروع موجه إلى إعادة نظر جذرية فيما يسمى بالمنظومة السلفية، ويرى ياسين المنظومة السلفية بأنها أشمل مما نفهمه، فهي عنده كل هذا البناء عبر السنين، من نصوص سواء تلك التي جعلت ثابتة أو تلك التي أضيفت لاحقة، وكذلك الأحكام المستنبطة، كل هذا كون منظومة كبيرة أسماها ياسين بالمنظومة السلفية

ضبط المصنع

يحاول ياسين من خلال مشروعه إعادة ضبط المصنع لهذه المنظومة الفكرية والتشريعية من خلال نقدها وإعادة النظر في منهجها، ويرى ياسين أن صياغة هذه المنظومة جاء من خلال “نص مكتمل” أثناء عصر التدوين، تلاه نص ثاني ذو سلطة أيضاً، وما يفعله ويطمح إليه ياسين هو إعادة الشريعة المستمدة من هذه النصوص إلى القانون من خلال إرجاع منهجه إلى المنهج القانوني

يظهر هذا في كتابه “الدين والتدين” والذي يحمل عنوان فرعياً “التشريع والنص والإجتماع” وهو عنوان كاشف عن هذا التوجه، فهو يلقي الضوء على عملية تدوين النص ثم تكون التشريع من خلال هذا النص ثم علاقة مل هذا بالإجتماع، ومن الملاحظ أنه إستخدم مصطلح التشريع لا الشريعة وهو مصطلح قانوني بحت، فهو لا يتكلم عن الشريعة بالمعنى التراثي التقليدي بل على العكس فهو يعيد فيها النظر ثم يخيلها إلى القانون ليقدم ما يميز به بين الديم والتدين، فهي آلية لكي يتعامل مع التشريع بشكل قانوني المرتبط إرتباطاً وثيقاً بتغير المجتمع وهي نقلة نوعية في مناقشة التشريع

تنجيم القرآن

ييستشهد ياسين بسبب نزول القرآن منجماً على أنه كان إستجابة للتغيرات المجتمعية خاصة تلك التي بين العهدين، المكي والمدني، ففي المكي كان التركيز على الدين في ذاته، أما المدني فقد ركز على إدارة الحياة العامة، فياسين يربط بين الآيات المدنية وبين منفعة الدولة والمصلحة العامة، جاءت الآيات لإستجابة للتغيرات المجتمعية التي كانت تشهدها الدولة الناشئة التي تؤسس على أسس حديثة، فمثلا يستخدم ياسين مسألة الناسخ والمنسوخ لا ليفسر الآيات ولكن ليستنبط الأحكام، فهو يستدل بآلية الناسخ والمنسوخ على تغير الأحكام لتناسب التغيرات المجتمعية

عموم اللفظ

“العبرة بعموم اللفظ لا السبب” هذا المبدأ الإسلامي الشهير هو مبدأ محير في ذاته حيث يشير إلى التعامل مع اللفظ مطلقأ، غير مرتبط بسياقاته التاريخية والإجتماعية. على عكس غيره من المفكرين، يتعامل ياسين مع هذا المفهوم التراثي بمبدأ أن العبرة بمضمون النص لا ألفاظه

الإجتماع المنصوص

يقصد به ياسين الأحكام والأراء التي بطبيعتها جزء من الحياة الإجتماعية التي جاءت ضمن سياق تاريخي وثقافي وإجتماعي ثم دخلت ضمن النصوص المؤسسة للتشريع أثناء عصر التدوين، يعيد عبدالجواد ياسين وضع هذه الأحكام ضمن سياقها التاريخي والقبلي الذي تحكمه أعراف تخصه دون غيره، فينقح ياسين التشريع من هذه المفاهيم حيث يرى التشريع كمفهوم قانوني دائماً لاحق على الإجتماع بمعنى لا يوجد لائحة نهائية ومغلقة للتشريع، دائماً يأتي التشريع إستجابة لتغيرات الإجتماع البشري وهذا عين الفصل بين الدين والتدين،

فهو يفصل بين ما هو لله من عبادات وأخلاق كلية وبين كل ما هو متغير وإجتماعي على الجانب الآخر، كالميراث مثلا ووضع المرأة وهكذا، التي هي وفق المنظومة السلفية هي جزء من الدين، ياسين يأخذ هذا الجزء الذي إرتبط بالدين بشكل ما ويضعه في موضعه الإجتماعي المتغير، وبالتالي يفتح الباب لوجود تشريع معاصر مواكب لفهمنا ومتغيرات الحياة المدنية الحديثة

العلاقة بين الإيمان والأخلاق الكلية

هل الأخلاق الكلية مرتبطة بالإيمان بالله؟ هل هي التي تملي مرجعية معينة في الصياغات البشرية عبر العصور؟ ما هو مصدر الإلتزام الأخلاقي؟ أسئلة يطرحها د.عماد، الذي وجد في حديث ياسين عن الأخلاق الكلية صدى لكانط، فعند كانط الأخلاق تظهر في نقد العقل العملي وسمات ذلك هي أن يكون كلي وعام ومفارق، وهنا يتسآل د.عماد هل مصدر الأخلاق الكلية عند ياسين له علاقة بمفاهيم كانط؟ أما استخدام مفهوم تحديد الأخلاق الكلية من وجهة نظر د.عماد تحتاج إلى توضيح حول ما هو دورها وعلاقتها بالإيمان

استخدام مصطلع العقل العام المفطور فنرى فيه صدى سبينوزا، فسبينوزا يتحدث عن مفهوم كون الله طبيعة طابعة أي هو من يشكل الواقع،وطبيعة مطبوعة، أما بلغة ياسين فيمكن أن نرى أنه يقدم تساؤل هل الله طبيعة فاطرة ومفطورة؟! فهل مصدر الأخلاق الكلية تلك طبيعي فطري فينا أم أنه مكتسب، وهنا تحتاج الأخلاق الكلية وعلاقتها بالإيمان بالله وإلى توضيح من وجهة نظر د. عماد

التشريع في الفكر الغربي

إنتقل بنا . عماد إلى نقطة ختامية وهي التشريع عند الغرب ومفهوم التشريع فيه، وصف الفيلسوف والأديب روسو المشرع قائلا “هو معلم الشعب” فهو يراه أنه كيان ميتافيزيقي يقدم نموذجاً على البشر إتباعه فالمشرع هنا ليس شخص ولا البرلمان، هو أكبر من ذلك، كيان مرجعه الفلسفة الطبيعية وحدها التي تقدم النموذج الذي نسعى كبشر للوصول له والمشرع هو معلم هذا النموذج، ولذلك يتبنى روسو مفهوم الطليعة وهم المستنيرين من الشعب الذين استطاعوا استيعاب هذا النموذج وتقديمه

كيلسن العالم والفقيه النمساوي هو صاحب نظرية القانون الخالص الذي لا مرجعية أخلاقية أو دينية، هو يرى أن القانون يسن في صورة نماذج يؤخذ بها في كل قضية ومسألة، وفيه يطابق النموذج القانوني الواقعة ومن ثم تطبق الأحكام، وهذا هو الأصح من ناحية الممارسة القانونية والقضائية، وكذلك يرى أستاذ القانون جون فينيس يرى أن التشريع مسألة عقلية بحتة ,ان الأهم هو البعد القانوني المنصوص عليه

إشارات مسيحية

أشير في كتاب ” الدين والتشريع” إلى أغسطينوس الذي قال أن القانون الظالم ليس بقانون، وقد أخذ أغسطينوس عن سابقيه من فلاسفة اليونان الكثير عندما تحدث عن مفاهيم القانون الطبيعي الذي كان محورياً في الفكر الكاثوليكي وفيه أن القانون الطبيعي هو أساس التشريع والقضاء, وكذلك جاء ذكر الفكر البروستانتي، حيث ذكر الفيلسوف القانوني هيرمان دوريويت أن القانون مفارق، وعلينا اكتشافه بالتجربة والخبرة الذاتية، فمثلا مبدأ كالعدالة هي مهمة الدولة التي تسن تشريعات عادلة لكن من مجتمع لمجتمع ومن فترة لفترة زمنية أخرى يتغير ذلك المفهوم وتطبيقنا للعدالة ليتحقق ما يسمى بروح القانون.

تسجيل فيديو للندوة

لمشاهدة محاضرات أخرى لدكتور عماد عبد المسيح في تفكير اضغط هنا

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليق واحد

اترك رد

ندوات