السلطة في الإسلام.. مفهوم مغاير في فكر علي عبدالرازق.. أ. إيهاب نبيل.. مائة عام من الإسلام وأصول الحكم
بقلم: عمرو عبد الرحمن

قدّمت د. رغد صفوت مديرة الندوة أ. إيهاب نبيل، الذي اعتبر أن كتاب علي عبدالرازق بمثابة عصر الأنوار في العالم الإسلامي، مستشهدًا بمقولة أ. مهدي عامل بأن أول خطوة للنقد هي إسقاط الحصانة عن النص.
تمرحل التاريخ
اعتبر أ. إيهاب أن علي عبد الرازق كان سابقًا لعصره عندما أسس لتمرحل التاريخ حيث قسّم تاريخ دولة الخلافة إلى مراحل، وكل مرحلة لها سياقها وظروفها التي تفصلها عن دولة الخلافة الراشدة.
بدا أ. إيهاب من سقيفة بني ساعدة، عندما توفى النبي ولم يسمِ خليفة لها، للتدليل على عدم وجوب المنصب الذي وُجد لضرورة فرضها الظرف التاريخي، ما يدل على أن الأحاديث التي دُونت فيما بعد مرتبطة بسياقها المذهبي والأيديولوچي في عصر التدوين أكثر من ارتباطها بعصر النبوة. وقد أدرك علي عبدالرازق الظروف السوسيولوچية التي حسمت اختيار أبي بكر لهذا المنصب.
ففي حين لم يرد ذكر الإمامة أو الخلافة في القرآن، نجد التخصيص في الأحاديث للمنصب وقصره على قريش. يقول طه حسين أن كتاب علي عبدالرازق أسقط للأورثوذكسية في الإسلام، لأنه فتح بابًا جديدًا للحديث عن موضوع لم يتم الحديث عنه من قبل، وذلك خلال فترة حدث خلال فترة فراغ سياسي وأيديولوچي بسقوط الدولة العثمانية أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر.
تحول نظام الخلافة
كيف تحول نظام الخلافة إلى نظام حكم دنيوي يقوم على اضطهاد الشعوب التي يحكمها؟
يرى أ. إيهاب أن نظام الخلافة كان خاليًا من الدين، بل أنه كان نظام دنيوي يرتكز على قواعد دينية لا تمس الواقع الذي امتلأ بالصراعات على الحكم. بدأ النظام ببيعة من كبار الصحابة لأبي بكر ثم ابتكر عمر بن الخطاب مجموعة أسماها أهل الحل والعقد لاختيار من يخلفه.
ثم أسس عثمان للحظة تاريخية جديدة بوضع بني أمية على رأس المناصب القيادية للدولة، ما أثار معارضة شارك فيها بعض من الصحابة مثل أبو ذر الغفاري. ثم بدأ علي بن أبي طالب عهده وأنهاه في صراعات انتهت بقتله، حتى استولى معاوية على الحكم وانفرد به بعد تهديد الحسن بن علي. وهنا تحول نظام الحكم إلي نظام وراثي.
فقه الجماعة وفقه الدولة
يعتبر أ. إيهاب أن الفقه من العلوم الدنيوية لا الدينية؛ حيث أنه يتعامل مع قضايا تمس حياة الناس الاجتماعية، وليس قاصرًا على العبادات والأمور الدينية البحتة. ومن هنا أصبح الفقيه مواليًا لحاكم الدولة في مواجهة المعارضة السياسية والفكرية، لتنشأ طبقة برجوازية من الفقهاء تستفيد من ولائها للحاكم.
ضرب أ. إيهاب مثالًا للعلاقة بين السلطة والفقهاء بنظام المُلك وزير الدولة السلجوقية، الذي أنشأ نظاميات بغداد لحقن العقيدة الأشعرية في أوردة الناس. ويرى أ. إيهاب أن الأشعرية هي مذهب سياسي بحت، يهدف إلى تعطيل العقل عن التفكير رغم أن مؤسسها كان تلميذًا للمعتزلة.
تطور مفهوم الخلافة من خليفة رسول الله إلى خليفة الله على الأرض بالاستناد إلى آيات استخلاف الله للإنسان في الأرض. ونرى هذا المفهوم واضحًا في رد عثمان بن عفان على طلب الثائرين عليه بأن يترك منصبه، فقال أنها قميص ألبسه الله له، في نقلة مفارقة لخطبة أبي بكر عند توليته.
كما أورد علي عبدالرازق أمثلة على الثورات ضد نظم الحكم للدولة الإسلامية، فالدولة العباسية بدأت كحركة معارضة للأموية، والثورة الزيدية قامت ضد هشام بن عبدالملك، واعتبرها الإمام أبو حنيفة كخروج الرسول يوم بدر. وغيرها من الثورات وحركات المعارضة التي نجح بعضها في إنشاء نظم حكم موازية.
منهجية الكتابة التاريخية
تحدث أ. إيهاب عن منهجية الكتابة التاريخية، فهو يرى أن كتاب مثل الإسلام وأصول الحكم نبهنا إلى أن التاريخ هو علمٌ شامل. يشمل السياسة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس لدراسة الشخصيات وسلوكها، وكل هذه العلوم ترتبط ببعضها ولا يمكن أن تنفصل إذا أردنا تقديم صورة معرفية للتاريخ.
يختم أ. إيهاب بالقول أن العقلية الأصولية كونت صورة مثالية عن السلطة في طريقها لأسلمة التاريخ، لكن مع تقدم التجربة الإنسانية أصبح من السهل إثبات عكس ذلك، مستشهدًا بمفهوم الشورى الذى لطالما تشدق به الأصوليون كنظام للحكم بديل للديمقراطية، واعتبره أ. إيهاب حبرًا على ورق وخلطًا للأوراق فهي لا علاقة لها بالديمقراطية، بل هي مشاورة في أمور تتعلق بأمور حياتهم وأمور الوحي والرسالة.
المناقشة
بدأ جمال عمر النقاش بالإشارة لقطع أ. إيهاب بعدم وجود أدلة في القرآن على ثبوت الخلافة، ما يجعله يشترك مع الأصوليون في العودة لسلطة النص حتى وإن كان لنفي ما يحاولون إثباته باستخدام النص. ويتساءل عن سبب ذلك
.يجيب أ. إيهاب بأن النص كان محوريًا في إعطاء الحاكم تاريخيًا الشرعية التي كان يحتاجها ليؤسس عليها قواعد حكمه. واستخدم علي عبدالرازق هذا المنهج لأن هذا ما كان يمكن استخدامه لمحاججة الأصوليين في عصره.
سأل أ. أحمد خفاجي عن السياق التاريخي لنشأة محورية العودة للنص في تحديد المسلمين لأمور حياتهم، مشيرًا إلى أن ندرة النص مقابل الوقائع المتلاحقة كانت هي سبب نشأة الفقه والاجتهاد والمذاهب.
أشار أ. إيهاب إلى غياب حضور النص في سقيفة بني ساعدة، حيث كان الأمر برمته خاضعًا لميزان القوى والمصالح بين الحاضرين لاختيار من سيحكمهم.
قال د. أكمل أننا لا نبحث عن النص لذاته، لكننا نبحث عما نقدسه في إطار البحث عن إجابة نموذجية نهائية لكل الأمور، ما قضى على السعي نحو الاجتهاد البشري لإنتاج حلول مناسبة للسياق الاجتماعي.
اعتبر أ. إيهاب أن فكرة الخلافة هي تقديس النص وتقديس من يمثل النص وهو الحاكم، ولكن لأهداف سياسية وليس بحثًا عن التقديس لذاته.
سألت د. رغد من موقع الطرف المقابل عن سبب الخلاف الحقيقي مع الداعين لعودة الخلافة، فالكل متفق على وجوب وجود رأس للدولة. وتاريخ الخلافة يشهد بوجود التنوع في طريقة اختيار الخليفة ما يعطي مرونة للنظام السياسي. وإذا كانت المشكلة مع تطبيق الشريعة الإسلامية، فنحن دولة إسلامية بحكم المادة الثانية للدستور، تستند للشريعة في التشريع. وفيما يتعلق بالخروج عن الحاكم فهناك دول لا تحكمها خلافة لكن يحكمها ديكتاتور، فالديكناتورية لا يُنشئها الدين أو الخلافة.
أجاب أ. إيهاب أن المشكلة هي لماذا يريد الأصوليون الخلافة. وأشار إلى وصف علي عبدالرازق في كتابه الخلافة في كتابه بأنها ينبوع شر وفساد، نتيجة التحكم في ملايين البشر عبر شرعية دينية تؤدي بالضرورة للظلم والفساد. وتساءل عما أفادنا به نظام الخلافة، حيث أن التاريخ ملئ بالتعامل الدموي للخلفاء مع معارضيهم.
شارك د. أكمل أسباب رفضه للخلافة وأجمل في نقطتين. الأولى هي أنها تتبنى تصور مبني على دين بعينه في دولة تتعدد فيها الأديان. والثانية هي هلامية الفكرة وعدم وجود تصور محدد لها.
في الختام شكر أ. إيهاب الجميع على تنظيم وإدارة الندوة والمشاركة في النقاش.
للاستماع إلى تسجيل صوتي للندوة اضغط هنا
لمشاهدة ڤيديو للندوة
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد