السيد “لا أحد”… بقلم: عمرو عبدالرحمن
بقلم: عمرو عبد الرحمن

الزمان هو ثاني أيام العيد.
أستطيع التأكد من ذلك لأنه كان اليوم الذي أزور فيه أكبر أعمامي.
كان عمي يزورنا في أول أيام العيد بعد الصلاة ببضع ساعات.
أكون نائمًا فأستيقظ لأسلِم على عمي، وأتبادل معه التهنئة بالعيد، وبعض الكلام المُعاد من زيارة كل عيد.
ثم يأتي ميعاد رد الزيارة في ثاني أيام العيد.
ارتديت ملابسي واستعديت للخروج، لكن حدثًا معتادًا آخر كان يحدث.
شجار بين والداي ارتفعت فيه الأصوات والأيدي.
لا أذكر سبب الشجار، مثلما لا أذكر سبب أي شجار من قبله.
كانت البداية معتادة أيضًا بصوت أمي عاليًا، وكانت النهاية والدموع تسقط من عينيها.
لكنها تلك المرة سقطت على الأرض تدّعي عدم القدرة على الحراك.
لم تكن أول مرة تدّعي ذلك.
حتى أبي كان يدّعي ذلك أحيانًا
عندما كنت أتشاجر مع أخي.
كانت تلك وسيلة ناجحة أحيانًا لإطفاء النيران.
لكن الطفل أدرك بمرور الأيام أنها مجرد خدعة.
حيلة للتأثير عليه لفعل ما يريدانه.

وماذا يريدان مني الآن؟
ينادي أبي عليّ كي أُسرع للخروج معه.
وتستعطفني أمي للبقاء معها بينما هي ممدة على الأرض.
ما العمل الآن؟
إلى أين أذهب؟
تمنيت أن تبتلعني الأرض أو تسقط عليّ السماء.
تمنيت لو أن الزمن يمكنه التوقف، كي أستطيع التفكير في الاختيار الصحيح الذي توجب عليّ فعله.
لكن حتى لو توقف الزمن، كيف يتمكن عقل طفل لم يتعدى عمره أربعة عشر عامًا، من استيعاب ما يمر به الآن؟
هل هي خدعة جديدة تمارسها عليّ للبقاء؟
هل تريد أن تكسر التحالف غير المُعلن بيني وبين أبي؟

نسيت أن أخبركم، فالبيت كان منقسمًا إلى معسكرين.
معسكر يضمني مع أبي، في مواجهة معسكر يضم أمي وأخي.
لأن الشجارات كانت كثيرة ودورية، كان لابد من التحالف.
فهل تريد أن تكسب الحرب باستمالتي وعزل أبي وحيدًا؟وماذا إن استجبت لنداءات أبي وخرجت، كيف ستنظر إليّ أمي بعد الآن؟
كيف سأنظر إلى نفسي وقد تخليْت عنها في هذا الظرف الصعب؟
وإذا بقيت سيتخلى عني أبي، وربما لا تقبلني أمي في معسكرها.
سأبقى وحيدًا وأخسر كل شئ.

كانت كل الأفكار والاحتمالات تموج في عقل الطفل الصغير.
الذي لطالما تمنى أن يعود به الزمن ليختار اختيارًا آخر.
كان عقلي يحترق.
أخبرتني أمي بعد ذلك أنها تكرهني، وكان عليّ أن أتعايش مع الأمر.
لم يفهم الطفل كيف يمكن لأمٕ أن تكره ولدها.
قبل أن أخرج، هاتفت أخي كي يحضر لمساعدة أمنا.
وقد كان قريبًا من البيت.
لكن ذلك لم يكن كافيًا.
كنت أمشي في الطرقات شاعرًا أنني أرفع لافتةً ليراها الناس.
“هذا طفل تكرهه أمه”.
تعلمت من هذا الموقف أن أفضل اختيار هو أن لا تختار.
إهرَب من كل موقف سيتوجب عليك الاختيار فيه.
لأنك لا تعلم مع ماذا سيتعيّن عليك أن تتعايش.
إلا أنني أدركت أن تلك حياة ينقصها الحياة.

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد