الصحافة المصرية في نهايات القرن 19 وبدايات ال 20.. الرحيمي بأكاديمية تفكير
الجلسة الثانية من جلسات دورة تاريخ الصحافة وأشكال الكتابة التي يقدمها الاستاذ أسامة الرحيمي الصحفي بجريدة الأهرام بأكاديمية تفكير تقوم الاستاذة أنسام النجار بعملة تغيبتها الثانية للدورة.
أنسام النجار

إستهل الأستاذ/ أسامة الرحيمي محاضرته باقتباس مقولة ذات دلالة للراحل سعد زعلول..
(الصحافة حرة، تقول ما تشاء، وتنتقد ما تريد فى حدود القانون، وليس من الرأى أن نسألها لمه تنتقدنا؛ بل الواجب أن نسأل أنفسنا لما نفعل ما تنتقدنا عليه).
أما فاطمة اليوسف مؤسسة مجلة روز اليوسف فقد قالت” أثبتت الصحافة دوما أنها أقوى مما يظن الكثيرون”.
تعتبر فترة الخديوي إسماعيل هى فترة نضج الصحافة المصرية وفق رأى أ. فاطمة اليوسف.
بناءا على ذلك كان لزاما التحدث عن تطور الصحافة خلال هذه الفترة، وما تلاها..محمد عبده لم يكن جزءا من هذا التطور، وكل ما كتب عنه هو قليل عليه؛ فالبداية الحقيقية كانت مع محمد عبده من خلال جريدة الوقائع، أما عن العروة الوثقى والحاجات العظيمة التى عملها محمد عبده، بتوضح قيمة محمد عبده وأنه شخص عظيم يشبه الفانوس فى حياة الأمم. لعله كان أجمل فانوس بنهاية القرن ١٩.

ولم يكن ما صنعه بجريدة الوقائع، ليس مجرد التخلص من السجع، واللغة المستخدمة والمحسنات وما شابه؛ لكن المنظومة نفسها كفكرة، فقد عمل رؤية شبة كاملة، من خلال تبويب شبه حيوى، أشبه بالحياة بكل تجلياتها، وعمل مجلس تحرير، وكانت محاولة قوية جدا، فى نقل هذه الأمور نقلة نوعية…
أما المدهش حقت أنه وجمال الدين الأفغاني كانا لهما طابع خاص وسمة خاصة؛ فقد كانا مصدر خوف وقلق شديد من قبل الخديوي إسماعيل. هذا النوع من الرجال الواعيين، هو نوع مخيف فى حقيقة الأمر، لك أن تتصور أول قرار أخذه الخديوي توفيق فيما بعد كان نفى جمال الدين الأفغانى، الذى كان يقال عنه “أن كلامه جميل وواضح ويصل للناس بسهولة ويؤثر فيهم تأثيرا عظيما”، من فرط ثوريته يبدو كالحريق.
وصف عبد اللطيف حمزة محمد عبده أنه ابن تيمية العصر؛ فقد كان لإبن تيمية دورا كبيرا فى مواجهة التتار.
كان الإحتلال الإنجليزي على الأبواب وقتها، خطر التدخل الأجنبي وضغوط صندوق الدين، بيع أسهم قناة السويس، البلد كانت تمر بخطر كخطر التتار، فبدا له محمد عبده، ابن تيمية بما له من تأثير عظيم فى مواجهة تتار العصر.
كانت هذه الفترة تشهد إنهيارات فيما بعد، لكن فى ذات الوقت شهدت نهضة فى الصحافة المصرية.
كانت الصحف توزع أكثر من ٢٠٠ألف نسخة، وهو رقم كبير جدا مقارنة بعدد السكان وقتها، ويدلل على أن هناك طبقة وسطى فى منتهى الحيوية.
فى وقت اللورد كرومر مثلا وقبضته على أمور الدولة كلها، تجد شخصا مثل على يوسف الذى شكل تحديا له.
على يوسف وآخرين من الصحفيين، كانوا على قدر كبير من الخسارة والإيمان بأهمية النضال.
يمكن القول أن الإحتلال الإنجليزى واللورد كرومر على وجه الخصوص، من أسوأ ما يكون فى تعقيد الأمور.
كان هناك أيضا عبد الله النديم، صحفي عظيم، عمل جهد غير طبيعى، يمكن وقتها إعتباره مثلا وزير إعلام الثورة العرابية، من فرط حماسته فى الكتابة؛ كان أول مراسل حربي ويتحرك مع الجيش، فينقل الأخبار بطريقة حماسية. تطورت الفكرة من مجرد صحافة حرة وحقيقية داخل مصر، إلي محاولة خلق صحافة تحرر العالم الإسلامى كله.
كان الإحتلال الأوروبي للعالم كله، احتلال بكل الطرق البشعة، لسلب الشعوب مقدارتها، كانا محمد عبده والأفغانى يطوران الحلم ليصل لكل العالم الإسلامى.
نشأت فى عهد الخديوي إسماعيل عدد هائل من الصحف، فقد قام بشراء وتمويل أربعين صحيفة.
على سبيل المثال، يعسوب الطب(مجلة مهمة جدا)، الجريدة العسكرية المصرية، وادى النيل ١٨٦٦، روضة المدارس ١٨٧٠، أركان حرب الجيش المصرى، إسكندرية والقاهرة الحرة ١٩٧٤. يلاحظ تنوع التخصصات تجارة، زراعة، عسكرية طبية، إلخ).
الخطوة التالية كانت صحف تنشر خارج الدولة، عشرات الصحف، المحروسة والعصر الحديث ١٨٨٠، البرهان واللطائف ١٨٨١، السفير والفسطاط ١٨٨٢، الفلاح والنشرة البحرينية ١٨٨٥.

كان موجود أيضا نشرة للمواليد والوفيات. ونشرة عن الأمراض المعدية، فكرة مطبوعة عن الأمراض المعدية مهمة جدا. جريدة المؤيد لعلى يوسف؛ كرومر بالمناسبة إختصم هذه الجريدة بالمحاكم بحجة سرقة تلغراف سرى. القضاء وقتها أنصف المؤيد.وقد كان تساؤل أحمد حلمى فى جريدة اللواء عن (إزاى دولة زراعية ومفيهاش وزارة زراعة)، ونشوف تأثير ده تمثل فى عمل وزارة زراعة فعلا فى التشكيل الوزارى الجديد.
من ضمن الأحداث التى تناولتها الصحف وقتها وكانت إثراء للمواضيع الصحيفة، إفتتاح قناة السويس، تفرغت مثلا جريدة الوقائع لتفاصيل الإحتفال.
-عمل الخديوي إسماعيل(روضة المدارس) ،كان فى ديوان المدارس أيام محمد على وكان مسؤولية رفاعة الطهطاوى، كانت مجلة مختصة بالعلم والتعليم والأدب والفنون. كان ينشر فيها أى بحث علمى أو كتاب عن أحد العاملين فى وزارة المعارف، كانوا يشجعون على الكتابة. مثلا إسماعيل صبرى كان قد كتب بها وهو فى المرحلة الثانوية. كانت روضة المدارس لها أهمية ثقافية.
مجلة يعسوب الطب، كان القائمون عليها أطباء، وكتبت بها أول سيدة؛جليلة تمرهان، كانت متخصصة فى التمريض، كانت تنشر عن صحة المرأة وتربية الأطفال وأمور متعلقة بصحة الأسرة.
نجد أيضا الصحف الشعبية وهى (الصحف بدون ترخيص)، وكان دورها عمل مهمات خاصة للخديوى (الأعمال القذرة) كما يطلق عليها. ميزة هذا النوع من الصحف، سهولة العصف بها، لكنه بالتأكيد كان يستخدمها أكثر من الصحف الرسمية لهذا السبب. إستخدم الخديوي إسماعيل الصحف الشعبية للهجوم على السلطان العثماني.

وادى النيل هى أول صحيفة أهلية، فقد إستهلت بدايتها بوصف الخديوي إسماعيل بأنه إمام العصر والحبيب. تمجيد ضخم مدفوع بشكل علنى، يمكن نقدر نقول إن الفرق بينه وبين هارون الرشيدى، أن الأخير لم يستدن لأمور البذخ.
نزهة الأفكار، إستخدمها للهجوم على السلطان العثماني أو الباب العالى، لكنهم بالحماقة والتشجيع إنتقدوا الخديوي إسماعيل بقسوة شديدة، مما دفعه لوقفها والتنزيل بالقائمين عليها.بالإشارة لواقعة قتل إسماعيل المفتش الذى كان أخ في الرضاعة للخديوى إسماعيل، والذى مكنه الخديوي من كافة مفاصل الدولة وكان سلطة فوق السلطة، وحاز ثروة كبيرة جدا، وكان هو الذى اقترح عليه بيع أسهم قناة السويس، أى أنه يعد مخربا على المستوى الإستراتيجى. عندما نكل به الخديوي ألقاه فى النيل مربوطا بالحجارة ربما، حيث أنهم لم يجدوا له جثة.
واقعة أخرى كانت مصدرا ثريا للأخبار، الدين. كان الخديوي إسماعيل دائم الإستدانة لتمويل مشاريعه من البنوك الأوربية، حتى من عائلة روتشيلد نفسها التى أسست دولة إسرائيل وهم أصحاب الديون المصرية التى وصلت وقتها ل٩٠ مليون جنيه. لقد أفرط الخديوي إسماعيل فى الديون، كان عنده إسراف غير طبيعى، وكانت هذه الديون مصدر لنقده من قبل الصحافة، إلا أنه عندما تعرض لضغوط من قبل صندوق الدين، ومع تصاعد وتيرة الأحداث، لاذ وقتها بالبرلمان وبالصحافة التى تضامنت معه حتى صحف المعارضة وقفت فى صفه فى مشهد أعتبر وقتها وطنيا من الدرجة الأولى.
تغير هنا موقف الصحافة التى كانت تهاجم أوجه الصرف التى مارسها الخديوي اسماعيل والأسرة الحاكمة، إلى تضامن كامل معه، حتى انتهى الأمر بخلعه ونفيه ثم تعيين توفيق إبنه بدلا منه. كل هذه الأحداث كانت مصدر ثرى للأخبار بالنسبة للصحف.
بدأ الخديوي توفيق حكمه بأول قراراته وهو(نفي جمال الدين الأفغانى )، تخيل لقد ذهب توفيق بنفسه لتحية قائد الأسطول الإنجليزى الذى دك مدينة الإسكندرية، لقد صعد إليه لتحيته والترحيب به وعمل فيما بعد على حل الجيش المصرى.
محمد عبده كان أول رئيس تحرير يتم اعتقاله فى مصر، أول سجين رأى، وليس أحمد حلمى كما كان يتردد.
تحدث عبد اللطيف حمزة عن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، قال عنهما أنهما صارا يعملان لصالح المسلمين كافة، ما يمكن أن يحسب على الطوباوية. الحلم المثالى عندما تتداعى الأمور.

وجدت الصحافة مادة ثرية جدا للكتابة فى ظل كل هذه الأحداث، وبالتالى ازدهرت ازدهارا كبيرا.
المؤيد وحدها وصلت إنها توزع ما يعادل صحف مصر كلها، وكانت أيضا توزع خارج مصر.
الحقيقة إن المجتمعات العربية كانت مرتبطة بالواقع المصرى والصحافة كانت أداة للتواصل فيما بينهما. تواصل وتأثير معا.كانت جريدة المؤيد لصاحبها على يوسف، سببا فى ثراء موزعها بالكويت وعائلته كاملة وإحتفظوا بالإسم.
يعقوب صنوع (أبو نضارة) كان مشهور جدا فى الصحافة، وكانت جريدته أول من عمل الكاريكاتور. كان صنوع يهودي مصرى بالمناسبة، وهو أول من هاجم الخراب الذى عمله الخديوي إسماعيل وكان حوله جدل كبير، وإعتبروا إن له علاقة بالدوائر اليهودية وإنه مكلف بهذا للتاثير على السلطان العثماني كى يستبعد الخديوي إسماعيل.
هذا الكلام عنه لا يمكن إثباته أو نفيه، لكن ما يهمنا هنا هو شغله فى الصحافة الذى كان على مستوى عال، وأن أسباب هجومه على أفعال الخديوي إسماعيل منطقية للغاية.
يعنى المفارقة الملفتة للنظر، إن الصحافة التى إنتقدت سياسات الخديوي إسماعيل، هى نفسها التى اتخذت قرارا أعتبر وطنيا بالدفاع عنه هى والبرلمان ومساندته عندما لاز بهما فى فترة خطيرة ودقيقة جدا فى تاريخ مصر وان البلاد على أبواب الخضوع لإحتلال أجنبي.
إغلاق صحف، مثل مصر والتجارة ومصر الفتاة ومرآة الشرق. كانت هناك صدامات حتى بدأت الثورة العرابية ١٨٨١ والإحتلال ١٨٨٢. الخديوي توفيق بعد قيام الثورة هدى الأمور حين أدرك أن الجيش له اليد العليا فى كل الأمور. وبيت أحمد عرابي بباب اللوق كان على بعد أمتار من قصر عابدين، كان إسمه بيت الأمة، حكم عرابي ٩ شهور كاملة ولم يكن شئ يتم فى مصر بدون موافقة أحمد عرابي، ورغم ذلك لم يرد على باله أو يتخذ خطوات ليكون حاكم مصر. بعد تعيين شريف باشا كان رجلا محبوبا ومتوازنا وعمل اللائحة الوطنية التى أشتغلت عليها الصحف بشكل كبير.
نعود للخديوى إسماعيل الذى منح دعمه لأكثر من ٤٠ صحيفة فى مصر ما بين فرنسية، إنجليزية، يونانية، إيطالية. أى أنه الحاكم الذى أدرك أن الصحافة ودى نقطة مهمة، لها دور فى توجيه الرأى العام أو الترويج لأى حدث.
صحيفة الجوائب من إستنطبول، كان السلطان يقرأها هو وحاشيته، فكان الخديوي إسماعيل قد خصص راتبا للشيداق حتى يتحدث عن الخديوي إسماعيل وإنجازاته.

صلاح قبضايا قال إن أغلب الصحف اليومية كانت متأثرة بنهج الصحافة الفرنسية، والصحافة الفرنسية تعتمد تدقيق المعلومات، يعنى ضرورة وجود مصدر ووثائق، لا يمكن قبول أى كلام مرسل أو بدون سند. يمكن بناءا على هذه القاعدة فإن الصحافة الصفراء التى تناولت فضائح خاصة بالأسرة الحاكمة، وإن كانت ما عرضته صحيحا سميت صفراء.
أكثر من ٩٠% من الصحف المصرية إلتزمت بالمنهج الفرنسي، بعد ثبات دورها فى الواقع، وصارت سلاح فى يد الخديوي، الجاليات الأجنبية، بعض التجار زى تجار الأقطان مثلا.
فى واقعة متعلقة بمسألة المصادر، اللورد كرومر كان له السبق فى إحتكار المصادر. جريدة المقطم مثلا كان صاحبها منبطح للإنجليز، يفتح بأمر من كرومر للمقطم كل المصادر والأخبار المهمة حتى لو كانت أمور لازالت فى طى الأسرار، وممنوع على أى جهة حكومية، إعطاء الشيخ على يوسف المؤيد مثلا أى خبر.
كان على يوسف وجريدته المؤيد مهتما بالحملات الإنجليزية على السودان، كانت الحملات تهيئة لخروج مصر من السودان وبالتالى خيرات السودان تذهب لإنجلترا وحدها. وقع فى يد على يوسف تلغراف مهم جدا كان فى طريقه للجهاديه، وبحكم السبق على يوسف نشر جزء منه، فاللورد كرومر عمل له قضية، سميت قضية التلغرافات فى ظل إحتكار المصادر اللى عمله كرومر.
كان فى نوع من المطابع إسمه الروتاتيف، وكان ملائم للصحف غزيرة التوزيع، وكانت المؤيد أول جريدة أحضرته، وكانت في فترة عز التنافس الصحفى، فكرة السبق.
أول حوار للأهرام كان مع الخديوي توفيق، وعملوا حوار مع ديليسبس، الفترة التى تشكلت فيها فكرة التحقيق وتطورت حتى وصلت لأفضل تكنيك مهنى، أفضل مستوى ممكن، كيفية تحويل الأخبار لتحقيق. كان وقتها المعروف هو الخبر والمقالة فقط.
تدفق الأخبار كان مصدرا ثريا للصحف.
(رواية رقص الإبل) للكاتب فتحى إمبابى، والتى تحدثت عن إرسال ١٣٠٠٠ من الجيش المصرى بعد حله إلى السودان وعلى رأس الجيش رجل إنجليزي جاهل، فى قاع المراكب حتى ميناء بور سودان، ثم مشيا على الأقدام إلى دارفور بدعوى القضاء على الثورة المهدية. جيش الثورة المهدية الذى اشتد وإستولى على مناطق كثيرة جدا.. لم يرجع جندى واحد من هذه المهمة. لقد إنشغلت الصحافة جدا بهذه الأخبار.
وصلت الصحافة لدرجة توجيه وتشكيل الرأى العام، وظهر التلاقي السريع مع الناس أثناء الثورة العرابية وأزمة الدين، حادثة دنشواى ١٩٠٦ والتى كانت سببا فى خروج اللورد كرومر من مصر.
نصح الأستاذ أسامة بمراجعة كتابين.
الأول:هشام عبد العزيز، الصحف المصادرة فى مصر حتى عام ١٩٥٦.
الثانى: عواطف عبد الرحمن ،الصحافة الصهيونية فى مصر، دراسة تحليلية عن الفترة منذ ١٨٩٦ حتى ١٩٥٤.
للاستماع إلى تسجيل صوتي للجلسة على إذاعة تفكير علي تليجرام اضغط هنا
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد