الضرب؟ أم المودة والرحمة؟.. نموذج آخر لتوتر القرآن .. بقلم: أكمل صفوت

وكأن القرآن يقدم لنا صورتين عن الزواج مختلفتين مفاهيميا ومتناقضتين.. ويقول لنا اختاروا…
أي النمطين نختار.. سيقول لنا.. من نحن، وفي أي عصر نعيش…

بقلم: أكمل صفوت

طبيب استشاري علاج الأورام بمستشفى جامعة أرهوس بالدانمرك ومن المهتمين بالفكر الديني والإسلام السياسي وهموم المصريين في المهجر.

screenshot-2024-05-25-at-07.23.32 الضرب؟ أم المودة والرحمة؟.. نموذج آخر لتوتر القرآن .. بقلم: أكمل صفوت

أثير في الصالون مؤخرا حوار حول ضرب الزوجة وتفسير الآية ٣٤ من سورة النساء، التي تقول: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”.

في الملف المرفق عرض وافٍ لأهم الأفكار التي طرحها هذا الموضوع للنقاش، وطرق التعامل مع الآية الكريمة وفهمها. وأغلب المشاركين في النقاش رافضون لمبدأ الضرب. وتصب إسهاماتهم الفكرية في اتجاه إيجاد تفسيرات عصرية تنفي عن الإسلام تهمة أنه جعل ضرب الزوجة حقا للرجل، إما بنفي معنى الضرب عن الكلمة، أو بإيجاد سياق يجعل الضرب مقيدا، ومقبولا بشكل ما.

والملاحظ في الحالتين أننا ما زلنا أسرى الألفاظ، وأسرى التعامل النصي المجزأ لآيات القرآن، في حين أنني أظن أن المشكلة أعمق من أن تُحل بإيجاد معنى معجمي مبتكر للضرب، أو بالتفرقة بين التعليمات والمحرمات مثلا، فالآية كما يبدو من ظاهر ألفاظها تضع علاقة الزواج نفسها (وكذلك دور الجنس فيها) في إطار لا يتنافى فقط مع كثير من الأفكار العصرية الحداثية، بل ويناقض كذلك ما رسمه القرآن نفسه عن علاقة الزواج ومفهوم الشراكة.

تناقض الآية مع المفاهيم العصرية للزواج

يتضح تناقض هذه الآية في النقاط التالية:

تخاطب الآية الرجل “واللاتي تخافون… ” وتجعل منه خصما -في خلاف مع الزوجة-، وحكما (يقرر أنها ناشز)، ومنفذا للحكم في ذات الوقت. إن شرعنة السلطة المطلقة من طرف على آخر في علاقة المفروض أنها تشاركية، مفهوم غير عصري وغير حداثي ومشكل.

إن طبيعة الحلول المقترحة (الوعظ، الهجر، الضرب) عقابية، مهما حاولنا أن نلقي اللوم على الزوجة، أو تفظيع فعل “النشوز”، وهي تؤسس لفكرة أن لطرف الحق في أن يعاقب الطرف الثاني في علاقة زواج، وهذا مفهوم سلطوي وغير عصري.

إن نوعية العقاب مربكة، فالحرمان من الجنس (الهجر في المضاجع) كعقاب، أو حتى وسيلة إصلاح قد ينسجم مع مفاهيم العصور الوسطى التي كانت تعتبر الزواج عقدا يستأجر فيها “البضع”، ويستخدم فيها تعبير “الوطء” للتعبير عن ممارسة الجنس (وطأ الشيء أي علاه وداس عليه)، ولكنه قطعا لا ينسجم مع المفاهيم العصرية الحديثة. كذلك فإنه لا ينفي عن “الضرب” بما فيه من انتهاك لحرمة الجسد، كما لا يخفف من بشاعته كونه “خفيفا” أو “غير مؤذٍ” أو “غير مبرح”، وبالتالي فإن أي محاولة للقفز فوق هذه المفاهيم غير العصرية لتقديم تفسير “مهضوم” وعصري لكلمة “واضربوهن” محكوم عليها بالفشل، لكونها تتعامى عن باقي المفاهيم المستبطنة داخل نص الآية.

غير أننا نستطيع -إن أردنا- أن نجد في القرآن تصورا آخر متناقضا مع ما سبق، ودليلا على اعتباره الزواج “مودة ورحمة”، وهي ألفاظ تعكس مفاهيم “التعادل” و”التكافؤ” و”المساواة” و”الندية” و”الشراكة”، ولا توحي بقبول تسلط طرف يملك سلطة العقاب والضرب.
وبإمكاننا أن نجد في القرآن كذلك وسيلة لحل الخلافات عن طريق التوسط، والاستعانة “بحكم من أهله وحكم من أهلها”، وفي النهاية “تسريح بإحسان” بدون ضرب أو إهانة.

أي الصورتين تعكس “القصد الإلهي”؟

في تقديري، لا يوجد قصد إلهي في شكل سلوك محدد واحد لا يتغير، فالقصد الإلهي الثابت الوحيد هو أن نفكر ونتدبر، وأن نكون من الذي “يستمعون القول فيتبعون أحسنه”…. أحسنه بالنسبة لعصرنا وظروفنا.

وكأن القرآن يقدم لنا صورتين عن الزواج مختلفتين مفاهيميا ومتناقضتين.. ويقول لنا اختاروا…

أي النمطين نختار.. سيقول لنا.. من نحن، وفي أي عصر نعيش…

تناول مجلة تفكير لموضوع الضرب اضغط هنا

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات