المباح وتعمق الدين والأخلاق.. حسام الدين درويش.. تغطية: ناتاشا العبادي 2
نتاشا العبادي

مفهوم المباح عند عبد الجواد ياسين
يشير الدكتور حسام درويش إلى رؤية عبدالجواد ياسين حول مفهوم المباح هو المطلق والمطلق ليس فيه أي تشريع. المطلق والمندوب والمكروه حتى المستحسن فعله أو المستحسن عدم فعله ضمن مسألة المباح وليس في دائرة الإلزام، أن ثنائية الدين والتدين فيها احتجاج على ان هذا الدين اصبح فيه اشياء كثيرة من التدين، بمعنى أن أشياء كثيرة والتي كانت مندوبة او مكروهة اصبحت ضمن الواجب فعله أو الواجب عدم فعله، مما أدى إلى تضخم الدين كثيرا بفعل حشر التدين لأشياء لم تكن موجودة سابقا.
يقول الدكتور حسام درويش إن عبد الجواد ياسين يقول: ما هو الدين؟ ما هو الإسلام؟ الإسلام في نهاية المطاف ليس شيئا غير النص فلنقتصر على القرآن، وهو يأخذ على الفقهاء السابقين وعلى التدين أنهم أخرجوا أشياء من منطقة المباح أو من منطقة غير الملزمة إلى دائرة الإلزام لكن ياسين يمارس نفس الشيء لاحقا. ويذكر الدكتور حسام درويش بعض الأمثلة على رؤية المباح في فكر عبد الجواد ياسين، فيذكر مسألة الرق في الإسلام إنه من الأمور المباحة التي ليست واجب عدم الفعل وليست واجبة الفعل، بل هي مستحسنة وليست حراما بالعكس هي من ضمن المكروه، ما الذي يفعله ياسين؟ فهو يقول وفقا للأخلاق الكلية التي هي الدين أن الرق غير مباح إذن هو حرام ومرفوض، ووفقا لرؤيته فهو يفعل نفس الشيء الذي انتقد به غيره فيقوم بنقل مسألة ما من منطقة المباح أو المكروه إلى منطقة الإلزام. حتى قول أن الإسلام ليس شيئا غير النص يبدو أنه أوسع مما يريد أن يقوله، فهو موجود في النص والممارسة وليس في تشريع يحرم، إنما يستحسن فقط إذن هو ظل غير ملزم، حتى هنا النص ليس كله دينا وإنما قسم منه وهذا القسم هناك رؤية هي التي تراه، وترى أين هو الملزم وغير الملزم، وحتى إذا قلنا أن الإسلام هو النص فالنص لا يتحدث لنفسه وشبهه أفلاطون (باليتيم ) بمعنى أنه لا يستطيع إذا أردنا أن نسيء فهمه أو نفهمه بطريقة مختلفة عما يعتقد أن النص لا يستطيع أن يدافع عن نفسه وهناك من يدعي الأبوة لهذا النص اليتيم، وأنه العارف بالمعنى، وهذا ليس فهمي، وليس تأويلي، وليست رؤيتي، وبالتالي عدنا الي مسألة التغيير والثبات، فهو يريد شيء ثابت يقاوم هذا التاريخ، لكن المسألة هنا عمليا أكثر تعقيدا من أن تسمح بذلك.
الأخلاق في ثنائية/مثنوية الدين والتدين عند عبد الجواد ياسين
انطلاقا من الدين والتدين عند عبد الجواد ياسين يتناول الدكتور حسام درويش الأخلاق في هذه الثنائية/المثنوية فيقول إن الدين هو باختصار الإيمان بالله والأخلاق الكونية وهذا هو الجانب الإلهي الثابت الغير متغير من الدين، إلى جانب ذلك فهناك متغير من الدين مثل التشريعات وأمور أخرى كثيرة وهي ليست من الدين أصلا. هذه الثنائية ليست حاضرة في العالم بقدر حضورها في العالم الإسلامي، فلن تجد في العالم كتاب مهم أو عنوان كتاب عن الدين وتدين في الفرنسية أو الإنجليزية أو غيرها في حين لدينا في العالم العربي والإسلامي عشرات إن لم يكن مئات الكتب والنصوص والدراسات عن هذا الموضوع، إذن هي في الإطار المعرفي الأكاديمي العالمي البحثي الفكري ليست ثنائية أساسية، طبعا هناك حديث عن التمييز ولكن ليس بالطريقة التي يتم تناولها في العالم العربي الإسلامي، وهذا التناول مشحون أيديولوجيا وهناك رغبات تقول أن الدين بريء من هذا التدين أو ذاك التدين وخاصة الإسلام السياسي الذي لا يمثل الدين. الثنائية بين الدين والتدين التي تطرح أن الدين هو النقي، الصافي، المطلق، بينما التدين هو الجانب الإنساني المتغير الذي قد يشوبه الفهم الخاطئ أو الاستخدام السيئ، إذن هناك غايات معيارية، ويلاحظ دكتور حسام درويش أن عبد الجواد ياسين في كتبه يري ان الاسلام السياسي جزء من الدين الإسلامي، استنادًا إلى رأي المستشرق برنارد لويس أن هناك بالفعل ترابطاً تاريخياً بين الإسلام والسياسة وهذا الترابط خاص بالإسلام وغير موجود في الأديان الأخرى، لكن كل منهما يستخدمه لغرض مختلف وهنا الغرض الأيديولوجي أن نقول أن الدين بريء من التدين.
تعمق الدين والاخلاق
يتحدث الدكتور حسام درويش، عن ان البديهي والشائع في الاعتقاد الشعبي العام وحتى لدى النخبة أن هناك اعتقاد بأنه لا أخلاق بلا دين. فكيف يكون الإنسان أخلاقيا دون أن يكون متدينا ومؤمن بإله؟ وهذا صعب على الفهم. أن ياسين وآخرون يقولون أن أساس الأخلاق هو الدين حيث نزلت التشريعات وانبثقت منها الأخلاق، وقد تبين لمحمد عبده وغيره أنه ممكن أن يكون هناك أخلاق بلا دين. والذي يمكن أن نجادل فيه هنا حتى الآن، ومن يرى أنه لا يمكن للأخلاق أن تكون بلا دين. ثم يستند لبعض المفكرين:

- أحدهم في العصر الحديث هو جمال الدين الأفغاني. فيقول أن كتاب جمال الدين الأفغاني الأقصر تطرفا الأقصر حدة من بين كتاباته التي تضم أحيانا أشياء جميلة اسمه الرد على الدهريين. هذا الكتاب قسم الناس إلى قسمين متدينين وغير متدينين. دهريون ومتدينون( بأي دين)، الدهريون بهم كل السيئات الأخلاقية ووصفهم بكل شيء سيء، أما المتدينون فيهم بعض الأخلاق لأنهم فقط متدينون. وفي آخر الكتاب تحدث عن التمييز وأن الإسلام هو الأفضل وفيه الأخلاق فهو يتحدث عن كل الأديان بوصفها ذات أخلاق وكل غير المتدينين بوصفهم عديمي الأخلاق.
- والآخر معاصر حتى الآن وهو عبد الرحمن طه، الذي يتبنى نفس الأفكار في كتابه بؤس الدهرانيين بدل الدهرية، وهذه الآنية السمه الأيديولوجية كلاحقة لازمة باللغة الإنجليزية وهي أسوأ، وببساطة يقول المسلمون أخلاقيين مهما فعلوا حتى لو كذبوا فيكون بلا أخلاق ظاهرياً ولذلك لأنهم يتعرضون للظلم للظروف الاجتماعية، ولكن يظل في جوهرهم وعلاقاتهم بذاتهم هذا الجوهر الأخلاقي الدائم كل هذا متغير لا يؤخذ به ولا يهتم به كثيراً وبذلك فالمسلم أخلاقي مهما فعل والغير مسلم عديم الأخلاق مهما فعل، لماذا؟ لأن العلاقة بالدين وبالله ليست موجودة وبالتالي العلاقة الأخلاقية مع الذات معدومة وهنا ليست أخلاق بلا دين، لكن لا أخلاق بلا دين إسلامي تحديداً، ولكن هناك نظرة أخرى يجب مواجهتها وهي أن الدين أحياناً يظهر عديم الأخلاق.

عندما نقول داعش وطالبان وأن وضع المرأة في أفغانستان هو الأسوأ عالميا وكله باسم الدين، فلنقل عقائدية إيمانية وليست معرفية موضوعية. بالنهاية هؤلاء الأشخاص يرتكزون إلى نصوص ورؤية وقراءة، وهذه الظاهرة ليست فقط فيما يسمى الإسلام السياسي أو الجهادي أو الإسلام السلطوي، ولكنها أصبحت تظهر في الحياة العادية اليومية والحياة الدينية مثل الطقوس الدينية في أداء الحج أو العمرة.
العلاقة مع الآخر
ثم يرصد الدكتور حسام درويش العلاقة مع الآخر من خلال أداء طقوس الحج أو العمرة فيقول: ماذا نعنيه بالدين؟ إن الدين هو ثلاث علاقات:-
- مسألة العلاقة مع الإله الفعلي أو المتخيل.
- مسألة العلاقة مع الذات وهي المسائل الروحية.
- مسألة العلاقة مع الآخر.
وهو كيف تعامل سين أو عين من الناس وفقاً للمنظومة الدينية التي يتبناها، ولكن الدين أصبح مرتكز على:-
- المسألة الأولى: وهي رضى الله ولا يهمني العباد، ولا حتى على حساب نفسي.
- أو يظهر في المسألة الثانية أريد أن أستفيد واستثمر وأغتني بهذا الدين، وأصبح حضوره بالمعنى الأخلاقي الإيجابي حضور سيئ أو ضعيف.
- أما المسألة الثالثة هي العلاقة مع الآخر وإذا أخذنا مثال الطواف حول الكعبة في أيام العمرة أو الحج، تجدون الناس منشغلين بالتوجه إلى الكعبة محاولة للمسها أو لمس الحجر أو الصخرة والاقتراب والدعوة وهي علاقة مع الله ومستغرق في تأملات روحية .
ولكن ما العلاقة بين الذين يطوفون ببعضهم البعض فنجد أن الآخر في أحسن الأحوال هو مجرد عقبة مجرد شخص أريد أن أتجاوزه بأي ثمن، فيمكن أن يمارس عليه العنف وأزحمه وأزعجه سواء كان نساء أو رجال (لقد ذهبت مع أختي لكي أحميها من التدافع)، وليست المسألة تنظيم وغير تنظيم أو مقصود وغير مقصود، فعندما يذهب عشر أو خمسة عشر شخص يطوفون بالضرورة سيقومون بإزالة الآخرين مهما فعلوا بسبب هذا الزحام، وفي هذا السياق والذي يفترض بالدين أن يظهر بأفضل تجلياته يظهر بلا أخلاق وهذه الظاهرة قوية ومنتشرة مع التبعيض أي (بمعنى البعض) وغير منتبه إليها كثيرا، وهنا نعود للبعد الأيديولوجي الذي يظهر في قول أن الأخلاق الكونية أو الأساسية هي أساس الدين أو هي الأساس الذي يجب أن يكون عليه الدين ولا يهم سين أو عين يؤمن بإله أو عشرة آلهة، ولديه هذه الرؤية أو تلك، فهذا ليس مؤثرا في الحياة كثيرا على الأقل بالنسبة للأفراد الآخرين لكن ما يؤثر كيف سيتم التعامل مع هذا الآخر؟ وتحدث دكتور حسام درويش عن مسألة التكفير ومقولة أن هذا كافر! لا يهم طالما أنه ليس هناك إرغام، وما يمكن التفكير فيه هنا أنه إذا كان هناك مركزية للأخلاق لماذا هناك اهتمام بهذه المسألة على حساب العبادات؟
وإذا عدنا للدكتور أحمد سالم في كتابه (تجلي الإله) الذي يرى أن الإله يظهر عند علماء الكلام أو عند الفقهاء بطريقة غير جميلة بالمعنى الأخلاقي، يعني أن الدين يظهر بالقصر والإكراه والحد من الحريات وعدم الاكتراث بالأفراد وانعدام المساواة حتى المساواة البدائية بين الناس، ولن نعود إلى مقولة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، لأنه يقول عكس ما يظن وهو أن الناس متساوون في الأصل، ولا يقول فقط أن المولودين أحرار هم المتساويين أما هناك أشخاص غير مولودين أحرار وبالتالي هؤلاء يمكن استعبادهم والرق فيهم، وبفعل التفكير هل في مواجهة هذا الدين الذي يظهر أحيانا ليست نادرة على أنه بلا أخلاق أو على أنه ذو أخلاق رديئة جدا؟ والرداء هنا حسب هذه المعايير المساواة بين الرجل هذه مسألة ليست ثانوية، فنحن نتحدث عن نصف عدد البشر، ونقول المساواة في المكانة، في الحقوق، في الحريات، فكيف لنا أن نقبل أو لا نقبل بدون هذا الدين؟ .
ويشير الدكتور حسام درويش إلى أن في العالم الآن يوجد هناك توجهان علمانيين:
التوجه الأول : يقول أن الدين ينبغي أن يكون مقتصر على المجال الخاص في بيت الشخص أو مع أهله أو بينه وبين ربه ويعبد ما يشاء ويؤمن بما يشاء ويمارس أي مسألة دينية، لكن في المجال العام لا يظهر بأن يكون مصدر التفرقة والانشقاق. التوجه الآخر: يقول لا أن الدين يمكن أن يكون أساسا مصدر للأخلاق وينبغي أن يسمح له بالحضور بوصفه مصدر الأخلاق، ونقر أنه أحد الأطراف وليس طرف يعني التطرف يعتبر نفسه الطرف وليس أحد الأطراف والتي يمكن أن نتناقش ونتجاوز من دون أن يفرض طرف على الآخرين قيمه ومعاييره .
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد