المركز الغبي لخدمة المواطنين.. بقلم محمود عماد .. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد ج4

هذه سلسلة مقالات تنشر أسبوعياً عن تجربة ذاتية لمغترب بعد العودة إلى مصر ورصد التغيرات التي حدثت وتحدث على مدار السنوات، وقد تتشابه تلك التجربة مع تجارب ملايين المصريين المغتربين في شتى بقاع الأرض!

محمود عماد

d985d8add985d988d8af-d8b9d985d8a7d8af المركز الغبي لخدمة المواطنين.. بقلم محمود عماد .. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد ج4

أردت تجديد البطاقة فنصحني بعض الأصدقاء بالذهاب لأقرب مكتب من مكاتب الخدمات الحكومية لإنهاء الموضوع دون عناء واستلام البطاقة في يومين من المكتب بمقابل مادي بسيط.

ونصحني البعض الآخر بالذهاب للمركز النموذجي الذي يقوم بالخدمات الذكية للجماهير في وسط المدينة، لأ أعلم سبب فرحتي عند سماعي أن المركز ذكي ويقدم خدماته بطريقة إلكترونية تقلل من التعامل مع الموظفين. 

ذهبت صباحاً وأكتشفت ماكينة تشبه ماكينة سحب الأموال تُخرج استمارات التقديم واستبشرت خيراً بأول طابور فهو يمشي بطريقة ألية دون تدخل بشري بيروقراطي، لكن يا فرحة ما تمت. الناس لا تعرف طريقة الاستخدام والطابور لا يتحرك.

وبعد فترة لم أحسبها ملئت الاستمارة، وذهبت لماكينة أخرى لاستخراج رقم شباك لتسليمها، فوجدت أمين شرطة يقف أمام الماكينة ويمد يده ليأخذ الاستمارات ويراجعها ثم طلب مني أن أنتظر خارج المركز وأعود بعد ساعتين. 

لم نكن وقت استراحة الغداء، ولم يجبني الرجل عن سبب الانتظار حين سألته عن السبب. كل ما فعل أنه أعاد عليّ نفس الطلب وأضاف أنه يمكنني زيارته غداً إذا أردت. 

بعد ساعتين ونصف تقريباً خرج أمين شرطة ثانِ، وقام بالنداء على أسماء أصحاب الاستمارات ومن يسمع اسمه يذهب للأمين الأول ليعطيه رقم شباك الماكينة بنفسه. فهذه الماكينة على عكس زميلتها لا تعمل إلا من خلال أمين الشرطة.

 وبعد طابور ثالث من رقم الشباك لطابور رابع لغرفة التصوير وطابور خامس لأخذ ورقة بالاستلام استطعت الانصراف قبل مغيب الشمس وفي طريقي إلى الباب رأيت أمين الشرطة يتلقى ورقة مالية ويضعها في جيبه ويبتسم لحامل الاستمارة.

ليس صحيحا أن مصر تغيرت كثيراً في الفترة الأخيرة فهناك شىء مازال يحافظ على رشاقته ولياقته العالية أو بالأحرى يجعلك أنت من تحافظ على رشاقتك ولياقتك ألا وهو “الطوابير” 

الطوابير موجودة في كل مؤسسة ومصلحة حكومية أو غير حكومية 

الطوابير في كل مكان، في المدرسة، في المسجد، عند إشارات المرور أو داخل إدارة المرور وكله ماشي في الطابور.

كنت أفكر في طريقة ننهي بها الطوابير ونستبدلها بطريقة أفضل لكني عجزت عن وجود حل وأقتنعت أنه لا مفر من الطابور حتى يحافظ كل واحد على حقه ولا يجور على حقوق الحاضرين من أمامه ومن خلفه.

من ياترى قد وضع هذا النظام العجيب ذو الأبعاد الثلاث؟

من حدد أن يكون هناك صف رئيسي لعامة الشعب وصف ثانوي لعجائز الشعب وصف استثنائي لمن يسرقون الشعب!

ولأن التعميم غير دقيق من الممكن أن نقول أنهم من أبناء الشعب أيضاً لكنهم يدفعون رسوم إضافية لتخليص الورق بدون تلكيك أو كعبلة أو فرهدة بلا داعي عملا بالمثل المصري ” هين قرشك ولا تهين نفسك ” 

لا تظن أن هذه رشوة لا سمح الله إنما هي ضريبة الحصول على الخدمة المستعجلة وهو أمر قانوني وفي غاية القانونية ولو مش مصدقني إسأل القائمين على تطبيق القانون 

من ياترى قد وضع هذا النظام العجيب ذو الأبعاد الثلاث؟

من حدد أن يكون هناك صف رئيسي لعامة الشعب وصف ثانوي لمن يسرقون الشعب وصف استثنائي لمن يتحكمون بالشعب!

على الأقل إن كان هناك تسعير لخدمة عادية وخدمة مستعجلة فإن الأموال الإضافية تصب في خزينة الدولة وتعم الفائدة على الجميع. الدور والباقي على المجاملات التي تتم بدون دفع مبالغ مالية.

 صاحب الواسطة دائماً أهم من صاحب المال في هذه الحالة وأعلى مكانة فهو في مرتبة يطلق عليها “بتخلص بتليفون” 

حيث تأتي له الأوراق المطلوبة راغمة حتى باب المنزل وحتى دون الحاجة لرؤية الطابور. 

من ياترى قد وضع هذا النظام العجيب ذو الأبعاد الثلاث؟

من حدد أن يكون هناك صف رئيسي لعامة الشعب وصف ثانوي لمن يتحكمون بالشعب وصف استثنائي لمن يقتلون الشعب!

وما العيب في الواسطة؟!

أليست خدمة عن طيب خاطر يوافق عليها المسؤول؟ 

أليست خدمة السبت تنفع يوم الأحد؟

أليست الواسطة تنفع الإثنين (الخادم والمخدوم) وهي وسيلة جيدة لتطوير العلاقات وفتح أفاق إجتماعية نقوي بها روابط المجتمع؟

صارحت نفسي بالحقيقة 

ماذا لو كنت أمتلك ثروة تجعلني أدفع الرشوة لأمين الشرطة ولا أنتظر ساعتين مقابل مبلغ تافه يفرح هو به وأستفيد أنا منه أكثر.

ماذا لو كان الظابط المسؤول عن المركز صديقي أو زميل مدرسة قديم ألن أتصل به لأجد البطاقة في ذات الليلة بين يدي.

الحقيقة يا شعب 

أنني من وضع هذا النظام العجيب ذو الأبعاد الثلاث؟

أنني من حدد أن يكون هناك صف رئيسي لعامة الشعب وصف ثانوي لمن يقتلون الشعب وصف استثنائي لمن تأتيه الفرصة من الشعب!

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات