المطبخ … بقلم: جمال عمر
عن رحلته الأخيرة إلى مصر، يلتقط جمال عمر بعض اللقطات والمشاهد. وهذا هو المشهد العاشر: “المطبخ”.
بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير

المطبخ
– 3 –
عبرنا ميدان عبد المنعم رياض، الحركة بدأت في المنطقة ساعات بعد صلاة الجمعة، مررنا من منطقة شارع وجامع معروف التي بها ورش الصنايعية، وبالقرب من مزار “كشري أبو طارق السياحي”، وبالقرب منه صيوان منصوب لبيع منتجات تموينية من شركات لم أميز إن كانت تتبع وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، جزء من حملة أبي طارق للترشح لمجلس نيابي عن حزب من “أحزاب الحكومة”. ما علينا، فكرت أن نمر على صديقنا عصام في محله القريب من المكان، لكني خشيت أن يكون محله مغلق لأننا يوم جمعة وعصام إنسان متدين، لكن كنت أتمنى له والتداوي أن يلتقيا، فكل منهما سيسعد بصحبة الآخر في تصوري.
سرنا حتى عبرنا ميدان طلعت حرب، وعربات الأمن المستقرة في الميدان، وقلت للتداوي أن نذهب إلى مطبخ الدكتور غالي بسوق باب اللوق، لكن لم أكن متأكد هل المطبخ سيكون مفتوح يوم الجمعة أم لا، مررنا بجوار “جراچ” باب اللوق للسيارات، وكانت هناك زحمة بجوار المصلى عند مدخل من من مداخل ساحة الانتظار، أظنها لتوزيع وجبات مجانية، حاولنا أن نمر أنا والتداوي، دون أن نصطدم بسيارة من السيارات المارة في الطريقين اللذين تقع بينهما ساحة انتظار “جراچ” باب اللوق.
دخلنا لسوق باب اللوق من المدخل الذي أعرفه منذ أن ذهبت مع الدكتور غالي العام الماضي، من الطريق الجانبي، من بين كراسي وترابيزات من البلاستيك للمقهى المجاور للمدخل التي افترشت كل الرصيف ونصف الشارع.
في هذا المكان الصغير أول ما يصدك هو أنه داخل سوق قديم من أسواق خضار القاهرة ويقابله محل “فرراجي”، يبيع ويذبح فراخ بأنواعها، مساحته مساحة “كُشك”، جدران من الخشب يعلوها حوائط من الزجاج، وأربع ترابيزات صغيرة مغطاة بالصاج، ومقاعد جهة الحوائط عبارة عن تختة من الخشب، يُقابلها كراسي دائرية السطح من الخشب بلا مسند ظهر، والأرض مفروش بها نشارة الخشب على البلاط، كانت هناك ترابيزتين من الأربع فارغة، جلست أنا والتداوي ظهرنا للجدار ووضعت حقيبة الظهر علي الترابيزة.
حييت الرجل ذو اللحية البيضاء وبشرته البيضاء، الذي يجلس خلف “بنك الحساب”، ابتسم فبانت أسنانه التي حاكها دخان السجائر باللون الأسود، وقد فقد سنتين من الجنب. أتذكره من العام الماضي. كان يكمل لف وجبة يضعها في كيس ليأخذها مساعده، لسيدة تنتظر بالخارج كأنه طقس يومي تأتي لتأخذ أكلها مجانا من المطبخ.
ليعود لنا مساعده ويتلو علينا من ذاكرته ما عندهم اليوم من أطباق، طلبنا طبق محاشي “كوسة وفلفل” وطبق لحم مطبوخ بالبصل، وطبق بامية وأخر للبسلة، وطبقين شوربة لسان عصفور، وطبق من “الرز” وطبقين من السلطة، ويأتي الخبز المصري من القمح الكامل، وشرائح الليمون.
وحينما وصل الأكل الذي لم يستغرق سوى دقائق، طلبنا من المساعد أن يأخذ لنا صور مع الأكل. ووضعنا هذه الصور على صفحة الجروب على فيسبوك، لاستكمال قصة الاختطاف والتحرير.

بعد دقائق دخل شاب مصري يظهر من ملامحه أنه مرشد سياحي، مع رجل وامرأة، ومن لهجتهما في نطق الإنجليزية يبدو أنهما من شرق أوروبا، دخلا المكان البسيط الضيق وجلسا على الترابيزات المقابلة لنا، كجزء من مزارهم للقاهرة ومطاعمها.
– 4 –
بعد أن استمتعنا بالأكل البسيط، الجميل وبأسعاره المناسبة جدا، شكرنا الرجل ذو اللحية البيضاء الذي ذكر لي اسمه، وكالعادة بضعف ذاكرتي، أنساه، وشكرت مساعده، وخرجت أنا والتداوي نتمشى في وسط القاهرة حتى وصل بنا الترجل إلى شارع البستان وكان ما يزال أمامنا وقت على موعدنا التالي، فجلسنا على مقهى البستان نستكمل حديثنا، وطلب كل منا سحلب بالفواكه.

التداوي عنده خلفية واسعة من خبرات في الحياة مر بها بين الانتقال من العيش في قرية في الدلتا إلى إيطاليا، وممارسته للعب كرة القدم، وحكم في إيطاليا، وعمل عارض أزياء في إيطاليا، وخلفيته الدينية من أسرة متدينة تحتكر وظيفة المأذونية والخطابة، وعمله في الإعلام وفي البحث الآثاري، وسفرياته المتعددة من الجمهوريات الإسلامية في القوقاز، إلى إمارات الخليج.
من خلال رحلاته الدائمة وسفرياته التي يوثقها على فيسبوك باستمرار، وأنه يعيش في وسائل المواصلات من سيارته للقطارات للطائرات، مما يخلب اللب. وشياكة اللبس، وحسن الأطعمة. وتعددها. أشعر أنه يطبق مبدأ كان أبي يلتزم به “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”.
كان موعدنا قد اقترب للقاء آخر في محل جروبي بشارع عدلي، للقاء د. عيسى والأستاذ أسامة، وكان التداوي يحمل معه نسخة ورقية من ديوانه الجديد “المصحصحاتي”. ما أن دخلنا جروبي كان د. عيسى موجود كعادته يأتي قبل الموعد والأستاذ أسامة معه، وكأنهم كانوا في لقاء معا وأتيا. ود. عيسى أمامه علبة من منتجات جروبي من “البسكويت والمعجنات، كوكيز” يقدمها للجميع. وكانت جلسة كلها حب وود، وكأننا نعرف بعض منذ سنين.


لقراءة المشهد السابق، اضغط على الرابط التالي:
اختطاف … بقلم: جمال عمر
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد