الموت… بقلم: عمرو عبدالرحمن
بقلم: عمرو عبد الرحمن

في كل يوم، بل في كل ساعة، بل في كل دقيقة، يموت إنسان. يفارق هذا الإنسان الحياة ويذهب إلى مكان لا يمكننا إدراكه، إلا أن جزءًا منه يظل متواجدًا معنا على قيد الحياة، يمكننا إدراكه من خلال أذهاننا.
والسؤال الذي يتجلى مع موت كل شخص ترك أثرًا في نفوس غيره، هل موته عقوبة بحد ذاتها تستحق التشفي وصب اللعنات، أم أن – ويا للمفاجأة – كلنا سوف نموت لأن الموت حق على الجميع؟
أذكر أول تجربة حقيقية للموت مررت بها، كانت لوالد أحد الأصدقاء، توفي بعد صراع مع المرض. تخيلت الموت وحشًا يخطف أحبابنا ويستحق اللعن والكراهية.
لكن مع كثرة الذهاب إلى المقابر اعتدت الموت، واستطعت إدراكه كجزء من قانون الطبيعة. كما توجد الحياة لابد أن يوجد الموت. فكل شئ على الأرض له ثمن ندفعه سواء رغبنا أم لم نرغب، لأن هذا هو قانون الطبيعة على الأرض.
أدركت أيضًا أن الحياة على الأرض هي حياة غير مكتملة، فلا ضمانة لإنصاف مظلوم أو إقامة عدل. لا ضمانة لحياة سعيدة أو حب ننعم به. إذًا فمن المنطقي أن تكون هناك جولة أخرى، يوم معلوم تترد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم، وأسود على كل ظالم.

أستطيع تفهم أن يصب أحدهم اللعنات على شخصٍ ظلمه بشكلٍ مباشر بعد موته، لكن لماذا يتسابق الآلاف على صب لعناتهم على شخصٍ لم يلتقوا به يومًا، ويمتلك من التجربة الإنسانية ما يبرر حب الكثير من الناس له؟
الإجابة لن تجدها في الدين بل في التدين، في النزعات الفردية والخصائص الشخصية للبشر لا في النصوص.
فالنبي لم يكره عمه لأنه لم يعلن إيمانه. وقف لجنازة اليهودي ولم يذهب إلى أهله أثناء حزنهم عليه ليخبرهم أنه “الحمد لله على نعمة الإسلام”.
المعيار هنا هو نظرة الإنسان إلى أخيه الإنسان. هل يراه إنسانًا صالحًا أو غير صالح، عبر سنوات مليئة بالأعمال منها الخير ومنها الشر من خلال نظرة مُركبة، أم يراه عبر نظارة لا ترى إلا اللونين: الأبيض والأسود، المؤمن بدينه وغير المؤمن؟
تؤيد المدرسة السلفية – الموجودة في كل دين – النظرة الثانية، نظرة ثنائية يسهل معها تصنيف البشر، وإطلاق الأحكام السريعة القاطعة، وممارسة الاستعلاء بشكلٍ يغذي معركة ممتدة في مخيلتها منذ بدء هذا الدين وحتى يفنى البشر.
استعلاء يمنحهم انتصارات وهمية، ورؤية مبتورة لمفهوم الموت وغيره من المفاهيم، مبنية فقط على فكرة أولية غير خاضعة للنقاش، يتم تكييف كل الوقائع لتتماشى معها وتثبتها باستمرار.
الفكرة هي أن كل فعل هو نتيجة مباشرة لفعل ورغبة إلهية، وليس نتيجة قانون طبيعي يقضي بأن كل البشر سيموتون عندما يعجز الجسد عن القيام بوظائفه الحيوية لسبب خارجي أو داخلي. قانون أرساه الإله حتى لا يكون التدخل المباشر منه حجة لظالم أو عذر لفاسد.
فيكون موت غير المؤمن عقوبة، وموت عشرات المؤمنين أثناء أدائهم لشعيرة إيمانية تكريم إلهي وحسن خاتمة.
يقول جمال عمر دومًا أننا نعاني من الهوس بإعلان المواقف. يظهر ذلك جليًا في حالة الموت. يتصرف الجميع كما لو أنهم يملكون من أمرهم شيئًا بعد الموت، فما بالك بأمر غيرهم! وقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعي الفرصة للتعبير عن هذا الهوس عبر “جهاد الهاها” وتعليقات التسلط والسخرية اللاإنسانية وسط حزن الناس على من فقدوهم.
ولا يقتصر الأمر على “المخالفين”، فمع مقتل أحد المؤمنين، يكون مهمًا إبراز “استشهاده”، فهو ليس المتوفى أو القتيل، بل هو الشهيد، بينما لا يوجد من المخالفين شهيد. فنحن من نملك الختم في الدنيا، برغم أن القضية كلها خارج الدنيا تمامًا.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد