اليوم قبل الأخير لمعرض الكتاب.. الطريق إلى أرض المعارض .. بقلم: جمال عمر

بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير

d8acd985d8a7d984-d981d8b1d8afd98a-d985d8a8d8aad8b3d985 اليوم قبل الأخير لمعرض الكتاب.. الطريق إلى أرض المعارض .. بقلم: جمال عمر

اليوم هو اليوم قبل الأخير لمعرض كتاب القاهرة وغدا سيكون في الغالب نصف يوم، ففرصتي للذهاب اليوم، وكنت قد اتفقت مع الشاعر سمير درويش القاطن ببنها في زيارة هو الآخر منذ عدة أشهر لمصر من نيويورك، أن أذهب معه لأرض المعارض التي انتقل إليها المعرض منذ سنوات قليلة.

وصلت عند مبنى موقف عربات الميكروباص في شرق مدينة بنها، المبني بجوار معسكر الأمن المركزي، فكتبت رسالة لسمير أني وصلت للمكان والمفروض أن نلتقي بعد عشر دقائق. تلقيت مكالمة هاتفية منه أنه تقريبا نسي الموعد وانه لسه صاحي وأنه أمامي حوالي نصف ساعة.

فذهبت لمحل واشتريت ساندوتش فول وساندوتش طعمية، وصعدت للطابق العلوي حيث مكان الميكروباصات التي تتجه للقاهرة ووجدت لوحين من الخشب على شكل مقعد وجلست أتناول الساندوتشات، وزجاجة الماء الزرقاء التي أحملها معي من نيويورك، وأخرجت مقال من مجلة “النيويوركر” عن البيتكوين، أقرأ في نصفه الباقي.

لم يمر ثلث ساعة إلا ووجدته في موقف الميكروباص، كانت فكرتي للذهاب لأرض المعارض لو كنت ذاهب وحدي، هو أن آخذ قطار من محطة قطارات بنها لمحطة رمسيس في القاهرة ومن رمسيس آخذ مواصلة أو أتوبيس عام من هناك. وجدت سمير يقول أن طريق ذهابه كل يوم، أنه يأخذ ميكروباص لموقف “السلام”، ومن هناك يأخذ مواصلة لأرض المعرض، فسلمت له القيادة، على أن أتبعه.

كانت عربة الميكروباص تنسال على الطريق السريع الحر الجديد، وكان الحديث بيني وبين سمير قد انفتح للكلام عن الأوضاع في أمريكا التي نقيم أنا وهو إقامة دائمة بها، في ظل أسبوعين من تولي ترامب رئاسته الثانية للولايات المتحدة. وكنا لم نلتقِ في نيويورك خلال العام السابق. سائق الميكروباص لم يضع لا إذاعة القرآن الكريم ولا أغاني. قلت له أني سأقدم مداخلة بعد عشرة أيام -يوم عيد الحب- في صالون علمانيون في وسط القاهرة عن الموضوع.

حاولت أوضح أن الجمهوريين أخذوا السلطة في البيت الأبيض وفي مجلس السيناتور وفي مجلس النواب فعلا، ومع ذلك سلطتهم أقل مما كانت عليه قبل الانتخابات في مجلس النواب فقد فقدوا مقعدين دايرة 13 ودايرة 45 في كاليفورنيا، والأغلبية في مجلس النواب بتكون 218 كرسي وهم معهم 220 وواحد منهم استقال وترامب أخذ عضوة منهم في إدارته. فأي اثنين من الحزب الجمهوري يقدروا يوقفوا حركة مجلس النواب، وكل اللي هيتفق عليه الجمهوريون هو انهم يمدوا تخفضيات الضرايب اللي هتنتهي بعد كام شهر. وان كل اللي هيعمله ترامب هيكون عبر قرارات جمهورية، ودي سهل جدا ان اللي يجي بعده يلغيها في أول يوم بقرار جمهوري.

بس فيه جزء شخصي يخص ترامب، أنه عايز يبقى حديث العالم كل يوم، فهتلاقي قرارات غريبة تشغل الناس ويأخذ اللقطة والتغطية الإعلامية، والقضاء والمحاكم الفيدرالية والمحكمة العليا هم اللي هيوقفوا كتير من القرارات دي، لأن الموضوع هيبقى فيه “شو” كبير، علشان إلهاء الناس، لكن الهدف الأساسي دايما للجمهورين هو تقليل الحكومة الفيدرالية وحصر جهدها في الأمن، وإلغاء الضرائب والرسوم…..الخ.

كنا قد عبرنا منطقة المرج على الطريق الدائري الواسع، حينما التفتت السيدة المحجبة التي تجلس على يميني على كرسي قد تم إضافته لتصميم السيارة، وقالت “شكرا على المحاضرة العظيمة دي”. تسرب إليّ بعض خجل، فأنا دائما عندي حماسة حينما أتكلم، تحول الكلام إلى نوع من الحكمة والعقل…الخ التي تظهر في صورة توعية ووعظ، وأشعر بخيبة أمل حين لا يُنقد ما قلت.

لا أعرف كيف انتقل الحديث من السيدة إلى الرئيس السيسي وعن الإنجازات، الأخطار المحيطة…الخ وشعرت بسمير على يساري، وأن الحديث هيقلب بجدال، لكن الميكروباص كان قد خرج من الطريق الدائري، وكان على السيدة أن تنزل على الدائري لتركب مواصلة أخرى أخبرها بذلك السائق. نزلنا من السيارة سمير يسير بخطوات سريعة وأنا خلفه تابع في مكان مزدحم، على البعد أرى محطة مترو عالية، تشعر أن المنطقة كلها منطقة عمل ومقاولات.

وصلنا لعربة ميكروباص تويوتا بيضاء، مخصصة للذهاب لمعرض الكتاب، لكن ليس بها غير مكان لراكب واحد بجوار السائق. أمرني سمير أن أدخل بجوار السائق وأنه سيحاول الجلوس بطريقة ما داخل العربة، لكي تتحرك، لأنه لو انتظرنا سيارة أخرى قد يأخذ الأمر ساعة لتجد ركاب لها. لم أجادله، فأنا تابع.

تقريبا الرحلة هذه مؤقتة بوقت معرض الكتاب، لكن ليس هناك خط مواصلات مستمر. أدركت هذا من طريقة السائق الذي لم يكن يعرف الطريق بالضبط، وكان متصور اني “ناصح وفاهم وعارف الطريق” تقريبا، وهذه أول مرة لي للذهاب، ما علينا حاولت أن أرى الطريق على جوجل من التليفون، لكن الشبكة لم تكن أحسن شيء. وبعد عدة انحناءات خطأ، وصلنا أمام أسوار أرض المعارض.

سألت السائق قبل ما أخرج من السيارة هل يعرف طريق عودته، فوجدت سمير يقول في شبه استغراب، “هو انت حامل هم عوته، في الوقت اللي تاه بنا لنصل”. على أساس أنه بيقدم لنا خدمة والمفروض يكون عارف. فقلت له، ما هو لو لم يغامر السائق بأنه يعمل الرحلة دي ربما مكناش قدرنا نيجي من السلام لهنا، وعموما خلاص هو مش هيجي تاني لأن المعرض خلاص هينتهي.

ذهبت لقطع تذاكر دخول، أخبرني سمير أن لا أقطع له تذكرة، كان الشباك شبه خالي فأخذت تذكرة بخمس جنيهات، وسرت وراء سمير الذي دخل ببطاقته الشخصية كموظف سابق في وزارة الثقافة تقريبا، ولم يطلب أحد مني تذكرتي وأنا أدخل خلفه، فظلت التذكرة في جيبي.

دخل بنا مباشرة للقاعة التي تُعقد بها الندوات، يسير في طريقه لا يراعي أن أحد يسير معه، عند السلم المتحرك الصاعد لطابق أعلى حيث قاعات المناقشات، كان مقر لشركة كريستال عصفور، وفي فاترينة العرض بواجهة المقر هدايا من تصنيع الشركة منها تصميم على شكل “باجور جاز” قديم، حلو كهدية، كنت أنظر إليه والسلم المتحرك يصعد بي.

سمير يسلم عليه في طريقه عديدون كشاعر وهم شعراء، دخل قاعة كبيرة بها ندوة تدور وثلثي الكراسي فارغة دخلت خلفه جلس دقيقة ثم قام وخرجنا منها، ليمر في ممر بين قاعتين، كان قبل نهايته ترابيزة عليها بعض أدوات عمل بعض المشروبات الساخنة رجل يعمل المشروبات وامرأة بجواره تجمع هي الفلوس. المشروبات بثمن بسيط، بخلاف المحلات، والمطاعم التي في أرض المعارض.

وقفنا نستند على حاجز زجاجي في الطابق العلوي يطل على الطابق الأرضي بجوار نهاية السلم المتحرك، أرتشف كوب الشاي بدون سكر في الكوب الورقي، وبين حين وآخر يقبل أحد يسلم على سمير وبالمرة يسلم علي، أمسك سمير بتليفونه الأي فون عالي الجودة من شركة أبل يلتقط لنا صورا معا، ليتطوع رفيق أن يأخذ هو الصور لسمير وحده ولنا. وضع سمير كوب الشاي على حافة تعلو الأرض، وأشار “ياله بينا”.

d8b3d985d98ad8b1-d8afd8b1d988d98ad8b4-d98ad988d982d8b9-d8b1d988d8a7d98ad8aad987-d984d8acd985d8a7d984 اليوم قبل الأخير لمعرض الكتاب.. الطريق إلى أرض المعارض .. بقلم: جمال عمر

وصلنا إلى مقر دار “بتانة” للنشر في قاعات معرض كتاب القاهرة، تحرك سمير بطريقة اعتيادية، وكأنه يفعل ذلك كل يوم، في وسط تفهم من الموظفين العاملين في الجناح، ومد يده وأخذ نسخة من روايته “ليس بعيدا عن رأس الرجل .. عزيزة ويونس”، ومد يده لي بها، فطلبت منه أن يوقعها، وأخرجت جهاز تليفوني لأخذ لي وله صورة سيلفي وهو يوقع الرواية، وفي نفس اللحظة حضر كاتبان من بلد عربي يسلمان عليه وأهداهم روايته وكأن هذه الساعة موعد يومي له يهدي فيه روايته، أخذت له ولهم صورة سيلفي وأنا ممسك بالرواية في الصورة.

مددت يدي وأخذت نسخة من الرواية وذهبت الى موظفة الدار، اعتقدت اني اريد كيس من أكياس الدار البلاستيك لأضع فيه الرواية، وكانت مستغربة أني أرفض الكيس وأني أطلب منها دفع ثمن النسخة، كذلك سمير استغرب، وقال مفيش داعي، وسألني عايز نسخ لمين. فأصريت على شراء النسخة. وأخرجت من حقيبة الظهر الزرقاء التي أحملها دائما على ظهري في ترحُلاتي، مِخلة من القماش كانت أعطتنا إياها جامعة أغاخان العام الماضي في لندن عند المشاركة في ورشة فكرية عن الإمام محمد عبده، عليها شعار المؤسسة والجامعة، ووضعت فيها النسختان. وأخبرت سمير أني سأتجول في المعرض للبحث عن بعض الكتب ونلتقي في قاعة الندوات بعدين ونكون على تواصل بالتليفون.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

2 comments

اترك رد

ندوات