تفسير.. اضربوهن أي اضربوهن بقلم: إيمان إسماعيل
بقلم: إيمان اسماعيل

هناك جدل واسع حول تفسير الآية الكريمة
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا … النساء 34
تقع الإشكالية الرئيسية في هذه الآية حول مفهوم الضرب، وهو جدال ليس بجديد وقد حظي صالون تفكير ببعض منه، حيث قدم بعض أعضاؤه رأيهم في تفسير وتأويل النص وتفسير تلك الكلمة خصيصًا.
من المنشورات اللافتة، كانت تلك التي تمسكت بمفهوم الضرب أنه هو الإيذاء البدني، وجاءوا بأدلتهم سواء من الكتاب أو السنة أو التراث الإسلامي.
يبدأ (ع. ي. ع) نقاشه حول مفهوم الضرب قائلاً “إن مفتعل جدلية تفسير الضرب الوارد في القرآن هم من يسموا أنفسهم قرآنيين” وهي مقدمة يحتج بها على إنكار بعض المفسرين للسنة النبوية وإغفالها، وهو ما لا يمكن تصور تفسير النص بدونه، كيف يمكن إغفال الجيل الأول الذي تعامل مع النص وبينهم الرسول نفسه؟
يحتج (ع. ي. ع) على ذلك ويذهب بنا في رحلة قصيرة يبحث فيها عن واقعة ضرب للنبي لإحدى أزواجه، لكن لا يوجد أي سند أو مروية تنص على هذا، فينتقل للتساؤل عن رضى النبي عن فعل الضرب في العموم. هل وقعت أي حادثة ضرب لكبير أو صغير من النبي؟ كل المرويات تنفي ذلك نفيًا قاطعًا.
يعود (ع) ويؤكد “الخلاصة، فيه ضرب ورد في القرآن وبمعنى الضرب، مش أي أمر خلافه والدليل هو السياق العقابي المُتدرّج الوارد فيه الكلمة، النشوز الجالب لخَيارات تبدأ من فعظوهن ثم فاهجروهن في المضاجع وآخرها كان الضرب ” ثم أكمل حديثه عن السنة النبوية التي أكدت ما جاء في القرآن بالقول والفعل معاً، وهو ما أتفق فيه مع رأيه، القرآن جاء بأمر واضح فهمه من نزل عليهم هكذا، وفسروه هكذا.
أما منشور السيد (م. ع) فقد جاء أكثر تفصيلا في تفسير كلمة الضرب بمعنى الضرب والايذاء البدني، احتج في مطلع منشوره بفهم الناس في ذلك الزمان لمعنى الضرب، قال ” ضرب يعني ضرب… واللي شرح وخفف من وطأة المعنى هي المرويات النبوية.. لا يكون الضرب كذا او كذا..او كما في حديث مروا أولادكم الصلاة واضربوهم عليها لعشر”.
ثم انتقل السيد (م. ع) لأزمة تأويل النصوص لتلائم القيم الحديثة، مؤكدا أنه لا يوجد تعارض بين التفاسير التي تقول بالضرب بمعنى الضرب وبين نبذ الضرب حالياً، حيث أنه يرى أن الحل الوارد في القرآن غير ملزم، هو مجرد اقتراح لا يصلح لكل زمان ومكان وإنما يمكن تركه إذا وجدت حلول أفضل، والآن أصبحت الثقافة العربية تنبذ الضرب كأسلوب تقويم أو عقاب، متبعة في ذلك بقية الثقافات.
ويرى أن الاعتراف بمعنى الضرب في سياقه التاريخي أفضل من تأليف معانٍ جديدة لا يحتملها النص، حتى وإن كان هذا بدافع الدفاع عن الإسلام الذي يراه جاء مهذباً لأخلاق العرب وقتها، وأنه “لم يتخطى زمنه واختلق معايير قيمية بتاعة أزمنة مستقبلية…هتفضل منظومته القيمية وان تطورت بكثير عن منظومة الجاهلية، أقل تطورا مما نحن عليه الان “.
ويضعنا صاحب المنشور أمام خيارين، إما التمسك بصلاح تلك الأوامر لكل زمان ومكان وبالتالي نعود أدراجنا في التخلف الإنساني، أو التعامل معها انها خطوة في طريق مشاه المسلمون نحو التقدم، خطوة يجب أن ينظر لها نظرة تاريخية، وأن توضع في موضعها الصحيح.
أما السيدة (م. س) فقد قدمت أدلة مهمة على فهم الجيل الأول لمعنى الضرب أنه الإيذاء البدني، تكلمت عن ضرب الصحابة لزوجاتهم وذكرت أن “سعد بن الربيع الأنصاري ضرب مراته حبيبة بنت زيد بالقلم على وشها لما قالتله -مش وقته تعبانه شويه- راحت لأبوها بتعيط فأخدها وراحوا يشتكوه للنبي” وكان رد النبي عليهما أنه قد أتاه جبريل يقول له (الرجال قوامون على النساء ) إلى آخر الآية، وهو ما يفهم منه إقرار الضرب ومفهوم في سياق كهذا.
وكذلك ذكرت ضرب صحابة آخرين لأزوجاهم كالزبير بن العوام الذي ضرب زوجه أسماء بنت أبي بكر حتى كسر ذراعها، وأن كعب بن مالك ضرب زوجه حتى تدخل أبناءه لنجدتها من بين يديه، وكذلك حادثة سعد بن أبي وقاص الذي ضرب سلمى بنت جعفر عندما قارنته بزوجها السابق، جميعها قصص ومرويات تؤكد أن الضرب لم يكن غريباً على المجتمع الأول وأنه كان جزء من أساليب تعاملاتهم… كغيرهم من الشعوب.
تؤكد السيدة (م. س) أن “ضرب الزوجات دين، قولا واحدا.. تتشال تتحط تؤول تعصرن تنور تضلم تشحرر تأزهر، لن تستطيع أن تلغى أثارهم فى وجدان المسلمين”، فالأزهر وهو من أهم المؤسسات الاسلاميّة في يومنا هذا لم يستطع إنكار الضرب ومفهومه بل ذهب إلي التخفيف عندما ذكر وسائل الضرب كالسواك… لكن لم يستطع نفي الأمر الوارد في القرآن أو تأويله بغير معناه الذي فهمه الأولين، إذا ربما بالعودة إلى حديث السيد (م. ع) عن أن الحل هو التعامل مع النص في سياقه التاريخي وأنه صالح فقط لزمانه ومكانه وقبول أن النص وضع بعض النصائح في محاولة لتهذيب مجموعة من البشر يعيشون في معزل فكري وتأخر ثقافي، قد يكون مخرجاً جيداً لأزمة الأمر الإلهي بضرب الشريكة أو الزوج.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد