تفكير.. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد حلقة 6.. بقلم: محمود عماد

هذه سلسلة مقالات تنشر أسبوعياً عن تجربة ذاتية لمغترب بعد العودة إلى مصر ورصد التغيرات التي حدثت وتحدث على مدار السنوات، وقد تتشابه تلك التجربة مع تجارب ملايين المصريين المغتربين في شتى بقاع الأرض!

محمود عماد

d985d8add985d988d8af-d8b9d985d8a7d8af تفكير.. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد حلقة 6.. بقلم: محمود عماد

“تفكير” هو جروب على فيس بوك منذ 2021م، وقد كونت فيه صداقات مع مجموعة كبيرة من الأصدقاء في مصر وفي دول كثيرة حول العالم لكن ظلت الصداقة حبيسة خلف شاشات الأجهزة الإلكترونية.

مفاجأة فرحة سين وجيم

صعدت درجات السلم وقلبي يخفق بشدة، نسيم الهواء البارد القادم من النيل يلامس وجهي فى حنية، لا أكاد أصدق أنني على بعد خطوات من لقاء الأصدقاء المقربين بل الأحباب الذي جمعتني بهم علاقة امتدت على مدار سنوات شاركتهم فيها أفراحي وأحزاني وحماسي وسقوطي على الأرض، تشاركنا مع بعض الأنشطة والندوات والنقاشات الجادة والهايفة والجدال والاحتدام أحيانا والمناوشات والمشدات أحيانا أخرى، تشاركنا كل شىء! إلا أن أراهم على أرض الواقع، وهاهي اللحظة المنتظرة قد حانت، فما أسعدني حين سمعت أنه قد أقام عضو الصالون الأستاذ (س) بالزواج من عضوة الصالون الأستاذة (ج) ودعوة أعضاء الصالون لحضور الفرح فى النادي اليوناني بالقاهرة حتى قررت العودة إلى مصر للمشاركة وحضور الفرح وخاصة أن جمال عمر فى مصر منذ فترة وبالطبع سيكون معظم الأصدقاء والأحباب هناك. توقفت لبرهة صغيرة أمام الباب استجمعت قواي ومسحت قطرات من الماء قد تجمعت أعلى جبهتي، أخذت نفسا عميقا وأخرجته ببطىء، حاولت أن أتخيل نظرات الصدمة والمفاجأة حين يرونني لأول مرة فقد أخفيت سر عودتي ولم أبح به لأحد منهم حتى أستمتع بدفء اللقاء لأخر قطرة من كأس الود الذي جمعناه طوال السنوات الماضية. أشعلت صاروخ صغير ليحدث ضجة قبل دخولي ثم صرخت بقوة وأنا مندفع إلى الباب: أنا جييييييييييييييييت!! 

كان هذا المشهد الخيالي جزء من التدريب في ورشة الكتابة الذي كنا نحضرها أونلاين العام الماضي، حين طلب جمال عمر من الحاضرين كتابة مشهد من عدة أسطر من خلال معلومة واحدة يعطيها لنا وكانت الجملة (فرح من داخل تفكير في النادي اليوناني)

كتبت هذه السطور بارتجال ولم أمعن التفكير في هذا الكلام لكن حينما أتأمل ما كتبت أراني منغمس حول أملي بالعودة إلى مصر والذهاب إلى مقابلة أصدقاء تفكير.

wk تفكير.. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد حلقة 6.. بقلم: محمود عماد

كان اللقاء الأول عذب ودافىء لم يكن بعنفوان وحدة ما تصورت واحضار الصواريخ وخلافه رغم عدم تذكري منه الكثير ولكن كل ما يحضرني هو الشعور بالطمأنينة، فقد كنت أتكلم معهم بانسيابية وكأننا تقابلنا منذ عقود مضت وكنت أشعر بتجربة كل واحد منهم وهو يرويها لي وكأنني كنت أعايش قصته وأحضرها معه.

كان الحديث يتدفق وكنت أتحدث بعشم كبير وكان الرد يأتي بالقبول والترحاب، ما هذا الذي أنار شعلة التواصل إلى هذا الحد!

mk تفكير.. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد حلقة 6.. بقلم: محمود عماد

العلاقات الإنسانية غريبة ومبهرة في ذات الوقت. كانت بداية معرفتنا على هذه المجموعة هو التقابل الفكري والتناظر الثقافي والتدافع الديني. وكان كل منا يدافع عن أفكاره ويحاول المحاججة وتفنيد رأي مخالفه، وكنت أحرص على مجادلة الأعضاء بقوة واعتبر انتصاري لفكرتي أهم من مجادلي وبعد أن أصبح الأمر متكرراً وجدتني أرتبط وجدانياً وعاطفياً بالأشخاص المختلف معهم بل وأطمئن على أحوالهم وأفرح لفرحهم وأتأثر بألمهم، هكذا أدركت مدى غرابة العلاقات الإنسانية.

أدركت مع مرور الوقت أن الشخص الذي يقف أمامي لم يكن ليدافع عن فكرته هو الآخر إلا بعد تجربة خاصة خاضها بنفسه والتي لا تبتعد كثيراً عن أهمية تجربتي. 

أدركت أن الشخص الذي يجادلني أهم من الأفكار التي يحملها كلانا وأن علاقتنا التي يسودها الاحترام والتفاهم لهي الأحق والأبقى. لم أتخل عن أفكاري ولا أطلب من أحد أن يترك ما يعتقده للحفاظ على علاقة شخصية بل يجب على عائلتك وأصدقائك والمحيطين بك الحفاظ على رباط المودة أكثر كلما تغيرت أفكارك عنهم.

في “تفكير” وجدت أصدقاء يفهمون هذا المعنى ويطبقوه مع عائلاتهم بكل حب. وما أظن مفهوم الوطن يختلف عن ذلك.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات