تلاقي تيارات الهوية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي … بقلم: جمال عمر

من هنا كان نشاط المركز العالمي للفكر الإسلامي يضم تحت العباءة أفراد من منطلقات مختلفة تحت لواء إسلامية المعرفة، أو حضارية الإسلام…إلخ.

بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير

d8acd985d8a7d984-d981d8b1d8afd98a-d985d8a8d8aad8b3d985 تلاقي تيارات الهوية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي ... بقلم: جمال عمر

-1-

في شهر مايو عام 2016 وفي ظل عمليات العنف والتفجيرات المستمرة منذ إزالة حكم تنظيم الإخوان بالقوة من عامين فاتوا، فبعد انتهائه من درس له من دروس يوم الجمعة، بمسجده، مسجد فاضل الذي أسماه “فاضل”، على اسم شاب توفي تقريبا في زواجه.
في هذا الوقت لم يكن مولانا قد بدأ بعد عمل أن يراعي تنسيق لون طاقيته ليتماشى مع لون الشال وكل ظهور بطاقية مختلفة وشال مختلف، مع عصا جميلة من عصيان كثيرة، بعضها مقاوم للحريق. كان يقف على يساره فرد الأمن المخصص لحراسة مولانا مُكلفاً من وزارة الداخلية، يرتدي بدلة كاملة ورابطة عنق. محاط مولانا بمريديه وأحبابه في مجلس الجمعة.
يطلب من مريديه أن يقولوا يا قهار طوال هذا الاسبوع، في دورات تتمثل في 306 مرة للدورة، لحماية البلد من المؤذين لبلادنا “يروحوا في داهية، سواء كانوا دول وله أفراد، وله أجهزة. السبحة تلاتات – ويشير بإصبعه في دورة – وتزود حبتين، لحد ما نوصل الى العدد الكبير، ويغير الله ما يشاء”.

-2-

تذكرت ملامح مولانا في النصف الأول من التسعينات، قبل أن يغطي رأسه، ببدلته الإفرنجية، وربطة العنق الرفيعة والطويلة موضة أيامها، ولحية وشارب أسودان. أحيا سنة الأزهر والأزهريين في الأروقة الفكرية، لكنه كان يعقدها في مسجد السلطان حسن، وأضاف إليها دورات في مقر المركز العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة الذي افتتح في جزيرة الزمالك.

ففي عام 1994 وكان في الثانية والأربعين من عمره، قدم دورة في المركز ك “مقدمة لعلم أصول الفقه”، طالبات وطلاب من الجامعات المدنية، مثل مولانا في السبعينات، وخصوصا من جامعة القاهرة القريبة، يبحثون عن العلم الديني والتفقه فيه.
كان يشرح علوم القدماء بطريقة تناسب المعاصرين من الطلاب وليس بالطريقة التقليدية، في هذا المركز تكون جيل من الشباب الباحثين، والذين سلكوا سلك الأكاديمية في الجامعات المصرية خصوصا بجامعة القاهرة وعين شمس. في هذا الوقت.
من خلال هذه الجهود التي تبدأ من الفجر في مسجد السلطان حسن، ثم ينتقل إلى مقر المركز بالزمالك. استطاع مولانا أن يكوّن جيل من التلاميذ سواء داخل منظومة الأزهر، أو في منظومة التعليم المدني العام.

يشرح المقولات العشرة للعلم، من موضوع العلم، وحده، ومسائله….إلخ. لم يكن يعطش الجيم. كان مولانا يتحدث عن النهج والمنهج، وكيف أن المنهج العلمي التجريبي في الثقافات الغربية مأخوذ ومتأثر بجهود المسلمين التي تأثر بها روجر بيكون وفرنسيس بيكون، من شروط العلم عند المسلمين.

كانت الجهود لبها تعبئة القديم في زجاجات جديدة، وإعادة تغليفها بأغلفة حديثة، واستدعاء بعض المصطلحات المعاصرة، وليس تقديم أي رؤية نقدية، بل شرح القديم وجعله معاصرا.

كان لجمع مولانا بين الدراسة المدنية في كلية التجارة وبعدها الدراسة الفقهية الدينية في الأزهر، أثره في محاضراته هذه، فما إن شرح القديم وفي متن الكلام عن أصول الفقه ذكر كمثال ما حدث في سبعينات القرن العشرين من الانتقال من قاعدة الذهب والفضة في تقييم النقود الذي فعلته أمريكا، وكيف أن هذا يؤثر في الفقه وفي فهمنا للربا ولقيمة النقود، وهذه أمور لم تعرض للشافعي، ويستطيع الشيخ أن يقول عن الإمام الشافعي قوله في حالة أن لا يكون التبادل المالي بين الناس بغير الذهب والفضة، فرأى أنه “ليس فيه زكاة، لم يكن عند الإمام الشافعي تصور أن التعامل بمال الذهب والفضة سينتهي كما هو حالنا الآن” من هنا استند مولانا أنه لا يأتي فقيه شافعي الآن ويقر هذه المسألة اتباعا للإمام الشافعي لأنه لو فعل فإنه “سيكر بذلك على الدين بالجملة بالبطلان” وانه عليه أن يعيد بدراسة أصوله لكي يستطيع أن يفتي فتوى تتفق مع “المقاصد” فيحقق مقصد الشرع ويحقق مراد الله من خلقه.

يشير مولانا في جهوده هذه أنه سيعمل على أن يستفيد علم أصول الفقه من العلوم التي نشأت بعده في الشرق والغرب، من كل العلوم التي تتعامل مع الواقع وتوصفه. هو يحاول أن يصل إلى نظريات عمل أصول الفقه بخلاف الكتب التراثية التي تعرض العلم، لأنها “ليست ممنهجة بهذا المنهج ولا مكتوبة بهذا الأسلوب”. هو يحاول أن يحل “مشكلات علم أصول الفقه”، التي يراها.

-3-

قراءتي لفكرة المركز العالمي للفكر الإسلامي من أول تجربة إسماعيل الفاروقي (1921 – 1986) ومن بعده طه جابر العلواني (1935 – 2016) ومن بعده عبد الحميد أبو سليمان (1936 – 2021) فلو أخذنا هذه الأسماء الثلاثة فإنهم يجسدون تلاقي فكرتان، الأولى فكرة نقد المركزية الغربية والعودة إلى الهوية وإلى الذاتية بعد الصراع الفكري في الغرب وبعد الهزيمة القومية متمثلان في خطاب الفاروقي الذي ولد في فلسطين وهاجر إلى الولايات المتحدة وعاد إلى جذوره الإسلامية بعد هزيمة عام 1967 نحو إسلامية المعرفة.

الاتجاه الآخر من داخل المنظومة الدينية التقليدية ممثلا في طه جابر العلواني، العراقي السني الذي أتى هو أيضا في الخمسينات إلى القاهرة للدراسة الأزهرية، فيحاول أن ينقد المنظومة التقليدية للتماشي مع العصر، والاهتمام بقضايا الأمة السياسية والحضارية والفكرية وليس فقط مسائل الفقه التقليدية. وكذلك عبد الحميد أبو سليمان الحجازي الذي أتى هو أيضا إلى القاهرة في الخمسينات والستينات للدراسة بكلية التجارة جامعة القاهرة.

الرابط بين الثلاثة هو الانتقال من بلد المولد وجمعتهم قاهرة الخمسينات ولو كان مالك بن نبي حي وقت تشكيل المركز العالمي للفكر الإسلامي عام 1981م لكان أحدهم. فيمكن رد الأمر لهزيمة عام 1967 عامل مهم، لكن الثورة الإيرانية ونجاح رجال الدين في الوصول إلى الحكم، وفكرة تصدير الثورة الإيرانية، فتحت الباب للتمويل الخليجي البترولي ليس فقط للاتجاهات السلفية في مواجهة “التشيع”، بل فتحت الباب للتمويل لما يمكن أن أسميه عموما باتجاهات مختلفة تيار “الإسلام الحضاري”.

انضم لهذين الاتجاهين تيار أبناء التنظيمات الدينية مثل الإخوان المسلمين الذين انشقوا عن التنظيم، وتحولوا من فكرة أن الإسلام دين ودولة التي تقوم عليها الجماعات إلى فكرة أن “الإسلام دين وأمة” مما يتيح لهم العمل من داخل أجهزة الدول، ولا يقتصر عملهم من داخل التنظيمات الدينية، بل ويتيح العمل لهم من بلاد متعددة وليس من خلال دولة واحدة التي ولد فيها كل منهم، ولو أخذنا شخصية تجسد هذا التيار ممكن أن يكون الشيخ محمد الغزالي السقا (1917 – 1996) كداعية وكاتب وخطيب، في مواجهة “الصهيونية والصليبية العالمية”.

من هنا كان تيار كبير ضم يساريين انقلبوا لليمين بعد الهزائم التي تُنسب للقومية، ومفكرين من تيارات قومية عربية اتجهوا لليمين، وباحثين تعلموا في الغرب وكانوا ضد المركزية الغربية ومقاومة الاستعمار وردوا إلى الذات التي قد يختصرها البعض في ذات قومية أو في هوية دينية إسلامية حضارية.

d984d988d8acd988-d8a7d984d985d8b9d987d8af-d8a7d984d8b9d8a7d984d985d98a-d984d984d981d983d8b1-d8a7d984d8a5d8b3d984d8a7d985d98a تلاقي تيارات الهوية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي ... بقلم: جمال عمر

من هنا كان نشاط المركز العالمي للفكر الإسلامي يضم تحت العباءة أفراد من منطلقات مختلفة تحت لواء إسلامية المعرفة، أو حضارية الإسلام…إلخ. فتجد أسماء مثل محمد الغزالي، وطارق البشري وعبد الوهاب المسيري ومحمد عمارة ويوسف القرضاوي وطه جابر العلواني وعبد الحميد أبو سليمان، وأبو القاسم حاج حمد، محمد سليم العوا، د. منى أبو الفضل، محمد سعيد رمضان البوطي وفهمي هويدي…إلخ. وضم أساتذة من جامعة القاهرة ومن كلية دار العلوم.

من هنا كان وجود مولانا علي جمعة بين هذه الكتيبة، العمل على رفعة الإسلام وتجديده من داخل المنظومة الأزهرية حضاريا ومن داخل منظومة الدولة وليس كعضو في تنظيم من التنظيمات الدينية السياسية.

وكان هناك رافد لتيار آخر من داخل كلية الحقوق جامعة القاهرة موازي لتيار إسلامية المعرفة ومتقاطع معه، ربما نتحدث عنه الحلقة القادمة.

لقراءة المقال السابق من سلسلة “إمبراطورية مولانا” اضغط على الرابط التالي:
إمبراطورية مولانا نور الدين … بقلم جمال عمر

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

4 comments

اترك رد

ندوات