جدل حول خطاب خالد فهمي بين الحاضر والتاريخ…محاورة أكمل صفوت وأشرف قنديل

على خلفية الهجوم على خالد فهمي والاتهامات الموجهة ضده بدأت محاورة بين عضوي صالون تفكير أشرف قنديل وأكمل صفوت أشارك معكم الجزء الأخير من المحاورة وأستعرض رد أشرف قنديل على رد أكمل صفوت على مقاله الأول والذي بدءا به النقاش.

 نستطيع أن نتبين من المناقشات والردود كيف نفكر وكيف نتعامل مع القضايا المثارة في واقعنا المعاصر وتكشف عن رؤيتنا للتاريخ ونقدنا للفكر والمفكرين، وإنتاج الأسئلة، فكيف بدأت القصة؟

كتب أشرف قنديل مقالًا انتقد فيه رؤية خالد فهمي لتجربة التحديث في مصر والتي ترى أن المجتمع كان في طريقه للحداثة لولا التدخل التعسفي من الفرنسيين وتجربة محمد علي واستشهد بالموقف الرجعي للنخب الدينية الأشعرية في التعامل مع ثورة القاهرة الأولى  ف نهايات القرن الثامن عشر، فكيف  نتخيل مجتمعًا  ينهض بقيادات ترى ثورة شعبية هي فتنة الساعين في الأرض بالفساد! هل يمكن لمجتمع تقوده تلك النخب الدينية الرجعية أن ترى الحداثة؟

ثم رد عليه أكمل صفوت بمقال بدأه بالتفريق بين رؤية قنديل لخالد فهمي وبين ما عبر عنه خالد فهمي ثم فصل أن خطاب خالد فهمي كان يركز على  التكلفة التي دفعها الناس العاديين لمسألة التحديث  والترويج لتلك الرؤى الاستعمارية التي كانت تغض النظر عن رفض المجتمعات لمظاهر التحديث الجبري. ثم اشتبك مع قنديل في إشارته لموقف النخب الدينية من ثورة القاهرة الأولى فقارب حال حكومة الأزهر في ذلك الوقت بموقف غرو ألمانيا النازية للأراضي الدنماركية وحاول أن يفسر موقف الأزهر بمقارنته مع موقف القيادات الدنماركية  لما اختاروا المهادنة ومدح الغزاه وكيف كان ذلك سبيلًا لحماية الشعب وممتلكاته، وأن سياسات التعاون مع المحتل أو الغازي هي مجرد رد فعل لا يجب أن يلهينا عن حقيقة وجود احتلال  غاشم وغزو عسكري مباغت.

بعد رد أكمل صفوت عاود قنديل  الاشتباك مع أكمل صفوت فرد في تعليق رافضًا فيه مقاربة أكمل صفوت موقف الأزهر بموقف الحكومة الدنماركية وعبر عن ذلك قائلًا: “فرق كبييير جدا بين موقف (وزير ) خارجية الدنمارك إبان الأحتلال النازي للدنمارك وبين موقف (مؤسسة) الأزهر الذي يمثلها جميع كبار علماء ومشايخ الأزهر وقتها … وإن جاز لنا المقارنة مع إختلاف السياقات فإن الذي يشبه موقف مؤسسة الأزهر في سياق التاريخ الأوربي هو موقف (حكومة فيشي) تحت قيادة الجنرال الفرنسي بيتان (الخائن) والذي حكم عليه بالموت هو وجميع أعضاء حكومته بعد تحرير فرنسا من النازي بتهمة الخيانة العظمى لتعاونها مع النازي ….موقف وزير خارجية الدنمارك موقف برجماتي عملي يكمن تفهمه وحتى التعاطف معه، وهو لا يشبه بأي وجه من الوجوه الموقف العقدي الديني (الأصيل) والذي يستند لرؤية أشعرية لمسالة الحكم والمدعوم بآيات القرآن الكريم (وَاللَّهُ يُؤْتِي ملكه من يشاء) و (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) ..ألخ، ولذلك لم يتهم شيوخ الأزهر الموقعين على وثيقة العار تلك بالخيانة العظمى بعد جلاء الحملة الفرنسية بل تولى ٣ منهم مشيخة الأزهر بعد ذلك”.

1200px-second_cabinet_of_philippe_petain_1940 جدل حول خطاب خالد فهمي بين الحاضر والتاريخ...محاورة أكمل صفوت وأشرف قنديل

لكن هل من الممكن تشبيه حكومة الأزهر بحكومة فيشي الفرنسية الفاشية التي طاردت الثوار؟ 

يتعجب أكمل من مقاربة قنديل لحكومة الأزهر بحكومة فيشي فعلق: ” عايز تشبه موقف علماء الأزهر بحكومة فيشى ياراجل ياظالم!. حكومة فيشى اللي مش حافظت على النظام السياسى و الإجتماعى الفرنسى اللى كان موجود لكن حولته لنظام دكتاتورى سلطوى وعملت فيه منظمات شباب فاشية على غرار الحزب النازى ولغت مؤسسات الحكم وجمعت السلطات فى ايد الجنرال بيتان ووزير دفاعه.حكومة فيشى اللى مش بس طاردت المقاومة لكن كمان الشيوعيين و لمت اكتر من ٧٥ ألف يهودى فرنسى وبعتتهم يموتوا فى المانيا. حكومة فيشى اللى بعتت بالإجبار عشرات الآلاف من العمال الفرنسيين للعمل فى ألمانيا.انت شايف شبه بين كل المواقف دى ده وبين موقف علماء الأزهر اللى بيطالب الناس بالهدوء”.

يستأنف قنديل  تعليقه في سياق الحوار قائلًا: “إيه اللي يخلي حد يلاقي نفسه بيدافع عن حاجة زي بيان الأزهر ده ويحاول يجد له تبرير من هنا أو هناك …. والمفروض إننا نلغي عقلنا ونصدق وألا نكون مش بنفهم حاجة وبيحركنا الأهواء والسياسة أو الأيديولوجية… يا عزيزي موضوعات البحث المعرفي فيما تسمى تجاوزًا بالعلوم الإنسانية بداية من اختيار موضوع البحث نفسه مسألة ذاتية أصلًا… وإلصاق نعت العلوم على المعرفي الإنسانية ده من قبيل التجاوز أكيد…ناهيك عن وصف مجال البحث في المعارف الإنسانية بأنه بحث علمي وموضوعي كمان …فكيف يكون البحث في المعارف الإنسانية بحث علمي وموضوعي وده مجال نسبي بامتياز يعني لا يخضع لمعايير ثابتة ومحددة ومتفق عليها بشكل مسبق بين الجميع”.

qs8liho3xhwocccck4-640x320-1 جدل حول خطاب خالد فهمي بين الحاضر والتاريخ...محاورة أكمل صفوت وأشرف قنديل

 هل مظاهر استعباد الأقليات واستبعاد الناس العاديين من المشاهد لم تحدث مع المصريين إلا مع مظاهر الحداثة؟

يؤكد قنديل على غنى التاريخ المصري بحكايات تستعبد البشر وتستغل طاقات الأقليات ويستشهد بحكاية من العصر المملوكي فيقول: ” أود فقط أن أُذكّر هنا بقصة صغيرة مشهورة حدثت قبيل الحملة الفرنسية؛ القصة لأحد بكوات المماليك الذي كانت هوايته المفضلة هي اصطياد الفلاحين المصريين الذين يمرون أمام ضيعته وقت العصاري (صيد عصاري يعني) وفي أحد المرات لما قتل إحدى الفلاحات المصريات وكانت أم للأيتام تربيهم؛ ذهبت جماعة من كبار القوم والمشايخ يشكون ذلك المملوك للوالي العثماني، فما كان من الوالي إلا أن أصدر قرارًا بتجريم مرور الفلاحين المصريين أمام قصر ذلك المملوك وقت العصاري وأن كل من يخالف ذلك القرار من الفلاحين يتم سجنه فورًا …. فلنا أن نتخيل كم من الأثمان والمظالم قد دفعها المصريون و (بلا أي مقابل) على مدى أكثر من ثلاثة قرون خلال أسوأ حقبة في تاريخ مصر (حقبة الحكم العثماني/ المملوكي المشترك لمصر) “.

ثم عاد قنديل ليشير لطبيعة خطاب خالد فهمي والذي اعتبره جزء من سياق الخطابات – ما بعد الحداثية – والتي هي بالأساس خطابات موجهة للعقلية الغربية فقال: “يعني من الأخر… خطاب خالد فهمي موجهة للعقل الغربي ولأغراض مشروعة ونبيلة أصلا وهوه خطاب مش موجه لنا إحنا أصلًا ولا مكتوب علشانا إحنا في الشرق أساسًا……. لكن المشكلة الكبرى أو (المعضلة) بمعنى أصح تكمن لما الخطاب ده يعاد تدويره وتوجيهه وتصديره لنا نحن في الشرق وكمان يتم توظيفه لنقد المركزية الأوربية لصالح المركزية الدينية الرجعية (عثمانية أو غيرها) …. يعني بالعقل كده مش علشان نحل مشكلة العنصرية ضد المهاجرين العرب وغيرهم في الغرب نعمل كارثة عندنا في الشرق للناس الغلابة اللي لم تهاجر للغرب”.

يختتم أكمل صفوت متأملًا خطاب أشرف قنديل في التعامل مع نمط خطاب مثل خالد فهمي وكيف يحكم عليه بآليات السياسي والنبش في النوايا والدوافع والأهداف ثم لفت الانتباه لنقطة هامة وهي مغالطة التقسيم الثنائي تلك التي تمثل الرؤية ونقيضها فما بين تقسيم الخطابات لحداثية وما بعد حداثية، مركزية أوروبية أو مركزية دينية، نصبح دائمًا بين خيارين إما أو  يامجتمعات حداثية مستنيرة متحضرة أو مجتمعات غير حداثية إذن جاهلة ومتخفلة، ولا توجد خيارات أخرى وأوضح كيف يبعدنا هذا الشكل من التفكير الثنائي عن النقد الحر ويلهينا عن اكتشاف مساحات واسعة للرؤية.

ينهى أكمل المحاورة بالتأكيد علي عدة نقاط فيقول:

“انا بس عايز انهى الحوار معاك بنقطتين الأولى هى ان نقطة خطاب خالد فهمى مش موجه لينا أصلا لإنى اقدر احكم عليها بشكل شخصى. خالد ماكانش محتاج أكاديميا إنه يترجم كتبه للعربى. الترجمات دى ماأضافتش لوضعه الأكاديمى المتميز أى شئ ولا أضافت له أى عائد مادى. الترجمات دى كلفته جهد ووقت غير عادى فى القراية والمراجعة والتحرير .الخ…. خالد عمل كده لآن -فى الحقيقة- كانت عينه على مصر وهو بيكتب لإنه بيعتبرنا إحنا المصريين جمهوره الحقيقى، ودى مش معرفة بالنوايا ده كلام خالد ليا شخصيا وقاله برضه فى لقاءات عالنت.

التانية هى انى أعتقد ان لو واحد مجتهد زيك كان ركز على نقد خالد فهمى لخطابات الإسلاميين زى طارق البشرى وعبد القادر عودة ومعنى دحضه لادعاءاتهم الخاصة بدور الشريعة والتعامل معاها وقت محمد على.

لو واحد مجتهد زيك كان ركز على نقد خالد فهمى لمفهوم الغزالى للحسبة وإثباته ازاى طبيعتها بتتغير مع السلطة المطلقة للمحتسِب.

لو واحد مجتهد زيك كان ركز على نقد خالد فهمى لمدرسة طلال أسد (فى الأكاديمية الغربية) اللى بتقدم صورة وردية عن المجتمعات اللى بتحكمها الشريعة من واقع نظرى غير تاريخى …..

لو واحد مجتهد زيك كان عمل كده، كان كسب ارض مهمة فى المعركة الفكرية ضد الإسلاميين وكان حايبقى سياسيا أنجح واكثر فاعلية وفكريا اكثر علمية وإنصافا”.

20-famous-paintings-reimagined-with-star-wars-elements جدل حول خطاب خالد فهمي بين الحاضر والتاريخ...محاورة أكمل صفوت وأشرف قنديل

كيف نرى التاريخ؟

يكشف هذا الحوار عن نقاط هامة في التعامل مع القضايا وكيفية الاشتباك معها  لذلك مهم أن نطرح سؤالًا عن كيف نرى التاريخ؟ ماذا نعني لما نستدعي الماضي؟ وماهي درجة استدعائه وكيف يؤثر السياق الاجتماعي والسياسي  المأزوم في إنتاج  رؤية مأزومة للماضي؟

عملية نقل واستدعاء التاريخ للوعي الحاضر عملية دقيقة تحتاج للإلمام بالسياقات التاريخية والتأثيرات المحيطة فمثلا قراءة موقف حكومة الأزهر بمعزل عن السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لمصر يوقع في أزمة الرؤية اللا تاريخية للأحداث وإعادة تقييمها بشكل يجعلنا نصبغ التاريخ بصبغتنا الإيديولوجية فتكون القراءة التاريخية هي مجرد إعادة تأويل للحدث ليخدم الموقف في الحاضر ويصبغ الأحداث بصبغة إيديولوجية ما ينتهي بنا إلى تقديم قراءة تاريخية أحادية تخدم توجهاتنا السياسية فقط. لذلك فالإشكال الأكبر حينما نحاول قراءة الماضي  عبر سياقات عصرنا نحن وعبر صراعاتنا الحالية  ومفاهيمنا الحالية لا عبر سياقات الحدث نفسه ولا من خلال مفاهيم الحدث نفسه. 

كيف ننتج السؤال؟

بما أن طبيعة الأسئلة المطروحة هي ما تحدد مسار البحث فلأي مدى نحن قادرين على إنتاج أسئلة  تحرر  الإنسان وتكشف عن آفاق وتؤسس للفعل الإنساني بإرادة الحاضر أو ننتج أسئلة تحبس العقل وتكبل الإرادة.

هناك نوع من الأسئلة يقف كحائل نظري بيننا وبين التعرف على الواقع فليس الماضي مجرد أحداث وقعت في زمن انتهى إنما هي مجموعة عناصر تضافرت من أزمنة فائتة وتفاعلت لتنتج الحدث التاريخي والذي يظل يتحكم بحاضرنا فبدل ما نسأل عن ما يؤيد الحكم على النخب الخائنة أو نستدعي ما يدلل على نقيضها  بتحويلهم لأبطال ننسى البحث عن الأسباب التي جعلت من مصر بلدًا مستهدف للقوى الاستعمارية والبحث في طبيعة الأنظمة الحاكمة التي تشكل المقاومة بصبغتها ونسأل عن الأسباب الجوهرية التي تجعل النخب الحاكمة عاجزة أحيانًا عن التصدي لتلك التحديات فتنتج ردود أفعال تناسب حجم التحدي، هذا التوجه لإنتاج أسئلة أكثر انفتاحًا تبتعد عن ثنائيات الهزيمة والنصر والقهر والانتقام وماذا أضاف لنا الفرنسيون وهل غزانا العثمانيون وما بلانا به الوهابيون، ومن هو السبب فيما نحن فيه ماذا لو توجهنا لإنتاج أسئلة تسعى للبحث عن مدى غنى تلك الهوية الوطنية وتعددها وتعدد أدواتها فلا غزو فرنسا لمصر كان مجرد صدفة تاريخية أو حلم نابليوني إنما وجودهم في التاريخ  هو انعكاس لمتغيرات اجتماعية واقتصادية سطع نجمهم فيها.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات