حسام الدين درويش يتحدث في تفكير عن مفاهيم نظرية حول الأخلاق … تغطية: ناتاشا العبادي 1

نتاشا العبادي

240772157_10223700779399743_5523059789707789465_n حسام الدين درويش يتحدث في تفكير عن مفاهيم نظرية حول الأخلاق ... تغطية: ناتاشا العبادي 1

استكمالا لاحتفاء صالون تفكير بسبعينية المفكر عبد الجواد ياسين، عقد صالون تفكير ندوته السابعة بعنوان “الأخلاق الثنائية/مثنوية الدين والتدين عند عبد الجواد ياسين” يوم السبت الرابع عشر من سبتمبر عام ٢٠٢٤ الساعة الثامنة مساءا على زووم.

أدار الندوة الدكتور وائل العظمة وهو دكتور في الطب البشري، ماجستير في الأدب الإنجليزي (جامعة ديتون)، ماجستير في الإلهيات (جامعة شيكاغو)، نشأ في دمشق وتخرج من كلية الطب فيها ١٩٨٠، أمضى خمس سنوات في باريس قبل هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٨٥، حاضر عن الإسلام والعرب والمسلمين وكان نشطاً في الحوار بين الأديان في أرجاء الولايات المتحدة، نشر باللغة الإنجليزية دراسة عن إعادة تأويل آيات الحدود في القرآن، وأخرى بعنوان مغالطات شائعة عن مفهوم الخلافة في الإسلام. 

قدم الندوة الكاتب والباحث السوري الدكتور حسام الدين درويش وهو محاضر في جامعات ألمانية عدة، وحاصل على درجة دكتوراه في الفلسفة من جامعة بوردو الفرنسية. وكان أصدر كتبا خمسة بالعربية، وثلاثة بالفرنسية، منها “نصوص نقدية في الفكر السياسي العربي” و”الثورة السورية واللجوء” (2017) و”المعرفة والإيديولوجيا في الفكر السوري المعاصر” (2022) و”في المفاهيم المعيارية الكثيفة: العلمانية، الإسلام السياسي، وتجديد الخطاب الديني” (2022).

دارت الندوة حول عدة محاور:  

يفسر دكتور حسام ماهي الثنائية و المثنوية فيقول إن هناك طرفين لدى عبدالجواد ياسين وتمييز بين الدين والتدين. والسؤال هل هذه ثنائية أم مثنوية؟ إن الثنائية هي أن هناك طرفان يمكن أن يكونا مختلفين لكن ليس بينهما تناقض ولا تراتبية معيارية. بمعنى تفضيل طرف على آخر. ويعطي مثال للثنائية. الرجل والمرأة ثنائية. 

المثنوية هي أن طرفين متناقضين وبينهم اختلاف معياري إذا قلنا أن الرجل أفضل أو أسوأ من المرأة فهنا نتحول من ثنائية إلى مثنوية، أو أن الرجل مختلف عن المرأة هنا تتحول من ثنائية إلى مثنوية.

 كما نقول الله والشيطان أو الأبيض والأسود كل هذه ثنائيات، والسؤال هنا الدين والتدين إلى أي حد يشكلان ثنائية أم مثنوية؟ 

انطلاقا من الدين والتدين عند عبد الجواد ياسين يتناول الدكتور حسام درويش الأخلاق في هذه الثنائية/المثنوية فيقول إن الدين هو باختصار الإيمان بالله والأخلاق الكونية وهذا هو الجانب الإلهي الثابت الغير متغير من الدين، إلى جانب ذلك فهناك متغير من الدين مثل التشريعات وأمور أخرى كثيرة وهي ليست من الدين أصلا. هذه الثنائية ليست حاضرة في العالم بقدر حضورها في العالم الإسلامي، فلن تجد في العالم كتاب مهم أو عنوان كتاب عن الدين وتدين في الفرنسية أو الإنجليزية أو غيرها في حين لدينا في العالم العربي والإسلامي عشرات إن لم يكن مئات الكتب والنصوص والدراسات عن هذا الموضوع، إذن هي في الإطار المعرفي الأكاديمي العالمي البحثي الفكري ليست ثنائية أساسية، طبعا هناك حديث عن التمييز ولكن ليس بالطريقة التي يتم تناولها في العالم العربي الإسلامي، وهذا التناول مشحون أيديولوجيا وهناك رغبات تقول أن الدين بريء من هذا التدين أو ذاك التدين وخاصة الإسلام السياسي الذي لا يمثل الدين. الثنائية  بين الدين والتدين التي تطرح أن الدين هو النقي، الصافي، المطلق، بينما التدين هو الجانب الإنساني المتغير الذي قد يشوبه الفهم الخاطئ أو الاستخدام السيئ، إذن هناك غايات معيارية، ويلاحظ دكتور حسام درويش أن عبد الجواد ياسين في كتبه يري ان الاسلام السياسي جزء من الدين الإسلامي، استنادًا إلى رأي المستشرق برنارد لويس أن هناك بالفعل ترابطاً تاريخياً بين الإسلام والسياسة وهذا الترابط خاص بالإسلام وغير موجود في الأديان الأخرى، لكن كل منهما يستخدمه لغرض مختلف وهنا الغرض الأيديولوجي أن نقول أن الدين بريء من التدين. 

  ويتساءل الدكتور حسام درويش إلى أي حد مفيدة معرفيا ثنائية الدين والتدين؟  

d981d988d984d8aad98ad8b1 حسام الدين درويش يتحدث في تفكير عن مفاهيم نظرية حول الأخلاق ... تغطية: ناتاشا العبادي 1
فولتير

إذا كانت مفيدة ويمكن توظفها أيديولوجياً وسياسياً، ويمكن أن نقول إن داعش وطالبان لا يمثلان الإسلام، فهناك مقولات أو مفاهيم أو أفكار إذا أردنا أن نعرف أنها مفيدة معرفياً، وإلى أي حد يفيدنا في الوصف والتحليل والتمييز. إن المعرفة عند ديكارت مثلاً لها معياران، من خلالهما نقول نستطيع أن نعرف أو لا نعرف، وهما الوضوح  أي إذا كان لدينا فكرة واضحة عن الشيء نستطيع أن نقول ما هو هذا الشيء، إذن لدينا هذا القسم من المعرفة، والأهم أن نكون قادرين على التمييز بين هذا الشيء والأشياء الأخرى ويعطي الدكتور حسام درويش مثال فيقول كلنا نعرف السمك  ككل، لكن تمييز الأنواع هو الذي يزيد معرفتنا  وكلمات زادت قدرتنا على التمييز كلما كان لدينا معرفة أكبر، والآن إذا أخذنا أن الدين هو الأخلاق الكونية والإيمان بالله، فهل هذا مثلاً يساعدنا على التمييز بين الأديان؟ وما الفرق هنا بين الدين المسيحي والدين الإسلامي والدين اليهودي؟ إن كلهم دين وكلهم فيهم إيمان بالله وأخلاق كونية مع العلم أن حتى هذه الأخلاق الكونية لدى الغير متدينين، إذن حتى الإيمان بالله ليس مقصور على المتدينين مثلاً فولتير كان متديناً مسيحياً، لكن عندما حصلت حادثة طبيعية وهي زلزال لشبونة توقف عن الإيمان بالدين المسيحي وظل مؤمناً بالله، وأصبح متشككاً وتسمى هذه “الدايز (الربوبية)” أي أؤمن بالله أو رب دون أن أؤمن بأي دين وممكن أن أكون معادياً للأديان.

إذن، مسألة الإيمان بحد ذاتها ليست حكراً على الدين، والقول بأن الإيمان بالله هو الأساس في الدين لا يجعلنا قادرين على التمييز ليس فقط بين الأديان المختلفة، لكن حتى بين المتدين وغير المتدين، والذي قد يكون مؤمناً بالله. 

ثم يتناول الدكتور حسام درويش مسألة مركزية الأخلاق (تعليق على مولاي صابر) وتحدث برأيه من ناحية أن الإسلام فيه مركزية والقرآن يتحدث فيه عن مركزية الأخلاق، والسؤال الأخلاقي الأساسي لكن من ناحية أخرى، يقول أن الاهتمام ضعيف جدا بهذه المسألة وأصبح الاهتمام أكثر بالعقائد والشعائر والعبادات إلى آخره، ولكن إذا قلنا أن الدين هو الأخلاق وقد تكون موجود لدى المؤمنين وغير المؤمنين أو موجودة عند المسلمين والمسيحيين إذن كيف نميز بينهم؟ فيقول الدكتور حسام هنا خيل على الفلسفة إن المقولات الكونية العامة هي مقولات عمليا فارغة أو غير محددة المضمون، وهذه المقولات الأخلاقية نسميها thin concepts بمعنى مفاهيم فارغة المعنى تقريبا، ويذكر الدكتور حسام درويش أمثلة:- 

  • مثال وصف الخير: عندما أقول أن فلان خير أو يتصف بالخير فما هو الخير هل هو صادق، أمين، أو عارف، فلا نعرف ما الخير، وهو غير محدد،  إذن حتى لو اتفقنا على هذه الأخلاق الكونية قد نختلف في كل شيء بعدها. إن الأخلاق الكونية لا تحدد مضامين محددة. 
  • مثال وصف الشجاعة: عندما أقول شجاع فهناك صفات محددة ونسميها مفاهيم معيارية كثيفة بمعنى فيها وصف، فعندما أقول شجاع إذن هو في مرحلة عندما يواجه خطر يستطيع أن يجابه ويخاطر.

  هكذا إذن الأخلاق الكونية فارغة، إذن نقول أن لا الإيمان بالله ولا الأخلاق الكونية تساعدنا معرفيا (وليس هنا أيديولوجية) على التمييز بين الأديان أو بين المتدينين أو بين الأشخاص أو بين الأفكار أو بين الاختلافات الفعلية، وبهذا المعنى لدي شكوك كبيرة في أن يكون لهذه الثنائية أي فائدة من الناحية المعرفية ولكن أيديولوجيا يسهل استخدامها. 

فنقول إن هذا هو الدين الصحيح ولكن تدينك لا يناسب الدين الصحيح، أو ليس هو الدين الصحيح كما أراه أنا! هذه الثنائية (الدين والتدين) لها أشكال مختلفة بين المقدس والدنيوي وبين الفكر الديني والفكر والممارسة وإذا أردنا أن نجردها فهي تريد أن تبحث عن ثابت معين وتقول ان الباقي متغيرات، أكبر مشكلة يواجهها الفكرة الدينية في أن يستمر في أسرارها، يعني الزمن. وكل معرفة مع الزمن لن تفوز بها، لأنه يؤثر بالضرورة في المكان والزمن. إن هم الدين أنه يريد أن يحافظ على الاستمرارية، وهذا هو هم المتدينين.

كيف يكون ديني هو دين محمد أم هو دين الصحابة؟ وما الثابت والمتغير في ذلك؟ وإذا كان التاريخ قد أثر، نحن نريد حد أدنى نحافظ فيه على الدين. ومن ناحية أخرى معرفية ملاحظة (بغض النظر عن الإيمان) الاختلاف والتغير دائما موجودين ليس عبر التاريخ، ولكن في التاريخ نفسه، وإذا عدنا لهذا التمييز نجد أن هناك تفكير انعكاسي، وأن الدين الثابت هو أمر متغير ودائما فيه اختلافات، وهذا التناول الإيديولوجي بالتحدث عن الأشياء كما نريدها أن تكون وليس كما هي كائنة في الواقع، وكأننا نريد أن نرتقي بهذا الثابت إذا كان في الواقع ملوث، ولكن كيف نرتقي إلى إنتاج حوار معرفي؟ 

229835 حسام الدين درويش يتحدث في تفكير عن مفاهيم نظرية حول الأخلاق ... تغطية: ناتاشا العبادي 1

يذكر الدكتور حسام درويش بعض الأمثلة من عدة تصريحات ويعلق عليها فيقول:- 

  • المثال الأول : بيان تم التوقيع عليه اليوم أن الفقرة الأخيرة منه تقول (أنه ينبغي السعي إلى إبراز جوهر الأديان المتمثل بالخير الإنساني العام) وأنه اعترض على هذا القول فقال لهم :- أنه يمكن أن يكون جواهر وليس جوهر ويمكن لهذا الدين أن يولد داعش وهذا دين معبر عن الدين، ويمكن أن يولد هذا الخير الإنساني العام أو يبين وهذا دين، والحكم لطرف على حساب طرف هذه مسألة ليست معرفية بل أيدولوجية، وهذا ما نريده من الدين وهذا ما نريد ان يظهر به الدين ولكنه ليس كذلك بالضرورة . 
  • المثال الثاني: يذكر الدكتور حسام درويش أنه اشتغل علي فكر مفكر سوري  في الأشهر الأخيرة. يتكلم عن رأيه في الدين ولاحظوا اللهجة والطريقة الجازمة الحاسمة المطلقة. فيقول :” أساس النظام الاجتماعي السياسي الباتريشكي الذي لا زال قائما منذ آلاف السنين هو استمر بفضل الدين بصورة أساسية. والدين هو الذي حول الأخلاق إلى قناع للتسلط والاستبداد إلى شرعية زائفة للسلطة. تقنع بقوة الشوكة وقوة الملكية الخاصة”. إذا كان ثمة تناقضات مطلقة فإنه تناقض الدين مع كل من المساواة والحرية والعدالة. ومن أبرز هذه التناقضات المطلقة بحكم إطلاقية المبادئ الدينية ذاتها. وأنا أعتقد أن الدين مناقض للعلم على طول الخط.

إذن لدينا هنا رؤيتان:- 

الأولى رؤية ترى أن الدين هو الأخلاق الكونية. 

الثانية ترى أن الدين منافي تماما للأخلاق الكونية. 

لكن كيف نقول أن هذا يقول من منطلق إيماني وهذا يقول من منطلق آخر؟ وبرأي الدكتور حسام يرى أن القولان صحيحان والقولان مخطئان. لأن الدين يمكن أن يكون معاديا للمساواة والحرية والعدالة، لكن يمكن أن يكون أساسا يبني هذه القيم. أيضا وفي التاريخ إذا كنا تلاميذ للتاريخ هنا ينبغي الإقرار بأن التاريخ ليس فيه جوهر ثابتا مستقرا. وإذا قلنا هذا ليس دين وأنه تدينا إذن ما المعيار؟ وعلى أي أساس نقول؟ فلنفترض أن الدين يجب أن يكون دائما خير. وبالتالي فهو تسليم أكثر منه كونه حجة يمكن أن تأخذ بها في الحسبان. 

يتناول الدكتور حسام درويش مسألة تمييز بين الدين والإسلام، فيقول أن هذا التمييز ليس موجوداً في الكلاسيكيات، الإسلام والدين، والإسلام دين طبعاً، لكن هل كله دين؟ وما معنى الدين هنا؟ فيذكر قول محمد عبده عندما ذهب إلى أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر وعاد منها (رأيت في أوروبا إسلاماً بلا مسلمين، وأرى في بلادي مسلمين بلا إسلام)، إذن يوجد إسلام بدون مسلمين وأن الإسلام هنا ربما  أخلاقهم، أو طريقة التعامل، أو نظام حياتهم، أو نظام دولي، إذن هذا هو الإسلام، ليس له علاقة بالاعتقاد. وهنا الإسلام أصبح مرادف للأخلاق الكونية، وعندما تقول هذا هو الإسلام فأنت صادق، لماذا نريد أن يحتكر الإسلام كل شيء؟ لأن هذا يعني أن هناك أديان أخرى وأخلاقيات أخرى وأطرافاً أخرى يمكن أن يكون لديها أخلاق حسنة أيضاً من دون أن تكون مسلمة. وإذا قلت أن هذا هو الإسلام فهذا لا يقتضي الاعتقاد ولا يقتضي هذه النصوص ولا هذه الأفكار، إذا كان الإسلام هو الأخلاق. إن التمييز بين الدين والدين الإسلامي يمكن العودة إلى الأحكام التكليفية في أصول الفقه، وقد عاد إليها عبد الجواد ياسين وهي عادة مقسمة إلى خمسة:- وهي هذا واجب وهذا حرام أي أن هذا واجب فعله وفق الإسلام، وهذا عدم واجب عمله فمثلا الصلاة واجب الفعل بشروط، الصدق واجب بشروط وفق الدين، الكذب واجب عدم فعله وفق الدين، فالواجب ما يلزم المكلف فعله ويثاب على فعله ويعاقب على تركه، أما المحرم فيلزم المكلف تركه ويعاقب على فعله ولدينا من الفكر التقليدي الإسلامي المندوب والمكروه والمباح والذي يسميه عبد الجواد ياسين المطلق فالمندوب هو إذا فعلته خير وإن لم تفعله لا بأس والمكروه إذا تركته خير وإن فعلته ليس هناك مشكلة وإن المباح هو الذي لم ينزل فيه تشريح مطلقا بأنه واجب الفعل أو واجب عدم الفعل أو نزل أنه مباح، أي في هذا الآن هو لكم قرروا ما شئتم وفق لما تقتضي مصالحكم.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات