د. زينب التوجاني تتحدث في تفكير عن حدود الله… كتبت: منى حسنين
هو لا يستعمل تسمية الحدود بل يقوم باستبدالها ، فمثلا نجد أنه استعمل مصطلح “الحق العام” بدلا من “حق الله” و مصطلح “العقوبات الجنائية” بدلا من “الحدود الإلهية”.
بقلم: منى حسنين

أقيمت في يوم الأربعاء الموافق الخامس والعشرين من سبتمبر ٢٠٢٤ الندوة الثانية عشر من سلسلة ندوات صالون وأكاديمية تفكير في الموسم الثقافي المقام احتفالا بسبعينية المفكر المصري المستشار عبد الجواد ياسين وكانت بعنوان “حدود الله في أعمال عبد الجواد ياسين”
أدارت الندوة الأستاذة ايمان رفاعي حيث استضافت الدكتورة زينب التوجاني وقد قدمتها بلقب “بنت تونس الخضراء” أستاذة الحضارة في الجامعة التونسية وباحث في الحضارة العربية الإسلامية ودراسات الجندر، لها من المؤلفات “الثواب والعقاب في كتب التفسير” وقد قامت الدكتورة زينب بتقديم ندوة سابقة في صالون تفكير حول كتاب “العدالة وإشكالاتها في تونس منظورات تقاطعية “حيث كانت مشرفة على الكتاب بالإضافة لمشاركتها ورقة بحثية بالكتاب مع عدد من الباحثين.

وقد استهلت د. زينب كلمتها بشكر أكاديمية تفكير حيث أتاحت لها الفرصة للمشاركة في هذا الموسم الثقافي ثم أعربت عن أسبابها لاختيارها موضوع الندوة وهو “حدود الله” حيث أنها قد تناولت ذلك الموضوع على مستوى العموم في كتابتها السابقة ولكنها واجهت صعوبة في استخلاص تلك الحدود من كتاب” الدين والتدين” لعبد الجواد ياسين حيث استندت عليه كمرجعية لحديثها وقد عرَّفت الدكتورة الحدود في التقسيم السلفي التقليدي باعتبار أنها قسم من أقسام الأحكام والأحكام هي من أقسام التشريع وكانت الحدود هي المسألة الشائكة بالنسبة للفكر العربي المعاصر لأنها تعني بما يسمى “حق الله” وهنا تكمل خطورتها حيث تم اعتبارها من الثوابت التي لا تمس في النص الفقه أو الأصول والتي يعتقد أنها مستمدة من النص القرآني وقد اختلف في عدد هذه الحدود ولكن في الأغلب هي سبعة حدود، ومعنى الحدود هنا العقوبات المتصلة بالجرائم الأخلاقية أو الجنائية أو ما اصطلح عليه في الفقه بجرائم الزنا، القذف ،السرقة، الحرابه، الردة و السكر البغى ، وسوف نجد أن بعضها مدني وبعضها اجتماعي.
وهي جرائم يعاقب عليها تحت بند “حدود الله” أي لا تعني ب “حقوق العبد” فمثلا “حد قطع يد السارق” هو ” حق الله” وليس حق المسروق وعند جلد الزانية فهذا أيضا حق الله وليس حق المعتدى عليه أخلاقيا وهكذا
وقد بحثت الدكتورة عن هذا المفهوم في كتاب الدين والتدين فلم تجد المعنى واضح بشكل متواتر كما كانت تظن فحاولت تتبع أثره داخل سطور الكتاب فوجدت أن المؤلف قدم مجموعة من المسلمات أو المقدمات النظرية التي قد تبدو أنها غير مترابطة مع مسألة التشريع ولكنها تجد في نهاية المطاف أنه بصدد بناء تصورات نظرية لإعادة طرح مسألة التشريع بصفة عامة والحدود بصفة خاصة حيث كانت النظرة المقدسة للحدود أنها حق الله. وقد وجدت د. التوجاني أن المستشار عبد الجواد ياسين أعاد تسمية تلك الحدود بمسمى “العقوبات الجنائية” حيث ابتعد عن المنطق التراثي في التسمية وذلك ليس عن جهل إنما من منظوره الإصلاحي في تعامله مع تلك المسألة.
وقد وضحت الدكتورة وجهة نظرها في الحكم على المستشار عبد الجواد حيث أشارت إلى أنه لا يمكن تسميته بالسلفي ولا حتى بالتحديثي وإن كان يخاطب الموروث التراثي وكذلك يحاور المرجعيات الحديثة في مسألة شرعية ما يسمى بحق الله واكتشفت أنه تعامل بندية كبرى مع علماء المسلمين القدامى والأصوليين والمفسرين والفقهاء فيحاورهم ويُعرض عن منطقهم في التسمية ولا يتورط فيه من جانب آخر فهو يحاور بندية أيضاً العلماء المعاصرين ويذكرهم مرجعياتهم وأنه قد ذكر هذا خصوصا في بعض الهواش المهمة التي تدل على أنه يعي ما يفعل وانه إن لم يذكر تلك المرجعيات في المتن إنما يمتلك خلفية في الصمت عن تسميته أو ذكره.

بالنسبة لحدود الله في أعماله في الأغلب هو لا يستعمل تسمية الحدود بل يقوم باستبدالها ، فمثلا نجد أنه استعمل مصطلح “الحق العام” بدلا من “حق الله” و مصطلح “العقوبات الجنائية” بدلا من “الحدود الإلهية” فهو لا يرتبط بالمسميات القديمة، وترى الدكتورة زينب أنه يوجد فلسفة كاملة في موقفه الأيديولوجي والأخلاقي في انتهاج هذا النهج فهو يعيد تسمية الأشياء بحيث ينبتها في تربة جديدة، وخلف تلك المسميات الجديدة فلسفة قانونية هو واعٍ لها حيث يذكر مصادرها فى الهوامش والمتن، فهو يستأنف عملية إيجاد حلول لتلك المشكلات أو الجرائم الجنائية حيث ينطلق من الواقع في إعادة التسمية وإيجاد الحلول ثم يعود للنظر في التراث فيصرح أنه هناك مشكلة في النص ، فالواقع هو محركه وإيجاد الحلول نتيجة لمرجعيته الحقوقية والتشريعية.
أشارت الدكتورة إلى أن المستشار عبد الجواد يذكرها بطاهر الحداد حيث أنه هو أيضا كان يهتم بإيجاد حلول للمشكلات الواقعية دون التطرق للمنظور الديني حيث أن المنطق الإصلاحي هو ما يهم المستشار وليس إيجاد نص لإقرار مرجعية أكاديمية
وقد وجهت الدكتورة نقدا حيث وضحت أن ما يعاب على أسلوب المستشار عبد الجواد ياسين هو ما يعاب على تقرير الحرية الفردية والمساواة في تونس حيث تم وضع نص لحل مشكلة توَاؤم الشريعة بالقانون حيث تم نقد الحلول التي جمعت بين النص القرآني و فلسفة القانون الحديثة حيث لا يمكن الجمع أكاديميا بينهم لأنه لا يمكن جمع زمنين و عصرين متباعدين كليا ولكن تم التوفيق والتلفيق بينهم للخروج بحلول لمشاكل واقعية كما فعل عبد الجواد ياسين فى كتابه مثال على ذلك هو عندما جمع فى نفس الفقرة فى الكتاب بين نظرية انثروبولوجية حديثة واقتباس لابن حزم، لذلك هي ترى تنافرا في النص المشار إليه.
وترى الدكتورة أنه لا يمكن التفريق بين الدين والتدين حيث حاولت أن تفهم الفارق بمنظور علم الإنثروبولوجيا الذي يطبق على الدين فوجدت أنه لا يمكن التمييز بين الدين وتدين من خلال المقاربة الفينومنلوجيه التي تعتمد على الظاهرة كما هي بدون الجانب الغيبي، فهي مقابلة موضوعية مادية كما وضحها “أركون” وبالنسبة لها وجدت أن عبد الجواد ياسين حاول إقحام عنصر جديد لتوضيح الفرق بين الدين التدين وهذا العنصر هو نسج الحوار مع الأديان المتعددة ليطلق عليه مسمى المفهوم التوحيدي.
وقد صدمت الدكتورة بهذه العبارة حيث أنه اعتبر أن الدين يعتمد على نماذج أصلية وأن الإسلام داخل هذا النموذج يختلف عن باقي الديانات ويتميز بميزه مفارقة للدين بتقدم كبير للنص القرآني فعلى سبيل المثال بالنسبة لموضوع العبودية فإن المسيحية وبالرغم من أنها قائمة على المحبة إلا أنها تنطوي على تميز عنصري غير إخلاقي ضد الشرائح المتدنيه من العبيد وقد وضح عبد الجواد ياسين ذلك من خلال نصوص مقتطفة من الإنجيل وفي التوراة هناك علاقة بين الشعب وله العبري وهذه العلاقة قائمة على تميز الشعب العبري وهذا التميز لا يتناسب مع مفهوم الإله العادل.
أما بالنسبة للنص القرآني فلم يقل أنه قدم تسوية نهائية أخلاقيه لهذه المشاكل ولكن سمة تطور في طريقة حلها، لذلك بالنسبة له نحن لسنا بصدد تفضيل للنص القرآني أو الانطلاق من موقع إيماني بقدر ما هو القيام بعملية قراءة تاريخية حيث أن النص الإسلامي أتى متأخرا على باقي النصوص الدينية.

أما بالنسبة للحدود فقد تطرق لمفهوم معنى الحد تاريخيا واستعمل كمثال حد السرقة وهو قطع اليد وقد أسماه بالحد القاسي و كيف بدأ هذا الحد تاريخياً في التشريعات البابلية ثم التوراة فالمسيحية وأخيرا الإسلام، ووضح الاختلاف بين الفقهاء، وهل تم تطبيق تلك الحدود أم لا، وعرض أحاديث الآحاد التي أيدته، ثم استنتج في النهاية أن بعض الدول تخلت عن تطبيق تلك الشرائع في تطبيق العقوبات، و نجد أن عبد الجواد ياسين يرى أن تلك العقوبات لا يمكن القبول بها ولم يحاول الدفاع عن النص القرآني ولكنه أعلن أنه النص في حد ذاته هو نص تاريخي واجتماعي وهذا ما رأته الدكتورة زينب رأيي شجاع.
وهنا واجهت المستشار مشكلة “هل الله هو المشرع لهذه الحدود” وليخرج من تلك المشكلة بدأ بمناقشة “إرادة الله” المتمثلة في إشكالية “هل الإنسان مسير أم مخير!!” وقد نقد عبد الجواد ياسين إسبينوزا في اعتباره أن إرادة الله مطلقة حيث يعتبر هو إرادة الله مطلقة فيما هو طبيعي ولكن لا تشمل الجانب الإنساني حيث ترك مجالا للتخيير في ما يتعلق بالإنسان وهذا ما جعل الدكتورة زينب تصنف الكتاب داخل المنظومة الإيمانية.
ومن النقد التي توجهه المحاضرة لعبد الجواد ياسين هو استبداله لاسم “اللواط” بلفظ “المثلية الجنسية” بينما لم يستبدل لفظ “الزنا” وهذا اللفظ لا يمكن استعماله مع توصيف وضع قانوني لأنه ينطوي على حكم أخلاقي كذلك لم تجد الكثير فى كتابه عن “حد القذف ” رغم انتشارهذا الفعل فى الواقع المعاصر وهذه حدود لم يسلط عليها الضوء، وكذلك تميزه بين إرادة الله في الطبيعة وإرادته التي أعطى منها جزءا للإنسان فهو بذلك قد خرج منها باعتبار أن الله مريد في الطبيعة لكنه أعطى الإنسان حرية الإختيار وهذا يعطي للإنسان استقلالية عن الله فى مسألة إدارة حياته وهذه إشكالية فلسفية، فكيف يمكن أن يوفق ما بين الأمرين حيث أن عبد الجواد لم يعني بهذه الإشكالية لأن المهم بالنسبة له هو وضع حلول.

والقيمة التي وجدتها دكتورة زينب بالنسبة لعبد الجواد ياسين هو إدراكه لخطورة عدم وجود حدود وذلك نابع من خلفيته التشريعية وأن العبرة من الحدود بالنسبة له هو تنظيم العلاقات من أجل التعايش والتأكيد على المنطلق الإصلاحي ولكنه يطرح تساؤل “هل تتلائم العقوبة مع الجريمة!!” فمثلا عقوبة مثل قطع يد السارق، هل إذا تمت تبرئة السارق بعد قطع اليد كيف يعاد له يده المقطوعة !! فهذه عقوبة إقصائية وعقوبات أخرى قد يتم استغلالها سياسيا أو دينيا لقتل المختلف ومن هنا تتعارض هذه العقوبات مع التشريع المعاصر.
الحدود الإلهية اليوم بالنسبة له هي العقوبات الجنائيه، أما السنة النبوية فهي العرف الاجتماعي التي أصبحت تسمى بالسنة النبوية، بالإضافة لأنه قد خصص قراءة سيبويه” لآية قطع اليد ” حيث وضح كيف يمكن تغيير تشكيل الكلمات نحوياً أن يؤثر في المعنى العام للآية، وقد وضح أيضاً أن حد الرجم غير موجود في القرآن ولكن حد الجلد موجود، كما ذكر التباين في الحدود بين الإماء والحرائر وساق هذا كمثال لتوضيح أن الحدود لا تخدم مسألة العدالة حيث لا يوجد تكافؤ بين الذكر والأنثى والغني والفقير والقوي والضعيف و وضح أنها ليست مشكلة خاصة بالإسلام ولكن بالنموذج التوحيدي ككل.
وقد اعتبر عبد الجواد ياسين المنهج الذي يحاول تقديمه هو جعل الفقه فعلا اجتماعيا وتاريخياً لحل مشكلات الواقع وفي سبيل ذلك وجد مجموعة من العوائق منها عائق الموروث التراثي المتمثل في مفهوم حاكمية النص، وأن الله المشرع، وأنه لم ينزل شيء إلا وله حكم في النص، وأن النص الإسلامي متميز عن باقي النصوص.
لم يجد عبد الجواد ياسين حرج في الانتقال ما بين التشريع الحامورابي ثم المشنى ثم النص الإسلامي وبيان هذه العلاقات المتقابلة والمتباينة.
وتميل دكتورة زينب لتسمية المنهج الذي يتبعه عبد الجواد ياسين بالمنهج الإصلاحي لأنه غرضه هو حل المشكلات حيث ينطلق من تجربته الإيمانية لمخاطبة المؤمنين حيث أن الكتاب له جانب عقلي وجانب وجداني، وقد ذكرت أن الكتاب هو آلة تساعد الإنسان المؤمن الذي يريد التطور المتدبر طرح حلول حقيقية للإشكالات، وقد أبدت الدكتورة نيتها في إعادة قراءة كتاب الدين والتدين مرة أخرى للتدبر في محاوراته ثم أنهت محاضراتها بأهمية هذا الكتاب كإشكالية مفيدة (إذا قُرأت لأمرها) يستطيع أن يفيد المجتمعات المهتمة بتلك الإشكالات لضمان الفهم الصحيح خصوصا في موضوع الحدود.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد