د. عاصم حفني يتحدث عن إشكالية التشريع بين الإلهي والبشري

بقلم: إيمان إسماعيل
عقد صالون تفكير ندوته الخامسة ضمن موسم ندوات سبعينية عبدالجواد ياسين، بعنوان “عبدالجواد ياسين وإشكالية التشريع بين الإلهي والبشري” ألقى المحاضرة د. عاصم حفني وأدار الندوة د. أكمل صفوت وذلك يوم الإربعاء11 سبتمبر 2024 في تمام الساعة الثامنة مساء القاهرة.
إستهل د. عاصم حديثه بالتأكيد على علاقته بالمستشار عبدالجواد ياسين والتي وصفها ب”علاقة التلميذ بالأستاذ” وأكد على تأثره بشخص ورحلة ياسين التي بدأها بدراسة القانون وبعد تعمق وفهم ووعي إنتقل لدراسة الشريعة، وهو ما يراه د. عاصم أمراُ محموداُ يثقل دارس القانون والشريعة. دارت الندوة حول عدة محاور ناقشها كتابي ” الدين والتدين والسلطة في الإسلام” لعبد الجواد ياسين وأهمية الكتابين تأتي في رصد رحلة التطور الفكري لياسين في رؤيته لمن هو المشرع والحاكم ومفهوم الدين الخالص، الكتاب الأول يبحث في مفهموم التدين والعلاقة الفردية والجمعية في الإسلام، والكتاب الثاني جاء حول مفاهيم المشرع والحاكم في الإسلام

قراءة د. عاصم للعبارات الإفتتاحية في الكتابين تؤكد على نظرة عبدالجواد ياسين أن الإجماع متغير والفكر متغير وينطبق هذا على الفكر الفقهي أيضاُ وأن هذا التغيير خاضع للتطور وتغير المجتمعات، فكل شئ يبدأ من السلطة والخضوع للمصلحة العامة، ومن أهم المفاهيم التي أسس لها ياسين هو مفهوم ” دائرة الإباحة” وهي المساحة التي تسمح بأي تغيير وفق المصلحة العامة وهذا هو عين الإسلام. قدم د. عاصم عدة أسئلة ومحاور، وبحث معنا عن إجاباتها من خلال رؤية ورحلة عبدالجواد ياسين، أولها
:هيكل النظام السياسي
هل في الإسلام أحكام ملزمة تعين شكل الحكم والحكومة؟ هل في الإسلام نصوص تشير إلى هيكل النظام السياسي في الدولة؟ الإجابة القطعية “لا” ولو وجد هذا النظام وهذه النصوص لأصبح نظام الحكم ديني وهذا خلاف الواقع الذي تأسست عليه الدولة في الإسلام، حيث كان الأمر متروكاُ لواقع البشر ومناسبة الأحوال، والدليل أنه لا يوجد نص صريح لشكل الحكم في الإسلام.
حتى ما جاء من أخبار توثق حال الخلافة هو أمر متأخر عن فترة الحكم في عهد النبي بطبيعة الحال، وبالتالي لم يرد أي نص قرآني ينظم ويقعد للحكم، وهذا ما يؤكده ياسين أنه لم يكن هناك أي تنصيص لماهية الحكم، وهذا ما يعارضه ويرفضه العقل السلفي الحاضر مستنداُ على أن الرسول مارس الحكم، وذلك صحيح لكنه مارس إدارة الشأن لعام ضمن قواعد المتاح له وهو أمر ليس ملزم لنا، فالملزم فقط هو وجود نظام عموماُ لضمان تنظيم الجماعات والإبتعاد عن الفوضى.
:مصادر التشريع
لم يقف العقل الإسلامي جامداُ متحجراُ في الماضي أمام المصادر التي يستقي منها التشريع، بل توسع في الأمر وأضاف للكتاب والسنة الأجماع، ثم ذهب أيضاُ إلى تأويل النص حسب ما يقتضيه الحال، وقد سمح تدوين السنة النبوية المتأخر بإمكانية إضافة أحاديث غير صحيحة في محاولة لخلق توافق بين تأويل النص القرآني والسنة لمعالجة بعض الأحكام لتناسب الزمان والمكان.
وهو ما يرى فيه د. عاصم محاولة لفتح أبواب أكثر حرية في مسألة التشريع بغض النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا مع الطريقة ومع الظرف التاريخي والإجتماعي الذي نتج عنه هذا الفعل، المهم أنه يفتح أمامنا اليوم باب حرية لإيجاد طرق ومصادر تشريع جديدة ومختلفة عن الموروثة تناسبنا، فيمكن أن نضيف الحرية مثلا للكليات الخمس وهي “حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال
:القراءة السياسية للنص القرآني
هل يمكن تأويل النص القرآني ليخدم فكرة سياسية؟ سؤال يطرحه ياسين ومن خلاله يضع التفسير في إطاره التاريخي، ويرفع عنه قدسية جعلته يوضع في موضع موازياُ للنص وصلت حد حبس المعنى القرآني في الدلالة التي إستخدمها بعض المفسرين كما عبر د. عاصم، ولذلك نقد تأويل وتفسير القرآن مسألة هامة لأنها تفتح مساحات فكرية جديدة سواء في القضايا السياسية أو الإجتماعية. والجميل عند عبد الجواد ياسين أنه يرى أن نطاق النص إمتاز بالسكوت عن السياسة وهذا يعني أنه داخل في دائرة الإباحة وهو ما يسمح بالتوسع في الأخذ والعطاء في الأمور السياسية.
:دوائر المباح والملزم
يؤكد د. عاصم على رؤية ياسين أن الأحكام في الإسلام لا تخرج عن دائرتي المباح والملزم، وهي علاقة طردية كلما ضاقت واحدة إتسعت الأخرى، ينادي ياسين بتوسيع دائرة المباح وهو ما يزيد الدور الفردي للمشرع الذي سيجد نفسه مطالب بتوصيف الفعل لإصدار الأحكام وهو ما يحتاج لمرونة لديه وهنا يأتي دور العقل البشري في التشريع الذي يستطيع لتعامل وفق ظرفي الزمان والمكان، وعليه يكون التشريع بشري وليس إلهي في هذه الحالة.
ويخشى ياسين هنا تجاوز المشرع حق الإله في التشريع وهو خوف مشروع كما قال د. عاصم، لكن عودة لنقطة إدارة الشأن الخاص بالمجتمعات وفق الزمان والمكان والظرف التاريخي فإن هذا عين الحرية التي خلق الله عباده عليها، شريطة وجود معيار لإستخدامها يحول دون التلاعب وتحقيق المصالح الشخصية، وهنا تظهر فضيلة الديمقراطية مثلا، وهي أفضل الأنظمة التي عرفها الإنسان حتى الآن وإن أتت بما يخالف هوانا أو جاءت بإختيارات غير صائبة فهي في النهاية مسار يضمن تعلم البشر من إخطاءهم حتى يصلوا لأفضل نتائج وطرق لإدارة شئونهم
:نقد التراث السياسي في الإسلام
تنطلق النظرية السياسة من تقعيد لواقع وليس نقد الحاكم، يشير ياسين لأراء كتاب وعلماء مسلمون حرموا الخروج على الحاكم وان كان ظالماً، وهنا النظر للغة والألفاظ المستخدمة في الشأن لسياسي هامة جداُ، فكلمة معارضة مثلا لم يعرفها العقل السياسي الإسلامي واستبدلها بكلمات مثل الخروج على الحاكم وهو ما وصفوا به الخوارج، وكذلك لفظ عصيان الحاكم وكأنه رفع لدرجة الإله ووصف معارضوه بالعاصي، ومثله لفظ بغاة، وجميعها في جوهرها مصطلحات دينية وليست سياسية وهذا يمكن الحاكم من التعامل مع معارضيه تحت لافتة كبيرة تحمل اسم الشريعة ليحتمي بالدين في وعي العامة.

وكذلك استخدام لفظ دستور وصفا لصحيفة المدينة مما يوحي وكأن النظام القائم حينها عرف معنى الدستور ومارسه، بينما هو مصطلح أجنبي فاللفظ فارسي ولم يعرفه لا النظام الإسلامي ولا حتى الغربي إلا حديثاً، فهو مصطلح دولة أي مصطلح حديث على النظام العالمي كله، وحتى لفظ دولة نفسه الذي استخدم سلفاُ يختلف تماما في مفهومه عن المفهوم الحديث لمعنى دولة، فقد أستخدم قديما لوصف فترة حكم ما مثلا وليس لوصف كيفية الحكم، وهنا يجب أن نقف على أهمية نشأة المصطلحات واستخدامها وفهم هذا الإستخدام في إطاره التاريخي وظرفه الزماني والمكاني
:هيكل السلطة
يختلف الهيكل الشكلي للسلطة في الإسلام عن المحتوى الموضوعي لها، فالهيكل الشكلي هو الخلافة وهو ما يعني في مفهومه الواسع الإمبراطورية حيث هناك مركز وأطراف تابعة له والسؤال الهام هنا هل شكل الحكم هذا أمرإلهي أم بشري متوافق مع ما كان يعرفه البشر حينها من أشكال الحكم؟ يجيب على عبدالرازق في بحثه المطول في كتابه”الإسلام وأصول الحكم” عن هذا السؤال ويشرح كيف أن نظام الخلافة أمر بشري ذهب إليه السلف تماشياُ مع الأنظمة المعروفة لهم حينها
يؤكد ياسين أن السلطة في الإسلام لم تتشكل خلال النص ولكن من خلال التاريخ، فالتاريخ وحده من قدم نموذجاُ للحكم والسلطة إهتدى به النظام الإسلامي الأول وهذا كله بشري بكل تأكيد، وهنا نعود لمعنى الشريعة وهي المعايير الإلهية التي وضعها الخالق لمخلوقيه ليتعاملوا في الشأني العقائدي والدنيوي، وهي معايير عامة واسعة المعاني لتضمن الحرية التي سبق ذكرها وهذا ما يتعامل معه العقل الفقهي الذي ينتج أحكام وأوامر ما هي إلا مجهود بشري نتائجه بشريه
وفي النهاية أكد د. عاصم على المعنى الهام الذي طرحه ياسين هو أن النص ثابت والفقه متغير وثبوت النص هو من حيث اللفظ المنطوق لا الدلالة، حتى وإن وجدت دراسات تحدد دلالات اللفظ لكن مجال التفكير في مقاصد النص دائماُ مفتوح ولهذا لا يمكن أن نرى النص ثابت ملزم، وأن الفصل بين التدين وهو العلاقة الخاصة بين العبد وربه وبين القانون الذي ينظم المعاملات بين البشر لأمر ضروري وكذلك النظر في المقاصد وراء كل حكم وحده من يحدد إستمرار هذا الحكم أو تغييره، فإذا كان النص القرآني ذاته قد تعامل مع واقع متغير على الأرض وكان يتفاعل معه بإلغاء وتثبيت الأحكام، وكذلك معنى الفتوى التي لجأ إليها السابقون وهي تعني الحكم المتغير، كما أن المبدأ السلفي يقول المصلحة تسبق النص،إذا كان هذا هو الحال في واقعهم فالأولى بنا الآن النظر في واقعنا بعين المصلحة ومراعاة زماننا ومكاننا
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد