د. عبد الباسط هيكل يدخل في الحوار مع د. حسام الدين درويش حول ثنائية الدين والتدين

في إطار الجدل بين د. شريف يونس ود. حسام الدين درويش، حول معرفية أو ايديولوجية التمييز بين الدين والتدين في خطاب الاستاذ عبد الجواد ياسين، الذي تولد من محاضرة حسام الدين درويش في موسم تفكير بسبعينية عبد الجواد ياسين في سبتمبر الماضي، دخل د. عبد الباسط هيكل الاستاذ بجامعة الأزهر في الحوار وتناقش معه د. حسام الدين درويش أيضا.

من منظور إنساني/ معرفي، ليس في الدين ولا يمكن ان يكون فيه ما هو إلهي خالص، إلا على سبيل التسليم الإيماني. الإلهي الخالص او المحض غير موجود في عالم البشر، وهو دائمًا وأبدًا، في هذا السياق، ممتزج بالإنساني او البشري. وهذا يعني أنه ينبغي للتمييز بين الإلهي والإنساني ان يعي نسبيته وأن يقر بأنه إنساني لا يملك لا صلاحية معرفية ولا صلاحية دينية للحديث عما هو إلهي خلص أو دين في ذاته

عبدالباسط سلامة هيكل 

طلب الصديق العزيز د شريف يونس تعليقي على نقاشه لكلام الصديق العزيز  د.حسام درويش القائل بأن ثنائية الدين والتدين موقف أيدلوجي وليس معرفي.

3-d8b9d8a8d8af-d8a7d984d8a8d8a7d8b3d8b7-d987d98ad983d984- د. عبد الباسط هيكل يدخل في الحوار مع د. حسام الدين درويش حول ثنائية الدين والتدين
بوستر الندوة الثانية للموسم من تصميم إيمان رفاعي

وهذا ما اختلف معه..  الثنائية موقف معرفي وليس أيديولوجي سببها طبيعة بنية الديانات التوحيدية القائمة على اتصال الله المفارق بالإنسان النسبي، الله المطلق الذي تواصل مع النبي بلسان قومه كل هذا يُلزمنا بالثنائية كمدخل معرفي إصلاحي.. 

ليس الدين والتدين الثنائية الأولى، فعادة ما تعتمد الدراسة للمسألة الدينية على ثنائيات: مثل ثنائية الإلهي والبشري، الموضوعي (إشارة إلى الله) والذاتي (إشارة إلى الإنسان)، اليقيني والظنّي، والثابت والمتغيّر، والواحد والمتعدد، والدين والمعرفة الدينة، والإسلام والفكر الإسلامي، وهي ثنائية ليس سببها الباحثين في المسألة الدينية إنما طبيعة الأديان الإبراهيمية. 

إغفال الثنائية لصالح الإنسان هو موقف الوضعانية الاجتماعية الذي تجاوزه علم الاجتماع التطبيقي في دراسته للظاهرة الدينية.. وإغفال الثنائية لصالح الله هو موقف جماعات أيديولجية عنيفة حرفية.. تحياتي

تعليق د. حسام درويش 

صديقي العزيز الدكتور عبد الباسط

d8add8b3d8a7d985-d8a7d984d8afd98ad986-d8afd8b1d988d98ad8b4 د. عبد الباسط هيكل يدخل في الحوار مع د. حسام الدين درويش حول ثنائية الدين والتدين
د. حسام الدين درويش

كتبت تعليقًا مطوَّلًا نسبيًّا على منشور صديقنا الدكتور يونس،

ممشكور صديقي العزيز على هذه المناقشة وعلى محاولتك فهم كيف توصلت أنا لهذا الاستنتاج، رغم انك للأسف لم تنجح كما في تلك المحاولة، كما تقول. وأنا أتحمل، على الأقل، جزء من المسؤولية في عدم نجاحك في ذلك. وسأحاول هنا مرة أخرى رغم صعوبة القيام بذلك والنجاح فيه، في السياق الفيسبوكي.

ذكرت في المحاضرة انني أعني بالمعرفي الوصفي والتحليلي الذي يجعلنا قادرين على الرؤية الواضحة للظاهرة وتمييزها عن غيرها من الظواهر. أما الأيديولوجي فأقصد به الرؤية المعيارية التي تتحدث عما يجب ان يكون، في مقابل الحديث المعرفي عما هو كائن.

انطلاقًا من ذلك التمييز والتحديد تبدو القيمة المعرفية للتمييز بين الدين والتدين – عند عبد الجواد ياسين – ضعيفة جدًّا، فهي لا تسمح لنا بالتمييز ليس بين الإسلام والأديان الاخرى فحسب، بل وبين المتدينين وغير المتدينين أيضا. فإذا كان القوام الثابت للدين يتمثل في الإيمان بالله والاخلاق الكونية. فهناك الربوبيون الذين يؤمنون بإله (وبأخلاق كونية) من دون يكونوا متدينين، بل مع رفضهم لكل الأديان القائمة. وفولتير مثال على ذلك. فالإيمان بإله ليس حكرًا على الدين او المتدينين وهو سمة غير كافية لتكون الظاهرة المدروسة واضحة ومتميزة معرفيًّا. أما عن الاخلاق أو القيم الكونية، فأنت تعلم ان هناك كثيرين ممن يتبنونها من دون أن يربطونها بأي دين. وهي في كل الاحوال thin normative concepts مفاهيم معيارية نحيفة، أي لا تتضمن محتوى محددا واضحا، وهي بهذا المعنى مقولات فارغة معرفيًّا. فعندما نتحدث عن تبني قيمة الخير مثلًا، فكل الناس تقريبًا تجمع عليها، لكن المعنى والتطبيق المحدد لذلك يختلف، جذريًّا في أحيان ليست قليلة، بين أطراف كثيرة، وفي سياقات زمكانية وثقافية مختلفة.

التمييز بين الدين والتدين في دراسات الفلسفة أو العلوم الاجتماعية عمومًا يحدث على هامش تلك الدراسات ولا يقوم عموما بالوظيفة المعيارية المرادة له في “السياق العربي الإسلامي” حيث يحتل مكانة رئيسة ويراد منه عموما نقد/ انتقاد تدين ما، وإظهار انه لا يمثل الدين/ الإسلام. وهذا أمر يتجاوز المنظور المعرفي ويتبنى رؤية معيارية/ أيديولوجية واضحة.

ينبغي للحديث عن ان الثابت في الدين هو الإيمان والاخلاق الكونية أن ينتبه إلى انه مجرد رؤية تنتمي إلى إطار التدين وليس إلى الدين وأنها بذلك جزئية ونسبية ومتغيرة، وبالتالي هي رؤى بين رؤى عديدة كل منها تزعم انها تقدم الفهم الصحيح لماهية الدين. لكن، هل يمكننا بالفعل الوصول إلى رؤية معرفية لماهية الدين بهذه الطريقة؟

ملاحظة اخيرة، في ندوة مؤمنون بلا حدود، فاجأني عبد الجواد ياسين بالقول إن مفهومه للدين وللتمايز بينه وبين التدين مأخوذ من فهم مسلمين أو المسلمين عمومًا. وبالتالي هو مفهوم معياري وتاريخي وليس مفهومًا، أو تنظيرًا لما هو الدين بالفعل. الدين في هذه الثنائية هو ما يجب ان يكون من منظار ما، ولهذا أرى أن ثنائية/ مثنوية الدين والتدين هي ثائية معيارية/ أيديولوجية أكثر من كونها معرفية.

ولا أظنني أبيح سرًّا إذا قلت إن اختلافي المعرفي الواضح هو جزئي، وينبغي ألا يحجب اتفاقي المعياري/ الأيديولوجي الكبير مع مضمون هذه الثنائية، ومع الكثير من الرؤى المعرفية التي يتضمنها فكر عبد الجواد ياسين، وقد صرح كل منا للآخر بالاعتقاد بهذا الاتفاق.

وأود أن أضيف هنا ما يلي.

من منظور إنساني/ معرفي، ليس في الدين ولا يمكن ان يكون فيه ما هو إلهي خالص، إلا على سبيل التسليم الإيماني. الإلهي الخالص او المحض غير موجود في عالم البشر، وهو دائمًا وأبدًا، في هذا السياق، ممتزج بالإنساني او البشري. وهذا يعني أنه ينبغي للتمييز بين الإلهي والإنساني ان يعي نسبيته وأن يقر بأنه إنساني لا يملك لا صلاحية معرفية ولا صلاحية دينية للحديث عما هو إلهي خلص أو دين في ذاته.

إذا قبل التمييز بين الدين والتدين هذا الشرط المعرفي الوجودي/ الانطولوجي، تصبح ماهية الدين/ الإلهي جزءا صار من ماهية التدين او تعبيرًا اكثر من كونها منفصلةً ومستقلةً عنه.

أطيب التحيات

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليق واحد

اترك رد

ندوات