د. محمد عيسى يتحدث في تفكير عن حرية الاعتقاد وحد الردة ..2

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚوَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ” (المائدة 5:54)

بقلم : منى حسنين

436961210_1109421293629929_2138419842192079444_n د. محمد عيسى يتحدث في تفكير عن حرية الاعتقاد وحد الردة ..2

سنتناول فى هذا الجزء أول أنواع الحريات الدينية التى تضمنها فكر عبد الجواد ياسين بشئ من التفصيل ألا و هي 

حرية الاعتقاد وحد الرِّدة:

يرى دكتور عيسى​ أن المستشار عبد الجواد ياسين يتفق مع كثير ممن تناولوا بالنقد مسألة ما يسمى بحد الردة وتطبيقه. ومن بين هؤلاء الذين أقاموا الدليل وأعلن أن الفهم الصحيح لمنطوق “لا إكراه في الدين” (البقرة 2:256) يتعارض مع التفسير السلفي السائد بأن الخروج من الإسلام عقوبته القتل، مستشهدين على ذلك بأحاديث آحاد توحي بمخالفة ما جاء في القرآن الكريم، ليس فقط في التوصية بعدم الإكراه، وإنما في الآيات التي يرد فيها ذكر مباشر لمن يرتد عن دينه مثل: 

60005031cb272523049372 د. محمد عيسى يتحدث في تفكير عن حرية الاعتقاد وحد الردة ..2

” . . . وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡأَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ” (البقرة 2:217)  

“يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚوَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ” (المائدة 5:54)

​و يقول دكتور عيسى أن  المستشار عبد الجواد تناول الإكراه على اعتناق دين، أي دين، يتعارض مع مثاليات مفهوم الدين المطلقة حيث إن الإكراه يؤدي إلى إجبار المكرَه على أن يُظهر غير ما يبطن لأنه يوضع أمام خيارين: الموت أو النفاق. والإكراه على إعلان اعتناق الدين يشبه “مصيدة الفئران”، على حد تعبير عبد الجواد.

​وقد ناقش المستشار عبد الجواد الحديثين الواردين فيالاستشهاد على وجوب حد الردة. الحديث الأول حديث البخاري (عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: أُتِيَ لعليّ بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهْيِ رسول الله ألا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلهم، لقول رسول الله: “من بدّل دينه فاقتلوه”.)

وقد استنتج المستشار عبد الجواد ياسين أن في هذا الحديث ثلاث مشاكل: 1) لا يمكن أن يكون عليّ، على قدر علمه وقربه من رسول الله، أن يجهل هذا؛ 2) كلمة “فاقتلوه” يشمل المرأة والطفل؛ 3) عمومية لفظ “الدين” وعدم تحديد اسم أو نوع ذلك الدين. 

​أما الحديث الثاني، وهو في صحيح مسلم، (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة.) ففيه دلالة واضحة على أن سبب العقاب ليس ترك الدين (الردة) إنما مفارقة الجماعة، وأن الخروج ليس من الدين إنما على الدين والانضمام إلى صفوف أعداء المسلمين المحاربين لهم. أي من دار السلام إلى دار الحرب، وهذا ما يفهم بداهة من الآيات الواردة في الخروج على الدين والجماعة. 

‏ويرى دكتور عيسى​ أن  المستشار عبد الجواد ياسين لم يتوسع كثيرا في إيراد تفاصيل تتعلق بحد الردة أو مدى تجريمها والعقوبة عليها مكتفيا بإقرار مبدأ الحرية في الاعتقاد استنادا إلى المبدأ القرآني الواضح بأنه “لا إكراه في الدين”. وأعلن أنه يقف في صفوف من يتفق معهم في الرأي. وكان من بين من استشهد بهم: الشيخ محمود شلتوت، والشيخ أحمد الطيب، وسليم العوا، وطه جابر العلواني، ومحمد عمارة، ومحمد عابد الجابري، وعبد المتعال الصعيدي. وبالاطلاع على بعض المصادر في الكلام عن حد الردة، تبين، للأسف، أنهم لم يكونوا جميعا على نفس الدرجة في موقفهم من حد الردة، رغم أنهم اتفقوا في الاستشهاد على آرائهم بنفس الأدلة من القرآن والحديث والوقائع التاريخية. ونجد تفاصيل تلك المواقف في التحفظات والتعليقات المطولة التي ضمنها جمال البنا في كتابه “تفنيد دعوى حد الردة”.

229835 د. محمد عيسى يتحدث في تفكير عن حرية الاعتقاد وحد الردة ..2

ووصل المستشار عبد الجواد ياسين إلى الاقتناع بعدم تبرير حد الردة من المنظور الإسلامي العقلاني المستنير وذلك بتوظيف نفس الأدلة التي ساقها السلفيون الأصوليون، والتي مهدت الطريق للسياسة بأن تركب الموجة وتستغل تطبيق حد الردة لخدمة أهدافها. 

ولما كان دكتور محمد عيسى مهتما برؤية الحرية الدينية من منظور شامل، كان  ينقب، فيما وصل إلى علمه من أفكار المستشار عبد الجواد ياسين، عن العلاقة بين الارتداد عن الإسلام ومبدأ الحرية الدينية كما نراها في ممارسات الشعوب غير الإسلامية، المتعددة الأديان، أو التي لا تخضع دساتيرها وقوانينها المدنية للشريعة المقننة كما هي الحال في الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه وتوجهاته، وانقسام المسلمين إلى سنة وشيعة، وما يندرج تحت كل منهما من تشعبات. وإن كان المستشار عبد الجواد لم يتطرق إلى بحث الحرية الدينية بصفة عامة من خلال الحديث عن حد الردة، فقد تناولها ضمنيا وبشيء من التفصيل والبحث الفلسفي والتاريخي عندما عرض للحديث عن حرية الاختيار وأفعال العباد في إطار المقارنة بين الفكر السلفي النصي والفكر العقلاني كما تجلى في جدلية علم الكلام و آراء المعتزلة. 

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليق واحد

اترك رد

ندوات