وظلت فكرة “الحرية” بمعناها الشمولي الواسع تراوده وتلحّ على ذهنه وتدعوه إلى تتبعها في فكر مجتهد معاصر، علّـه يظفر من خلال جهوده واجتهاده إلى ما يعينه على فهم الواقع الديني الإسلامي الذي يعيش فيه، وعلى تقديم أفكار قد تسهم في تقريب عقول المسلمين من بعض أمَلًا في الوصول إلى حالة تفاهم متبادل،وإدراك أن الإسلام دين واحد رغم تعدد طوائف المسلمين مذهبيا، و تباينهم عرقيا، واختلاف ألسنتهم لغويا، وتغاير انتماءاتهم سياسيا واجتماعي

بقلم : منى حسنين

‏‏ استكمالاً لموسم صالون تفكير الثقافي احتفالا بسبعينية المفكر المصري المستشار عبد الجواد ياسين، أقيمت ‏يوم الخميس الموافق الخامس والعشرون من سبتمبر لعام ٢٠٢٤، الندوة الثالثة عشر، بعنوان “الحرية الدينية في فكر عبد الجواد ياسين” لدكتور محمد عيسى،  أدارت الندوة الدكتورة رغد صفوت واستهلتها بموجز عن الموسم الثقافي الذي أقيمت ضمنه ندوة اليوم” وقد قدمت رغد دكتور محمد عيسى كباحث مستقل، ورئيس مؤسسة الأزهر الإسلامية بشيكاغو، وعضو مشارك بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة شيكاغو، وباحث منتسب لجامعة كولجيت بهاميلتون، حيث أتم تعليمه الأساسي والثانوي في المعاهد الأزهرية، كما أتم تعليمه الجامعي وما بعد الجامعي في جامعة الأزهر بالقاهرة، منتهياً بحصولها على الدكتوراه سنة ١٩٧٨. 

وذلك قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل على شهادة سيفيل من جامعة UCNA سنة ١٩٨٤، ولأكثر من ٥٠ عاماً شارك في التدريس والبحث في مجالات اللغة العربية وآدابها والثقافة العربية والدراسات الإسلامية وذلك في عدة مؤسسات مرموقة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها مثل جامعة شيكاغو، ميتشيجن، نورثويسترن، وكاليفورنيا، والجامعة الأمريكية بالقاهرة وغيرها، صنف كباحث مستقل. 

شارك الدكتور عيسى ومازال يشارك بنشاط في مشاريع مبتكرة تهدف إلى تعزيز الدراسات العربية والإسلامية بما في ذلك البحث في الأدب العربي المعاصر والكلاسيكي بترجمة وتحرير النصوص الحديثة و الكلاسيكية للمحتوى الأكاديمي، كما ساهم في هذا المجال بالعديد من المنشورات والمحاضرات في المنتديات المهنية المتخصصة. 

وفيما يلي سنعرض النقاط التي تضمنتها المحاضرة على عدة أجزاء :

‏فقد استهل دكتور محمد عيسى كلامه بالشكر لمنظمي الموسم الثقافي وإتاحتهم الفرصة له بالاشتراك في هذه الاحتفالية ,ثم بدأ حديثه بمقدمة وضح فيها أنه

​عندما سأله جمال عمر مؤسس صالون تفكير أن يشارك في هذه الاحتفالية السبعينية بالمفكر المستشار عبد الجواد ياسين، وطلب منه تحديد موضوع لمشاركته، أمهله كي يتعرف بتوسع أكثر على المستشار عبد الجواد ياسين، ويتفاعل مع فكره من خلال أعماله في أشكالها المختلفة المكتوبة منها والمصورة. فهو لم يسعد بشرف التعرف علي أو لقاء المستشار عبد الجواد ياسين شخصيا، لكنه تعرف عليه من خلال كتاباته ومحاضراته ولقاءاته المسجلة بالصوت والصورة وهي كثير، وربما فاته الكثير منها. 

• وقد أوضح دكتور عيسى أن  المستشار عبد الجواد أثار كثيرا من القضايا الفكرية الإسلامية من زوايا متعددة ومتجددة، واستند في تكوين أفكاره المتميزة إلى رصيد هائل من المصادر التراثية العربية القديمة منها والمعاصرة، كما تدل كتاباته على التمكن من فهم واستيعاب نصوص الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمية الثلاث بتأويلاتها المختلفة، كما تسفر تلك الكتابات عن تأملات في الأفكار الفلسفية القديمة منها والمعاصرة، وقد نتج من هذا وذاك مزيج من الانعكاسات الفكرية على خلفية واقع الفكر الإسلامي المعاصر، وتحديات المواجهة التي يمر بها العقل الإسلامي اليوم. 

وأمام الفكر المتدفق وهذه العقلية ذات الإنتاج المتنوع، احتار في اختيار زاوية يتتبع مسارها في فكر المستشار عبد الجواد ياسين، وكاد أن يعتذر عن المشاركة إحساسا منه بعظم المهمة، وخشية ألا يستطيع أن يوفي أي زاوية حقها في البحث، خاصة وأن رصيده كما قال عن نفسه من المعرفة بالفكر الإسلامي المعاصر ورواده في العالم العربي والإسلامي محدود، وأن الوقت المتاح أمامه للتحضير لا يكفي للتأمل بعمق في ما كتبه المستشار عبد الجواد ياسين، ومما يزيد الأمر صعوبة أنه حسب قوله سيعتمد في مصادره على ما يجود به “جوجل” بما لديه من مصادر يشك أنها ستشبع نهمه.

ولكنه كما قال , توكل على الله، واستجمع همته وعزم على المشاركة.وهنا بدأت  عنده حيرة من نوع آخر! ما هي الزاوية التي يرغب دكتور عيسى شخصيا  في التنقيب عنها في فكر المستشار عبد الجواد بغية التعرف على رأيه فيها، وأن تكون في نفس الوقت ذات علاقة بحالة الفكر الإسلامي في مجتمع يعيش المسلمون فيه كأقلية، وعوامل تطوُّرعقلية هذه الأقلية في ظل التحديات التي تواجههم في مجتمع تتعدد فيه الديانات أو تتوارى، وتتعايش فيه جماعات من مختلف الحضارات والجنسيات. مع ما يلاحظه  من أن هذه العقلية ما زالت تستمد أفكارها، وتمارس تدينها، بنفس العقلية التي كانوا عليها في البلاد التي نزحوا منها، وبالطبع لا تزال تصوغ أفكارها في بلد المهجر بنفس طريقة تفكير الأغلبية السلفية أو التقليدية، بل وتحرص على توريث تلك الأفكار للأجيال التالية رغم كل المتغيرات التي مروا بها ويقعون تحتها. ويزيد الأمور تعقيدا أنه يبحث عن صيغة فكرية تساعده على فهم التواجد الإسلامي المتعدد المذاهب والتوجهات، المتباعدة في أغلب الأحيان، في فهم الدين وممارسة التدين، بينما يحيون تحت مظلة نظام سياسي واحد، ويخضعون لمعايير اجتماعية متنوعة المصادر والمرجعيات، ويخضعون طوعا أو كرها لقانون مدني واحد، قد يتعارض في بعض تفاصيله مع ما هو في حكم المقدس في عقيدتهم.

وظلت فكرة “الحرية” بمعناها الشمولي الواسع تراوده وتلحّ على ذهنه وتدعوه إلى تتبعها في فكر مجتهد معاصر، علّـه يظفر من خلال جهوده واجتهاده إلى ما يعينه على فهم الواقع الديني الإسلامي الذي يعيش فيه، وعلى تقديم أفكار قد تسهم في تقريب عقول المسلمين من بعض أمَلًا في الوصول إلى حالة تفاهم متبادل،وإدراك أن الإسلام دين واحد رغم تعدد طوائف المسلمين مذهبيا، و تباينهم عرقيا، واختلاف ألسنتهم لغويا، وتغاير انتماءاتهم سياسيا واجتماعيا.

وقد كان كلام المستشار عبد الجواد عن حد الردة ومعالجته لمفهوم عدم الإكراه في الدين هو ما أغراه بمحاولة التعرف على ابعاد الحرية الدينية في فكر المستشار عبد الجواد ياسين، وقدَّر أن البحث في هذا الموضوع ربما يقوده إلى التعرف على جوانب أخرى من الحرية، وحالات ممارستها أو مصادرتها باسم الدين.

وتشكل البحث في ذهنه بهموم الواقع ودور الدين والتدين في المجتمع الذي يعيش ويعمل فيه منذ ما يقرب من نصف قرن، كما تأثر بتاريخ ونوعية نشاطي الاجتماعي والأكاديمي في مؤسسات التعليم الأمريكية، وبنشأته التعليمية الأزهرية في مصر. وبهذه الخلفية لِنـيَّة البحث اطلع على ما أتيح له من أنتاج المستشار عبد الجواد ياسين، منقبا عن مفهوم الحرية في كل موضوع طرحه للمناقشة.

ماهي الحرية؟

وقبل الدخول إلى الموضوع، يرى دكتور عيسى أنه من المهم أن نتعرف على معنى كلمة “الحرية” كما استقرت في ذهنه أثناء البحث. 

 حيث قال ؛ تعرِّف المعاجم العربية “الحريّة” بأنها: حالة يكون عليها الكائن الحيّ الذي لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة ويتصرّف طبقًا لإرادته طبيعته. والطريقة الأزهرية في تقييم التعريفات عموما هي النظر إن كان هذا التعريف “جامعا مانعا”. وربما يستعصي عليهم الوصول إلى رأي قاطع في تقييم تعريف “الحرية” من هذا المنظور. فكلمة “الحربة” تعرَّف كذلك بأضدادها مثل “الحربة مقابل الأَسْر، والعبودية/الرِّقّ/الاسْتِرْقاق، أو الحَبْس/السِّجْن”. وأن دلالتها لا تكون أكثر دقة إلا إذا اقترنت بمفاهيم أخرى في سياق يربطها بالمعنى المراد مثل:

• حُرِّيَّة الاتّجاه الفكريّ

• حُرِّيَّة التَّعليم أو طلب العلم،

• حُرِّيَّة الكلام: القدرة على التّصرُّف بملء الإرادة والاختيار

• الحُرِّيَة السياسية: نقيض الاستبداد بالسُّلطة

• حُرِّيَّات مدنيَّة: حقوق فرديَّة أساسية منها حريَّة التّعبير، وحريَّة الدين،

مفهوم الحرية في هذا التقديم:

 وتناوُله لمفهوم الحرية الدينية هنا، سوف يتركز على ثلاثة مجالات تنضوي تحت مفهوم الحرية الإنسانية من منظور ديني كما نفهمه من الإنتاج الفكري الذي أتيح لنا الاطلاع عليه من أعمال المستشار عبد الجواد ياسين، وهي: حرية الاعتقاد، وحرية الاختيار، والعبودية (أو الحرية الإنسانية) كما سنتعرض في آخر التقديم لمفهوم “المواطنة” وعلاقته بالحرية الدينية ، وسنتناول فى الأجزاء القادمة بشئ من التفصيل أنواع الحريات الدينية فى فكر عبد الجواد ياسين من .منظور دكتور محمد عيسى و ننهيها بنقاش ثرى دار بين دكتور محمد عيسى و السادة الحضور عقب المحاضرة 

• YouTube
• YouTube
• Telegram
• Facebook

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com