ذاكرة لا تنسى …الجزء الثاني… إيمان اسماعيل تفصح عن الكابوس رقم 115

بقلم: إيمان إسماعيل

emy-ismael-1 ذاكرة لا تنسى ...الجزء الثاني... إيمان اسماعيل تفصح عن الكابوس رقم 115

أيقضني كابوس الفيزياء بحمل ثقيل وذكريات موجعة، درت في البيت في جولتي المعتادة، الساعة مازالت 2 بعد منتصف الليل، الليل طويل وأعرف أنني لن أعود للنوم ثانية، أعددت كوب يانسون وجلست في الصالة قبالة باب البلكونة، بداخلي رغبة قوية أن أحتسي مشروب بداخلها، أربعة أعوام وبابها يغلق قبل غروب الشمس ولا يُفتح إلا في الصبح لوقت قصير بغرض التهوية. 

لم أستطع المقاومة، وفتحت الباب وخرجت، نسمة باردة همت بجسدي الذي يحتاجها فأنعشته، أغمضت عيني وحاولت الاستمتاع بالجلسة التي حُرمت منها لأربع سنوات، جلست على الكرسي وحاولت الاستمتاع بالكوب الدافئ بين كفيّ، لكن في دقائق قليلة دب الخوف في قلبي ورحت أجول ببصري وأبحث في النوافذ المقابلة عن وجه خليل، أو أحد رجاله.

الكثير من النوافذ والبلكونات مضيئة وبها بشر، مجرد أشخاص مثلي لكن جميعهم يمثلون خطر، خطر المجهول الذي خلقه خليل بداخلي.

حاولت مقاومة خوفي لكنه انتصر وأجلسه على الأرض وأنا ارتعش، دخلت البيت وأنا ازحف، أغلقت الباب خلفي وجلست في زاوية الصالة وأنا أبكي، وأؤكد لنفسي أنني مجرد امرأة فاشلة، خائفة، ضائعة، ضعيفة، تجلس في بيتها كالجرذان، وياليتها تقف في الحياة منفردة، لا بل وضع القدر على كتفيها حمل ثلاثة أطفال اضطرت لخلق نفس الخوف بداخلهم.

بكيت حتى انفلق رأسي من شدة الصداع، جذبت وسادة من الانتريه وافترشت الأرض ونمت وأنا أردد 

فاشلة… جبانة… تافهة… انتي ولا حاجة….

screenshot-2024-07-24-at-12.57.21 ذاكرة لا تنسى ...الجزء الثاني... إيمان اسماعيل تفصح عن الكابوس رقم 115

اختلطت أحداث رؤياي بصوت ابنتي التي كانت تحاول ايقاظي 

– ماما … ماما … قومي ياماما 

قفزت من نومي خائفة.. فليس من عادة أولادي أن يوقظوني، يعرفون كم أعاني لأنام، فإذا نمت تركوني آملين أن أحصل على نومة هنيئة تستمر لسويعات، لم أنم 4 ساعات متواصلة منذ زمن بعيد.. لما استجمعت نفسي سألتها

– في ايه يا ندى؟ 

-إنتي كويسة؟ نايمة ع الأرض ليه؟ من امتى بتنامي من غير غطا

– فين تليفوني؟ 

-معرفش يا ماما، ادورلك عليه؟ 

قمت أبحث عن الهاتف، لا اتركه من يدي ابدا، لكن يبدو أن جنون الأمس انساني أمر الهاتف، وجدته أخيرا على وسادتي في الغرفة، أول ما رأيت في شاشته “ماما MAMA” وبجواره 5 مكالمات فائتة.

أحتاج للقهوة لكن لا يمكن أن أعدها الآن، لابد أن اتصل بأمي، إن تأخرت في الاتصال قد أجدها عندي تضرب باب البيت حد كسره.

– ازيك يا ماما، معلش كنت نايمة وسايبة التليفون.

– من امتى بتسيبي تليفونك؟ عموما اخوكي في المستشفى، اجهزي وعدي عليا عشان تروحي معايا.

– ماله حامد ألف سلامة؟ 

– مش حامد، ده خليل. 

لم أصدق ما تطلبه مني؟ تريدني أن أقابل خليل بعد كل ما حدث؟ كيف؟ ماذا لو كانت خدعة تجرني بها خارج جرحي لتقدمني له فريسة سهلة؟ 

قاطعت أفكاري وصمتي: 

– منى، ده موقف أكبر من أي خلافات بينكم، أوعي تكوني مش ناوية تراضي اخوكي وتوقفي جنبه في تعبه؟ 

لم أجيبها، كنت غارقة في خوفي، أكملت 

– منى، ساعة وتكوني عندي. 

أغلقت دون أن تسمع ردي كالعادة، لم تنتظر قبول أو رفض، الأمر قد صدر وعليّ التنفيذ. 

girl ذاكرة لا تنسى ...الجزء الثاني... إيمان اسماعيل تفصح عن الكابوس رقم 115

جلست في سريري غارقة في الذكريات، أشعر بالألم في ساقي التي كسرها خليل من قبل يوم أن وجد في حقيبتي “الجواب الغرامي”، نظرت للجرح الغائر في ذراعي وتذكرت كيف غرس خليل “المنجل” به يوم أن عارضته وأرتديت الفستان السوارية وذهب إلى زفاف صديقة عمري “سارة”، عدتُ ليوم الفيزياء وتذكرت عندما قال أبي أنني “أعرف أنه بدون خليل فلن أذهب للامتحان وبالتالي لن أذهب للجامعة”، تذكرت أيضا كيفك عدت لغرفتي وبدلت ثياب المدرسة وبكيت، كنت أعض وسادتي من شدة غضبي وكذلك من خوفي أن يسمعوني، كنت أكتم صراخي فيها، مرت الامتحانات وأنا في غرفتي باكية متحسرة على عام يمر أمام عيني لأجل خليل. 

فتحت التسجيلات الصوتية التي أرسلها لي مهدداً “ديتك عندي عيل بموتسكل من غير نمر يرمي على وشك مية نار، ديتك عندي عيل بمسدس مش مترخص وطلقة تتحط في راسك، ديتك عندي عربية تخبطك”، هذا فقط لأنني تجرأت واعترضت، كنت دائما أسير بجواره، أو بالأحرى خلفه.

مرت الساعة وقاطع ذكرياتي رن الهاتف مرة أخرى: 

– ها؟ جهزتي؟ 

– لأ يا ماما، مش جاية

أبعدتُ الهاتف عن أذني حتى لا أسمع سيل الشتائم والتهديد والوعيد، لست بحاجة لمزيد من المخاوف، فقلبي مليئ بها، 

– الو الو… مش بتردي ليه يا هانم … الووووو 

أغلقت غاضبة، ليس الأمر جديد، فهي دائما غاضبة، خليل عندها الأفضل، ابنها البار، حبيب روحها، زوجها النفسي، أما أنا وحامد فخلقنا لننفذ رغباته.

شعرت براحة لرفضي، لكن الجديد والمرعب أن خليل الآن في مصر!! 

هذا يعني أنه قريب مني، أن الخطر الذي يهددني به لا يفصل بيني وبينه بحر وجبال والكثير من البشر! 

كيف سأذهب إلى عملي؟ كيف سأخرج من البيت؟ ماذا لو التقيته صدفة في أي مكان؟ 

دق باب الغرفة، ابنتي تخبرني بأنهم جاهزون وأن مس صفاء مشرفة الباص تنتظر أمام البيت.

– مفيش مدرسة، محدش هيخرج من البيت، ادخلوا أوضكم ….

للاطلاع علي كابوس رقم 115 ..ذاكرة لا تنسى ..الجزء الأول

للاطلاع على كابوس رقم 114.. ذهاب بلا عودة

للاطلاع علي كابوس رقم 113.. حفرة في الذاكرة

للاطلاع علي كابوس رقم 112 ..سلم نحو الهاوية

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

3 comments

اترك رد

ندوات