ذهاب بلا عودة….إيمان اسماعيل تفصح عن الكابوس رقم 114
بقلم / إيمان إسماعيل

في القيلولة غير الاعتيادية بالأمس رأيت أنني مسافرة ومعي ابني وأخويّ، أخي الأصغر الذي أراه ابنًا وصديقًا، أما الثاني فهو ذلك الذي كان يوما أخي.
جلس الثلاثة في المقعد الخلفي للسيارة، جميعهم بعمر لا يتجاوز العاشرة، ابني أصغرهم وأقلهم حجما وأكثرهم ثرثرة، صديقي “حامد” كان صامت كعادته، خائف وتائه، كلما طالعت عيونه في مرآة السيارة، أزاح بصره هربًا مني، أعرف أنه خائف من الرحلة، ربما يخيفه منظر الجبال! لا أعرف، لكنني أعرف تلك النظرة، لطالما احتضنته بعدها عندما كنا أطفال.
أما خليل فكان كعادته ذئب متأهب، يصمت طويلا وهو يفكر ويحلل قبل أن يقدم على مصيبة من مصائبه، لطالما خفت من نظرته، أعرفها جيدا، أشتم رائحة الشر فيها منذ طفولتنا.
كنت أنظر لأخويّ وأتعجب ما الذي حدث؟ لماذا عادا طفلين؟ لماذا استقلا السيارة معي ومع ابني؟ أتذكر أنني كنت أمًا لثلاثة أبناء، بنتين وولد، أين البنات؟

وعورة الطريق جعلتني أنصرف ببصري وتفكيري عنهم جميعًا، الجبال الشاهقة التي أعشقها تحولت فجأة لوحش مخيف، صفير الرياح الذي يصدر من شق الجبلين أرعبني، تموجت السيارة وأوقفتها فجأة قبل أن ننزلق عن الطريق الذي شقوه على حافة أحد الجبال.
وجدتنا نقف عند مفترق طريقين، أحدهما غير ممهد والآخر وُضعت في مقدمته لافتة كبيرة “منطقة عمل”، لا خيار أمامي إلا الطريق غير الممهد، سميت الله ودخلت الطريق الضيق، دقائق وأنا والأولاد في رعب، كانت السيارة تتراقص صعودًا وهبوطًا، ولا أعرف من أين أتى الماء الذي ارتفع حتى غطى جانبي الطريق، وجدت أمامي حفرة كبيرة حاولت تجاوزها فإذا بمقدمة السيارة تنزلق، رأيت الماء يعلوها فعدت للخلف.
لا سبيل للدوران، أو الاستمرار، ليس أمامي إلا أن أعود أدراجي، تنفست وذكرت الله، همهمت بطلب النجاة.

أمامي منزل قديم تسكنه الأوساخ، أخدت الأولاد علني أجد من يعيننا ويرشدنا، خرج علينا رجل دميم الخلقة عرض المساعدة لكني خفت وخرجت بالاولاد، هرع خليل خارج المنزل فأمسك به صبية الرجل وضربوه، اختطفته من بين أيديهم ودخلنا السيارة بسرعة، تحركت مسرعة حتى غاب الرجل وصبيته عن أنظارنا، وجدتنا عند مفترق الطرق مرة أخرى.
ترجلت ووطأت قدماي منطقة العمل فإذا بمادة “الزفت” سائلة كأنها ماء مصبوغ بالاسود، نظرت للجبال حولي وللأرض اللينة تحت قدمي وكأنها جائعة ولن يشبعها إلا ابتلاعي والصغار وعلمت أن العودة وإلغاء الرحلة أمر لا مفر منه.
عدت وقبل أن أفتح باب السيارة تيبست عروقي ومت في مكاني رعبًا، رأيت خليل وقد كبُر فجأة وأصبح من كان يوما أخي، يضع في حجره صغيري، يمسك برأسه واليد الأخرى تحمل سكينا وضعه على رقبته والولد يصرخ “ماما ماماااااا” لم أتحرك ولم أنطق، فقط نظرت عميقًا في عيني خليل، نحر الولد في ثواني دون أن يظهر وجهه أي ردة فعل.
استيقظت وانا أتصبب عرقًا كالعادة، وجدت الماء على الطاولة المجاورة، شربت وناديت ابني، احتضنته، قبلت كفيه ووجنتيه وجفنيه ورقبته وظهره وقدميه، ضحك وراح يدور حولي على السرير، جذبته بين ذراعي مرة أخرى وحاولت أن أسكن، قاطع سكوني قائلا “ماما، صوت قلبك عالي، انتي كويسة؟”
لم أجبه، اكتفيت بحضن عميق لكي أصبح “كويسة”.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
8 comments