رحلة الخروج من العتمة … بقلم ناهد إمام
ترددت كتير أكتب في هاشتاج الحجاب، يمكن لأني كتبت كتير في الموضوع ده، وضمنته كتابي “صندوقي الأسود”، كتبت بداياته معايا وكتبت عن النقاب فصل كامل، لأنه كان مساهم قوي في التروما والاكتئاب ومحاولة الانتحار.
بقلم: ناهد إمام
صحفية ولها عدد من الكتب المنشورة.

لبست الحجاب في تانية ثانوي، كنت من صغري وأنا طفلة ومراهقة بحب اللبس جدًا والموضة والأناقة والألوان والاكسسوارات وكنت بشترى مجلة حواء والبوردا بانتظام، وبلبس بواريك ماما والاكستنشنز بتاعتها أكتر منها.
وأنا في اعدادي كنا عايشين في سلطنة عمان، بابا وماما مدرسين، ماما موسيقى وبابا انجليزي، وعشنا من عمرنا 8 سنوات إعارات لبابا في الكويت والسلطنة، وهناك لبست إيشارب أبيض شيفون خفيف ظاهر منه قصة منسدلة على الوجه وده كان لبس الزي المدرسي بتاعهم لكن في الخروج مكنتش بالبسه ولا لما بننزل مصر.
في تانية ثانوي كان ليا زميلة في الفصل لابسة الخمار هي اللي زينت الحجاب في عينيا وشكلي فيه، اكتشفت بعد كده إنها واخواتها بينتموا لجماعة عمر عبد الرحمن وأنهم من عائلة كبيرة في أسيوط وكلهم جماعة إسلامية، جماعة الجهاد.
كنت بحتار في لبسي وبفكر كتير إزاي أفضل أنيقة ولبسي حلو بالحجاب، فكنت بروح السلام شوبنج سنتر وبريوني وبقيت الأخت المحجبة البريونية بنجاح، وأقنعت ماما إنها تبقى الست البريوينة المحجبة بردو، بعد ما كانت بتلبس الجابونيز، والميني جوب، زي كل ستات الزمن ده، وبعدها جرجرت أختي الأصغر مني بتلات سنين، وبعد كام سنة جرجرت اخواتي البنات الصغيرين التانيين.

دخلت الجامعة 1990م وأنا حاسة بتوهان، وبدور على انتماء لنفسي يريحني، وفي كلية الإعلام زادت الحيرة والتشتت والتوهان جوايا بسبب كثرة الاتجاهات الفكرية، والمناقشات، والقراءات، ولأني كنت بصلي فطبيعي بعض أوقات بدخل أصلي في مصلية الكلية اللي كانت المقر الرئيس للجماعات الإسلامية، الإخوان كانوا الجماعة الأكبر والأنشط في الكلية، وفعلا بدأت أحضر دروس معاهم، وأنشطة كتير كانوا بيعملوها، وواحدة منهم صاحبتني، وبعد كده عرفت أن ده اسمه “دعوة فردية” قربت مني جدًا، وكانت بتعزمني وتهاديني وتجيب لي هدية في عيد ميلادي، وتمدح فيا وطريقة تفكيري وحبي لربنا، وفي النص “ما تلبسي الخمار بقى” وأقنعتني إن رضا ربنا في الخمار وأن حجابي ده موضة ومش نافع ومبيدخلش الجنة.
لبست الخمار، وكالعادة جرجرت ماما وأختي الأصغر مني بتلات سنين واخواتي البنات وبقينا العائلة المختمرة القريبة من رضا ربنا!.
بدأت البنت “صاحبتي” تدخل بيتنا وتتعرف على ماما واخواتي، ونتغدى سوا، ونبات سوا -والحقيقة أنهم بقوا مش صديقة واحدة لا كتير جدًا كأخوات في الله دخلوا بيتنا وحياتنا- ولأني قسم صحافة قالت لي تعالي أعرفك على الصحافة الإسلامية، ما أنت لو اشتغلت مش هينفع تشتغلي في الجرايد العلمانية، وهنا بدأ منحنى الاستقطاب في الصعود، انتميت للإخوان فعلًا، وتدربت في صحفهم ومجلاتهم فيه منها اللي كان ترخيصه من قبرص وبعضهم هنا، وبدأت رحلة التعرف على زينب الغزالي في مجالسها اللي كانت بتعملها في مدينة نصر في بيتها في أرض الجولف تقريبا على ما أذكر، وقيادات نسائية ورجالية وكلهم كانوا بيرحبوا بيا ويشجعوني جدا وبيمدحوا في موهبتي في الكتابة والحقيقة موهبتي كمان في الطاعة، أنا فعلًا كنت شخص مطيع مبتنيش لحد كلمة ولا طلب، لا بناقش ولا بجادل، ومن ثم أصبحت مرشحة بجدارة أنهم يحافظوا عليّ، وطريقتهم في ده إنهم يجوزوني، وده اللي حصل بالفعل.
قعدت المرأة الصحفية الزوجة الإخوانية اللي بتزود عدد البنات والستات اللي لابسين خمار وحجاب وبتغسل أدمغتهم زي ما اتغسلت دماغي 15 سنة وبدون ما أُظهِر أبدًا إني اخوان، أنا صحفية متدينة وبس، أنا صف تاني وممنوع أظهر ده لحد، الظهور للقيادات والصف الأول بس، والسرية واجب، وكنت بعمل ده عن طريق كتاباتي، وعلاقاتي، لحد ما بدأت أختنق وأتململ بسبب وضع المرأة في الجماعة، وشيزوفرينيا الجماعة وازدواجية خطاباتها ومواقفها، فاتطلقت وتركت الإخوان 2008 بعد مقال انتقدت فيه وضع المرأة في الجماعة وكان عنوانه “الزواج من ملتزم كارثة” ونشرته في موقع إسلام أونلاين.
سيبت الإخوان لكن بقيت الفكرة الإسلامية في طبقات الوعي عندي حاضرة، واشتغلت في صحيفة خاصة مشهورة وكبيرة كرئيس قسم للمرأة من 2008 إلى 2011 وكنت بتعرض لتنمر من رئيس التحرير بسبب حجابي، فكان بيرفض ينزل صورتي على مقال في الجورنال وكان بيقولي لما تخلعي لبس الضفادع البشرية اللي أنت لابساها دي، وطبعا الحجاب أصبح جزء من هويتي وكان صعب أخلعه علشان مقال في جورنال، وفعلا رفضت خلعه واكتفيت بمقال على الموقع بصورتي بالحجاب، جنب شغلي الصحفي الباقي وإدارتي للقسم.
ولأن الفكرة الإسلامية كانت لسه معششة جوايا تزوجت للمرة التانية سنة 2015 من شخص قيل لي إنه متدين وبتاع ربنا وحافظ القرآن، فوقعت في الفخ مرة أخرى، ولكن مع جماعة التبليغ والدعوة، كان الشخص ده من هذه الجماعة وعرفت بعد الجواز، وابتدى يلمح لي بالنقاب وإنه زِي أمهات المؤمنين، وابتدى غسل الدماغ تاني، فلبست النقاب، وبقيت بحضر كل أنشطة الجماعة وبخرج معاهم في سبيل الله!.
ولأنه الزوج كان ميكس تبليغي/سلفي كنت بروح معاه مسجد الشيخ أسامة عبد العظيم السلفي المتشدد اللي مات من كام شهر وحضر جنازته نص مليون ولا مليون شخص حاجة كده ووقتها كتبت بوست عن ذكرى الشيخ البائسة في حياتي.

لبست النقاب 5 سنوات عجاف حقيقي، ممنوعة من العمل، ممنوعة من الاختلاط بأي رجل حتى رجال عائلتي، ممنوعة أن صفحتي على فيس بوك يكون عليها رجال، ممنوعة من كل شيء، تقوقعت تمامًا وخسرت مهنتي، وعلاقاتي، وكل شيء، فضلت بعد الطلاق بالنقاب بحاول أعمل الحاجات اللي بحبها واتمنعت منها، زي أني أروح سينما ومسرح ورحلات بالنقاب، وأني ألبس نقاب في هيئة أنيقة غير المبهدل اللي كنت بلبسه وقت زواجي وفق شروطه وشروط قبول الأخوات في الجماعة لي، بس كنت بحس بتناقضات جوه نفسي ودهشة من بعض الناس وده كان بيضايقني.. ومن الأيام التي لا أنساها يوم قررت الذهاب إلى نقابتي “الصحافيين“ بعد انقطاع 5 سنوات للمشاركة في الانتخابات وفوجئت بمشاعر رفض من بعض زملائي حتى أستاذي فهمي هويدي الذي كان يعرفني قبل النقاب وتردد في قبول طلبي أننا نتصور سيلفي وقالي أنا مش فاكرك ومش شايفك علشان افتكرك فوريته الكارنية ولما تعرف علي من صورتي قالي إيه اللي عملتيه في نفسك ده واتصور معايا على مضض.
اتطلقت 2017 وخلعت النقاب 2019 بعد تروما شديدة واكتئاب ومحاولة انتحار، وبدأت رحلة تعافي من الإساءات الروحية اللي تعرضت لها مع جماعات الإسلام السياسي، والإساءات العاطفية مع الأزواج الاتنين، والطلاق، وكتبت فصل كامل عن النقاب، وإنه فعلًا الملابس بتعبر عننا، وإننا لما بنكون ذوات مزيفة بيكون لبسنا كمان مزيف، كتبت عن التشوه المعرفي اللي حصل لي مع النقاب، والاغتراب اللي عشته، الاكتئاب كتر خيره عرفني قيمة نفسي وغلاوتها واستحقاقها، وإني مسيبهاش لحد يسيطر عليها بدين أو غيره، عرّفني الدوافع النفسية العميقة اللي بتكون ورا أي سلوك ومنها سلوك الملابس، وموقفي من الحجاب مبقاش موقف ديني هو أزياء وأنا هلبس اللي يريحني وبس، ساعات بلبس طرحة وساعات تربون، المهم أكون أنا وبس، وراضية عن شكلي، ممكن أخلع الحجاب؟ ده سؤال ساعات بيجي على بالي وبقول يمكن ده يحصل معرفش لكنه مش فارق معايا، كل اللي بقى فارق معايا أني أعمل اللي “أنا” وبس عاوزاه، وأني أكون نسختي الحقيقية الأصيلة.
الحقيقة مبقاش الحجاب من عدمه قضيتي، وأصبحت نفسي اللي خسرتها كتير هي قضيتي الرئيسة بحجاب بقى أو من غيره مش مشكلة ومش مهم، التغيير والنضج النفسي والوعي اللي بيزيد يوم عن يوم هو الأهم بالنسبة لي، البعد عن التصنيف وإطلاق الأحكام، ووصم الناس، بقى الأهم عندي، وبقيت بقبل كل الستات بكل أشكال ملابسهم، وشخصياتهم، وبطبق القاعدة النفسية اللي بتقول: “القبول لا يعني الموافقة”، الملابس تخص أصحابها وواجبي أحترم اختياراتهم، وأقبلها، وأقبلهم حتى لو مش موافقة على اختيارهم، لكن لازال مشهد المنتقبة بيوجعني وبتمنى الستات كلها اللي لبسته تخلعه وتفوق من الوهم.
نسيت أقولكم أني ياما بكيت وانتحبت علشان أنا انسان مذنب وكنت بتفاعل بمنتهى الإخلاص مع شرايط كاسيت “أختتتتتتتتتتتتتتتتتاه احذري” واكتشفت بعد التعافي أن جماعات الإسلام السياسي والصحوة الموهومة والمزعومة ناس تاجروا بـ “مشاعر الذنب” دي عند أغلب جيلي وكان لازم وقت التعافي النفسي والاستبصار بما حدث إني أبكي وانتحب تاني كتير علشان أتحرر من الإساءات الروحية دي اللي حصلت لي لما دخلت الـ “جيتو” بتاع الإسلام السياسي بجماعاته وتسبب انتمائي لهم في حدوثها لي وأنا غير واعية.
بحمد ربنا جدًا على رحلة التعافي وإني ماموتش وأنا شخصية مزيفة وعايشة أوهام.
حاليًا بستكمل رحلة اكتشاف الذات والقرب منها، وبدرس وبتعلم في “مدرسة المشورة” بعد التحاقي ببرامج كثيرة للتأهيل والتعافي النفسي من 2018 وحضوري ورش نفسية كتير للتعافي النفسي، فقررت أدرس علشان أشتغل مرشد ومشير النفسي، والمرشد النفسي أو المشير مش معالج نفسي، هو مر برحلة تعافي حقيقية وأصيلة، ودرس دراسة محترمة علشان يكون قادر على تقديم المساعدة النفسية لمن يطلبها في علاقة استرشادية إنسانية مع عميل بيطلب المساعدة النفسية، علاقة تنور له طريق لمعرفة ذاته، علاقة فيها استبصار بالذات، كأول وأهم خطوة لحل كثير من المشكلات والمعضلات الحياتية، المرشد والمشير النفس مش بيعالج لكن بيعمل إحالة للعميل لو وجده محتاج علاج نفسي والموضوع أكبر من كده.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد