شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء … بقلم: جمال عمر
فمولانا يحتاج إلى الدولة للميزانية ولليد الباطشة أحيانا ضد تمرد تيارات داخل المؤسسة الأزهرية ذاتها، والدولة تحتاج المؤسسة كغطاء ديني. وهذا الاحتياج يجعل العلاقة في حالة شد وجذب طول الوقت ويختلف الأمر من شيخ أزهر إلى آخر حسب شخصيته وحسب منظومة الحكم.
بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير

-1-
أحداث يناير 2011 سواء في تونس ثم في مصر، وبلاد عربية أخرى، تحديدا في الجمهوريات التي استمر الرؤساء بالحكم فيها سنوات طويلة، بخروج الناس للشوارع فقد تم رفع الغطاء عن كثير من التيارات وعن الأشخاص والتجمعات في العمل، سواء السياسي أو الفكري، لكن أيضا الديني وخصوصا داخل مؤسسات الدولة.
بعد سقوط نظام حكم الرئيس المصري محمد حسني مبارك (1928 – 2020) وتصدر التيار الديني المشهد وفي القلب منه تنظيم الإخوان المسلمين، فقد استند قلب الدولة الصلب/ الجيش والأجهزة الأمنية، بعباءة مؤسسة الأزهر، فكانت فرصة كثيرين داخل المؤسسة الدينية أن يستعيدوا بعض مما قد سُلب منهم قبلها بنصف قرن من خلال مشروع قانون إصلاح الأزهر، أو هكذا قرأت الأمور.
فاستعادت مشيخة الأزهر الإشراف على مسجد الأزهر مرة أخرى من سيطرة يد وزارة الأوقاف التي سيطرت على الإشراف على المسجد الذي استمر لعقود، وتم إعادة ممارسة الرواق الأزهري مرة أخرى، وأشرف عليها د. محمد مهنا مساعد شيخ الأزهر وضابط الشرطة السابق والصوفي الكبير. وجلس مولانا د. علي جمعة في جمع كبير في المسجد يلتف حوله مريدوه لشرح كتب في أصول الفقه، بل بدأ قناة على يوتيوب بعنوانها كلمة الأزهر “أزهر تي ڤي” لتصوير جلسات الرواق ونشرها على يوتيوب.

لكن الخطوة الأكبر كانت من شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب، الذي كان قد تولى المشيخة قبلها بعام تقريبا في عهد الرئيس مبارك، فهو ابن الدولة المصرية ومؤسساتها فقد تولى دار الإفتاء ورئاسة جامعة الأزهر، وانضم إلى لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.
وقد حاول الشيخ الطيب من أن يجعل الأزهر مؤسسة تجمع الفرقاء بعد انهيار حكم الرئيس مبارك، من خلال الوثائق التي حاول أن يصدرها باسم الأزهر، بحيث تكون المؤسسة الدينية حاضنة للجميع، وبإنشاء بيت العائلة، ليجمع المسلمين والمسيحيين، لكن الخطوة الأكبر كانت محاولته استعادة “هيئة كبار العلماء” بعد نصف قرن من إلغائها عام 1961 واستبدالها بمجمع البحوث الإسلامية، وفي ذكرى قرن من إنشائها فقد أُنشئت عام 1911.
-2-
الشيخ الطيب يأتي في اتجاه ومدرسة داخل الأزهر تحتاج إلى الدراسة، وهي تجسد واحدة من أزمات الأزهر كمؤسسة وتجسد مشكلة الأزهر في علاقته بالدولة الحديثة، وعلاقته بتراثه وتاريخه وبتراث المسلمين الفكري والديني. ليس المقام للتفصيل فيها، لكن بشكل عام، منذ أن تدخلت الدولة في تنظيم أمور الأزهر خلال القرنين الماضيين بداية من السيطرة على أوقافه، في بدايات القرن التاسع عشر، ثم محاولة تنظيم العمل فيه في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وعمل عملية تقنين للأوضاع فيه. وتم عمل مجلس للأزهر، ثم تم عمل هيئة لكبار العلماء عام 1911، بعد أن أنشأت الحكومة التي كان يسيطر على أعمالها الإنجليز، دار للإفتاء، تتبع نظارة الحقانية، وتبعتها في بدايات القرن العشرين بعمل وزارة للأوقاف وسحبها من تحت سيطرة قصر الخديوي.
لكن النقلة الأكبر كانت في ثلاثينات القرن العشرين حين تم تنظيم التعليم في الأزهر من خلال إنشاء ثلاث كليات، كلية للغة العربية وأخرى للشريعة والقانون وثالثة لأصول الدين، فأصبح عندنا مشيخة للأزهر، وهيئة كبار علماء، جامعة أزهرية ومعاهد أزهرية، وتكون فئة جديدة داخل الأزهر من أكاديميين بالجامعة يختلفون عن الدعاة الأزهريين الذين يشرحون كتب التراث، ويمكن أن نأخذ مثال لهذه الفئة الجديدة الدكتور محمد البهي (1905 – 1982) وكان من أول دفعة لطلبة أزهريين يسافرون للدراسة في الغرب في بعثة أسميت ببعثة محمد عبده والعودة للتدريس في الكليات الأزهرية، هنا ظهر الأزهري الأكاديمي الذي يؤلف الكتب ويعمل أبحاث للترقية، بخلاف الشيخ الأزهري التقليدي الذي يجلس بجوار عمود من أعمدة الأزهر يشرح متن قديم.


فيمكن أن نقول إن تيار الأكاديميين هو الذي تصدر المناصب والسلطات داخل الأزهر خلال السبعة عقود الماضية، فمن تلاميذ محمد البهي يمكن أن نعد الدكتور أحمد حمدي زقزوق (1933 – 2020) فقد خرج في بعثة إلى ألمانيا كأستاذه، وعين نائب رئيس الجامعة كما عين أستاذه رئيسا للجامعة، وعمل وزيرا للأوقاف كما عمل أستاذه وزيرا للأوقاف. فيمكن أن نعد الشيخ أحمد الطيب امتداد لهذا التيار سواء في الدراسة في الخارج في فرنسا أو العمل في دار الإفتاء أو في رئاسة جامعة الأزهر، أو دراسة الفلسفة كما درس أستاذه، فهذا الاتجاه يصل إلى مشيخة الأزهر بخلاف الاتجاه الرئيسي الذي كان يأتي من خلفية فقهية أو من خلفية القضاة الشرعيين، أو خلفية صوفية فقط، فالشيخ أحمد الطيب كأستاذ عقيدة وفلسفة إسلامية، مالكي المذهب أشعري العقيدة، صوفي السلوك.
-3-
الشيخ أحمد الطيب من اتجاه ما يمكن أن أسميه تيار يرى أن الإسلام دين وأمة ويعمل من داخل مؤسسات الدولة لخدمة الإسلام، وإن كان حاول أن يحافظ على استقلالية المؤسسة في وقت حكم أعضاء التيار الديني، ويحاول هذا في العقد التالي لهم، إلا أن مشيخة الأزهر تواجه مشكلة ما هو مكانها ودورها في ظل دولة “وطنية” “حديثة” “جمهورية”؟ من ناحية ثانية هذه الدولة دستورها يقول إن دينها هو الإسلام، فما هو هذا الإسلام الذي يمثل دين الدولة وما هي المؤسسة التي تقوم على تعريفه وعلى الحفاظ عليه وحمايته؟ من جانب ثالث الدولة التي تحارب جماعات ترفع شعار حماية الدين تحاول أن تثبت تدينها وتأكيد غطائها الديني فتحتاج إلى مؤسسات تقوم بذلك.
فمولانا يحتاج إلى الدولة للميزانية ولليد الباطشة أحيانا ضد تمرد تيارات داخل المؤسسة الأزهرية ذاتها، والدولة تحتاج المؤسسة كغطاء ديني. وهذا الاحتياج يجعل العلاقة في حالة شد وجذب طول الوقت ويختلف الأمر من شيخ أزهر إلى آخر حسب شخصيته وحسب منظومة الحكم.
وفي هذه المساحة تتحرك إمبراطورية مولانا لاستخدام مؤسسات الدولة ليس لمواجهة خصوم الدولة السياسيين من التيار الديني فقط، بل في تأكيد نفوذ تياره الفكري، الذي يتم اختصاره في تيار الوسطية و “التدين المصري”، المذهبيه الفقه والأشعرية في العقيدة والتصوف سلوكا وتنظيما.
كانت هذه الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة “إمبراطورية مولانا”، نرجو لكم قراءة ممتعة وإلى لقاء قريب…..
لقراءة المقالات السابقة من سلسلة “إمبراطورية مولانا” اضغط على الروابط التالية:
1- إمبراطورية مولانا نور الدين … بقلم جمال عمر
2- تلاقي تيارات الهوية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي … بقلم جمال عمر
3- تيار كلية الحقوق وفرقان المقاصد … بقلم جمال عمر
4-الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين…. بقلم جمال عمر
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد