صفير القطار….بقلم رضا بشندي

من بعيد، بدا له شعاع أمل عندما لمح اليد القوية التي امتدت إليه. يقفز مسرعا، يمسك اليد ويحكم القبض عليها. هو الآن على متن القطار. بابتسامة خفيفة وايماءة مهذبة يشكر الشاب الوسيم  على جميل صنعه. أخيرًا تنفس الصعداء، أراح جسده على مقعد بجوار النافذة، حيث تجلس طفلة، بيدها زجاجة ماء، تعطيها له دون أن يطلب. نظر إليها بابتسامة رقيقة وحدث نفسه قائلا: كم كنت ظمآن فقد كان يوما قائظ الحرارة. 

بقلم/ رضا بشندي

d8b5d988d8b1d8a9-d8b1d8b6d8a7-d8a8d8b4d986d8afd98a صفير القطار....بقلم رضا بشندي

توقف القطار، فنزل مسرعا ليروي عطش حفيدته التي طلبت زجاجة مياه بدلا من تلك التي وقعت من يدها وهي تنظر من النافذة إلى المارين هنا وهناك، وفور وصوله إلى كشك ليشتري لها ما طلبت، وإذ بصوت مدوي يكاد يخترق الآذان. يهرول الجميع، تتعالى الأصوات الصارخة ما بين عويل ونحيب، بوحشية ينفجر القطار. أفواجا كاملة من الركاب سحقت بلا رحمة وأصبحت أشلاء يصعب التعرف عليها…


في نهار من نهارات الصيف اللاهبة، يهرول مسرعا ممسكا بيده حقيبة وبالأخرى جلبابه الفضفاض الذي غالبا ما يتعثر فيه وهو في عجلة من أمره.  جلس الركاب في أماكنهم وهم على أهبة الاستعداد للانطلاق، لا يشغلهم إلا الوصول في الموعد المناسب ولا يضايقهم سوى ذلك الجو الخانق والحر الشديد. يتحرك القطار. يعتريه اضطراب وخوف شديد من عدم اللحاق به.

من بعيد، بدا له شعاع أمل عندما لمح اليد القوية التي امتدت إليه. يقفز مسرعا، يمسك اليد ويحكم القبض عليها. هو الآن على متن القطار. بابتسامة خفيفة وايماءة مهذبة يشكر الشاب الوسيم  على جميل صنعه. أخيرًا تنفس الصعداء، أراح جسده على مقعد بجوار النافذة، حيث تجلس طفلة، بيدها زجاجة ماء، تعطيها له دون أن يطلب. نظر إليها بابتسامة رقيقة وحدث نفسه قائلا: كم كنت ظمآن فقد كان يوما قائظ الحرارة. 

man-on-train صفير القطار....بقلم رضا بشندي

بعد أن روي ظمأه. قبل يدها، وبرقة مرر يده على شعرها. تبادلا الحديث وروى لها القصص الممتعة. علت ضحكاتهما، واستمتعا بالوقت الذي مر سريعا. بدا على البعض نظرات استغراب، تحمل في طياتها كثير من التساؤلات، بينما ينظر إليه البعض الآخر بعين الشفقة. لكن الجميع يطرحون السؤال نفسه: مع من يتحدث؟ كان الرجل ينظر إلى النافذة، مبتسما تارة، ومشيرًا بيده هنا وهناك تارة أخرى ولا يكف عن الكلام. بعد هنيهة، ربت على كتفه أحدهم ويدعى “حسين العطشجي”، وطلب منه أن يجلس بجواره في العربة المجاورة، فلم يتردد أن يجيب طلبه، قبل أن يبرح مكانه يحدق “علي” في مواجهة النافذة، وقد بدا عليه الحزن الشديد، وترقرقت من عينيه دمعتين، مسحهما بعد أن أدار وجهه، حتى لا ينتبه أحد إليه. بالقرب منه أراح جسده على أريكة وغط في نوم عميق، على صفير يشبه صفير وقف القطار يصحو”على”تسري في جسده قشعريرة ، وإذ به يتلفت فلا يجد أحدا  في المكان ، فقط صمت طويل و ظلمة حالكة.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليق واحد

اترك رد

ندوات