صورة جلال الدين الرومي في الوسائط البصرية عبر العصور.. بقلم: نهى محمد حنفي

“الروح لا تفكر أبدا دون صورة”
أرسطو

“إنك قد رأيت الصورة ولكنك غفلت عن المعنى”
جلال الدين الرومي

مقدمة البحث:

للأفكار روح حية، تولد وتكبر وتزدهر كذلك تضعف وتذبل وتندثر، تتأثر وتتلون، تتناسخ وتبتعث، تتشكل بحسب مدى قابليتها للتأقلم عبر الزمان والمكان، ومدى وقوفها على أرضية إنسانية مشتركة تتجاوز مساحات الخلاف وترتكن إلى المشترك القيمي والروحي المتأصل في نفس الإنسان اقتداءاً بالصوت الهامس بداخله الذي يقتاده للتحقق بالكمال والمطلق.

ويقدم أهل التجربة الروحية والعرفان نماذج حية للسعي نحو التماس مع الدائرة الإلهية وصياغة تلك التجربة في مصنفات تطوي أكثر مما تبوح، لعجز لغة البيان المحدودة على اتساعها، عن تحجيم الخبرة الروحية والزج بها في حنايا الحرف و طباق المسطور.

ربما كان من أكثر أهل التجربة شهرة وأوسعهم انتشاراً هو “مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْنَ بَهَاءٌ الدِّين البَلَخي الْبَكْرِيّ” والذي اشتهر باسم “جلال الدين الرومي” (604 هـ – 672 هـ 1207 – 1273م) أو كما يعرفه الغرب حالياً بـ ”  Rumi” إذ لاقت أشعاره وأفكاره رواجاً عالمياً خاصة في الآونة الأخيرة في مواكبة موجات الممارسات الروحية الجديدة ذات الطابع الصوفي كرد فعل على موجات المادية وافتقاد المعنى المهيمنة على العالم.

تجلت شهرة “الرومي” من خلال أشعاره وقصته الشهيرة مع شمس التبريزي (582-645 هـ) ورحلته الروحية التي ظهرت تجلياتها في العديد من مؤلفاته، التي لاقت قبولاً على مر العصور وعلى اختلاف الثقافات والمعتقدات، وصولاً إلى الثقافة الغربية المعاصرة التي بدورها تلقفت جانباً من أفكاره و أسبغت عليها طابعاً عصرياً.

وكأي منتج ثقافي له قاعدة جماهيرية تدعمه وتستهلكه، لم يفلت إرث الرومي من ماكينة التسليع المهيمنة للرأسمالية، والتي من أهمها المنتجات التي لا تخلو من مادة بصرية بحكم خضوع الثقافة الاستهلاكية لسطوة الصورة المرئية كأحد مقتضيات التسويق.

يتتبع هذا البحث جانباً من الطروحات لصورة جلال الدين الرومي في الوسائط البصرية ورصد الأبعاد الثقافية لسياقات تداولها على مر العصور، وكيف ساهمت في رسم الصورة الذهنية المتداولة عنه ومن ثم تسويق إنتاجه الفكري والشعري وفق تصور انتقائي منتزع قصراً عن سياقه التاريخي والثقافي.

أسئلة البحث:

  • ما سبب الحفاوة بالرومي في ثقافات متعددة وأصحاب ديانات متعددة على مر التاريخ؟
  • هل اختلفت التجليات البصرية لصورة “الرومي” في الوسائط البصرية المبكرة عن التصاوير الحديثة؟
  • ما المشترك والمختلف في تلك التصورات؟
  • هل اختلفت تلك الصورة في الأماكن التي يعد “الرومي” جزءاً من تراثها عن تلك البعيدة عنه ثقافياً وجغرافياً؟

أهداف البحث:

  • إلقاء الضوء على جوانب من حياة الرومي.
  • محاولة التعرف على آليات تسليع التراثات القديمة وإعادة تسويقها من منظور ثقافي.
  • التعريف بمدى أهمية الصورة المرئية في تكريس مفاهيم وإعادة بناء التصورات الذهنية لدى المتلقي.
  • محاولة تقفي الأثر الناجم عن تسليع التراثات القديمة لدى أصحاب تلك التراثات على خلفية سيادة نظام العولمة الذي يتجاوز الاختلافات الثقافية.

مدخل:

نشأ “جلال الدين الرومي” في مكان وزمان استثنائيين، إذ ولد في “بلخ” (في حدود أفغانستان حالياً)  والتي كانت تعد آنذاك أحد أهم مراكز التصوف الإسلامي كذلك تأثرها بالصبغة الدينية والثقافية لأنماط الديانات الشرقية المنتشرة هناك مثل البوذية والزرادشتية، أما الزمان فكان قبيل اجتياح جيوش المغول لأراضي الدولة الخوارزمية في أوائل القرن الحادي عشر، والذي تبعه تحولات جذرية في المنطقة بأسرها.

أشهر من كتبوا سيرة “جلال الدين الرومي” هما ابنه “سلطان ولد” المولود في 623هـ – 1226م في منظومة تركية تسمى “ولد نامه”، وكان قد أصبح خليفة لوالده على الطريقة المولوية ويعتبر مؤسسها وواضع نظمها وتقاليدها وشعائرها(1)، وأيضاً أحد مريديه ” شمس الدين أحمد الأفلاكي العارفي” الشهير بـ”الأفلاكي” وذلك في مؤلفه “مناقب العارفين”، يمكن الوقوف من خلالها على السرديات الشهيرة عن فترات من حياة الرومي وما اختلط بها من مخيال المريد الذي رسم لسيرته ملامح تليق بمسيرة ولي بالأصالة.

الحفاوة بالمولوي وإرثه الفكري والروحي بدأ في حياته وامتد لآماد لاحقة واتخذ صوراً متعددة، أهمها ترجمة أشعاره ومؤلفاته، استلهام سيرته ومسيرته الروحية في العديد من الأعمال الإبداعية، والتي تصب الاهتمام بشكل مكثف بالجانب الأدبي والفلسفي والروحي بوصفه متصوف وشاعر وفيلسوف، وهو ما اتكأت عليه الطروحات البصرية لتشخيص وتجسيد “الرومي”  في الوسائط البصرية وساهم بشكل كبير في رسم ملامحه كما انطبعت في الأذهان.

ستتناول الدراسة مختارات متنوعة من التصاوير والأعمال الفنية التي تناولت تجسيداً لشخصية “جلال الدين الرومي” وتحليل ذلك التجسيد وتتبع ما يعكسه وما يكرسه من صورة ذهنية عن تلك الشخصية الاستثنائية على مر العصور المختلفة وباختلاف السياقات الثقافية والتاريخية التي تم إنتاجه وتداولها أثناءها.

تتنوع تلك المختارات وفقاً لمرجعيات الإنتاج عبر الزمان والمكان، ما بين تصاوير مصاحبة لأعمال أدبية من العصور الوسطى، وبين تصاوير مصاحبة لمطبوعات رسمية بوصفه جزء من تراث بلاد بعينها، كذلك التصاوير ذات الطابع الغربي والأحدث في تاريخ الإنتاج التي تعكس خروج أفكار الرومي عن نطاقها المحلي أو الديني للنطاق العالمي، ومن ثم انتشار الصور الشائعة المصاحبة لما ينسب إليه من مقولات أو أشعار مترجمة في الوسائط البصرية المتعددة والتي يصعب تتبع هوية صانعيها في فضاءات النشر المفتوحة.

أولاً:صورة جلال الدين الرومي في تصاوير العصور الوسطى:

من الصعب الارتكان على التصاوير الفنية الإسلامية كمصدر وثائقي لتمييز ملامح الأفراد ورسم صورة مطابقة للواقع عنهم، إذ لم يأبه المصور في الغالب أن يرسم تشخيصاً دقيقاً للأفراد في لوحاته كما كان يحدث بدرجة ما في التصوير الغربي منذ عصر النهضة الذي يمكن الرجوع إليه بدرجة أكثر موثوقية لرسم تصور يقارب الواقع في مسألة ملامح الأفراد في الصور الشخصية portrait.

يرجع هذا الأمر-تقصي محاكاة الواقع في التصوير- خاصة فيما بين الثقافة الشرقية والغربية لمرجعيات ثقافية أكثر اتساعاً من التمثلات البصرية وحسب، إذ تختلف أنماط التلقي والتفكير ومحددات الإبداع وأهدافه المتباينة بين الثقافتين، إذ أولت تصاوير تلك الحقبة التعبير عن معايير وملامح غير متمايزة ذات سحن متقاربة لها مواصفات موحدة بحسب مرجعية إنتاجها سواء عربية أو فارسية أو مغولية وفقاً لمدارس فنية ذات سمات خاصة لا تكترث في الغالب بالتشخيص والمحاكاة أو بتتبع الوثائق المكتوبة التي تصف ملامح الشخصيات الشهيرة المصورة إن وجدت.

وعليه جاءت أغلب التصاوير المصاحبة للنصوص الأدبية التي تصور “الرومي” على نسق تصوير الشخوص وفقاً للمدرسة الصفوية في التصوير في القرنين السادس عشر والسابع عشر(2)، فتحمل السحن الملامح الآسيوية ذات العيون الضيقة والمسحوبة مع وجود فروق طفيفة في الملامح وشعر الوجه للرجال والتفاصيل التي تعبر عن المرحلة العمرية وتباين الأزياء التي تعكس الطرز السائدة آنذاك في في بلاد فارس، مما يوفر درجة من التنوع دون الانسياق خلف غواية المحاكاة المطابقة للواقع.

أغلب صور “الرومي” تمثل مرحلة عمرية متقدمة في المرحلة المتأخرة من حياته وذروة رحلته الروحية حيث نال المشيب من لحيته الكثة والهرم من ملامح وجهه الذي تغشاه السكينة، إلى جانب دعم مكانته الروحية باختيار موضعته في أماكن مركزية في الصورة والتكوين.

تنوعت الموضوعات التي تناولتها تلك التصاوير فإحداها تأتي مصاحبة لنص مترجم عن الفارسية بعنوان “ترجمة الثواقب والمناقب” والذي يتناول حياة ومعجزات الرومي برواية “الأفلاكي” المتوفى 1360م،  والتي استعرضت مراحل مختلفة من حياته وسردية أسطورية لمعجزاته تليق بما استقر عليه المقام كصاحب طريقة المولوية المتوسلة بالعشق الإلهي، وذلك بعد ما يربو عن الثلاثمائة عام من كتابة النص الأصلي(3)  وقد ازدانت أحد تلك النسخ التي ترجمت إلى التركية بمجموعة من التصاوير المنمنمة المرفقة بالنص والتي تمثل مشاهد متنوعة من حياة الرومي وتمثل المعجزات التي جرت على يديه.

كان أغلب ظهوره فيها مرتدياً عباءة وجبة وعلى رأسه عمامة مفلتة الطرف ملفوفة حول قلنسوة من اللباد  البني المعروفة باسم “الكلّة”، وهي الهيئة التي استقر على محاكاتها غالب الصور اللاحقة، كأحد الملامح المميزة عموماً لأتباع الطريقة المولوية، ,والتي تحمل سمات الأزياء المحلية في هذا الزمان لبلاد ما وراء النهر (شكل 1)، أو أحياناً يبالغ في حجم عمامته كرمز لعلو المكانة الروحية (شكل2).

ثانياً: صورة الرومي كجزء من التراث المحلي:

يتنافس على نِسبة جلال الدين أربعة أوطان، وهي بلاد الأفغان، وبلاد فارس، وبلاد العرب، وبلاد الترك، التي اشتهرت ببلاد الروم. فهو قد وُلِد في بلخ من بلاد الأفغان، في بيتٍ عريقٍ من بيوت العلم والإمارة، ونظم بالفارسية والتركية والعربية، ونسبه عربي صميم إلى الخليفة أبي بكر الصديق، وعاش في بغداد حينا، وضريحه في قونية، حيث وفاته؛ فلا جرم أن تتفتح الأبواب للتنافس عليه؛ بحجة من الحجج، لكل منافس يحرص على هذه الدرة النفيسة، وإنها في الحق لذخيرة للحضارة الإسلامية وللإنسانية، يأخذ منها مَنْ شاء من بني الإنسان بنصيب موفور(4).

لذا؛ انعكس ذلك التنافس في الاحتفاء بتلك الشخصية كجزء من التراث الثقافي لبعض البلاد، وذلك تجلى بصرياً في جانب من الإنتاج الفني المؤسسي الرسمي أو على المستوى الفردي، فنجد مثلاً تصميم لطابع تذكاري  صدر في أفغانستان وعليه صورة المولوي(شكل3)  كذلك هناك صورته المطبوعة على ورقة البنكنوت التركية من فئة 5000 ليرة (شكل 4) وهي مفارقة فجة لارتباط صورة الرومي بالعملة النقدية والتسليع تستدعي نظيرتها المكتوبة على الدولار الأمريكي “In god we trust” كشعار للولايات المتحدة الأمريكية تم طباعته على العملات، والتي تولد سؤالاً على خلفية تزعمها للتوجه الرأسمالي: في أي رب يثقون؟!.

كذلك ثمة تمثالين للمولوي في تركيا، أحدهما في متحف مدام توسو في اسطانبول Madame Tussauds museum in Istanbul  الشهير بعرض التماثيل المصنوعة من الشمع لشخصيات شهيرة بدا فيه الرومي واقفاً بالحجم الطبيعي مرتدياً زيه التقليدي وعمامته وقلنسوته باسطاً كفه الأيمن على صدره موضع القلب، إلا أن ملامح وجهه بدت مختلفة عما سبق استعراضه في نماذج سابقة، إذ بدت ملامحه أوروبية بشكل كبير ويبدو أكثر حضوراً وقد افترَّ ثغره عن ابتسامة خافتة، مما يعطي انطباعاً وكأنه يحيي جمهوراً متخيلاً، خاصة وقد تموضع التمثال على خلفية مطبوعة تمثل درويشين يؤديان رقصة السما الدوارة  بالزي التقليدي(شكل 5 )، فكان هذا التجسيد لشخصية الرومي بدا استعراضياً مغرباً ربما ليناسب الذائقة السياحية لزوار المتحف.

احتفت الثقافة الإيرانية بالرومي كجزء من تراثها الأدبي والروحي والفلسفي، وهو ما ألهم العديد من الفنانين التشكيليين للتعبير عن هذه الحفاوة من خلال وسيط الصورة، وذلك وفق القيم الغربية الأكاديمية للوحة التصويرية، فأحد أهم المصورين الإيرانيين المعاصرين “محمود فرشيشيان” 1930 قام بتنفيذ عمل يصور فيه اللقاء الروحي بين الرومي والتبريزي (شكل 6) بشكل يعكس التمازج والتعاشق فيما بينهما من خلال إماهة الحدود المؤطرة لكل شخصية واختلاط كتلة جسديهما فيما يشبه السحاب المتماوج ووضعية الرومي في حالة التلقي من التبريزي الكائن في السماء كالشمس الساطعة، والتي يلاحظ فيها التخلي عن عناصر الزي النمطي المميز لكليهما من الجبة والعمامة والقلنسوة اللبادية العالية، بشكل ينحاز للرمزية على حساب محاولة تلمس المحاكاة الواقعية.

f1pKWywFbZN5AwVIeiAaET_XVB1eH8Fgckomdhtnoko7QEyW3PihsTEn7t0MyVez6VERb2KMSjc0TL73us8urbq61U0UftkOblNp0eI6AZN6MvPb9obOeGHjxikZ3MMt975-wR_ssT1-QY8e2pICdD0 صورة جلال الدين الرومي في الوسائط البصرية عبر العصور.. بقلم: نهى محمد حنفي

ثالثاً:صورة الرومي في الثقافة الغربية المعاصرة:

يعود الاهتمام الغربي بالرومي إلى فترةٍ مبكرة، ونجد من أوائل المهتمين بأعماله المستشرق الإنجليزي “رينولد نيكلسون” الذي ترجم مختارات من ديوانه “شمس تبريز” عام 1898، وقد تزايدت الدراسات والكتابات والأعمال المترجمة عن الرومي خلال القرن العشرين، وكان أهم من اشتغل على ترجمة وتفسير أشعاره المستشرق الإنجليزي “آرثر جون آربري”، والمستشرقة الألمانية “آنا ماري شيميل” التي خصصت كتابها الضخم  “الشمس المنتصرة” لدراسة وتحليل أشعاره. 

في عام 1995، نشر الشاعر الأمريكي (من أصل إيراني) “شهرام شيفا” كتاب “إزاحة الحجاب: تراجم الرومي”، قام فيه بترجمة عدد من القصائد مباشرة من الفارسية وأخرجها في قالب شعري مبسّط، وفي عام 1998، اختار الطبيب والكاتب الروحاني الأمريكي “ديباك شوبرا” قصائد كتبها الرومي ونشرها بعنوان “قصائد العشق”.

أيضاً هناك العديد من مؤلفي الموسيقى الذين استلهموا من أشعاره كلمات لأغانيهم، مما ساهم بتعزيز انتشار أعمال الرومي ووصولها إلى فئات وأوساط جديدة.

وبلغ الاهتمام بالرومي ذروته عام 2007، بمناسبة مرور 800 عام على ميلاده، حين نظمت “اليونسكو” احتفالاً خاصاً به، جاء في إعلانه “أفكار وآمال الرومي يمكن أن تكون جزءاً من أفكار وآمال اليونسكو”.

وفي ذات العام وصفت “بي بي سي” جلال الدين الرومي بأنه أكثر الشعراء شعبيّة في الولايات المتحدة، مع الإعلان عن حصول مؤلفات الرومي على لقب “الأعلى توزيعاً” بين كتب الشعر، في الولايات المتحدة لثلاثة أعوام متتالية من 2004 إلى 2006، لاسيّما ديوانيْه “المثنوي” و”التبريزي”.

وتعززت شهرة الرومي بعد كتابة الكاتبة التركية “إليف شافاق” روايتها “قواعد العشق الأربعون”، التي صدرت في الولايات المتحدة عام 2010، وتناولت حياة الرومي ولقائه مع التبريزي، وقدمت شرحاً مبسطاً لحكمته. ومن جديد، في عامي 2014 و2016، أعلنت صحف أمريكية عن نيل الرومي صفة الشاعر الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة(5)

تعرضت أفكار ومأثورات الرومي لعدة ممارسات لتسهل من اشتباكها مع الثقافة الشعبية الغربية حدثت على عدة محاور:

  • استقطاع عدد من أفكاره المكثفة حمالة الأوجه سهلة التداول يسيرة التركيب التي يسهل ترجمتها وفهمها تحمل معاني عامة عن الحب والانسجام مع المطلق وتقدير الذات، في الأغلب من ديوان شمس التبريزي أو أشعار المثنوي وقصصه.
  • استخدام أشعاره المترجمة في أعمال أدبية أو مقولات مطبوعة أو في مؤلفات غنائية أو عروض مسرحية.
  • استعارة مشاهد من حياته خاصة قصة علاقة الرومي بشمس التبريزي واستغلال الفجوات التوثيقية في الرواية المنقولة عنها وصياغة أعمال فنية من وحيها.
  • استغلال فنون التراث المولوى مثل رقصة السما Sema  وزي الدراويش الدوارة والتكايا، وهو ما يحدث على نطاق أوسع في البلاد الإسلامية التي تتنافس على نسبة تراثه إليها أو التي تحتضن أتباع للطريقة المولوية وعلى رأسها تركيا.

BC8reYyaFofa4xXHXaSSQfnxeOPMYQ0OhWVMRVVv_PW2hwHFBujFLY0kuu9UY0Qsl3ykTp5HuQja9zedc7xyYw8jb7g51BwUiE8DhsjNaUyl935cwNGgl_N4SC01aotHpBg7P6Bk0KPhMHcDP1TNZHI صورة جلال الدين الرومي في الوسائط البصرية عبر العصور.. بقلم: نهى محمد حنفي

كان التركيز الأكبر في التداول والاستهلاك على إرث الرومي من الشعر والحكم من منظور فلسفة العشق التي اعتنقها، والتركيز بشكل كبير على ما تعكسه من قيم إنسانية عالمية تتجاوز الزمان والمكان، كذلك الفنون المتعلقة بالطريقة المولوية خلال طقوس السماع، ربما لم يكن لتشخيصه في صورة بصرية أهمية لولا ارتباط الثقافة الاستهلاكية المعاصرة بالرسائل البصرية ومن ثم خلق خط إنتاج للصورة ومتعلقاتها على حدة، من لوحات مرسومة (شكل 7) أو منتجات استعمالية تحمل صورة الرومي أو دراويش المولوية (شكل 8).

من اللافت أنه تم إعادة (تسويق) الرومي إلى ما يصنف بثقافته الحاضنة متمثلة في البلاد الإسلامية والعربية، وفقاُ للتصور الغربي الاستهلاكي، فيلاحظ رواج لكتب تحمل جانب من أفكاره أو صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر مقتطفات تنسبها إليه ملحقة بصورة له نظراً لطبيعة تلك الوسائط التي تربط الانتشار بالصورة، كذلك الإقبال على اقتناء منتجات استهلاكية تحمل صورته أو صورة الدراويش المولوية أثناء الدوران في رقصة السما أو عزف الناي أو إلحاق بعض مقولاته (الحقيقة أو الملفقة) بأحد تلك المنتجات من أكواب أو حلي أو ملابس، وهو مايعكس شكل من أشكال العولمة والقطيعة مع التراث بشكل أكثر تعقيداً، ولو بدا أن (هذه بضاعتنا ردت إلينا).

نتائج البحث:

  • تظهر الحفاوة بالتجربة الروحية لجلال الدين الرومي خلال حياته وبعد انتقاله وامتدت حتى عصرنا الحالي، وذلك ارتكاناً لما تعززه من قيم الإنسانية واحتضان الاختلاف بالتركيز على الخطاب الواقف على مسافة واحدة من كافة المعتقدات.
  • فلسفة الرومي المستوعبة لكافة الثقافات والأفكار والفلسفات كانت مساحة آمنة وجاذبة على نطاق عالمي، جاءت لتسد فراغاً روحياً صنعته المجتمعات الحداثية، لتكون ملاذاً آمناً لمن أنهكتهم المادية وسأموا الالتزامات الشرائعية دون التحصل على ثمرتها الروحية.
  • لم تفوت آليات الرأسمالية تلك الفرصة لاستغلال هذا الاحتياج الروحي والنظر في إمكانية تسليعه بكل الأشكال والصور، خاصة مع نمو شريحة مضطردة من المقبلين على تلك الأفكار.
  • تم التكريس بشكل كبير لصورة جلال الدين الرومي ذلك الشيخ الهائم المتبتل في محراب العشق المنفصل عن الزمان والمكان، وتداولت صورة مشابهة لتلك التي ظهر بها في مخطوطات منذ العصور الوسطى، باختلافات طفيفة بحسب سياق تداولها والذائقة الجمالية للمتلقين المحتملين.
  • يظهر مشترك واضح بين أغلب الصور البصرية للرومي أهمها الزي الذي له مرجعية ثقافية إسلامية/شرقية، وهو ما يتوافق مع ما يمثله الرومي من قيم روحية لدى النظرة الغربية، التي تتلمس الحكمة من النظم الثقافية القديمة والشرقية خاصة،  وياحبذا لو هناك ثمة تمثيل بصري في هيئة صاحب تلك الأفكار، كذلك يحدث مع الأفكار ذات المرجعية الهندية القديمة فيتم تسويقها من خلال أشخاص ذوي هيئات معينة وشعور طليقة وسبح طويلة معلقة في رقابهم وغيرها من ملامح محلية (أوشو مثالاً)، فتصبح الهيئة دليلاً على الكفاءة والأهلية بشكل مؤثر.
  • في العالم الحديث تلعب الصورة المرئية دوراً كبيراً في خلق رابط بين (المستهلك) و(المنتج) فلابد من تسويق أفكار الرومي بمصاحبة هوية بصرية ما، والتي ربما لا تهتم كثيراً بسياقات ثقافة أو فكر شخصية بعينها لكنها قدر ما تمارس نوع من اجترار صورة نمطية stereotyping  لأنماط شكلية معينة يسهل استدعاءها لإعادة تسويق أنماط ثقافية/ منتجات جديدة.
  • لا تعكس التصاوير وأغلب المتداول عن سيرته شيء واضح عن تلك ال37 عاماً من حياة الرومي التي قضاها قبل لقاء شمس التبريزي، فبدا وكأن الرومي ولد بفعل هذا اللقاء وما سبقه كان في حساب العدم، رغم ابتداء تكوينه الروحي منذ باكورة عمره بتتلمذه على يد والده “بهاء الدين ولد”  وأخذه الطريقة عنه وتعرفه من ثم على كبار متصوفة عصره مثل “فريد الدين العطار”( 618 – 540 هـ).
  • تلك المساحات الغائمة عن حياة شمس التبريزي وعن تلك الخلوة التي تمت مع الرومي، ربما ساهمت بشكل كبير في إزكاء خيال كتاب سيرته ومن تداولها خاصة بعد ما بدا من تحول جوهري في توجهات الرومي الروحية.
  • تظهر قضية الثنائية والمفاضلة بشكل حدي بين الوصول إلى الحقيقة عن طريق الشريعة أم عن طريق الذوق في سيرة جلال الدين الرومي، إذ يتم التغافل في تناول سيرته عن مسيرته الطويلة كفقيه على المذهب الحنفي واطلاعه بتدريس الفقه لفترات طالت، والذي ربما ساهم في خروج سيرته في سردية تصلح للتداول لارتكانها على مباديء إنسانية شاملة لا مكان فيها للمذهبية الفقهية الإسلامية، وهو من أهم عوامل الإقبال على إنتاجه الفلسفي في العالم الإسلامي من قبل بعض الشرائح، إذ يتم تداول صورة الرومي (المغربة) وإعادة تسويقه rebranding لثقافته الأصلية، بوصفه وافداً من الثقافة الغربية التي يتلقف إنتاجها شرائح اجتماعية معينة، بشكل لايخلُ من الرغبة في الوجاهة الاجتماعية.

خاتمة:

شهدت العصور الحديثة تحول كبير في تلقي الفلسفات القديمة والنظر إليها بعين مغايرة، على خلفية سياقات مستحدثة خلقت لها أبعاداً جديدة، كذلك تعددت مستويات تلقيها بين النظرة الأكاديمية التي تعدها فلسفة محضة تنظر في جذورها وتستحضر ما يوافقها من أفكار وتبحث في سياقات نشأتها الأصلية، وبين ما يتم تداوله على مستوى الثقافة العامة بالاشتباك مع السياقات العصرية ومدى قدرتها على تقديم مادة توائم المتلقي وتلبي لديه احتياج ما، ولا يمنع  الاستعانة بصورة مرئية ترسم تجسيداً لتلك الفكرة وتمثل أيقونة بصرية يمكن استغلالها في إنتاج منتجات مادية، فيتحول الرومي إلى سلعة على خط إنتاج ثقافي يتم حلبها حتى تنضب ومن ثم يعاد البحث عن نموذج جديد ليبدأ الدورة من جديد وفق آلية تسويق تدين بدين المادة أنى توجهت ركائبه.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

الهوامش:

* وفقاً للتعبير الذي استخدمه د.وليد الخشاب في محاضرات التصوف في المدينة الحديثة .

(1) مثنوي جلال الدين الرومي-ترجمة وتقديم إبراهيم الدسوقي شتا-المجلس الأعلى للثقافة-1996.

(2) التصوير في الإسلام عند الفرس-زكي محمد حسن-مؤسسة هنداوي-2014

(3) من منشور بالإنجليزية بعنوان  manuscript life and miracles” of Rumi-1590

(4) مقطع من مقال بعنوان “كيف رأى عباس محمود العقاد جلال الدين الرومى” .

(5) من مقال بعنوان: ما سر شهرة الرومي في الغرب؟

المراجع:

مراجع عربية:

مثنوي جلال الدين الرومي-ترجمة وتقديم إبراهيم الدسوقي شتا-المجلس الأعلى للثقافة-1996

التصوير في الإسلام عند الفرس-زكي محمد حسن-مؤسسة هنداوي-2014

روابط لمواقع على الانترنت:

-مخطوطة عن حياة ومعجزات الرومي:

manuscript life and miracles” of Rumi-1590

-كيف رأى عباس محمود العقاد جلال الدين الرومى؟

https://www.youm7.com/story/2021/9/30/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%B1%D8%A3%D9%89-%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%AF-%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85%D9%89/5478319

– لوحة زيتية لجلال الدين الرومي على موقع بيع لوحات فنية إيرانية: https://shopiranart.com/product/oil-painting-the-rumi-hand-painted/

– ما سرّ شهرة جلال الدين الرومي في الغرب؟

https://hafryat.com/ar/blog/%D9%85%D8%A7-%D8%B3%D8%B1%D9%91-%D8%B4%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%9F

-احتفاء اليونسكو بجلال الدين الرومي لاصدار ميدالية بمناسبة ذكرى ميلاده ال800

https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000147319

Why is Rumi the best-selling poet in the US?

https://www.bbc.com/culture/article/20140414-americas-best-selling-poet

4 Reasons Rumi Is The Inspiration For Today’s Love Songs

https://medium.com/thrive-global/4-reasons-rumi-is-the-inspiration-for-todays-love-songs-250d9a334f7e

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

0 comments

اترك رد

ندوات