عبد الجواد ياسين وإشكالية الثابت والمتحول … بقلم: محمد صلاح سليم
الفكر الديني في ضوء العلوم الاجتماعية تقرير حول دورة الأديان والعلوم الإنسانية الجزء الرابع
بقلم: محمد صلاح سليم

بدأ اليوم الرابع والأخير في شهادة الأديان والعلوم الإنسانية بالمعهد الدومينيكي بمحاضرة وجلسات نقاشية غنية مع المفكر المستشار عبد الجواد ياسين وكان عنوان الجلسات “الفكر الديني بين الثابت والمتحول” حيث صحبنا مفكرنا في رحلة شيقة طوف بنا فيها حول تاريخ الديانات الكتابية الثلاثة.
وضح المستشار في البداية وجود زاويتين نظر لمقاربة المسألة الدينية هما الأشهر: العقل الديني التقليدي، والعقل الاجتماعي الوضعي، ويلاحظ ياسين أن العقل الديني التقليدي يذهب إلى أن كل الدين مطلق مفارق للاجتماع، أما العقل الاجتماعي الوضعي الكلاسيكي المتأثر بالأنوار يرى أن الظاهرة الدينية برمتها اجتماعية بما فيها فكرة المطلق ذاتها. أما مفكرنا فبحسب كتبه فيفرق بين الدين الذي ينتمي إلى المطلق وهو حصرا عنده: الإيمان بالله والأخلاق الكلية، والتدين الذي هو اجتماعي نسبي متطور ومتنوع بطبيعته.
ووضح ياسين أهمية لحظات معينة في تاريخ أي ديانة: الأولى هي لحظة التأسيس والتي تتشكل في اجتماع تتأثر به ثم تؤثر فيه وتعيد تشكيله، والثانية لحظة التدوين والتي يراها لحظة تأسيس ثانية، والثالثة لحظة المواجهة مع التطور الاجتماعي والحداثة والواقع المعاصر، وأن أي قراءة للديانة في كل مرحلة إنما تتفاعل معها كفكرة وأيضا كواقع اجتماعي مادي قابل للرصد، وأكد أن هذا التقسيم بين الفكرة والواقع هو تقسيم اصطناعي مفترض، والهدف مع التعامل مع الديانة كواقعة أنثروبولوجية إنما يهدف إلى الاقتراب من الفهم حسب المنهج العلمي.
ثم صحبنا المستشار في رحلة بدأت منذ التدين العبري الذي يرى أنه فريد على الرغم من نشوئه وتطوره في سياق تاريخي معين تفاعل مع مؤثرات مصرية وكنعانية، وآشورية وبابلية، ثم تماس مع الزرادشتية الفارسية والثقافة الهلينستية عبر رحلة تطور للفكر الديني اليهودي ساهمت في تشكيله ووصوله إلى هيئاته النهائية، وأكد على أن في اليهودية لم يكن هناك عصر تدوين واحد، وأن فكرة الحصرية والتشريع الديني المكتوب كان له كبير الأثر على الفكر الديني اللاحق وعلاقته بالدولة أو السياسة.
ثم تطرق ياسين إلى المسيحية التي قال إن هناك دراسات تقرأ نشوءها قراءة سياسية بحتة وثورية في سياق العنف الروماني، لكنه يرى أن هذا الطرح يفتقر إلى أدلة حتى لو لجأنا إلى “الأبوكريفا”. ثم بين تأثير بولس على المسيحية وظهور عاملين مهمين لاحقا أثرا على تطورها هما: تبلور الكنيسة ككيان له حضوره الفاعل سياسيا، وانغماس الرومان في المسألة المسيحية؛ مما أدى بالتدرج إلى ظهور المجامع كنيقية والاعتراف بالمسيحية حتى تبنيها من قبل الإمبراطورية.
ثم شرح المستشار رؤيته حول تطور الديانة في السياق الإسلامي وفرق بين المرحلة المكية التي يرى أن المطلق الإلهي والأخلاقي كان أكثر حضورا فيها ثم خفت – مع وجوده بالطبع – في المرحلة المدنية التي انشغلت بالواقع السياسي، ثم تطورت الظواهر التي أثرت على الفكر الإسلامي وتفاعلت مع النص ومنها: تبلور الدولة، والفتوح العسكرية، والصراع على السلطة.
ثم تكلم ياسين عن شيء من أنماط التدين في الشرق وذكر النمط “الثنائي” الذي يفرق بين الذات والموضوع أي الإنسان والله، والنمط الذي يماهي بينهما وهو المنتشر في الشرق الأقصى وتطوير مفهوم وحدة الوجود الذي سيجد طريقه إلى السياقات الإسلامية عبر التصوف.
ثم صحبنا مفكرنا عبر محطات تناول فيها بعض المقاربات السوسيولوجية للظاهرة الدينية منها: الكلاسيكية الوضعية التي بشرت بزوال الدين لصالح العلم، ثم مرحلة نقد الحداثة وعودة المقدس، وتناول مقاربات لأعلام مثل فيبر، وترولتش، وهابرماس وجورج سيميل، وأكوافيفا، وتيارات ما بعد الحداثة ومنهم ليوتار، شارحا أهم ما يميز كل مدرسة أو مفكر في مقاربته للمسألة الدينية.
خاتمة
كانت هذه إسهامات أربعة مفكرين وباحثين يعنون بالفكر الديني في ضوء العلوم الإنسانية، في محاضراتهم بالمعهد الدومنيكي، وتبين من هذه المحاضرات ثراء المقاربات الممكنة التي يمكن أن تدرس الظاهرة الدينية، وأنّه لا يكاد يوجد سقف للاجتهادات، وأن التاريخ صخرة تتحطم عليها كثير من أوهام المطلق، وأن تطور العلوم الاجتماعية الحديثة يمكننا من فهم أعمق للفكر الديني في سياق تاريخي اجتماعي.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد