في مسألة تنازل الخليفة العباسي بحقه في الخلافة للسلطان سليم الأول … بقلم: عماد السعيد
عماد السعيد

بسقوط بغداد عام 1256م على يد المغول، أصبحت عملية إحياء الخلافة العباسية في مصر بعد شغور دام ثلاث سنين ونصف السنة، بمثابة الحل الأمثل الذي سعى إليه الظاهر بيبرس؛ فاستدعي عم أخر الخلفاء العباسيين الذي استطاع الهرب من يد التتار، وذلك من أجل إضفاء شرعية على وصوله للحكم بعد اغتيال السلطان قطز. فيحدثنا ابن تغر بردي(1) تحت عنوان ” سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري” : أن لا أحدا من المؤرخين ذكر لبسه خِلعة السلطنة الخليفتي واكتفى بالمبايعة والحلف. فجهز الظاهر عسكرا لخروج التتار من حلب فساروا إليها وأخرجوهم منها على أقبح وجه، ومعه كان وصول المستنصر بالله أبو القاسم أحمد بن الأسمر الخليفة إلى مصر. وبايعه الملك الظاهر بعد أن قريء نسبُ الخليفة بعد محضر شهد به أعيان الدولة من قضاة وأمراء ووزراء. فخطب الخليفة الجمعة التالية خطبة بليغة وأخلع على الظاهر بيبرس خِلعة السلطنة، وأصدر له تقليدا بحكم ( البلاد الإسلامية وما ينضاف إليها وما سيفتحه الله على يديه من بلاد الكفار) فاتشح بالسواد وهو شعار العباسيين ودخل من باب النصر وزينت له القاهرة، ومن وقتئذ ظلت القاهرة هى مقر الخلافة العباسية.
وفي مايو من عام 1516، غادر جيش المماليك ليجتاز الحدود السورية لملاقاة العثمانيين بقيادة السلطان قنصوه الغوري، ويرافقه الخليفة العباسي المتوكل على الله والقضاة الأربعة. وفي أغسطس من نفس العام، تقع معركة مرج دابق الفاصلة بين المماليك والعثمانيين ويُقتل الغوري ويُأسر الخليفة العباسي، ويقع جيش المماليك ما بين قتيل وجريح أو فارٍ من أرض المعركة. وبينما كان سليم الأول في أوطاقه، يتوجه إليه أمير المؤمنين الخليفة المتوكل والقضاة الأربعة، وعند إبن إياس(2) يسأله سليم الأول عن موطنه الأصلي، فيقول له من بغداد، فيقول له سليم : نعيدكم إلى بغداد كما كنتم.. وأخلع عليه بمال ورده إلى حلب ووكل به حراسة كي لا يهرب من حلب. وبعد تسلطن طومان باي وكسرته أمام العثمانيين في موقعة الريدانية تقرأ الخطبة باسم السلطان سليم في مساجد القاهرة بـ ( اللهم انصر السلطان بن السلطان ملك البرين والبحرين، قاهر الجيشين، سلطان العراقين، خادم الحرمين الشريفين، الملك المظفر السلطان سليم شاه).
نفي الخليفة ليس معناه نقل مقر الخلافة..
لا ريب أن اصطحاب سليم الأول للخليفة العباسي من القاهرة لإسطنبول، ليس هدفه نقل مقر الخلافة، ففكرة الخلافة لم تكن ضمن تفكير العثمانيين آنذاك. لذلك رأينا سابقا أنه في أول لقاء جمع بين سليم الأول والخليفة في أوطاقه بعد معركة مرق دابق، أن سليم كان قد قرر عودة الخليفة لمسقط رأسه بغداد كما أخبرنا بذلك ابن اياس في تاريخه. بل كان هدفه هو عدم إستغلال النفوذ الديني للخليفة، وذلك بعدم تمكين أي متمرد أو ثائر قد يستقل عن السلطنة العثمانية لاحقا. فيصبغ الشرعية على سلطنته بأخذ بيعة السلطنة من المتوكل إن كان قد استمر بالقاهرة، أو حتى ببغداد إن كان سليما قد نفذ كلامه للخليفة وأرسله إلى بغداد. لذلك نرى أن سليم قد بدى له أنه من الحكمة أن يظل المتوكل بحوزته، لذلك قد أتم الترسيم عليه بمنفاه بإسطنبول؛ فوجود الخليفة يعطي الشرعية للسلطان. فالمقريزي يحدثنا في كتابه السلوك، من أن الظاهر بيبرس؛ كان سيرسل صحبة الخليفة عددا كبيرا من الجنود من أجل إحياء الخلافة العباسية ببغداد، لكن أحد أصدقاء بيبرس نصحه ألا يفعل ذلك، لأن الخليفة إذا استقر أمره ببغداد نازعك وأخرجك من مصر. وحتى ما قبل الظاهر بيبرس البندقداري، كانت فكرة اجتذاب الخلافة العباسية بالقاهرة قديمة عند المماليك. فأولى المحاولات كانت على يد أحمد بن طولون عندما رحب بالخليفة المعتمد، وابن طغج الإخشيدي مع الخليفة المتقي وذلك حينما تأزم الموقف بين الحمدانيين والأتراك، ثم محاولة قطز الذي حاول أن يستقدم أبا العباس أحمد الذي لقب فيما بعد بالحاكم(3)، حينما نجا من مذبحة التتار، ووصل لمصر أيام الظاهر بيبرس ليكون ثاني خليفة عباسي بالقاهرة، بعد المستنصر الذي تلاشى ذكره واضمرته البلاد بعد واقعة التتار حسبما يحدثنا ابن تغربردي. فاحتفل بيبرس بلقاء الحاكم وبايعه بالخلافة، ثم حدد اقامته بقلعة الكبش وظل سجينا بها طيلة 34 عاما حتى مات في عام 701 هجرية. من ذكر هذه الأحداث والوقائع، نفهم حاجة السلاطين المماليك المستمرة لسند شرعي لتأييدهم في حكم البلاد، ولذلك كانوا يأخذون البيعة من الخلفاء العباسيين. فالمماليك لا يعرف لهم نسبا ولا أصلا، وكثير من الأعداء متربصين. لذلك ليس بمستغرب أن نرى الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، الذي أخذ يعمل لانتزاع مصر من حكم المماليك، ما لبث أن يذكّر المماليك بأصلهم الوضيع وأنهم ما إلا “مماليك قد مسهم الرق”(4). ولكن الوضع مختلف مع سلاطين بني عثمان، فهم خلف لسلاطين من أبناء سلاطين، لذلك رأينا سليم في رسالته لطومان باي الذي طلب منه فيها بأن يكون نائبا عنه، وأن تكون الخطبة له وتصك العملة باسمه فذكر له أنه : “مملوك منباع مشترى ولا تصح لك ولاية، وأنا ملك ابن ملك إلى عشرين جد، وقد توليت الملك بعهد من الخليفة …… إلى أن قال له : أنا خليفة الله في أرضه وأولى منك بخدمة الحرمين الشريفين..”.
من ناحية أخرى، لو كان نَفيُ الخليفة باستنبول معناه نقل مقر الخلافة، فما كان ليعيده إلى القاهرة مرة ثانية السلطان سليمان القانوني، فقد سمح له بعودته حينما اقترب أجل والده الخليفة يعقوب، وظل بها خليفة حتى مات. وما فعل ما كان قد خشى حدوثه السلطان سليم الأول من إعطاء الشرعية لأحد المتمردين، كالسلطان أحمد 1523 الذي لقب بأحمد الخائن حينما تمرد على استنبول. فكما يحدثنا مايكل وينتر في كتابه، والسير توماس أرنولد(5) من أن السلطان أحمد، لكي يصبغ الشرعية على وضعه، قام باستدعاء الخليفة العباسي والقضاة الأربعة إلى القلعة في هلال كل شهر كي يقدموا التحية له كما جرت العادة مع سلاطين المماليك. لكن الأمانة العليمة هنا تحتم علينا أن نذكر، أننا لم نجد مصدرًا عند المؤرخين المعاصرين لتلك الحقبة، قد ذكر قصة تنصيب الخليفة العباسي للسلطان أحمد. غير أننا وجدنا رواية يذكرها لنا نجم الدين محمد ابن الغزي في ترجمته لـ(أحمد باشا الطاغية(6))، في عام 930 هجرية ،أن السلطان أحمد قد أحضر القضاة يوم الخميس، وأحضر ابن الخليفة في بيت طراي وطلب منهم المبايعة على السلطنة بمصر وأعمالها، وأن تضرب سكة الدنانير وأن يخطب باسمه على المنابر. وكون أن ابن الغزي يذكر خلافًا لمايكل وينتر والسير توماس أرنولد، أن من نصب السلطان أحمد ليس الخليفة بل إبنه، لا يغير من صميم الحدث شيئا، فكون أنّ ابن الخليفة هو من نصب السلطان نيابة عن أبيه جائز، فقبل ذلك بقليل رأينا طومان باي حين تنصيبه سلطانًا، قد أخذ البيعة من المستمسك بالله يعقوب الوالد، وذلك نيابة عن الابن الخليفة المتوكل، كونه في الأسر لدى سليم الأول. وكون أن ابن الغزي يذكر أن هذا الحدث في سنة 930 هجرية، أي بعد غزو سليم للشام ومصر بثمان سنوات، ولا زال الكلام هنا عن الخليفة بألف ولام التعريف، كونه شخصية اعتبارية لا تزال تمارس مهامها، حتى ولو كان ابنه من نصب السلطان أحمد نيابة عنه، وإن كان أمرا رمزيا لإضفاء الشريعة على السلطنة الجديدة بمصر المستقلة عن السلطنة العثمانية؛ له دلالة هامة أنه حتى هذا التاريخ؛ لم ينظر أحد إلى الدولة العثمانية لا مؤرخين ولا فقهاء أو حتى رجال دولة؛ إلى السلطنة العثمانية كدولة خلافة، أو حتى إلى السلاطين العثمانيين كخلفاء.
دوسون واختلاق القصة.
ورغم سكوت المصادر العربية والتركية المعاصرة لغزو الشام ومصر، عن ذكر أي شيء يخص التنازل، لكن المصادر اللاحقة تاريخيا، تتحدث عن ثمة تنازل قام به الخليفة العباسي بالخلافة لسليم الأول. وإن كان هناك من بينها من ينفي هذه القصة ويرفضها. وإن كانت كل المصادر اللاحقة، العربية منها والأجنبية نقلت عن مستشرق يدعى “موراجي دوسون” في كتابه ” لمحة عامة للإمبراطورية العثمانية”. وذلك دون أن يشير إلى مصدر تاريخي استقى منه روايته!. ومنه انتقلت إلى لين بول ومارك سايكس ووليم موير وأخرين(7)، هكذا دون أي محاولة منهم لإختبار هذا التحقيق الذي أتى به دوسون في كتابه!. وكان على رأس القائلين بقضية التنازل من الكتاب العرب دون الإشارة إلى مصدر تاريخي أيضًا، هو الكاتب المصري محمد فريد في كتابه(8). فيتحدث عن تنازل الخليفة عن حقه في الخلافة إلى السطان سليم، وتسليمه للأثار النبوية كالبيرق والسيف والبردة ومفاتيح الحرمين، ومنذ ذلك التاريخ صار كل سلطان عثماني أميرًا للمؤمنين وخليفة لرسول رب العالمين، كذا في النص!.
اختبار رواية دوسون بالرجوع إلى المصادر التاريخية.
إن بالرجوع إلى المصادر التاريخية لإختبار مدى صحة تحقيق دوسون ومن سار في فلكه من المؤرخين، لا نجد أي صدى أو إشارة واحدة لقصة التنازل هذه، ونقصد بالمصادر هنا العربية منها والعثمانية. فخلافا لإبن إياس، أو ابن زنبل، أو ابن الحمصي، أو ابن طولون، فكل الكتاب العثمانيين المعاصرين الذين تناولوا وقائع الغزو العثماني للشام ولمصر، كإبن كمال وحيدر جلبي ومترقجي نصوح وجلال زاده، لم يذكروا شيئا عن قضية التنازل هذه. حتى إنه بالرجوع إلى ابن إياس، والذي اهتم كثيرا بأخبار ومصير الخليفة، ودوّن تفاصيل بسيطة عنه، نجده في كل إشارة، لا زال ينعته بالخليفة أو أمير المؤمنين، ويسمي سليما بالسلطان أو الخاقان أو الخندكار، ولا يوجد لديه البتة أي إشارة عن هذا التنازل. ويشير دائما إلى استنبول منفى الخليفة، بأنها مجرد (كرسي وعرش السلطنة العثمانية) أو (مملكة الروم). ونجد قطب الدين النهروالي يتفق مع ابن اياس في هذه التسمية، فيشير إلى عاصمة العثمانيين بأنها (دار السلطنة الكبرى القسطنطينية العظمى)(9).
ومن جهة ثانية؛ نجد ابن اياس في أحداث سنة 925هجرية، لا زال يشير إلى إستمرار إقطاع الخلافة وجهاتها بين ثلاثة أثلاث بالسوية، بين المتوكل وبين أولاد ابن عمه أبا بكر وأحمد. وذلك بايعاز من سليم الذي أخرجه من استنبول حين اشتكوه، لأنه قعد على ودائع كثيرة كانت لخوند زوجة طومان باي، ونساء الأمراء الذين قتلوا في حروبهم مع العثمانيين.
يذكر السير توماس أرنولد في كتابه (الخلافة) أن مؤرخ البلاط العثماني “أحمد فريدون، في منشآت سلطانية”، الذي كان يدوّن ما يحدث بشكل دوري في يومياته، لم يلمح هو الأخر مجرد التلميح إلى أي نقل قد تم. وعند منجم باشي أحمد دده(10) نجده ينقل لنا روايتين تاريخيتين عن مؤرخين عثمانيين، كانا قد تناولا الخليفة العباسي بالبحث في كتابيهما فيقول : (قال الجنابي: لما استولى السلطان سليم خان على البلاد المصرية في سنة 923هـ، قبض على المتوكل هذا وعاد به إلى الروم وحبسه في سبع قلال ولم يزل محبوسا إلى أن قرب السلطان المزبور إلى الوفاة في سنة 926هـ، فأمر بإطلاقه وعين له كل يوم ستين درهما عثمانيا فسار المتوكل إلى مصر وسكن بها إلى أن مات وخلف ثلاثة أولاد عمر وعثمان ويحيى وكانوا موظفين في الخزانة العامرة العثمانية مدة حياتهم ثم اندرجوا لم يعرف أحوال أعقابهم.. والرواية الثانية : قال “صاحب النخبة”، رده السلطان سليمان خان إلى مصر مكرما عند بلوغ موت أبيه المستمسك في سنة 927 هـ واستمر خليفة بمصر 23 سنة ثم مات فانقرضت الخلافة بموته..).
نحن هنا إزاء شهادة عثمانية تاريخية من المؤرخ العثماني محمد بن أحمد أدرنوي، صاحب كتاب “نخبة التواريخ والأخبار”، والذي يتحدث فيها عن نظرة العثمانيين للخلافة والخليفة العباسي الذي استمر بمنصبه طيلة 23 عاما، حتى انقرضت الخلافة بموته. واعتبار انقضاء الخلافة بموت المتوكل ليست حصرا عند ابن أدرنوي، فجار الله بن فهد المكي في كتابه(11) يقول أيضا: (مات المتوكل على الله في ثاني عشري شعبان المكرم سنة خمسين وتسعمائة، وبه انقطعت الخلافة). وهذا نص شديد الوضوح في اعتبار انقطاع الخلافة بوفاة أخر خليفة عباسي بالقاهرة. وغير جار الله بن فهد المكي، نجدا مؤرخا أخر كمحمد بن أحمد النهروالي في كتابه(12)، يقول: عاد المتوكل على الله هذا إلى مصر وصار خليفة بها، واستمر إلى أن توفي إلى رحمة الله وبموته انقطعت الخلافة العباسية الصورية بمصر أيضا.. فالذي يجمع بين هؤلاء المؤرخين الثلاثة، هو اعترافهم باستمرار الخليفة بمنصبه حتى وفاته وبه انتهت الخلافة العباسية. وحتى بالرجوع إلى الجنابي مرة ثانية، نجده يمدنا بملاحظة قمينة بالإعتبار، وهي إشارته إلى تلاشى ذكر ذرية المتوكل عمر وعثمان ويحيى الذين لم يعرف لهم عقب. مما يعني أن العثمانيين لم يعيروا ذرية الخليفة العباسي الإهتمام، وذلك بتتابع أخبارهم وحفظ مكانتهم؛ ومن ثمّ استمرار الخلافة في نسلهم جيلا بعد جيل؛ وفي النهاية الحفاظ على هذه المؤسسة الإسلامية العريقة في تاريخ المسلمين؛ حتى وإن كان ذلك يحدث بصورة رمزية منذ العصر العباسي الثاني.
وبالرجوع كذلك إلى مجموع الرسائل التي بودلت بين سليم الأول وابنه سليمان، والذي كان يحدثه فيها ببشائر النصر، ويوضح له فيها تفاصيل حملته من معركة مرج دابق إلى غزو مصر، واتساع أراضيه بكل من مصر، وملاطية وحلب ودمشق، والحبشة واليمن وقيروان في الغرب، والحجاز بمكة والمدينة، إلخ. لا يذكر فيها أي شيء عن تفاصيل الخلافة أو أي عملية انتقال تمت. حتى بفحص النقود التي تحمل إسم سليم الأول، نجده لم يضع سوى لقب “السلطان” بألف ولام التعريف، ولم يضف أي لقب أخر كغيره من السلاطين العثمانيين. فمثلا بيزيد الثاني الذي أضاف (سيد القوة والنصر في البر والبحر)، ومراد الثاني بـ (سلطان البرين وخاقان البحرين)، ومحمد الثاني بـ (سلطان سلاطين الزمن). ولكن لم يسمي أحدا من سلاطين أل عثمان نفسه على نقوده خليفة أو إماما أو أمير المؤمنين(13)..
ليس حقيقيا أن سليم لم يهتم بلقب الخلافة لهوانه وقتئذ.
ولا بد لنا أن نختلف مع السير توماس رنولد، الذي يقول بأن سليم لم يهتم كثيرا بلقب الخليفة، لأنه في هذا الدور كان يحمله أمراء عديدون لا قيمة لهم، ففقد اللقب رونقه وقيمته، ولا يجهل سليم أيضا أن خصمه شاه فارس إسماعيل الصفوي، كان قد لُقب بخليفة الخلفاء. ونتفق أكثر مع أحمد فؤاد متولي، في أن عدم تلقيب سليم الأول نفسه، أو المعاصرين له بالخليفة، ليس مرده إلى ما أصاب المنصب أو اللقب من هوان وفساد أخر سنوات الخلافة. بل مرد ذلك، إلى أن مقام الخلافة لا يكون إلا في الدرجة النبوية أو بني قريش؛ ولا زال أمامه دليلا قويا بأن السلاطين المماليك لم يلقبوا أنفسهم بهذا اللقب. لذلك فخلافة سليم الأول لم تكن مطروحة وقت غزو مصر وسقوط الخليفة العباسي في الأسِرالعثماني، لا من سليم نفسه أو أي من معاصريه، حتى يوم وفاته الذي ظل يُنظر إليه كسلطان أو ملك أو خاقان. ولذلك رأينا خاير بك والى مصر العثماني، حينما تيقن من خبر وفاة سليم أصدر مرسوما، بأن أربعة مشاعلية تنادي في القاهرة، اثنان ينادون باللغة التركية، واثنان ينادون بالعربية بـ : ترحموا على الملك المظفر سليم شاه، وادعوا بالملك المظفر سليمان!(14). فسليم الأول كان يلقب من قبل المؤرخين المعاصرين، كابن اياس و ابن زنبل والحمصي، وحتى ابن أبى السرور الصديقي البكري والنهروالي، وهما المعروفين بنزعتهما العثمانية؛ بلقب سلطان الروم، أو بادشياه، وأكثر ما كان يلقب بالخنكار خاصة في كتابات المؤرخ الدمشقي محمد بن طولون.
ولا يعقل أن سليم لم يهتم بلقب الخليفة وهو أعلى منصب في العالم الإسلامي، رغم طربه بنيله لقب (خادم الحرمين الشريفين) وهو أقل شأنًا. وإن كانت الصيغة نجدها مختلفة نوعا ما عند “ابن أجا” في كتابه “العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك”، وعند ابن طولون في “مفاكهة الخلان في حوادث الزمان” من أن ابن الفرفور قد لقب سليم بـ “سلطان الحرمين الشريفين”، بعد معركة مرج دابق بجامع حلب الكبير بخطبة الجمعة. وهو لقب كان يتقلده السلطان المملوكي وليس الخليفة العباسي، فسجد لله شكرًا(15) وأظهر بشره ورضاه، وأخلع خلعة الشرف وأعطى أموالا لخطيب المسجد شهاب الدين بن الفرفور، والذي كان قاضي قضاة المذهب الشافعي، ومثلها للمؤذنين ولبواب المقصورة، ومئة رأس غنم اقتسموها فيما بينهم(16). فإذا كان سليم الأول قد طرب فرحا بلقب (خادم الحرمين الشريفين)، لكان بطبيعة الحال أكثر فرحا بلقب الخليفة، ولذكر ذلك في المراسلات بينه وبين ابنه.
وقد يحاجج البعض بأن بعض الكتابات الرسمية، قد وثقت نعت سليم الأول وغيره من سلاطين آل عثمان بـ (خليفة الله في أرضه) وما إلى ذلك. نعم قد حدث ذلك، فقد حدث مع سليم نفسه عندما كان لا يزال أميرًا، وقد حدث الشيء نفسه مع محمد الفاتح، ومراد الأول وبايزيد الثاني وغيرهم. ولكن كل هذا كان يحدث في نطاق محلي داخل تخوم مختلف الممالك. فلا يعدوا كونه شيئا غير لغة دبلوماسية، تحمل قدرا من التعظيم والتفاخر والأبهة في مراسلات السلاطين لا غير! لذلك رأينا أبا عبدالله محمد، وهو أحد ملوك الدولة الحفصية بتونس (1249_1277م)، قد نعت نفسه بأمير المؤمنين وخليفة وإمام المسلمين. وكذلك عند ابن بطوطة في رحلته، نجده يسمي أبا عنان فارس أحد ملوك الدولة المازنية التي حكمت مراكش، بالإمام الخليفة أمير المؤمنين(17). و السلجوقي خسرو الثالث لقب بالخليفة وظل الله على الأرض. وأحمد بن إرديس أحد ملوك الدولة الجلائرية لقب بالخليفة وظل الرحمن في الأرض. ولَقَب أوزون حسن أو حسن الطويل عاصمته شيراز، بأنها كرسي السلطنة وعرش الخلافة، وغيرهم. حتى إن المتأخرين من سلاطين المماليك كالسلطان جقمق وقائد بك وحتى الغوري نفسه، قد دعوا بلقب الخليفة والذي أصبح مبتذلا بتعبير توماس أرنولد، وذلك على الرغم من حرصهم الشديد على الحفاظ على هذه المؤسسة. فالأمر كما قلنا كان محكوما باللغة الدبلوماسية بين السلاطين، أو متروكا لنزوة الكاتب أو الأديب كابن بطوطة أنموذجا، أو مدى حرصه على التزلف أو التقرب من السلاطين. لذلك ليس هناك من أي حجة في الإستشهاد بتلقيب سليم بخليفة أو ظل الله في أرضه عند المؤرخين، فنموذج كـ”علي بن محمد اللخمي” مثلا في كتابه (الدر المصان في سيرة المظفر سليم خان)، في توصيفه للدولة العثمانية بأنها: (أضحت شمس الخلافة فيها خلف عن سلف، أو وصفه لسليم بـ : ملك الزمان على الإطلاق، المرتقي كرسي الخلافة بالإستحقاق، مؤسس مباني العلم والإيمان …)، لا يخرج عن كونه لغة أدبية مسجوعة، أرادت التزلف إلى السلاطين. ومنه أيضا ما كتبه صاحب كتاب “البرق اليماني في الفتح العثماني” قطب الدين محمد بن أحمد النهروالي المكي عن السلطان مراد كـ (سلطان سلاطين الزمان، وخليفة الله الأعظم على أفراد بني الإنسان. صاحب الإمامة العظمى .. وارث الخلافة الكبرى كابرا عن كابر .. ملك البرين والبحرين والعرب والعجم… خادم الحرمين المحرمين الشريفين .. عامر البلدين المكرمين المنيفين ….)(18).
تشابه موقف العثمانيين والتتار من الخليفة العباسي والمماليك.
إن موقف العثمانيين وقتئذ من مؤسسة الخلافة، أقرب إلى موقف المغول من المماليك. فثمة تشابها كبيرا يجمع بين العثمانيين والمغول في تعاملهم مع مؤسسة الخلافة ونظرتهم إلى المماليك. فالتفاخر بالنسب مثلا عند غازان خان ملك التتار بعد أن هزم الجيش المصري والسوري عام 1299 بمعركة مرج المروج، حينما أتى إليه وفد من أعيان مدينة دمشق فقال لهم غازان : من أنا؟ فأجابوه: الشاه غازان بن أرغون خان بن أباكا خان بن هولاكو خان بن طولوي بن جنكيز خان.. ثم سأل من هو أبو ناصر _محمد بن قلاوون سلطان المماليك وقتئذ_ لم يستطيعوا تسمية جد السلطان محمد بن قلاوون، فلا يعرف لهم نسبا. لذلك ليس بمستغرب أن نجد مؤرخا كرشيد الدين الهمذاني مؤرخ المغول، في ذكره لتلك المعركة(19)يقول عن المماليك: المعروف للجميع أن حكم هؤلاء القوم آل إليهم اتفاقا وليس استحقاقا، فكلهم كانوا عبيدا لجد أسرة جد سلطان الإسلام المشهور. وهذه مقولة تذكرنا بما قاله سليم الأول في رسالته لطومان باي، من أنه مملوك منباع مشترى لا تصح له ولاية، أما سليم فهو ملك بن ملك إلى عشرين جد… وكذلك رؤية رشيد الدين الهمذاني في نظرته التبخيسية إلى إثنية المماليك، تتفق ورؤية محمد الفاتح. فالسلاطين المماليك بالنسبة لمحمد الفاتح “عبيدا شركسيين” لا ينحدرون مثله من أوغزخان؛ بينما هو الخلف الشرعي لبني سلجوق، وبني سلجوق هم أسياد الأتابكة الزنكيين الأيوبيين الذين هم أسياد المماليك(20). ومع وضع كهذا، لم يكن غازان خان بحاجة إلى تفويض من الخليفة العباسي في القاهرة، ورغم ذلك قرئت الخطبة باسمه في مساجد دمشق، ودعي بالسلطان الكبير سلطان الإسلام والمسلمين. وبالمثل رؤية خليل خان حفيد تيمورلنك حينما سئل عن الحق الذي يملكه ليتولى سمرقند كخلف في إمبراطورية جده تيمورلنك؟، لم نراه يستند إلى شرعية استمدها بتفويض من الخليفة العباسي، بل إنما بهبة من الله: إن الله القدير الذي وهب العرش والملك لتيمور لنك خلعه عليّ أيضا؛ تذكرنا هي أيضا بدورها برؤية سليم للحق الإلهي في مستهل رسالته لطومان حينما قال: إن الله تعالى قد أوحى إليّ بأن أملك الأرض والبلاد من المشرق إلى المغرب كما ملكها الإسكندر ذو القرنين..(21). ولا نريد أن نمضي كثيرا في ذكر النقولات التي توضح التشابه بين العثمانيين والتتار في رؤيتهم لمؤسسة الخلافة؛ أو نظرتهم التبخيسية لإثنية المماليك. فهم تملكوا البلاد وحكموها بقوة سيفهم، ولم تكن لهم حاجة في إضفاء شرعية رمزية على حكمهم من الخليفة العباسي. وذلك على خلاف المماليك الذين كان يُطعن دوما في نسبهم الوضيع، فارتكنوا لمؤسسة الخلافة، كسند شرعي ليعترف بهم كسلاطين شرعيين في حكم البلاد.
كرونولوجيا لقب ( خادم الحرمين الشريفين) وإسناده إلى سليم الأول.
بإسناد لقب “خادم الحرمين الشريفين” إلى السلطان سليم الأول، يكون قد ورث نفس الوضع السابق للسلاطين المماليك الذين امتلكوا السلطة الفعلية في البلاد، دونما السلطة الرمزية التي تركوها للخليفة العباسي احتراما منهم لهذه المؤسسة العريقة في التاريخ الإسلامي. وبينما يفهم من حوليات إبن إياس، أن الخليفة العباسي دخل في تبعية السلطان سليم الأول وطاعته، إلا أنه وظف مكانته الروحية في تهدئة حال الرعية وعودة الإستقرار إلى القاهرة حينما نُودي بالأمان والإطمئنان والبيع والشراء والأخذ والعطاء. فصار هو صاحب الحل والعقد والأمر والنهي في الديار المصرية، وصار مقام السلطان في نفاذ الكلمة وإظهار العظمة في هذه الأيام؛ واستمر هذا الوضع بضعة أشهر. لكن بعد قليل سيُنفى الخليفة هو وأبناء عمه إلى استنبول بإيعاز من سليم، وسيعيش حياة ملؤها البذخ والترف مما سبب الخلاف والشجار بينه وبين أبناء عمومته، مما حمل عليه غضب سليم؛ فيأمر بابعاده عن العاصمة، وبتولية السلطان سليمان يعود إلى العاصمة بعض الوقت، فيأمر بعودته إلى القاهرة وكان لا يزال يحمل لقب خليفة إلى أن مات بها في عام950 هـ _ 1543 مـيلادية.
وليس هناك من حجة في تأييد خلافة السلطان سليم الأول وذلك بإسناد لقب (خادم الحرمين الشريفين) إليه، أثناء الدعاء له بالمسجد الأموي الكبير عقب معركة مرج دابق. لأن ذلك اللقب من الألقاب الخاصة بالسلاطين وليس لقبا للخليفة، بل يقال حصرا لسلاطين مصر. فعند القلقشندي(22)، نجد الألقاب الملوكية نوعين: النوع الأول وهو الذي اصطلح عليه للسلطان بالديار المصرية؛ فنجده يذكر هذا اللقب: (سلطان السلاطين … خادم الحرمين الشريفين / حامي الحرمين الشريفين)، والنوع الثاني وهو الذي يقال للملوك المستقلين بصغار البلدان كـ (المقام الشريف العالي السلطاني، الملكي، الأعظمي، الشهاهنشاهي ، خاقان ملك البسيطة) إلى أخره.
فمصطلح خادم الحرمين الشريفين كان خاصا بالسلاطين المماليك، وإن كانت بدايته مع السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي بالنقش الموجود بالقبة المشيدة باسمه في المسجد الأقصى، ويرجع النقش لعام 1191 ميلادية. ومن صلاح الدين توارث المماليك هذا اللقب، فهناك أيضا نقش دُون به لقب (خادم الحرمين الشريفين) للسلطان منصور قلاوون، أعلى النافذة المجاورة لمدخل محموعة السلطان قلاوون بشارع المعز.. ومن المماليك انتقل اللقب للسلطان سليم الأول. وليس هناك من معنى بعد ذلك في محاولة عبدالعزيز الشناوي أثناء تعرضه لهذا اللقب في كتابه عن الدولة العثمانية(23) بشكل يوحي بأنه كان خاصا بسلاطين الدولة العثمانية ولسليم الأول تحديدا.
وفي التلقب بخادم الحرمين رأينا كذلك، في محاولة جان بردي الغزالي في محاولة التمرد على سليم، أنه قد خُطب له بالجامع الأموي وهو حاضر بمقصورته بأنه “سلطان الحرمين الشريفين”، ولقب بـ” الأشرف” وخرج من الجامع في موكب حافل(24).
وحديثا انتقل اللقب لآل سعود بداية من الملك فيصل، حتى الملك فهد بن عبدالعزيز الذي تخلى عن لقب “صاحب الجلالة” ، ولقب نفسه ب “خادم الحرمين الشريفين”.
الشريف بركات شريف مكة لم يعط تفويضا بالخلافة لسليم!
يحاول بعض الكتاب ترسيخ فكرة خلافة السلطان سليم الأول، وذلك بالإحالة إلى ما فعله الأمير بركات شريف مكة من إرسال وفدا إلى مصر، لمباركة السلطان سليم بضم مصر والشام، وإعلان تبيعة مكة والمدينة تلك المدينتين المقدستين للسلطنة العثمانية، وذلك على أساس أن انضمام هاتين المدينتين، من أهم شروط الخلافة ولا تكتمل إلا بالدعاء والخطبة بهما.
لا شك أن مصلحة كل قوى إسلامية تتولى زعامة العالم الإسلامي، كانت تقتضي عليها أن تفرض هيمنتها على مكة والمدينة تلك المدينتين المقدستين، لما تمثلهما من دعامة هامة للسلاطين الحكام كي يظهروا بمظهر المدافعين عن بلاد الحرمين الشريفين، وذلك من أجل ترسيخ حكمهم ورفع شأنهم في نظر المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها. ولكن الهيمنة على تلكم المدينتين ليست شرطا في عمومه. لذلك رأينا أنه في حكم الأمويين، أن الخليفتين يزيد وعبد الملك، لم يحوزا على مكة والمدينة، وذلك لوجود خليفة أخر بها وهو شخص عبدالله بن الزبير. ومع سلطنة الملك الكامل أخو صلاح الدين، قد خطب للأيوبيين بمكة، وبني رسول حكام اليمن، واستمر هذا الوضع حتى قيام الدولة المملوكية(25). لذلك قام الظاهر بيبرس من أجل بسط النفوذ المملوكي على بلاد الحجاز، قد أمر بأن تسك العملة ويخطب باسمه في مكة والمدينة، وعين أميرا من قبله نائبا على مكة وهو شمس الدين مروان(26). واستمر النفوذ الملوكي عليهما حتى مع الناصر قلاوون الذي قبض على الشريفين أبي الغيث وعطيفة، وعين بدل منهما حميضه ورميثه. وفي عهد السلطان برقوق أصبح يتولى أحد الأشراف نيابة الأقطار الحجازية من قبل السلطان المملوكي. وفي تعزيز بسط النفوذ المملوكي على نوابهما الأشراف ببلاد الحجاز، عزل السلطان مؤيد شيخ، شريفي مكة الشريف بركات والشريف أحمد، وأصدر مرسوما سلطانيا بتولية غيرهما من الأشراف. واستمر تقليد الأشراف ولاية الحكم وجميع البلاد الحجازية من قبل السلطان المملوكي حتى عهد قيتباي وقانصوه الغوري. فابن اياس يحدثنا عن وصول ابن الشريف بركات وهو صبي صغير السن، يقال له أبو نُميّ ومعه ابن عمه الشريف عرعر وقاضي قضاة مكة الشافعي والمالكي، لينظر في أمر من يلي إمرة مكة عوضا عن الشريف قيتباي الذي توفي. فأي معنى بعد ذلك فيما فعله شريف مكة الشريف بركات من إرسال وفدا للسطان سليم، إذا كان الأشراف أنفسهم يتولون حكم البلاد الحجازية نيابة عن السلطان المملوكي؟. لا يوجد أي معنى ديني خاص البتة قد حازه سليم الأول بقدوم هذا الوفد من الأشراف إليه. فطبيعيا أن يعلن شريف مكة خضوعه لسليم بعد دخوله القاهرة دخول المظفر. ولأن الشريف بركات كان قد سجن في القاهرة زمن الغوري ببيت الأتابكي هو واخوته، وظلوا محبوسين إلى أن هربوا كما حدثنا ابن اياس. لذلك كان طبيعيا أن يوفد الشريف بركات ابنه الصبي البالغ أنذاك ثلاث عشر سنه لتقبيل بساط السلطنة(27) فقوبل من الخندكار الأعظم بالتبجيل . وعند ابن ياس أن سبب وصول ابن السيد الشريف بركات أمير مكة إلى الأبواب الشريفة، هو تهنئة ابن عثمان بمملكة مصر. فما كان من سليم إلا أن كتب مرسوما بجعل السيد الشريف بركات متصرفا في أمر مكة قاطبة، وأضاف له نظر الحسبة، وفي هذا تقوية من موقف الشريف بركات أمام منافسيه على إمرة مكة في الشرافة. وبالنظر إلى من يعتبرون أن سليم قد نُصب خليفة بتفويض شريف مكة إليه، فقد حدث الشيء نفسه من شريف مكة من قبل، مع أبى عبدالله محمد، أحد ملوك الدولة الحفصية والذي سبق ذكره، ورغم ذلك لم يعتبره أحدًا خليفة.
لطفي باشا الصدر الأعظم ورسالته في الخلافة.
إن لرسالة ( خلاص الأمة في معرفة الأئمة) للصدر الأعظم لطفي باشا العثماني أهمية خاصة، لأنها كتبت في عهد السلطان سليمان القانون، وتتضمن أجوبة أثيرت حول مشروعية خلافة العثمانيين. وأول ما يلفت النظر في رسالة لطفي باشا هذه قبل مناقشتها، هو كتابته لنص الرسالة باللغة العربية ثم بالفارسية، ثم ترجمتها لاحقا إلى التركية. ولعل ما يفهم من ذلك أنه كان هنالك تيارا فقهيا نشطا في الإيالات العربية وربما ببلاد فارس، يثير الشكوك حول أحقية السلاطين العثمانيين بالخلافة ولا يعتدونهم إلا سلاطين. فمن قراءة السيرة الذاتية لصاحب الرسالة، التي توضح لنا أنه كانت له شتى الكتابات في الفكر ونُظم الحكم، لفهمنا مدى قوة هذا التيار الرافض لأحقية العثمانيين بالخلافة، ليتصدى له رجل دولة شغل منصب الصدارة العظمى مدة عامين. غير أن الرصد الكرونولوجي للكتابات العثمانية حول الخلافة لا نجد له صدى غير هذه الرسالة اليتيمة منذ غزو سليم الأول للشام ومصر، ولم تُستأنف إلا مطلع القرن العشرين مع أفول الدولة العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني لأسباب سياسية ليست موضوع المقالة. وإذا عرفنا أن رسالة لطفي باشا، إنما كتبت بعد 14 عاما من عزله على يد السلطان سليمان القانوني(28)، فهمنا أيضا أنها كانت مبادرة شخصية وليست توجه عام للدولة. وأما في تعليل عدم إهتمام الدولة أو عدم ظهور كتابات تاريخية عثمانية حول الخلافة، نميل إلى التعليل بأن السلاطين العثمانيين وقتئذ، كانوا من القوة المادية بمكانة، تجعلهم في غير حاجة إلى مثل هذه القوة المعنوية أنئذ.
ولرسالة لطفي باشا أهمية ثانية، فهي لا تتحدث عن عملية انتقال للخلافة تمت عبر مراسم أو محاضر أو وثائق رسمية على يد القضاة أو الأعيان سواء بمصر أو بإسطنبول. فكما هو ثابت، لم يتحدث أي مصدر تاريخي واحد معاصر عن عملية انتقال رسمي تمت عبر محاضر شهد عليها الشهود. ولما كان الشاهد التاريخي الوحيد الحاضر لدينا الذي يتحدث عن أحقية العثمانيين بالخلافة، لم يتحدث بدوره هو الأخر عن أي انتقال تم، وإنما يحاجج بحجاج عقلي أو حتى شرعي. فهذه ملاحظة من الأهمية بمكان جعلت من كتاب تركي حديث(29)، عند تعرضه لرسالة لطفي باشا هذه، ليؤكد وجهة النظر التركية الحديثة بانتقال الخلافة من العباسيين إلى العثمانيين، فلا يحدد سنة معينة أو واقعة بيعنها ليؤكد مثل هذا الانتقال. فلذلك ينتقد بشدة الرافضين لفكرة انتقال الخلافة استنادا لعدم وجود مصدر تاريخي أو وثيقة رسمية؛ فنراه لذلك يقلل من اشتراط إقامة احتفال أو مراسم انتقال رسمية فيقول : (لأجل هذا فإن مسألة وجود شرط لاحتفال خاص أو عدمه ليست مسألة ذات بال..).!
تتحدث الرسالة عن تساؤل أثير: هل يجوز إطلاق لقب الخليفة والإمام على السلطان العثماني أم لا؟، وهل تصلح إمامته للمسلمين وهو من غير قريش؟ ومثار هذا التساؤل كما ورد في الرسالة، هي مقولة الإمام النسفيّ والتفتازاني في عقيدته بأن (الإمام من قريش ولا يجوز من غيرهم). فيتعرض لهذا الرأي الذي ترسخ في الفكر الإسلامي منذ الماوردي ويبذل شتى السبل لتفنيده وإثبات خطئه. وإلا فالمسلمين في نظره سيظلون بلا خليفة، لا سيما وأن أحدا لم يبق من نسل قريش بعد انسحاب العباسيين من مسرح التاريخ، وهو وضع لا يرضى عنه أحد. لذلك لا غرو بأن يكون السلطان العثماني سليمان الأول حامي حمى الإسلام والمسلمين ضد الغرب المسيحي والمجاهد في سبيل الله أجدر الناس وأحقهم بلقب الخلافة.
من جهة أخرى يرصد لطفي باشا كتب المعاجم والتعريفات كتعريفات الجرجاني مثلا، ليورد تعريف لفظة (سلطان) أو (إمام) في اللغة، فيجدها تُجوّز إطلاق إسم خليفة أو إمام على السلطان أو الولي والأمير، فيورد مثلا : قال علماؤنا (المراد من السلطان الخليفة)، وفي محل أخر (الخليفة هو الإمام الذي ليس فوقه إمام ويقال له السلطان) والمراد من السلطان عند الشرع المبايعة والغلبة والقهر. هكذا يبذل لطفي باشا كل الجهد لعمل عملية تمازج فيما بين السلطنة والخلافة؛ متمثلة في شخص السلطان العثماني، فاللغة عنده تطلق اسم خليفة على السلطان. بيد أنه من جانبا نرفض عملية التمازج هذه فيما بين السلطنة والخلافة، فهما شيئين مختلفين في السياق الدلالي والمعرفي للفظتين. فالخلفاء من جهة كانوا يحتقرون لقب “سلطان” ويرفضون تقلده، فكان يتم تسميتهم بأحد هذه الألقاب ( خليفة_ أمير المؤمنين_ أو إمام) وكل منهما كان لقبا لشخص واحد. فلفظة خليفة تشير إلى خلافة رسول الله مؤسس الدين، ولفظة أمير المؤمنين تشير إلى تقلده للسلطات التنفيذية، ولفظة الإمام توضح الفعالية الدينية. ومن جهة ثانية، لو كانت السلطنة تعنى الخلافة، لكان سلاطين المماليك هم الأخرين خلفاء، وهذه مقولة لم يزعمها أي شخص على الإطلاق! لذلك وجدنا مؤرخا من الحقبة المملوكية كـخليل بن شاهين 1410-1468م(30)، يفصل بين اللفظين ومدلولهما في سياق تعريفه لأمير المؤمنين فيقول: (هو خليفة الله على الأرض ابن عم الرسول سيد المرسلين والذي ورث الخلافة عن النبي، جعله الله تعالى حاكما على جميع أرض الإسلام ولا يجوز أن يطلق في حق أحد لفظ السلطان من ملوك الشرق والغرب إلا إذا كان بالمبايعة منه وقد أفتت بعض الأئمة أنه من أقام نفسه سلطانا قهرا بالسيف من غير مبايعة منه فيكون خارجيا..). ويقول في موضع أخر (إن في الحقيقة لا يطلق لفظ سلطان إلا لصاحب مصر نصره الله، فإنه أعلى الملوك وأشرفهم لرتبة سيد الأولين والأخرين وتشرفه من أمير المؤمنين بتفويض السلطنة له على الوجه الشرعي بعقد الأربعة أئمة..). وكان المقريزي تقي الدين أحمد، أسبق من خليل بن شاهين في تخصيص لقب سلطان لصاحب مصر، فكان يقول : لم يكن في أبناء عثمان من يلقب بملك ولا بسلطان، بل كان إذا كاتبوهم ملوك مصر وعظموهم يقولون لهم الخوندكار أو الأمير فلان. لذلك فلا عجب أن نرى السلطان بايزيد الأول أرسل يطلب في عام 1394م من الخليفة العباسي بالقاهرة منحه لقب سلطان، وبالفعل منحه الخليفة لقب سلطان الروم بالتخصيص، وذلك للتفريق بينه وبين سلطان المماليك ولعدم انتقاص صلاحيات السلطان المملوكي وأنه لا يزال زعيم الغزاة.
مؤرخ تركي معاصر يرفض قصة التنازل بالخلافة.
إن من المؤرخين الأتراك الذين يرفضون رواية دوسون بالتنازل المزعومة هذه، المؤرخ التركي خليل إينالجيك (31)، فيرفض قصة تنازل الخليفة العباسي بالخلافة لسليم الأول ويقر بعدم صحتها. ويرى أن سليم الأول، كان يفضل أكثر لقب “سلطان – غازي”، وإن كان قد لقب بلقب جديد وهو (حامي الحرمين) و(راعي طريق الحج) اللذين كانا عنده أهم من لقب (خليفة)، الذي كان يحمله أنذاك أي حاكم مسلم والذي فقد قيمته منذ القرن الثالث عشر الميلادي. وما يراه خليل أينالجيك، أن السلطان سليمان القانوني هو من مال أكثر إلى إدعاء ( الخلافة العظمى) وحمل لقب (خليفة المسلمين)؛ والهدف من ذلك ، إعلاء شأنه على بقية حكام العالم الإسلامي. بيد أنه يرى أن مفهوم الخلافة أنذاك كان يختلف عن مفهوم الخلافة الكلاسيكي الذي لا بد أن يكون الخليفة منحدرا من سلالة قريش.
وهناك شاهد مادي أخر من كتاب خليل اينجاليك(33)، على إعتبار الدولة العثمانية سلطنة وليست خلافة إسلامية. فإذا تأملنا وصول السلطان محمد الثالث إلى سدة العرش العثماني، وقرأنا خطبة تنصيبه التي تمت أثناء مبايعته سلطانا وجدناه يقول : (بفضل الله توليت السلطنة، لقد تسملت اليوم عرش السلطنة الذي آل إليّ من أجدادي ، وذلك بتأييد كامل من الوزراء والعلماء وكل طبقات الشعب من أعلاها إلى أدناها، لقد تُليت الخطبة باسمي وسُكت العملة باسمي، وحالما تسمعون هذا الفرمان أبلغوا الرعية في كل المدن والبلدات عن تسلمي للعرش، وليذكروا اسمي في الجوامع، ولتطلق المدفعية طلقاتها، ولتتزين المدن والبلدات بشكل مناسب).
نموذج من الدراسات الأوربية الحديثة حول المسألة..
وإذا عرجنا قليلا إلى الدراسات الأوروبية الحديثة لرسم صورة بانورامية عامة حول هذه المسألة، رأينا مثلا الكاتب الفرنسي جيل فينشتاين في مقالته “الإمبراطورية العثمانية في عظمتها: القرن السادس عشر” ، والتي شارك بها ضمن كتاب روبير منتران “تاريخ الدولة العثمانية”، يشير إلى ظاهرة عامة تتعلق بالألقاب التي أطلقها سليمان القانوني على نفسه في الديباجة التي توضع كمتهيد لرسائله الرسمية، وذلك للدلالة على قوته وتنوع رعاياه وعظمة الدولة في زمنه، فنجد اللقب الأول والرئيس لدى سليمان القانوني هو لقب السلطان “باديشاه” : ( أنا السلطان وباديشاه البحر المتوسط والبحر الأسود وروميليا والأناضول وبلاد الروم وكرمان وبلاد ذولقادر وديار بكر وكردستان وأذريبجان وفارس ودمش وحلب ومصر والقدس الشريف ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجميع بلاد العرب واليمن وجدة وأرض التتار إلى جانب العديد من البلدان الأخرى التي غلبها جبروت سيوف أسلافي الأمجاد وأجدادي الأكرمين، نهيك عن عدد هائل من الأمصار التي فتحتها بحسامي الوضاء). ولتكوين فكرة أكثر دقة عن تصور السلطان لسيطرته الخاصة، يجب الرجوع إلى الصيغ الاولى من ألقابه : (سلطان سلاطين الشرق والغرب، قيل الأقيال، موزع التيجان على ملوك المعمورة، ظل الله على الأرض..) بيد أنه طبقا لأينشتاين ومنذ غزو القسطنطينة وغزوات سليم الشرقية والتي استكملتها غزوات سليمان، قد رمزت إلى تحول في تطور الإمبراطورية، فالعثمانيون الذين تم صعودهم على هامش العالم الإسلامي الكلاسيكي يستحوذون على المدن المقدسة بالحجاز وينتزعون من المماليك لقبهم “خادم الحرمين الشريفين” . لذلك لم يكن سليم بحاجة إلى الإنتساب للنبي بآواصر الدم ولا حتى التذرع بتنازل الخليفة العباسي الأخير في القاهرة عن حقوقه لسليم وذريته(32).
الخلاصة.
لا صحة لما يقال عن تنازل الخليفة العباسي بحقوقه في الخلافة لسليم الأول، سواء تم هذا التنازل المزعوم في القاهرة أو اسطنبول. فقضية الخلافة لم تكن في خلد العثمانيين وقتئذ لأنهم كانوا من القوة المادية بمكانة، جعلت إمبراطوريتهم هي الأعظم والأهم في العالم كله. وفي أوج عظمتهما في القرن السادس عشر مع فتوحات سليم بالبلاد الشرقية وتصفية الموقف الملتبس مع الصفويين والمماليك، واستحواذهم على المدن والأمانات المقدسة بسيوفهم أو بالأحرى بمدافعهم، فطبيعي أن ينتقل إليهم من المماليك مع وضع كهذا لقب “خادم الحرمين الشريفين “. والذي فرح به سليم كثيرُا كرمز من رموز الوجاهة في العالم الإسلامي. ولما كانت فكرة الخلافة أنذاك غائبة عن بال سلاطين آل عثمان، غاب معها كذلك كتابات فقهية أو أصولية عن أحقية العثمانيين بالخلافة غير رسالة يتيمة تنسب للصدر الأعظم لطفي باشا.
كان اللقب المفضل لدى العثمانيين هو “السلطان” وظل هكذا استخدامه إلى وقت معاهدة كجك قاينارجة مع روسيا في القرن الثامن عشر، حينما دعت الحاجة الدولة العثمانية للتوظيف السياسي والعسكري للقب الخليفة ، وذلك لإظهار نفوذ السلطان العثماني على المسلمين كافة خارج حدود دولته. واستخدم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لقب خليفة بصورة رسمية في دستور 1876، للتوظيف السياسي نفسه لإخافة الدول الأوربية التي كان بين رعاياها كثير من المسلمين كمسلمي الهند في الإمبراطورية البريطانية نموذجا.
الخاتمة: ألقاب الدولة العثمانية عبر التاريخ.
ونهاية لقد عرفت الدولة العثمانية عبر تاريخها بعدة أسماء ليس من بينها دولة الخلافة، فطبقا لعبد العزيز الشناوي أنه في عصورها الأولى أطلق عليها لقب “دولت علية” أي الدولة العلية، ثم أطلقوا عليها ” سلطنت سنية” ، كما أطلقوا عليها بعد اتساع ممتلكاتها في أوروبا وأسيا وإفريقيا “إمبراطور لق عثمانلي” أي الإمبراطورية العثمانية، وعرفت أيضا باسم “دولت عثمانلي” أي الدولة العثمانية .. وارتاح العثمانيون للإسمين الأخيرين لاحتواء كل منهما على لقب عثمانلي، إذا كانوا يعتزون بانتسابهم إلى عثمان الأول، مؤسس الدولة ويرون فيه المثل الأعلى للحاكم المسلم الغازي(34).
هوامش المقال :
(1) ابن تغر بردي، النجوم الظاهرة، الجزء السابع ص109.
(2) ابن اياس، الجزء الخامس، ص74.
(3) صفحة من تاريخ الخلافة العباسية في ظل دولة المماليك. حامد زيد غانم، ص20.
(4) حامد زيد غانم، مصدر سابق، ص19. .
(5) مايكل وينتر، المجتمع المصري تحت الحكم العثماني ص57، والسير توماس أرنولد في كتابه الخلافة، ص121.
(6) ابن الغزي، نجم الدين محمد، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، ص159.
(7) إبراهيم خليل أحمد، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني، ص63.
(8) محمد فريد، تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص105.
(9) قطب الدين، محمد بن أحمد بن محمد النهروالي، الإعلام بأعلام بيت الله ص209.
(10) أحمد فؤاد متولي، الفتح العثماني للشام ومصر من وقائع الوثائق التركية، ص238.
(11) فهد بن جار الله المكي، منهل الظرافة بذيل مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة.
(12) الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، مصدر سابق، ص209.
(13) الخلافة ..توماس أرنولد، ص124.
(14) ابن اياس الجزء 5، ص 363. .
(15) قطب الدين محمد بن أحمد النهروالي، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ص287، والتحفة البهية لتملك آل عثمان الديار المصرية، لابن أبى السرور البكرى ص70.
(16) ابن طولون مفاكهة الخلان، ص342.
(17) رحلة ابن بطوطة ص30.
(18) النهروالي، اليرق اليماني في الفتح العثماني، ص 85.. لذلك ليس عجيبا أن يعلق محقق الكتاب حمد الجاسر، على هذه الديباجة بقوله بأنه لولا الأمانة العلمية، لكان أحسن حذف هذه الأوصاف التي تجاوزت الحد وبلغت من الغلو درجة قبيحة، فضلا عما تضمنته من الباطل .
(19) رشيد الدين الهمذاني، جامع التواريخ، تاريخ غازان خان ص162.
(20) عماد السعيد، مقالة نشأة فكرة الغزو العثماني لمصر وللشام ونبوءة ابن خلدون، موقع الأكاديمية بوست.
(21) العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك، مصدر سابق ص247.
(22) صبح الأعشى، أبو العباس أحمد القلقشندي، ص123.
(23) عبدالعزيز الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، ص66.
(24) العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك، مصدر سابق، ص309.
(25) مقالة : جهود السلطان قيتباي المملوكي في بلاد الحجاز، دكتورة نعمة علي مرسي.
(26) المصدر السابق.
(27) قطب الدين، البرق اليماني في الفتح العثماني، مصدر سابق، ص24.
(28) الصدر الأعظم لطفي باشا، خلاص الأمة في معرفة الأئمة، ص23.
(29) (الدولة العثمانية: تاريخ وحضارة)، المجلد الثاني، بإشراف وتقديم السيد (أكمل الدين إحسان أوغلي)، ص236.
(30) خليل بن شاهين، زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، ص89.
(31) خليل انجاليك، تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الإنحدار، ترجمة محمد الأرناؤط، ص92.
(32) جيل فينشتاين، الإمبراطورية العثمانية في عظمتها: القرن السادس عشر .. من كتاب تاريخ الدولة العثمانية؛ روبير منتران ص244.
(33) خليل انجاليك، مصدر سابق.
(34) عبدالعزيز الشناوي، مصدر سابق ص11.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد