قراءة في التحولات الفكرية لعبد الجواد ياسين.. بقلم: سامي حمدان مبارك

(من الذات إلى الموضوع1)

سامي حمدان مبارك

screenshot-2024-09-10-at-15.02.47 قراءة في التحولات الفكرية لعبد الجواد ياسين.. بقلم: سامي حمدان مبارك

    

هيمنت مقولات السردية الفقهيه الموصومة ببصمة التاريخ على العقل المسلم حتى بات أسيراً لها، فمن إشكاليات الفقه المتعلقة بالنص إلى إشكاليات اللاهوت ( بمنهجيته الميتافيزيقة ) واختلافات الفرق الإسلامية حول ذلك، الأمر الذي كان من نتائجه اضطراب  العقل المسلم  حتى صار متلبساً بتلك المقولات التي تم ترسيخها بحكم التاريخ2 ومرور الزمن.

    قَدمت السردية الفقهية صيغتها عن الدين بوصفها صيغة مطلقة مفارقة للاجتماع وتصلح لكل زمان ومكان3، فضلاً عن كونها قد حددت – سلفاً – إطاراً معرفياً محكوم بحدود النص الذي لا يجوز للعقل المسلم بأية حال تجاوزه. 

    مَثَل انصراف الفقه في تعامله مع النص من حيث كونه بناءً لغوياً محضاً أحد أسباب الإشكالية المعروضة4،  فنشئت نتيجة ذلك منظومة العلوم النقلية القائمة على اللغة فقط دون سواها5.

   في ظل ذلك كان  ” عبد الجواد يس ” يضطرم بداخله العديد من الأسئلة حول  مفهوم الدين7، وحول الله، والحرية، وكانت تلك، قضايا محورية بالنسبة لـه على مستوى الشعور والفكر، فالنزعة المادية لم تكن تُرضي شغفه الفكري، فضلاً عن نفوره من الممارسات القمعية التي كانت تمارسها الدولة الشمولية.

    وعلى ذلك فإن قراءتنا للتحولات الفكرية لعبد الجواد يس، ستكون من زاوية العلاقة بين سياقه الاجتماعي الذي نشأ فيه وتأثير ذلك على ما أنتجه من فكر، وأثار ذلك على تحولاته الفكرية، وذلك للوقوف على فهم أفكاره فهماً صحيحاً وماهية التطورات التي طرأت عليها، وهو ما يدخل في صميم علم اجتماع المعرفة والعلاقة الجدلية بين المفكر وواقعه الاجتماعي الذي أنتج فكره فيه. 

screenshot-2024-09-10-at-17.00.08 قراءة في التحولات الفكرية لعبد الجواد ياسين.. بقلم: سامي حمدان مبارك

    في البدايات تأثر ” عبد الجواد يس ” بالحالة الإسلامية المتشددة التي تبنى  مقولاتها وآمن بها ودافع عنها، حتى أنه من فرط إيمانه بتلك المقولات واتساقه مع أفكاره في ذلك الوقت، قام بتقديم استقالته من النيابة العامة لأن العمل بها يخالف الشريعة حسبما كان يعتقد، وصَدر استقالته بقوله تعالى ( إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ8 ). 

    كانت كتاباته الأولى معبرة عن الحالة السلفية الخام التي تأثر بها ” يس ” في مقتبل حياته الفكرية  فكان كتاب ” مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة  “أولى كتاباته المعبرة عن تلك الحالة، الذي أعلن فيه بشكل فج ودون مواربة جاهلية المجتمع المعاصر ،” فالإسلام واجه مجتمعاً جاهلياً يوم جاء للناس في القرن السابع للميلاد، وها هو اليوم يواجه – مغرب القرن العشرين – مجتمعاً جاهلياً أيضاً. السمات هي السمات، والصفات هي الصفات. خلل العقيدة هناك، هو خلل العقيدة هنا، وصور الشرك المتعددة هناك، يقابلها صور للشرك جديدة هنا، وغياب الشريعة الربانية هناك يماثله غياب الشريعة الربانية هنا “9.

    ظل ” يس ” متأثراً بحالته السلفية الخام في بداية رحلته الفكرية فأنتج  كتاب أخر يعبر عن ثقل هذه الحالة داخل عقله هو ” تطور الفكر السياسي في مصر خلال القرن التاسع عشر ( بحث في بدايات التوجه الغربي ) ” الذي ناقش فيه بدايات تنحية الشريعة عن الحكم، وأن ذلك كان من ثمار التغريب الذي تعرضت له مصر على يد الغزو الفرنسي وما تلاه من حكم محمد علي وأسرته من بعده. 

    وعلى الرغم من تأثر ( يس )  بهذه الحالة الإسلامية الدوغمائية المنغلقة10، إلا أنه لم ينخرط داخل أياً من تنظيمات التيار الإسلامي على اختلاف مشاربه، ولم يتخلى عن إيمانه بمفهوم الحرية بمعناه الميتافيزيقي الذي يقابل مفهوم الجبر في المفهوم الإسلامي11، وبمعناه الاجتماعي السياسي الذي يقابل الاستبداد12.

لعبت سماته الشخصية دوراً أساسياً في ذلك، فكانت تلك الأسئلة نابعة  من داخله بشكل ذاتي محض.

    واصل  ” يس ”  رحلة بحث ذاتية عن أسس عقلية للدين بعيداً عن منطق الإيمان التسليمي، وكان ” كانط ”  معيناً له في ذلك، من حيث أنه قدم له إجابات عن محدودية  العقل في  قضية الإيمان13.

    أدرك  ” يس ”  فيما يشبه الاكتشاف أن الإيمان لا يحتاج إلى برهان عقلي، اتساقاً مع طبيعته، وأن الأمر لا يعدو سوى محض تسليم إيماني نابع من داخل الذات، بمعني أن الإيمان ليس سوى اعتناق مالا ضرورة للبرهنة عليه.

    ورغم أن ” يس ” كان قد أدرك بأن منظومة التدين التاريخية بشقيها الفقهي والكلامي لم تكن كافية بالنسبة له لحسم قضية الإيمان لكونها تنطلق من أسس ميثولوجية، إلا أن مفهوم النص وحدوده ظل جاثماً على عقله الذي لم يبرأ بعد من سلفيته السابقة، وظلت قضية الخلافة محور اهتمامه، فكان كتابه السلطة في الإسلام (العقل الفقهي السلفي بين  النص والتاريخ) معبراً عن تلك المرحلة المبكرة  من رحلته الفكرية التي حاول خلالها البحث عن معنى الدين بقيمه الكلية من داخل النص.

333096 قراءة في التحولات الفكرية لعبد الجواد ياسين.. بقلم: سامي حمدان مبارك

    انطلق ” يس ” في كتابه السلطة في الإسلام من نقطة أعتبرها بمثابة الحقيقة التي تتمثل في أن التاريخ السياسي للمسلمين والطرح الراهن للإسلاميين قد فشلا في إبراز الوجه الحقيقي للإسلام بوصفه منهاج موضوعي واسع لحكم الحياة، وأن ” الحجية في الإسلام ليست في شيء سوى النص ” وهو ما يستدعي الحاجة إلى إيجاد أداة إجرائية في التعامل مع النص للتفرقة من داخله بين المُلزم وغير المُلزم14.

    كما فرق ” يس ” بين مفهوم إسلام الفقه الناشئ بحكم التاريخ حيث تتسع دائرة الإلزام وتنقبض دائرة المباح، وإسلام الوحي المبني على النص الخالص الثابت بالوحي كتاباً أو سنة حيث تتسع دائرة المباح وتتقلص دائرة الإلزام، وهو ما استلزم منه وضع تعريف محدد لمفهوم الإلزام15 ومفهوم المباح  وحدوده داخل النص –  وهو ما وافق رؤية ابن حزم حسبما جاء في كتابي ” المحلى ”  و ” الإحكام في أصول الأحكام16 ” –  كما فرق     أيضاً بين مصطلح الخلافة من حيث كونه محتوىً موضوعي يعنى أن تنشأ حكومة تمارس الحكم وفق منهاج الإسلام، ومن حيث أن الخلافة مجرد نسق شكلي غير موجود في نصوص الإسلام، ولا وجود له في تاريخه، لأن التاريخ أفرز أنساقاً متعددة من نماذج الخلافة.

    فكانت تلك محاولة إصلاحية – ذاتية – حول الدين تقوم على أسس عقلية تحت سقف النص الذي لم يكن قد انعتق من سطوته بعد.

229835 قراءة في التحولات الفكرية لعبد الجواد ياسين.. بقلم: سامي حمدان مبارك

    واصل ” يس ” البحث فيما بعد إلى حدود النص التشريعية وأصوله التاريخية17 فكان ” الدين والتدين ” الذي وقف من خلاله على اجتماعانية التشريع وإن تبناه النص المقدس ونطق به، وأن الدين لا يمكن أن يُسبغ إطلاقيته المؤبدة على ما هو بطبيعته نسبي متغير ” ذلك أن النص الديني ( الصحيح ) يتضمن ما هو مطلق ثابت يمكن وصفه بأنه من         ( الدين في ذاته ) ، وما هو اجتماعي قابل للتغيير لا يجوز إلحاقه بالدين في ذاته، أي لا يجوز القول بتأبيده، لأن طبيعته النسبية المتغيرة سوف تفرض ذاتها في أرض الواقع بقوة الاجتماع وقانون التطور “18.   

    فكانت تلك إجابة مباشرة صريحة عن سؤال طالما أرق العقل المسلم حول حتمية تطبيق الشريعة وإلزاميتها، وكان ذلك بمثابة مرحلة جديدة في مسيرة  ” عبد الجواد يس ”  الفكرية من خلال تعامله مع النص من خارجه.

     حاول ” يس ” في كتاباته النقدية المتأخرة إمساك التاريخ بالسوسيولوجيا والفلسفة والإنثروبولوجيا في لحظة ذهنية واحدة، وصولاً لما انتهى إليه من نتائج تصب في خانة الوضعية الاجتماعية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. – يَعُد ” عبد الجواد يس ” الذات الفردية هي منبع الإيمان، باعتبارها مستغنية بذاتها عن أي إقرار يأتي من خارجها بما في ذلك برهان العقل، لذا فإن معاني الدين تتعدد بتعدد الذوات الفردية.
    – كانت الحداثة قد أنشئت وعياً أكبر بالذات الفردية التي صارت مستغنية بذاتها عن الجماعة، خلافاً لما كان قبل عصر الحداثة الذي كان فيه الفرد أكثر احتياجاً للجماعة متمثلة في قبيلته أو عشيرته بوصفها مصدراً للقوة وتوفير الحماية، وهو ما دعم فكرة نشوء ” الديانة ” في صورتها الأولى بوصفها صيغة جماعية من صيغ التدين الملزمة ذات الخصائص السلطوية.
    – برر ” دوركايم ” نشأة فكرة الدين في الأصل نتيجة الطبيعة الجماعية للحياة البدائية التي يذوب فيها الفرد مقابل العشيرة، أي أن المجتمع خلق فكرة الدين كي يضمن ترابطه وتلاحمه، وهو ما ينشأ عنه تغييب الذات مقابل حضور الجماعة.
    ↩︎
  2. رسخ الفقه لفاعلية التاريخ ( الماضي ) في العقل المسلم من خلال إحالاته المتكررة على الماضي وجعله مرجعية مستقلة وملزمة، فإجماع الصحابة يُلزم التابعين، وإجماع التابعين يُلزم من بعدهم، ثم إجماع من بعدهم، وهكذا إلى نهاية الدهر، وذلك حسب تأصيلات الشافعي في ( الرسالة ) ، و ( الأم ) من خلال قوله بأن حجية قول الصحابي ” مذهب أئمة الإسلام كلهم ” وكان الشافعي قد أصَّل ذلك بقوله حسبما أورد في ( الرسالة ) بأنه ” لم يجعل الله لأحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله ” وفي ( الأم ) يقول بأنه ” لا يجوز لمن أستأهل أن يكون حاكماً أو مفتياً أن يحكم ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم “.    ↩︎
  3. هذا الطرح يتناقض- حسب عبد الجواد يس – مع قوانين الاجتماع الطبيعية خاصة قانوني التعدد ( الكثرة ) والتطور ( الحركة ). ↩︎
  4. عرض د/ محمد عابد الجابري في كتابه ( بنية العقل العربي ) ما يواجه العقل البياني في تعامله مع النص بوصفه معطى لغوي مكون من لفظ ومعنى، فهو يتعامل مع النص من زاوية الصحة أو الوضع، وليس من زاوية صدق النص أو كذبه ” فهما يؤخذان معاً كـ ” أصل ” أي كسلطة مرجعية ( اللفظ بالنسبة للغة والنحو، والمعنى بالنسبة للفقه والكلام ) ولذلك فلا مجال لإخضاعه لمقولة الصدق والكذب، داخل الحقل المعرفي البياني. غير أنه بالمقابل لما كان ” الخبر ” داخل هذا الحقل يتمتع بهذه السلطة، سلطة الأصل المتعالية على أسوار الصدق والكذب، إن صح هذا التعبير، فإن القضية الأساسية ستصبح حينئذ هي إثبات كونه منقولاً من مصدره نقلاً صحيحاً ” ( محمد عابد الجابري – بنية العقل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – ص 116 ) 
    ↩︎
  5.  تحضر المباحث اللغوية والنحوية بشكل بارز في كتب الفقه منذ رسالة الشافعي إلى موافقات الشاطبي حسبما أشار عبد الجواد يس في كتابه السلطة في الإسلام، وكان ” يس ” قد انتهى إلى أن الفقه قديماً كان قد تعامل مع النص بوصفه بناءً من الألفاظ، وهو ما سينتهي بالضرورة إلى احساس البعض بثبات النص في التاريخ ومحدوديته في الزمن، وقد نقل ابن القيم في كتابه ( أعلام الموقعين عن رب العالمين ) بأن الناس انقسموا إلى عدة فرق منهم من يقول بأن ” إن النصوص لا تحيط بأحكام الحوادث، وغلا بعض هؤلاء حتى قال:  ولا بعُشْرِ معشارها قالوا:  فالحاجة إلى القياس فوق الحاجة إلى النصوص. ولَعَمرُ الله إنَّ هذا مقدار النصوص في فهمه وعلمه ومعرفته، لا مقدارها في نفس الأمر. واحتجَّ هذا القائل بأن النصوص متناهية، وحوادث العباد غير متناهية، وإحاطة المتناهي بغير المتناهي ممتنع “.
    وهو ما جعل الفقه يلجأ إلى وسائل تعويضية لمجابهة ذلك الأمر، فكان القياس وفق مفهوم الشافعي عن طريق إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه، فضلاً عما ألحق به من مرجعيات أخرى مفارقة للنص كالإجماع وغيره، وكان الشافعي باعتماده ألية القياس كألية وحيدة يمارس من خلالها الاجتهاد فيما لم يأتي فيه نص، قد ضيق دائرة المباح من حيث أراد الشارع أن يوسعها، لأن القياس كما صاغه الشافعي هو إحالة المسكوت عنه على النصوص، بينما النصوص بسكوتها إنما تحيل هذا المسكوت عنه على دائرة المباح، فكأننا بالقياس نرد على النصوص إحالتها ( السلطة في الإسلام – العقل الفقهي – ص 80 ).    ↩︎
  6.  برزت مفاهيم الصحوة الإسلامية باعتبارها تعمل على إحياء القيم الإسلامية واتخاذها مرشداً وموجهاً للمجتمع في كافة تفاصيل الحياة، وهو ما وجد اهتماماً داخلياً وخارجياً بهذا التيار المتنامي الصعود خلال تلك الحقبة، بل حاولت القوى الخارجية   – سواءً كان الغرب الامبريالي أو المعسكر الشيوعي – استغلال تنامي ذلك التيار لتوظيفه في خدمة أهدافه للسيطرة على مصادر الثروة – خاصة البترول – في منطقة الشرق الأوسط المؤزومة بمشاكلها المعقدة، حتى أن مفكراً في حجم فؤاد زكريا قد تنبه إلى تلك الإشكالية مقرراً بأن ” اهتمام العالم المحموم بـ ( اليقظة الإسلامية ) ليس مقصوداً بذاته ولا يعبر عن موقف تجاه الإسلام ذاته، وإنما هو محاولة لإعادة وضع ” النبيذ الجديد في الزجاجات القديمة ” ولفهم الواقع الإسلامي الموجود، بكل ما تطرأ عليه من تطورات من أجل استمرار التعامل معه بنجاح “. ( فؤاد زكريا – الصحوة الإسلامية في ميزان العقل – صـ 13 ) ↩︎
  7. ينحصر مفهوم الدين عند ” عبد الجواد يس ” في الإيمان باللَّه والأخلاق، وأن معنى الدين الحقيقي يتجلى من خلال الأخلاق وسمو الروح والحس الإنساني، وأن جماليات القيم العليا التي تستعذبها الروح هي التي تعبر بشكل حقيقي عن معنى الدين في ذاته. ↩︎
  8. [ البقرة : 159 ] . ↩︎
  9. نقلاً عن كتاب ( الدين المنقوص ) لفهمي هويدي – طبعة دار الشروق – الذي ناقش فيه كتاب ( مقدمة فقه الجاهلية المعاصرة ) وتناوله بالنقد والتحليل – فصل بعنوان ( فكر مرفوض ) صـ 225 وما بعدها. ↩︎
  10. يعتبر ” عبد الجواد يس ” هذه المرحلة من رحلته الفكرية منسوخة وفق المفهوم الإسلامي، ورغم أنها كذلك، إلا أنها مرحلة مهمة في قراءة وفهم مسار فكره وما طرأ عليه من تحولات.
    ↩︎
  11. مفهوم الجبر إسلامياً يعني عدم فاعلية الإنسان عن أفعاله سواءً في الخير أو في الشر، وأن ذلك يضاف إلى القدر، وكان هذا المفهوم قد برز خلال فترة الحكم الأموي، فاستخدمه الأمويين لتبرير جرائمهم ضد خصومهم السياسيين، ولتبرير وصولهم للحكم من خلال وسائلهم القمعية الدموية ضد آل بيت النبوه، حتى أن الحسين حفيد النبي ( ص ) المطالب بالخلافة وصفهم بأنهم قوم ” لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلوا حرام الله وحرموا  حلاله ”  ( جولد تسيهر – العقيدة والشريعة – طبعة مكتبة الأسرة 2014 – ص 84 ) . ↩︎
  12. شارك ” يس ” في الاحتجاجات الطلابية التي اجتاحت الجامعة خلال أحداث عام 1972 إيماناً منه بمفهوم الحرية، رغم أن هذا المعنى لم يكن حاضراً كعنوان للحركة الطلابية أو ضمن محركاتها آنذاك. ↩︎
  13.  كان ” كانط ” من خلال كتابه ” نقد العقل المحض ” معيناً لعبد الجواد يس فيما انتهى إليه من نتائج في شأن محدودية العقل في قضية الإيمان. ↩︎
  14. السلطة في الإسلام – العقل الفقهي السلفي – صـ 9 ، 17 – طبعة مؤمنون بلا حدود 2019.  ↩︎
  15. عُنيَ ” يس ” بتحديد مفهوم الإلزام ضبطاً لما يتم استنباطه من النص من أحكام وبياناً عما إذا كانت تقع داخل دائرة الإلزام أم أنها تقع داخل دائرة المباح، فقرر بأن الحكم الملزم هو الوارد على وجه الجزم داخل النص سواءً كان ذلك على سبيل الوجوب أو على سبيل الحرمة وفق المعنى الأصولي المعروف. 
    ↩︎
  16.  ينقل ” يس ” في شأن بيان دائرة المباح داخل النص عن قول ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام ” بأن قولهم : هذه مسألة لا نص فيها قول باطل وتدليس في الدين. لأن كل مالم يحرمه الله على لسان نبيه ( ص ) إلى أن مات فقد حلله بقوله ( خَلَقَ لَكُم مَّا فيِ الأَرضِ جَمِيعاً ) [ البقرة: 29 ]، وقوله ( وَقَد فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيكُم ) [ الأنعام: 119 ] . وكل مالم يؤمر به فلم يوجبه. وهذه ضرورة لا يمكن أن يقوم في عقل أحد غيرها “.
    ↩︎
  17.  استعرض ” يس ” في ” الدين والتدين ” كافة التشريعات التكليفية التي نطق بها النص وأصولها التاريخية، وكيف أن تلك التشريعات لم تكن سوى خيارات اجتماعية تبناها النص ودعا إليها. ووقف ” يس ” على أن بنية الديانة كانت قد تضخمت بفعل ممارسات التدين التي ألحقت بمنطوق النص، والتي اكتسبت وصف المطلق – داخل ذهن الديانة – بقرار المؤسسسة الدينية وفعل التاريخ.   ↩︎
  18. عبد الجواد ياسين – الدين والتديّن : التشريع والنصّ والاجتماع – التنوير 2014 – صـ 8 .
    ↩︎
  19.  يقرر ” يس ” بأن ” في العقل الديني التوحيدي، المطلق هو مصدر التصور، أي فاعله لا مفعوله، ومن ثم تتكون بنية اللاهوت تنزيلاً من الموضوع المتعالي إلى الذات، أما في العقل الوضعي، حيث المطلق فكرة تصدر عن التصور، فإن بنية اللاهوت تتكون تصعيداً من الذات إلى الموضوع المتعالي. في الحالتين التصور هو الذي يعطي المطلق كينونته المتعينة في الواقع، سواءً بإنتاجها ابتداءً حسب فرضية التصعيد، أو بإعادة إنتاجها أو تشكيلها في كيفيات أو صور متنوعة وملونة تفصيلياً بألوان الذوات   ( الفردية والجماعية ) حسب فرضية التنزيل. وهذا يعني أن المطلق، في هذه الفرضية الأخيرة، لا يظل مطلقاً بعد حضوره إلى الاجتماع، حيث يتحول بمجرد حضوره إلى لاهوت. عملية التحول تعني أن المطلق صار شقاً من بنية مركبة يختلط فيها الاجتماعي بالإلهي “. 
    ↩︎
  20.  يقول ” يس ” بأن الديانة التوحيدية لا تقبل بفكرة المقاربات المختلفة للحقيقة الكلية، ففي معنى هذه الفكرة أن الله لم يوح بما هو أكثر من وجوده الذاتي، وترك للطبائع البشرية المتنوعة والمتقلبة حرية التعبير عن تصوراتها المتفردة لله، أي ترك للبشر صناعة اللاهوت، ويوضح ” يس ” أن مقصوده بمصطلح ( اللاهوت ) في هذا السياق هو ” تصورات العقل الديني التفصيلية المتعددة حول المطلق ” وهو بذلك بمثابة فعل اجتماعي ( التصور ) يصدر عن الذات داخل العالم وإن كان موضوعه هو المطلق الكائن خارج الذات والعالم ( الله ).
    ↩︎
  21.  حاول ” يس ” تفكيك بنية العقل الديني لفرز ما هو اجتماعي عما هو إلهي، وذلك من خلال تحليل بنية اللاهوت وفقاً لمصادرات العقل الديني، الأمر الذي استلزم منه تعيين المطلق في ذاته، وهو ما لا يمكن الوقوف عليه مستقلاً عن التصور طالما أن حضور المطلق داخل العالم لا يتحقق إلا بالتصور.
    ↩︎
  22. حسب ” عبد الجواد يس ” فإن الإسلام على مستوى اللاهوت يدور في فلك التدين العبري ( أرضية التصور الإلهي – فكرة الوحي والنبوة – القضايا والمصطلحات – أجواء الحاكة التاريخية ) إلا أنه على مستوى الطقوس ظل يدور في فلك التدين العربي المحلي رغم خلفيته الوثنية الصريحة، فاعتمد بشكل مباشر منظومة الشعائر المتبعة حول الكعبة، وفرض الحج إليها كركن من أركانه، رابطاً بينها وبين منطوق اللاهوت ” ( اللاهوت – طبعة مؤمنون بلا حدود – ص 294 ).
    – ومن الملاحظ حسب المعطيات التي قدم لها ” عبد الجواد يس ” في ” اللاهوت ” بأن  النظام الطقوسي القرشي الذي تبناه الإسلام والذي يقوم على تعظيم الكعبة والحج إليها، فإن الرواية الإسلامية تحيل بناء الكعبة إلى إبراهيم وهو المعروف توراتياً بوصفه أول الأباء الذي تلقى وعد الذرية والأرض وإنشاء الشعب، ومن ثم فإنه حتى في النظام الطقوسي القرشي في جزء أصيل منه يتم رده إلى الأصل التوراتي، رغم خلو التوراة مما يشير إلى قيام إبراهيم وأبنه إسماعيل ببناء الكعبة داخل مكه. 
    ↩︎
  23. الإسلام لم يكن نقيضاً للجاهلية، إنما انطلق من نقاط بدء في بنية النظام الجاهلي، وهو ما أفرز في النهاية اللاهوت الإسلامي الذي تطور لاحقاً على يد الفرق الإسلامية. 
    ↩︎

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليق واحد

اترك رد

ندوات